فضولى خلف شمس المعارف
كنت بتفرج مؤخرًا على مسلسل رعب، وأثناء ما بتفرج، بدأت أفكر واسأل نفسي كام سؤال مهم جدا:
هو ليه دايما العفريت بيقف ورا الدولاب، أو بيسكن تحت السرير؟
يعني مين خايف من مين، وليه دايما محور معظم قصص الرعب حوالين الكهف الملعون والقصر المسكون واتنين شاي وواحد ينسون.
وده خلى الفضول عندي يشتغل، واني اشوف ليه فعلا معظم المسلسلات المصرية او حكايات الرعب فيها الخطوط دي كخطوط رئيسية مبتتغيرش، برغم اختلاف الخبكات الا ان الاساس واحد، وقررت اني ادور في العالم الآخر، بحثت كتير فوصلت للإجابة:
"شمس المعارف"..
بصراحة مجرد ما بسمع الاسم بس بخاف، وبقيت ما بين الخوف من دخول العالم ده، وما بين الشغف بإني الاقي اجابات للأسئلة العجيبة اللي في دماغي...
هو بجد ليه العفريت بيقف ورا الدولاب؟
وفي يوم ماشي ناحية سور الأزبكية، لقيت كشك لبيع الكتب قديم ومتهالك، وقاعد على بابه راجل عجوز لابس جاكت كبير وآيس كاب يرجع للقرون الوسطى، لابس نضارة انا متإكد انه مش شايف من وراها حاجة، ماسك في ايده كباية شاي وفي الايد التانية سيجارة سوبر محلية الصنع، وبيشربها بشراها كإنها آخر سيجارة في العالم.
قربت منه، وقولتله السلام عليكم..
بص لي بنظرة غريبة كده، ولف وشه تاني وبأحد اصابعه شغل الراديو على صوت اغنية لأم كلثوم وكإني شفاف.
قولتله: يا حاج لو سمحت بسأل على كتاب شمس المعارف..
فبص لي بنفس النظرة وهو بيقولي بقرف:
عندك هناك اهو، خده وامشي ومتعكننش مزاجي..
طيب بكام؟..
اللي تدفعه، واخلص بقى..
لفيت للمكان اللي شاورلي عليه بطرف عينه، واخدت الكتاب ولفيت تاني خرجت ١٠٠جنيه وادتهاله، اخدها من غير ما يبص فيها وحطها في جيبه..
سيبته ولفيت وشي وقولت امشي احسن لان لو قولتله هات الباقي مثلا ممكن يطفي السيجارة في عيني..
ووقفني صوته وهو بيقول:
يمكن الفلوس دي تبقى تمن موتك..
لفيت بسرعة عشان ارد عليه ملقتوش.
اختفى!!، اللي كان قاعد لما لفيت شاب في سني تقريبا، وكان بيتكلم في التليفون!!!..
سألته بسرعة عن الراجل الكبير اللي كان هنا، ووصفتهوله..
فبص للكتاب في ايدي، وبدأت ملامحه تبقى شاحبة وقالي بخوف:
روح لحال سبيلك، مفيش حد هنا بالمواصفات دي..
كانت نبرة صوته فيها تهديد، حسيت انه ممكن يخبطني بأي حاجة في وشي، خدت بعض من سكات من غير ما انطق حرف زيادة ومشيت وانا شايل في ايدي الكتاب، كنت طول ما انا ماشي في طريقي للبيت كل شخص عينه تقع على الكتاب يبص لي بخوف وزعر، لحد ما وصلت للبيت، وساعتها اول ما قربت من باب العمارة ومن مسافة مش بعيدة ومش قريبة لمحت واحد واقف على باب العمارة، ولما دققت النظر لقيته هو هو الراجل اللي اشتريت منه الكتاب، لقيت نفسي بمد خطوتي في اتجاهه وبسرع مشيتي فلما قربت منه دخل العمارة، جريت عشان ألحقه واول ما دخلت العمارة اختفى.
خدت السلم كله جري من الخوف لحد ما وصلت لباب شقتي، فتحت ودخلت وانا بنهج ومش قادر اخد نفسي، زميلت بجسمي وسندت بايدي على مخدع كرسي الصالون، ووقفت اخد نفسي بعد ما رميت الكتاب على الكرسي، وسمعت صوت جاي من اوضتي كإن حد ماشي، ولما انتبهت لمصدر الصوت لقيت خيال عدي في اوضتي واختفى.
