حكاية امرأة في الدولاب

حكاية امرأة في الدولاب

0 المراجعات

حكاية امرأة في الدولاب

من روايات الرّعب والتشويق

الرّوح الحائرة ( الحلقة 1 ) 

لم يستطع أحد تفسير ما حدث في هذه القصة التي وقعت لمرأة من مصر إسمها حنان زين كانت تعيش في الإسماعيلية مع زوجها إبراهيم الذي يشتغل ممرّضا في المستشفى ،وبعد أن كانا يقيمان مع مع أسرته الكثيرة العدد انتقل الزّوجان إلى السّكن في شقّة وسط عمارة قديمة إشترياها بعد أن باعت حنان قطعة أرض .كانت الشقّة صغيرة ،ولمّا دخلا إليها وجدا الأثاث كما هو لم يمسّه أحد منذ أن ماتت الأرملة التي كانت تسكن هناك ،وبما أنّه ليس لها أهل، فقد باعتها البلديّة بالمزاد العلني بما فيها بعد أن بقيت مغلقة لمدة طويلة،لم تشأ حنان تغيير الأثاث، واكتفت بتنظيف الشّقة ،وإزالة الغبار الذي كان متراكما فيها ،وفي جميع الحالات لم يكن لهما المال الكافي ،فهي كانت في البيت وتشتغل خياطة ،أما زوجها فمرتّبه كان على قدّ الحال ،وأعطاها اخوها موقدا بالغاز لتطبخ عليه ،وعددا من الصّحون والأواني .

ورغم أنّ الشقّة كانت تبدو كئيبة، ونوافذها تطلّ على على ساحة صغيرة وسط العمارة، إلا أنّّ حنان كانت تحسّ بالرّضى ،على الأقلّ تشعر براحتها بعد أن عانت سنتين مع أهل زوجها . ولم يمض وقت طويل حتى وضعت طفلها الأوّل ممدوح ، وجعلت له فراشا صغيرا بجانبها، أمّا الحجرة المجاورة ،فكانوا يستعملونها قاعة جلوس ،مضت الأيّام وكبر الصبي حتى صار عمره عامان ،ولا حظت أمّه أنّه ينظر دائما باتّجاه الدّولاب الموجود في في غرفة النوم ،وفي البداية لم تهتم بذلك ،لكنها بدأت تشعر بالقلق فلقد صار ممدوح يستيقظ وسط الليل ويبكي بشدّة ،فتنهض كل مرّة ،وتضعه في حضنها حتى يهدأ وينام ،ولم يعد زوجهها إبراهيم  يقدر على النوم في الليل بسبب بكاء الصبي الذي لم يعرف أحد سببه ،فطول النهار يبدو بصحة جيّدة  يلعب ويأكل ،لكن في الليل يحصل شيئ يجعله لا يكفّ عن البكاء .

وبدأت حنان ترتاب في الدولاب الذي في غرفتها ، وكثيرا من المرّات تجده مفتوحا على مصراعيه،فزحزحته من مكانه، ونظرت خلف الحائط ،وتحته، لكن لم يكن هناك شيئ غير عادي ،ومرة بقيت ساهرة طوال الليل،وكانت الأمور عادية ،وهو ما زاد في حيرتها ،فلماذا يبكي ممدوح كلّما دقّت السّاعة منتصف الليل ؟ وفي الأخير أحضر إبراهيم شيخا قرأ القرآن في غرفة نومه ،وهدأ الوضع قليلا لكن حين صار الصّبي قادرا على النطق أخبر أمه أن  باب الدولاب تنفتح كل ليلة وتخرج امرأة شاحبة الوجه، وفي البداية كانت تنظر إليه بعينيها الحزينتين وتمد إليه يديها لكن بعد ذلك بدأت تقترب منه شيئا فشيئا ،وكان يخاف منها لكنّه بمرور الأيام تعّود على وجودها فهي لا تبدو شريرة  ،وبالطبع فحنان لم تكن تصدّق إبنها رغم أنّه روى لها كثيرا من التفاصيل التي تتعجب منها فمن أين جاء بكلّ تلك الحكايات ،

ولما حملته إلى الطبيب قال لها أنّ الأطفال الذين يعيشون في أماكن مغلقة تكون لهم مخيلة واسعة تبحر بهم بعيدا ،ونصحها بأن تخرجه معها كل يوم إلى المدينة على الأقل ساعتين في اليوم ،وتستدعي دائما أهلها وأقاربها حتى ينسى الطفل عالمه الخيالي ،فصارت تفعل ذلك كل يوم ورغم أن الطفل إبتهج بالخروج واللعب خار الشقة ورؤية أطفال في مثل سنه إلا أنه لم يكفّ عن رواية تلك الحكاية ،ورويدا رويدا أصبحت جزءا صغيرا من حديثه بعد أن أصبح له أصدقاء في الحي يخرج كل صباح للعب معهم ،وكان يبدو عليه السّرور وفي الليل ينام جيدا .

