سيرتا المدينة الأسطورية الآسرة.
نبذة تاريخية عن المدينة :
سيرتا مدينة الصخر العتيق،لوحة بديعة على أسوار التاريخ،تسحر الناظر إليها بجمالها الخلاب.
واحدة من أعرق و أبهى مدن العالم ..إنها المدينة التي استهوت الجميع فأضحت مرتعا لتمازج عدة حضارات: النوميدية ،الفينيقية،الرومانية،البيزنطية و الإسلامية.
قسنطينة… إنها الفريدة من نوعها ولا تضاهيها أي مدينة في العالم من حيث موقعها و منظرها البديع فقد بنيت على صخرتين ثابتين مرتفعتين و مربوطتين بثمانية جسور معلقة لذلك أطلق عليها مدينة الجسور المعلقة.
تعاقب على حكمها ملوك أشهرهم ماسينيسا ،ملك نوميديا الذي اتخذها عاصمة له وفي العهد الإسلامي انتقلت المدينة لحكم الدولة الحفصية التي كان مقرها بتونس و في فترة الهيمنة العثمانية كانت عاصمة بيلك الشرق.
عرفت المدينة ازدهارا كبيرا في عهد الحاكم العثماني صالح باي الذي أسس عدة مبان مازالت شاهدة لحد الآن على جمال تلك الحقبة التاريخية ،و أهم هذه المباني جامعة و مدرسة الكتانية و المدرسة الجميلة سيدي لخضر و المنزل الخاص بها ،توافد إليها الباحثون من كل حدب و صوب للنهل من معارفها …إنها منارة الفكر و التاريخ على مر العصور و مدينة العلم و العلماء.
قسنطينة عش النسر الذي أرهق الغزاة و قهرهم ،كانت المدينة مطمعا للمحتلين و خاصة فرنسا فقد زحف الجيش الفرنسي باتجاهها و لكنه تهاوى على أعتابها. و تمكن أهلها من حمايتها بقيادة أحمد باي آخر بايات الدولة العثمانية.
استمرت الاقتحامات سبع سنوات متتالية إلى أن هوت المدينة سنة 1837م بعد مقاومة عسكرية شرسة بل ملحمة تاريخية أضحت الناس بعدها بلاطا يمشي عليه الفرنسيون.
أرادت فرنسا أن تقتلع جذور الثقافة العربية وقضت على مقوماتها و منها التعليم باللغة العربية و صادرت المساجد و حولتها الى اسطبلات للخيول .
خلال هذه الفترة ظهر الشيخ عبد الحميد بن باديس باعث النهضة و مؤسس جمعية العلماء المسلمين. كان رمزا في المقاومة و التصدي و أنشأ جيلا أشعل الثورة في كل أرجاء الوطن .
ثورة الفاتح من نوفمبر فاتحة الحياة و قسنطينة كعادتها بؤرة للمقاومة و الجهاد ضحى أبناؤها بالنفس
و النفيس من أجل نيل الاستقلال و طرد المستعمر .
ظهرت أيضا ثورة فكرية خلال هذه الفترة و من أشهر أدباء المدينة الذين قاومو ا الاستعمار بقلمهم ..كاتب ياسين ملهم الثوار و كذا مالك حداد الذي قال :لا حياة بلا حرية و إن الثورة فاتحة الحياة .
لايمكن للإبداع أن ينطفأ في هذه المدينة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ …مدينة على أبوابها دونت حكايات بطولات و تضحيات ترويها الأجيال و في سماءها تلألأت نجوم سناؤها ساطع يذهل الأبصار،الراحلون فيها أبدا لا يرحلون فهم دوما في الأذهان عالقون و بمجدهم حاضرون .حقا إنها مدينة ساحرة تستحق الزيارة .
رحلة مجانية إلى قلب المدينة :
جهز نفسك عزيزي القارئ و استعد لهذه الرحلة الشيقة التي سنأخذك فيها بين هذه الأسطر إلى قلب المدينة الرائعة.
تحتوي سيرتا على العديد من الأماكن السياحية و المعالم الأثرية التي لازالت تشهد على عراقة المنطقة ،فبإمكانك أن تعانق ببصرك تلك الجسور المرتفعة أو تسير فوقها
في تجربة مليئة بالحماس و التمتع برؤية هذا الكنز المعماري و هذه المشاهد التي لا يمكن أن تنساها و إليك أسماء هذه الجسور :
جسر باب القنطرة -جسر سيدي راشد-جسر سيدي مسيد-جسر الشلالات- جسر ملاح سليمان أو كما يطلق عليه جسر المصعد -جسر الشيطان -جسر صالح باي .
ويعد جسر صالح باي أو كما يسمى جسر الاستقلال أكبر
و أضخم هذه الجسور
و أعظم إنجازات الجزائر منذ الاستقلال.
قصر أحمد باي:جوهرة قسنطينة المعمارية وهو لا يزال شاهدا على رقي فن العمارة العثماني.
مسجد الأمير عبد القادر:
يقع المسجد في قلب المدينة و يضم جامعة العلوم الإسلامية وقد تداول عليه علماء أجلاء كالشيخ محمد الغزالي و الشيخ يوسف القرضاوي ..
كما يوجد في المنطقة العديد من الآثار و المبان القديمة و الأضرحة مثل ضريح ماسينيسا.
وإذا أردت التبضع فعليك بأسواق المدينة التي تفتح لك عبر أزقتها الضيقة أبوابا على التاريخ و أشهرها سوق
العاصر و هو أحد أعرق الأسواق في المدينة .
ثم ننتقل بعدها إلى زنقة النحاسين و هو حي يروي عشق القسنطينيين لحرفة النقش على النحاس ،ستجوب تلك الشوارع مستمتعا بتلك التحف الفنية و رائحة ماء الورد المقطر بأيادي حرائر المدينة تنتشر في المكان .
أثناء جولتك ستصادف محلات بيع الألبسة التقليدية وورشات الطرز التقليدي
و ستنبهر بجمال الجبة القسنطينية أو كما يطلق عليها قندورة الفرقاني و هي لباس ملكي يزيد المرأة القسنطينية جمالا .
و إذا نال منك التعب و الجوع فستكون وجهتنا إلى مطاعم الوجبات التقليدية لتتذوق الشخشوخة
القسنطينية و الرفيس و التريدة و يا لها من أطباق لذيذة .
أثناترافقك أثناء الأكل موسيقى المالوف القسنطينية و هو فن أندلسي قديم يصارع الزوال و يعتبر محمد الطاهر فرقاني سلطان المالوف القسنطيني و عميد الموسيقى الأندلسية.
أتمنى عزيزي القارئ أنك استمتعت بصحبتنا في هذه الجولة السريعة .و نتمنى أن تكون لك زيارة حقيقية لهذه المدينة الخلابة المضيافة لتكتشفها أكثر و تغوص في تاريخها العميق .