دخلت اوضتي بسرعة، وانا مش عارف ايه بيدفعني لكده، انا عارف ان ده مش طبيعي ابدا، وان الخيال ده اختفى، فأكيد لما اروح وراه مش هلاقي لكني تتبعته برضو، وكانت حاجة اكبر مني بتحركني وانا مش متحكم في نفسي، ولما دخلت الاوضة لقيت الكتاب على السرير، فضلت واقف لثواني مستغرب الموقف، وبعدها جريت على بره تاني عشان الاقي الكتاب فعلا اختفى من على الكرسي وانا واقف مستغرب ونظري حيران بين الكرسي وبين السرير اللي عليه الكتاب متحركش من مكانه.
رجعت تاني لأوضتي، وقفلت الباب كويس، وقربت من السرير وقعدت وفتحت الكتاب وانا مش عارف ليه بعمل كده، الموضوع كان مجرد فضول الاقي اجابات بسيطة لاسئلة هزلية، انما الأمر كله اتحول لجد وخوف وتوتر وقل.
فتحت اول صفحة من الكتاب، بأصابع بتترعش، وخفقان في القلب من الرهبة والخوف، وكانت رسمة لعين كبيرة تتوسط نجمة خماسية الشكل ومكتوب تحتها" تحضير"..
قلبت الصفحة عشان تبدأ اولى صفحات الكتابة، وبدأت اقرأ، مع كل حرف كنت بنطقه كنت بحس ان الاوضة بتتهز بيا، في حاجة كانت غريبة بتحصل وبتجبرني اكمل قراءة، لحد ما انتهيت من قراءة اول صفحة، ساعتها حسيت ان فيه شخص معايا فعلا في الأوضة، حاسس بنفسه معايا وجمبي، وفجأة انتضفت وقومت من على السرير لما حسيت بإيد حد لمسة كتفي.
جسمي بيرتعش بطريقة هسترية ومش قادر اسيطر عليه نهائي، واقف باصص للكتاب اللي اتقفل لوحده، وحسيت بصوت خربشة جاي من ورايا، وفجأة الدنيا ضلمت فأفتكرت النور قطع، فجريت وانا خايف عشان افتح الباب واخرج بره اوضتي، حاولت افتح الباب لكنه متفتحش، كان مقفول بمفتاح، برغم انه ملوش مفتاح.
ولمحت ضوء جاي من تحت عقب الباب!!، ففهمت ان النور مقطعش وان الكهرباء فصلت في اوضتي بس، قولت لنفسي اكيد اللمبة اتحرقت ولا حاجة، حاولت افتح الباب تاني لكنه برضو متفتحش، جيت ازعق وانادي على حد من بره فلقيت صوت بيقولي: " اسكت متزعقش"..
كان جاي من جبني، التفت بسرعة لزاوية الاوضة وبرغم ان الدنيا ضلمة الا ان شعاع النزر الطفيف كان عامل نور خافت جدا، ولقيت خيال اسود ملتصق بزاوية الأوضة، وكل اللي ظاهر منه عنين لونها احمر، ونن عينه كان اصفر.
فضلت اصرخ واحاول اني افتح الباب بكل قوتي، فسمعت هو هو الصوت جاي من عند السرير بيقولي:
"متحاولش، محدش هيسمعك، ولا الباب هيفتح".
وقفت متحركتش، سكون تام امتلكني لثواني، وبعدين قررت التفت اشوف الصوت ده عبارة عن ايه، ولما لفيت لقيت واحد قاعد على السرير.
سألته:
_ انت مين؟
- هو ايه اللي انا مين؟
_ أيوه انت مين؟
- يا ابني مش انت كنت بتقرأ كتاب رعب؟
_ أيوه..
- وفيه طلاسم ورسومات تحضير.
_ ايوه..
- جتك أوه يا بعيد، لما كل ده يحصل يبقى الناتج عنه الشيف الشربيني يعني؟!، اكيد جن يا حمادة، انا جن واسمي سمير..
_ سمير؟
- هو ده الغريب في الموضوع يعني، وايه ريآكشن سعد الصغير اللي انت واخده ده؟
هو انا مستغرب من حاجة تانية بصراحة..
- ايه هي؟
اني لسه خايف منك، برغم ان اسمك سمير ولابس فانلة حملات يعني..
- ما انت لازم يا ابني تخاف، مش انا ظهرت فجأة، وضلمة وعنين حمرا وبتاع، فلازم تخاف، ده انا ذات نفسي خوفت..