ظنت حنان أن الطبيب كان على حق وأن كل شيئ قد إنتهى لكنها كانت مخطئة ،فبما أنّ ممدوح قد صار عمره خمسة سنوات فلقد نقلت فراشه إلى ركن في الحجرة المجاورة ،وصارت المرأة الغريبة تخرج من الدولاب ليلا مثلما تعودت أن تفعل ثم تذهب إلى الصّبي وهي تجرّ ذيل ثوبها الأبيض الشفاف ،وتمسح على رأسه وشعره ،ودمعتين كبيرتين تترقرقان في  عينيها ،ثم تتسلل عائدة إلى مكانها أما ممدوح فينام ملء عينيه وهو يعلم أن هناك من يسليهّ في الليل فلقد كان يكره الظلام . 

... 


حكاية امرأة في الدولاب

 من روايات الرّعب والتشويق

 رجوع الطفل من الموت ( الحلقة 2 ) 

 كان ممدوح يحب اللعب في الزقاق وذات يوم جاءت سيارة مسرعة وصدمته ،فوقع على الأرض والدماء تنزف منه بغزارة ،ولما جاء الإسعاف وحمله للمستشفى كان في غيبوبة، ولطمت حنان وجهها ،ومزّقت ثيابها ،أمّا أبوه فكان ينظر، ولا يقدر على الكلام من هول الصّدمة ،وقال الأطباء ،لو أفاق ممدوح فستكون معجزة ،وليس بإمكانهم فعل شيئ ،بقيت حنان طريحة الفراش ثلاثة أيام ،وفي اليوم الرابع تلقت إتّصالا من المستشفى يخبرها فيه أن إبنها قد إستيقظ لكنه يهذي بحكاية غريبة وطلبوا منها المجيئ ،فأتت على عجل ،ولمّا رأت ممدوح جالسا على فراشه تعجّبت، فهو يبدو في صحّة جيّدة رغم الضمادات التي تغطّي رأسه .

لمّا سألته على حاله قال لها إنه رأى في حلمه الشقة التي يسكنونها ،وهي أكثر جمالا ونظافة من الآن، والنّوافذ والأبواب جديدة ،أمّا المرأة التي تأتيه فقد ذهب عنها الجزن ،ووجهها صار مشرقا ،وقالت لي أنّي سآتي للعيش معها ،فأهلي لا يعرفون كيف يعتنون بي !!! ضمّته أمّه إلى صدرها بقوّة وقالت: مكانك بجانبنا يا بني ،وأعدك أن ما حصل لن يتكرّر مرة أخرى،وسألت الطبيب إن كان إبنها يستطيع الرّجوع معها ،فحكّ رأسه، وأجاب: أعترف أنّ هذا الأمر لم يحدث  أمامي من قبل ،لكن نتيجة الفحوصات ،وصور الأشعة أثبتت أنه لا يعاني من شيئ ،وكأنّه عاد للحياة من جديد، الطب ليس له تفسير،ولكن ربّك كريم . 

صارت حنان أكثر عناية بالطفل بعد أن شارف على الموت ،ولا تتركه يبتعد كثيرا عنها لكن لاحظت حدوث أشياء غريبة فأحيانا يختفي ممدوح ثم يظهر فجأة وحين تسأله أين يذهب لا يجيبها ،وفي بعض الأحيان يمشي في الليل دون حاجة إلى نور كأن هناك من يقوده في الظلام ،وفي يوم من الأيام ركض خلفه كلب الجيران، وما إن هرولت والدته لتنقذه وجدت الكلب يقف مذعورا ويتراجع ببطء للخلف وكان ينظر ناحية ابنها بخوف ، وتكررت هذه الحوادث الغريبة حتى قلقت عليه والدته ،أحسّت أن هناك أمرا غير عادي ،وكلّ ذلك بدأ مباشرة بعد خروجه من المستشفى،وبعد هذا اليوم لم يعد إبنها كما كان ،وكل يوم يزداد غرابة .

