بلاد ما بين النهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
في ربوع بلاد ما بين النهرين، بين دجلة والفرات، تنبض حضارة عريقة امتدت على مدى آلاف السنين. هذه الأرض الخصبة، المعروفة باسم "الهلال الخصيب"، شهدت ظهور أولى الحضارات البشرية المنظمة في التاريخ.بدأت قصة هذه الحضارة منذ آلاف السنين، عندما استقر البشر في تلك المنطقة وبدأوا بممارسة الزراعة والرعي. تطورت مهارات هؤلاء الناس وأفكارهم، وبدأوا بتنظيم حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ظهرت المدن الأولى، والكتابة، والأنظمة القانونية والدينية المنظمة.أبرز هذه الحضارات كانت حضارة وادي الرافدين، التي اشتهرت ببلاد سومر وأكاد وبابل وآشور. هؤلاء الناس طوروا أنظمة زراعية متقدمة، واخترعوا العجلة والكتابة المسمارية، وأنشأوا مدناً عظيمة كان لها تأثير كبير على المنطقة والعالم المعروف آنذاك.لقد صنع هؤلاء الناس حضارة عظيمة بأيديهم وبعقولهم. استطاعوا تأسيس أول مجتمعات منظمة في التاريخ البشري، وأولى الإمبراطوريات المنظمة. كما أنهم طوروا أول أنظمة قانونية وأول أشكال للحكم السياسي. لقد كانوا رواد الفنون والعلوم والتقنيات في ذلك الوقت.بيد أن هذه الحضارة لم تكن دائمة. عانت من الحروب والصراعات والغزوات التي أضعفت وأفقرت تلك الشعوب على مر السنين. وفي النهاية، خضعت بلاد ما بين النهرين لسيطرة الحضارات الأخرى المجاورة، مثل الفرس والإغريق والرومان.ولكن بصمات هذه الحضارة العظيمة لا تزال باقية حتى يومنا هذا. فالكثير من منجزاتها العلمية والتقنية والثقافية استمرت وأثرت على مسار الحضارة البشرية. كما أن لغاتها ومعتقداتها ومعماريها قد ترك بصمات واضحة على المنطقة والعالم المعاصر.إن قصة حضارة وادي الرافدين هي قصة نهوض البشر وتطورهم ومحاولاتهم الدائمة لبناء مجتمعات أكثر تقدماً وازدهاراً. وبالرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهتهم، فقد نجحوا في ترك إرث عظيم للإنسانية جمعاء.
في قلب حضارة بلاد ما بين النهرين، تقع واحدة من عجائب الدنيا السبع القديمة، وهي حديقة بابل المعلقة. هذه الحديقة الأسطورية كانت إحدى أروع الإنجازات الهندسية والمعمارية في تاريخ البشرية.الحديقة المعلقة كانت جزءًا من قصر نبوخذ نصر الثاني، ملك بابل في القرن السادس قبل الميلاد. وقد أُنشئت هذه الحديقة لزوجته الميدية شمراميس، التي كانت تشتاق إلى المناظر الطبيعية الخضراء من ديارها الأصلية.لإنشاء هذه الحديقة المعلقة، قام المهندسون ببناء طبقات من الأرض والنباتات على هياكل من الطوب والخشب والبرونز. وكانت هناك نظام أنابيب مائي معقد لري النباتات والأشجار المزروعة في المستويات المختلفة.يقال إن الحديقة كانت تضم أشجار وأزهار نادرة من مختلف أنحاء الإمبراطورية البابلية. وقد تم ترتيب هذه النباتات بعناية فائقة لخلق مناظر طبيعية خلابة على جدران القصر الضخمة.إن ما يميز هذه الحديقة هو أنها كانت معلقة على هياكل ضخمة، مما أعطاها إحساسًا بالارتفاع والهيبة. وقد تم بناؤها على مستويات متعددة.للأسف، لم يبق من هذه الحديقة الأسطورية سوى الأسطورة نفسها. فقد دمرت الحديقة مع سقوط حضارة بابل في القرن السادس قبل الميلاد. ولكن بقيت صورتها الخلابة محفورة في خيال البشرية كواحدة من أعظم الإنجازات الهندسية والفنية في التاريخ.