وانت عايز ايه مني؟!
- انت اللي فضولك خدك تلاقي اجابات لبعض الأسئلة، روحت وسعيت انك تلاقي كتاب معين، واحنا ببيبقى لينا زي مراقبين كده مع الناس الفضوليين زيك، وبنحاول نهيأ لهم الجو عشان يوصلوا لهدفهم..
يعني انت اللي اتديتني الكتاب وتقمصت الراجل العجوز؟!..
- ايوه انا، ايه رأيك انفع عفريت؟..
بس انا عايزك تنصرف، ومش عايز اي اجابات نهائي لاي اسئلة..
اول ما قولت له كده، اتحول، وبدأت الاوضة تتهز وهو بيقول بصوت مرعب:
مش بمزاجكك تبدا لعبة وتنهيها وقت ما تحب، البداية عليك ممكن، انما النهاية دي بتاعتنا احنا، فاهم يا "عمرو"...
ساعتها حسيت حجم المصيبة اللي انا حطيت نفسي فيها، وان الحوار الكوميدي اللي حصل ده ما هو الا بداية لكارثة كبيرة انا بقيت داخلها..
وقولتله: ايه المطلوب مني اعمله؟!، بس تمشي ان نفذته..
- المطلوب بسيط اوي يا عمرو، متقلقش، انت بس هتنفذ اللي نقولك عليه، يعني في كام من صحابك كده عايشين في جو كآبة وقافلين على نفسهم هتنصحهم يشوفوا الدنيا، وانت كمان حقك تشوف الدنيا، وانا ممكن اقولك رمز الخزنة بتاعت الشغل عندك، تفتحها تاخدلك قرشين تعيش بيهم يومين، تقضي سهرة لطيفة وجميلة، انا هعيشك اللي عمرك ما عيشته..
الباب خبطت مرة واحدة، واتفتح، النور اشتغل وهو اختفى كل ده في لحظة واحدة ولقيت امي بتقولي:
ايه ده انت صاحي؟! انا بحسبك لسه نايم، انا عملتلك الشاي عشان تصحصح وتروح شغلك وسابت الشاي وخرجت!!!..
بصيت للسرير مرة تانية وملقتش الكتاب!! اختفى!!!..
مكنتش مدرك اللي حصل وشوفته وعشته، هل دي تخاريف ناتجة عن مشاهدتي للمسلسل، ولا حقيقة خدني لها فضولي؟!!!..
لبست هدومي وشربت الشاي ونزلت للشغل واول حاجة عملتها اني روحت لسور الأزبكية، ولنفس المكان اللي اخدت منه الكتاب، ولقيت نفس الشاب قاعد فرميت عليه السلام، فرد بتلقائية عليا السلام وبص لي وهو بيقولي: تحت امرك بتدور على حاجة معينة؟!..
كنت متخيل انه هيعرفني ويفتكرتي، لكن من الواضح انه فعلا اول مرة يشوفني، بس انا عارفه ومش اول لقاء بينا...
فسألته عن الراجل العجوز، ورد ببساطة ان مفيش حد بالمواصفات دي نهائي، فشكرته وسبته ومشيت فنده عليا ووقفني وقرب مني وقال:
لو الفضول واخدك عشان تروح لنقطة معينة بعيدة عن ادراكك، نصيحة مني بلاش، ومتستغربش من كلامي، برغم اننا في سن بعض تقريبا، واني عندي ٢٣ سنة الا اني شوفت وعيشت كتير جدا، وورد عليا ناس كتير فضولها خدها زيك وجت تدور على اللي انت بتفكر تدور عليه، احمد ربنا انه بين لك الحقيقة، غيرك اتاخدك في سكة اللي يروح ميرجعش، اللي اتجنن، واللي مات، واللي محدش يعرف راح فين !!..
يمكن لان لسه جواك حاجة بتحجمهم يدخلولك، يمكن لأنك قادر تيسطر على هوى نفسك رغم عصيانها المستمر، شايف في عنيك مليون سؤال، بس مش كل الأسئلة ليها اجابات منطقية، كل اللي ينفع نستفاده من شئ غريب حصلنا ملوش تفسير اننا نعرف ان نفسنا اكبر عدو لينا، وهي مدخل الشيطان الآمن، امشي وانسى ومتدورش تاني وان جيت هنا تاني تعالى عشان تقرأ وتستفاد مش عشان تدور في المجهول اللي مينفعش تعرفه...
تمت..