حينها قررت والدته أن تلجأ للطبيب النفسي الذي رأى ابنها المرة الأولى ،وصارحته بمخاوفها، وبكل ما يحدث لممدوح من أمور غريبة لا تصدق لولا أن رأتها بعينيها ،وبالفعل سرد الطفل ما يحدث معه بسبب المرأة التي تزوره ليل نهار وتريد أن تأخذه معها  قطّب الطبيب جبينه و،طلب من الطفل أن يرسم شكلها، فذعر من الصورة التي قدمها له فهي شديدة الإتقان رغم صغر سنه، كانت صورة لامرأة ترتدي ثوبا أبيض طويلا من موضة الخمسينات وفي يدها دمية ،وهناك بقعة دم على صدرها، قال الطبيب ،لا أدري من هذه المرأة لكن الواضح من هيئتها أنّها مريضة بالسلّ،ولم تعش كثيرا ،شيئ آخر ،هي تشتاق أن تكون أمّا .

ضربت حنان كفّا بكفّ، وأجابت :كنت أعرف أن هناك شيئا غير عادي في الشقة، ففي بعض الأحيان أسمع سعالا  وأنينا في غرفى نومي ،وكنت أظنّه زوجي حتى اليوم الذي بقي فيه في المستشفى طول الليل ،وهنا تأكّدت أنه ليس هو ،لكني لم أخبره لكي لا يسخر مني !!! قال الطبيب : كل شيئ له تفسير عقلاني قد يكون إبنك رأى هذه المرأة في التيليفزيون أو في مجلة ،وأحدثت له نوعا من الصدمة فصار يتخيل وجودها ، وطلب منها أن تأتيه مجددا ليجري عليه بعض الفحوصات والاختبارات قبل أن يحرر له الدواء؛ اتصلت والدة الطفل على شقيقتها لتقص عليها آلامها ربما تستريح بعض الشيء، ولكن لشقيقتها كان رأي آخر فأرسلتها إليها لشيخ معروف بابطاله للسّحر ،وإخراج الجان .

 ... 


حكاية امرأة في الدولاب 

من روايات الرّعب والتشويق 

المرأة ترحل بالطفل ( الحلقة 3 والأخيرة  ) 

عندما وصلت حنان إلى دار الشيخ تعجّبت منها  فقد كانت ترسم في مخيّلتها شيئا آخر مخيفا ومفزعا،، ولكنّها وجدتها دارا على أحدث طراز، وبعد الكثير من التحديق في الطفل سأل العراف المرأة سؤالا واحدا: “هل إحتفظت بقطع أثاث على ملك صاحب الشقة القديم ؟ فتحت المرأة فمها من الدهشة ،وردت نعم، وهي تظهر قرب دولاب غرفة نومها !!! هل ذلك يفسّر ما يحدث لنا ؟ قال العراف : إذا كانت الرّوح معذّبة فإنها تبقى في المكان الذي ماتت فيه ،وتعتبر أن كل ما فيه ملكا لها ،لقد ماتت لتك المرأة وهي حامل في شهورها الأولى وهي تعرّضت للإغتصاب من أحد أفراد عائلتها منذ أن كانت صغيرة، وصارت تختفي في الدولاب حتى بعد أن كبرت لأنها هناك تحس بالأمان وحيث لا يجدها ذلك الشخص البغيض .

صمت العراف برهة ثم قال : ولما سمعت بكاء ممدوح ،خرجت وهي تظن أنه إبنها  التي ماتت بالسّل وهي حامل به لكنهما كانا من عالمين مختلفين ،يريان بعضهما لكن لا يمكن لأحد منهما لمس الآخر ،لكن لمّا إقترب إبنك  من الموت  ثمّ أفاق من غيبوبته إنفتح أمامه الممرّ الذي يأدّي للعالم الآخر والأرواح تعتبره منها لذلك فهي تكلّمه ،وهو يسمعها ،ويناديها وذلك ما يفسّر سلوكه الغريب ،سألت الأم بلهفة هل هناك شيئ أقدر أن أفعله، وأبعد تلك المرأة  عنه؟  أجاب :الحل أن تتركوا الشّقة وما فيها لا يجب أن تحسّ الرّوح أنكم غادرتم المكان ،وإلا فقد يلحق الطّفل مكروه .

