في قصر قديم بُني منذ قرون
"لعنة الظلال"
في قرية نائية محاطة بالغابات الكثيفة، كانت تعيش عائلة آل خليل في قصر قديم بُني منذ قرون. كان القصر تحفة معمارية، لكنه كان يحمل سرًا مظلمًا لم يعرفه سوى القليل. قيل إن القصر كان مسكونًا بظلال غامضة تعيش في جدرانه، وأن من يتجرأ على دخول أعمق أركانه لا يخرج أبدًا كما كان.
عاش في القصر الجد "إبراهيم" مع حفيديه "سليم" و"ليلى"، بعد أن توفي والدا الطفلين في حادث غامض قبل عدة سنوات. كان إبراهيم رجلاً صارمًا، لكنه كان يخفي قلقًا كبيرًا. فقد ورث القصر عن أجداده، وكان يعلم تمامًا بالخطر الذي يكمن في داخله، لكنه لم يجرؤ على مغادرته، فقد كان يخشى اللعنة التي تلاحق كل من يحاول الهروب.
في إحدى الليالي الباردة، كان إبراهيم جالسًا في مكتبه القديم، يقرأ في كتاب موروث عن أسرار القصر وتاريخه. وبينما كان يقلب الصفحات، توقفت عيناه على صفحة متآكلة، تحمل نقشًا غريبًا
وأحرفًا من لغة قديمة. بدأ يقرأ الكلمات بصوت خافت، لكنه شعر بارتعاش غريب في يديه، وبدأت الأضواء تخفت ببطء في الغرفة.
فجأة، شعر إبراهيم بحضور شيء خلفه. التفت ببطء، لكنه لم يرَ سوى الظلام. إلا أنه كان يعرف أن الظلام في هذا القصر ليس عاديًا. حاول أن يعود لقراءة الكتاب، لكن الصفحات بدأت تتحول إلى لون أسود، وكأن الحبر يختفي تحت عينيه. قبل أن يتمكن من فهم ما يحدث، انطلقت صرخة مرعبة من الطابق العلوي، حيث كانت غرفة "ليلى".
تسارع إبراهيم نحو السلالم، وسمع خطوات سريعة تتبعه من الخلف. كانت الظلال تتحرك على الجدران، تلتف حوله وكأنها تحاول الإمساك به. عندما وصل إلى غرفة "ليلى"، وجدها واقفة أمام المرآة، لكنها لم تكن تتحرك. كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما، تحدقان في المرآة بذهول، ووجهها شاحب كالموتى.
اقترب منها ببطء، وناداها بصوت خافت، لكن "ليلى" لم ترد. كان هناك شيء في المرآة يجذب نظرها بقوة، شيء لم يكن يراه إبراهيم. فجأة، بدأت المرآة تتشقق من المنتصف، وانبثقت منها يد سوداء مشوهة، وأمسكت بـ"ليلى". حاول إبراهيم أن يسحب حفيدته بعيدًا، لكنه شعر بقوة خفية تمنعه.
بدأت الظلال تتكاثف حوله، وتلتف حول جسده، تشده نحو الأرض. كانت الأصوات تتردد في رأسه، همسات وكلمات من لغة لم يسمعها من قبل. بدأت الظلال تتسرب إلى داخل جسده، وكأنها تحاول السيطرة عليه. شعر بألم حاد في صدره، وكأن قلبه ينقبض تحت وطأة قوة لا يراها.
بينما كان يصارع الظلال، سمع صوت "سليم" ينادي من أسفل السلالم. كان "سليم" قد استيقظ على صوت الصرخات، وركض نحو الطابق العلوي. عندما رأى جده محاطًا بالظلال و"ليلى" تسحب نحو المرآة، شعر بالخوف، لكنه لم يتراجع. كان يعرف أن هناك شيئًا في هذا القصر لم يفهمه أبدًا، لكنه كان مصممًا على إنقاذ عائلته.
جمع "سليم" كل شجاعته، وركض نحو "ليلى". أمسك بيدها بقوة، وحاول أن يسحبها بعيدًا عن المرآة. شعر بالمقاومة، وكأن قوة خفية تمنعه، لكن إرادته كانت أقوى. بدأ يقرأ بصوت عالٍ بعض الآيات القرآنية التي كان يتذكرها، وأحس أن الظلال بدأت تتراجع ببطء.
بينما كان "سليم" يقاوم الظلال، شعر "إبراهيم" بقوة تعود إليه. بدأ يقرأ الكلمات التي كان يقرأها في الكتاب مرة أخرى، لكن هذه المرة بصوت أعلى. كانت الظلال تصرخ بصوت مخيف، وكأنها تتعذب تحت تأثير الكلمات. بدأت المرآة تهتز بقوة، وكأنها على وشك الانفجار.
في لحظة، انطلقت صرخة عالية من داخل المرآة، وتحطمت إلى آلاف القطع. تراجعت الظلال بسرعة إلى الخلف، وبدأت تتلاشى واحدة تلو الأخرى. سقط "إبراهيم" على ركبتيه، مرهقًا لكنه مرتاح. أسرع "سليم" لمساعدة "ليلى"، التي كانت فاقدة الوعي، لكن تنفسها كان منتظمًا.
حمل "سليم" أخته إلى غرفتها، بينما بقي "إبراهيم" جالسًا على الأرض، يتنفس بصعوبة. كانت الظلال قد اختفت، لكن القصر ظل مظلمًا وكئيبًا. علم "إبراهيم" أن هذه المعركة لم تكن النهاية، وأن الظلال ستعود يومًا ما. لكنه كان مصممًا على حماية عائلته بأي ثمن.
في الأيام التالية، قرر "إبراهيم" أن يغادر القصر مع حفيديه. كانوا يعلمون أن الظلال لن تتركهم بسهولة، لكنهم كانوا يأملون أن يبعدهم الانتقال عن شرور القصر. وبينما كانوا يغادرون القرية، ألقى "إبراهيم" نظرة أخيرة على القصر القديم، حيث كان الظلام يتسلل من جديد عبر النوافذ المحطمة.
غادروا القصر إلى الأبد، لكن الظلال ظلت هناك، تنتظر ضحاياها القادمين. وفي مكان ما في الأعماق، كان هناك صوت خافت يتردد، همسات من عالم آخر، تستعد للعودة من جديد.