البيت القريه المهجور
في أحد الليالي الشتوية الباردة، كانت السماء ملبدة بالغيوم، والقمر مختبئ خلفها، مما جعل الظلام يغمر القرية الصغيرة. بين الحقول الممتدة والغابات الكثيفة، كان هناك بيت قديم مهجور يقف وحيدًا على تلة مرتفعة، يُطلق عليه سكان القرية "البيت المسكون". لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فقد ترددت حوله قصص كثيرة عن الأشباح والأرواح الشريرة التي تسكن داخله.
لم يكن "سامر" من أبناء القرية الأصليين، بل جاء ليعيش فيها بعد وفاة والديه. كان شابًا شجاعًا لا يؤمن بالخرافات، واعتبر قصص البيت المهجور مجرد أوهام تناقلتها الأجيال. لكنه، كما كانت تطارده هذه القصص، لم يستطع أن يتجاهل فضوله. لذا، قرر في ليلة باردة كسر حاجز الخوف الذي فرضه أهل القرية على هذا المكان، واستكشافه بنفسه.
كان البيت يبدو قديمًا جدًا، جدرانه متهالكة، وأبوابه متآكلة بفعل الزمن. دخل سامر من الباب الرئيسي، الذي أصدر صوتًا مخيفًا عندما فتحه، وكأنه يصرخ بصرخة استغاثة. عندما دخل، شعر برائحة العفن القديمة تملأ المكان، والرطوبة تتسلل إلى عظامه. كانت الأرضية خشبية تصدر صريرًا مع كل خطوة، وأعمدة الضوء الباهتة التي تسللت من نوافذ مكسورة لم تكن كافية لتبديد الظلام الكثيف.
كانت الغرفه مليئه بالأثاث المهجور، وكأنها حكايات تجمدت في الزمن. الأثاث مغطى بالغبار، والستائر ممزقة. لكن أكثر ما لفت انتباه سامر هو المرآة الكبيرة في غرفة المعيشة. كانت المرآة لا تزال نظيفة رغم السنين، وكأن أحدهم يعتني بها. اقترب سامر من المرآة ببطء، وكان بإمكانه رؤية انعكاسه بشكل واضح، لكنه شعر بشيء غريب، كان الظلام خلفه في المرآة يبدو أعمق وأكثر كثافة.
فجأة، سمع سامر صوت خطوات خفيفة خلفه، كانت خطوات خفيفة لكن واضحة. التفت بسرعة، لكنه لم يجد شيئًا. بدأ قلبه ينبض بقوة، لكنه أقنع نفسه بأن ما سمعه كان مجرد خياله. عاد لينظر في المرآة مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت المرآة تعرض شيئًا لم يكن خلفه: امرأة تقف في الظل، ترتدي فستانًا أبيض طويلًا وشعرها يغطي وجهها.
تجمد سامر في مكانه، شعر بأن جسده أصبح ثقيلاً وكأن قدميه جذرتا في الأرض. حاول أن يتحرك، لكن الخوف قد شل حركته. بدأت المرأة في المرآة تتحرك ببطء نحو سامر، وعندما رفعت رأسها، كشف شعرها عن وجه شاحب بعيون سوداء فارغة. كانت تحدق فيه بنظرة تخترق روحه.
وبينما كانت تقترب أكثر، بدأ سامر يسمع همسات خافتة، كانت كأنها تخرج من جدران البيت، أصوات لم يستطع تمييز كلماتها لكنها كانت مليئة بالكراهية والخوف. بدأت الغرفة تدور من حوله، والهمسات تتعالى، كانت المرآة تعكس الآن غرفًا لم تكن موجودة في المنزل، أشياء تتحرك من تلقاء نفسها، وظلال تسير في الظلام.
حاول سامر أن يهرب، لكنه وجد أن الباب الذي دخل منه مغلق بإحكام، كان الأمر أشبه بفخ نُصب له. الهمسات أصبحت أكثر وضوحًا الآن، كانت تطلب منه البقاء، لكن في نفس الوقت كانت مليئة بالتهديد. حاول أن يفتح الباب بالقوة، ضربه، ركل، لكن بدون جدوى.
وفجأة، اختفى كل شيء. توقفت الأصوات، وبدأت الغرفة تعود إلى طبيعتها. استدار سامر ببطء ليجد أن المرآة عادت إلى حالتها العادية، لا شيء فيها سوى انعكاسه. لكن الشعور بالخوف لم يغادره. ركض نحو الباب، وخرج من المنزل بأقصى سرعة.
عندما عاد سامر إلى القرية، لم يستطع الحديث عما حدث. كانت الكلمات تهرب منه كلما حاول شرح ما رأى. لكنه أدرك في داخله أنه قد أزعج شيئًا في ذلك البيت، شيئًا كان يجب أن يظل نائمًا.
مرت الأيام، وسامر لم يعد قادرًا على النوم بسلام. كانت الكوابيس تطارده كل ليلة، كوابيس عن تلك المرأة في المرآة، وأصوات الهمسات المخيفة. لم يستطع الهروب من الشعور بأن شيئًا ما قد تبعه من ذلك البيت، شيء مظلم وخبيث.
وفي إحدى الليالي، قرر سامر أن يواجه خوفه مرة أخرى، لكنه هذه المرة لم يكن وحده. جلب معه بعض الأصدقاء من القرية، وحين وصلوا إلى البيت المهجور، وجدوه مدمرًا كليًا، وكأنه احترق منذ سنوات. لم يكن هناك أي أثر للمرآة، ولا لأي من الأشياء التي رآها سامر.
لكن، عندما اقترب سامر من مكان المرآة، شعر بنفس البرودة التي شعر بها في تلك الليلة، وسمع بوضوح همسة واحدة، همسة لم يسمعها أحد غيره: "ستعود...".