حينما غادرت حنان منزل الشيخ كانت تشعر بالحيرة ،فكيف ستترك شقتها التي دفعت فيها كل ما تملك ؟ وأين ستذهب مع زوجها ،مستحيل أن تفكّر في الرّجوع إلى دار أهله فهم يكرهونها لأنها ليست من عائلتهم .قرّرت الأمّ أن تخفي ما سمعته عن زوجها إبراهيم ،فهي تعرف أنّه سيشجعها على الرّجوع للغرفة التي كانا يعيشان  فيها ،وقرّرت أن تحيا مع صغيرها حياة طبيعية، وعادت للطبيب مجدّدا ليتابع حالة ممدوح ،وأقنعت نفسها أنه لا يوجد ما يستوجب القلق فالمرأة حبيسة الدولاب ، وهي على هذه الحال منذ سنوات طويلة ،لذلك فلن يحصل شيئ ،فقط عليها أن تتعوّد على هذه الحياة  ،وتكثر من الاهتمام بممدوح ،لكن كل ذلك لم يبعد عن نفسها إحساسا مبهما أن شيئا ما سيحدث ،فالطفل صار غريب الأطوار،ويحكي لها أنه يرى أشخاصا في الليل ومن بينهم واحد قال له أنه حسنين الدامردش ،وهو أشيب الشعر فارع الطول ،وشهقت حنان فذلك الرجل أبوها وقد مات منذ عشرة سنوات وقبل زواجها من إبراهيم ،فكيف عرفه ممدوح ولم يره في حياته ،وكان ذلك يزيد في توتّرها . 

وبالفعل في ليلة من الليالي بينما كانت نائمة بجوار ابنها في غرفتها وزوجها غائب، إذا بها تشعر بأيدي صغيرة توقظها، فتحت عينيها لتجده بابتسامة لطيفة على  وجه ممدوح يودعها، فسألته: “أين تريد أن تذهب يا حبيبي؟!”، فأخبرها بأنه سيذهب مع أمه الجديدة، وأنه لم يعد خائفا منها بعد الآن فهي تحبه ولن تؤذيه ،وبإمكانها العيش بسلام بعد أن يأتي معها . لم تستطع الأم التقاط أنفاسها حيث أن ابنها أشار للمرأة المخيفة، وللمرة الأولى رأتها الأم أمام عينيها بوضوح مثلما يراها ابنها،، فمدت السيدة يدها للطفل فذهب إليها، حاولت حنان أن تنهض من سريرها ،وهي مذعورة لكن جسدها لم يتحرك ،وانحبست صرخة قوية في حلقها ،وبقيت تنظر بدهشة إلى المرأة وإبنها يغادران الغرفة .

وقبل أن يصل ممدوح إلى الباب،إلتفت إلى أمه ،وقال: لا تقلقي سأكون بخير،ولما خرجا جرت ورائهما لكنها لم تجد أحدا أمامها كلّ شيئ كان هادئا لكنها فجأة أحست بهبوب ريح خفيفة في الشقة ومعها عطر ياسمين وعرفته حنان فلقد كان العطر الذي تستعمله صاحبه الدار، وقد أخفته في صندوق مع حاجياتها  .وبالطبع لم يصدّقها زوجها إبراهيم ،واتّهمها بالتقصير،وأنها سبب ضياع ممدوح، ومنذ تلك اللحظة وهي تبحث عنه، ولم تترك عرّافا أو مشعوذا إلا ذهبت إليه، ، وكلّ ما تريد أن تعلمه أي معلومة مهما كانت صغيرة عن ابنها، هل هو سعيد أم حزين؟! على قيد الحياة أم فارقها مع المرأة الغريبة؟ وهي ترغب أن يعود إليها من جديد ،ولا شيئا آخر.ولكن دون جدوى،فلم يسمع أجد عنه بهد ذلك .

وبعد سنة حملت  حنان من جديد وولدت صبيا كالقمر ،أجمل من كل أولاد الزقاق ،ولما أصبح يتكلم أتى إلى أمّه يوما، وقال لها :هناك امرأة تسلم عليك وتقول لك ممدوح بخير ،وتشكرك لأنك تركتها ترحل بسلام ،فلم تكن حياتها سهلة ،وموتها كان مروّعا ،وأسفل الدولاب هناك صندوق صغير مخفي بعناية هو لها ،ولمّا فتحته حنان شهقت فلقد كانت هناك صورة أبيض وأسود للمرأة  وهي تبتسم ،ومجموعة من الحلي الذهبية تلمع أمامها ،وقالت في نفسها ربما الآن يصدقني إبراهيم بعد كل هذه السنوات .. 

... 

  إنتهت وشكرا على الإهتمام

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

25

متابعين

27

متابعهم

2

مقالات مشابة