-مصاص الدماء- ليس كالأمس 🧛
فتى صغير جاوز الحادي عشر من أعوام عمره كان - صالح - يشكل ثنائياً فريداً من نوعه مع أخيه - راشد - فبالرغم من أنه يصغره بسنتين إلا أنهما كانا كالجسد الواحد
عاش - صالح - في المنطقة الشرقية حياته مع والده الكفيف فلقد أصيب أبوه في عينه بداء أفقده البصر وسجل اسمه في سجل أهل الأعذار رغم محاولاته اليائسة للعلاج لكن أمر الله فوق كل شيء كانت حياة - صالح - واسعة النطاق غير محدودة بإطار فإخوانه في كل صوب وناحية كلٌ لاهث خلف دنياه تقوده وربما يقوده أحياناً
كان للمخطط الذي يسكنه - صالح - دور في تربيته ربما فاقت كل دور قدمه والده ووالدته فلقد كان مع أخيه - راشد - يتظاهران بالقوة والبسالة أمام ابناء الحارة وربما قاما بمجازفات لا تعقل لإثبات ذلك
هاهو - صالح - قد أمسك بـ ضب في زهو أمام أبناء الحارة وجمع من - العرابجة - وبحركة سريعة يرفع الضب عالياً ويقول ( شباب انظروا ما سأفعل ) واستل سكينا معه فشق صدره لينزل الدم سريعاً ويبتدر شربه وسط ذهول الجميع
عجبا هل غدا - صالح - مصاصاً للدماء
!@!عذرا فلقد كانت الأيام تخبئ في طياتها أشياء وأشياء
يوماً ومع الإهمال الأسري والخرزاتالمنحلة تعرف - صالح - على ساحر من سكان الحي
كان ذلك ( حدثا ) فريداً في حياته لقد كان يصنع العجائب يدق الريال المعدني بعينه ويسير وسط النار بجسده ويحدث بالغرائب والفرائد
كان - صالح - يقف مشدوهاً أمام تلك القوى الخارقة يردد دائماً ( أرجوك علمني ) لكن الرفض كان الجواب المتوقع ( لطفاً من الله )
وبعد أشهر هرب الساحر إلى خارج المملكة بعد أن أحس بافتضاح أمره
و كانت الأيام تخبئ في طياتها أشياء وأشياء
أحس الوالد أن بقاءهم في ( الدمام ) سيضعف معيشتهم خاصة مع ضعف المردود المادي للمحل التجاري هناك لذا كان لا بد من اتخاذ قرار حاسم ( سننتقل إلى الرياض ) وبلا مقدمات لم يكن أمام الأبناء إلا الإذعان فقرار أبيهم لا مجال للأخذ والرد فيه ولو جرب أحدكم التحاور مع ( كفيف ) لعلم تلك الحدة التي تنتابه ضد من يخالفه
وفي الرياض كان لـ - صالح - موعد مع توجه آخر ترى ما الذي حدث له وكيف وقف مع أخيه - راشد - جنباً إلى جنب وما ردة فعل إخوته ؟
(2) ( محنة في طيّها المنح )
هاهي الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر والشمس المحرقة تذيب الجلد والجليد وهاهو - صالح - يحمل على كتفه التلفاز ليضعه في مكانه في غرفة الجلوس هنا أنسب قالها - راشد - مشيراً إلى مكان آخر لكن - صالح - كان قد وضع التلفاز وانطلق لحمل شيء آخر فرغم ما كان بينهما من الود إلا أن النفس كانت تكاد تخرج من شدة التعب والإعياء - والحر الشديد -
استقرت العائلة في ذلك الحي وهو نسبياً من أفضل أحياء الرياض سكاناً ومنطقة خاصة وأن البيت لصيق بالجامع خاصة وإمامه معروف بصوته الندي الذي يحيطك بروحانية عجيبة لكن لم يكن القرب أو البعد من الجامع يعني لأسرة - صالح - شيئاً كبيراً إذ لم يكن من أسرتهم أحد يصلي إلا - صالح - حيث كان يصلي في البيت نقراً كـ- نقر الغراب - وربما أسرع كان إخوته يهزؤون به ( - صالح - هل تظن أن صلاتك هذه تفيدك شيئاً ) لكنه لم يكن يجيبهم كان يقول ستنفعني صلاتي هذه يوماً ولم يكن - صالح - بعيداً لكن كان بحاجة إلى من يعلق الجرس فكم من الغرقى حولنا قريب إلى شاطئ النجاة لكن من يلقي له الطوق - يبقى سؤالاً -
كان بيت - صالح - مليء بالشباب فإخوته من الذكور ستة وكلهم متقاربي العمر فأكبرهم قارب الثلاثين وأصغرهم جاوز العاشرة ولأجل ذلك فلم يكن يوم يمر إلا وتحدث مشكلة في البيت وترتفع الأصوات وربما يصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي
لكن ذلك اليوم لم يكن عادياً
خرج - صالح - من منزله بعد مشاجرةحدثت مع إخوته حيث كانوا في صف وكان هو في الصف الآخر أحس أن المعركة غير عادلة وربما مؤامرة فخرج
في الشارع وقف - صالح - أمام باب البيت حائرا ماذا أفعل ؟؟ وإلى أين أذهب ؟؟ أأعود ؟؟ لا لا ( فلم تكن نفسه الأبية تطاوعه للعودة مهزوماً ) نظر يمنة ويسرة شدّه ذلك الصرح العظيم نعم إلى هناك
دخل - صالح - نعم دخل ولأول مرة دخل الجامع
الله ما هذه الروحانية ؟ وما هذا السكون ؟ ما أعظم الفرق بين هدوء الجامع وصخب المنزل
رمى - صالح - ببصره إلى زاوية بالجامع اتجه إليها وفي الطريق تذكر أن أستاذهم الوقور ذا اللحية المهيبة والخلق الدمث قد أخبرهم أنه ينبغي على كل داخل للمسجد أن يصلي ركعتين استن سارية وبدأ يصلي ركعتين مرت كلمح البصر لكنها كانت شيئاً
وحضرت الصلاة صلاة مشهودة وبداية حياة جديدة لصاحبنا
يا الله ما أسعد المصلين هنا وما أهناهم تُـرى كيف كنت أمضي حياتي بعيداً عن هذه السعادة انظر ذاك يتجاذب مع جاره أطراف الحديث وآخر يعانق جاراً قدم من سفره وثالث يعين كهلاً للذهاب إلى منزله
الله ما هذه الحياة نِعم هؤلاء ونِعم ما هم فيه من السعادة
كانت تلك بداية البداية لــ- صالح - ونبوءات ميلاد جديد لتنطلق الحياة الجديدة بأحداثها العجيبة فلصاحبنا أحداث وأحداث كيف ثبت على الطريق ؟ وهل سيقبل به أصحابه الجدد ؟ وما موقف أهله تجاهه ؟
(3)
بدأ - صالح - يكثر التردد على الجامع فلم تكن صلاة تفوته لكنه أحياناً وخاصة في الفجر تغلبه عيناه فلا يستيقظ إلا مع بدء اليوم الدراسي فيقوم فزعاً يصلي الفجر ويأخذ حقيبته متجهاً إلى مدرسته الثانوية كانت تلك الأحداث في نهاية العام الدراسي وكان معها التغيير
وفي المنزل لاحظ إخوة - صالح - تغيره لكن الأمر لم يكن يعني لهم شيئاً فالإحساس قد تبلّد من سنين لكن كانت هناك نفس شدّها تغير - صالح - حيث كان - راشد - الأخ والصديق بل والحياة كلها لـ - صالح - لذا كانت الصراحة بينهم شعار اتجه - صالح - لـ - راشد - قال له أخي ألا تصلي ؟؟ - راشد - ماذا كان السؤال مفاجئاً لـ - راشد - - صالح - والله يا أخي لقد وجدت حياة أخرى في الصلاة والقرب من الله - راشد - كيف ؟؟ - صالح - إني والله أعيش أياماً لم أعش مثلها قط صدقني يا أخي الحياة في المسجد شيء لا يوصف والحياة مع الله أمر لا يقدر بثمن راحة وأي راحة صدقني يا أخي عش معنا وستجد اللذة الحقيقية - راشد - ولكن - صالح - أبداً يا أخي الأمر أيسر مما تتصور فقط اعزم وسيعينك الله
كان تلك الكلمات بداية التحول لحياة - راشد - و- صالح - ليصبحا ثنائياً في الخير بعد أن أمضيا في الشر سنيناً
ومع بداية الصيف كانت المراكز الصيفية قد فتحت أبوابها وبدأت تستقبل الشباب والفتيان كان - صالح - كـ كثير من الشباب لا يعرف المراكز الصيفية لكنه اطلع على إعلان أحدها شدّه ما فيها من البرامج الممتعة واللقاءات الرائعة وأزّه إليها أكثر قرب المركز من بيتهم خاصة وأن - صالح - لا يملك سيارة وليس لديه وسيلة نقل إلا سيارة أخيه القديمة التي تسير ساعة وتتعطل أخرى
لكنه كابد الصعاب
قرر - صالح - و - راشد - الانضمام إلى المركز الصيفي والانخراط في برامجه كانت خطوة رائدة في حياتهم فالمركز الصيفي مشروع رائع هنيئاً لمن كانت فكرته
ومع المركز تغيرت حال الأخوين شيئاً فشيئاً وأحسا بالإيمان يضيء في صدروها يا الله ما أجمل حياة الإيمان وما ألذها
تعرف - صالح - على صحبة من الأخيار في المركز الصيفي وعلم بعد ذلك أنهم في حلقات تحفيظ القرآن لكنه لم يكن يعلم ما هذه الحلقات عذرا فـ - صالح - يعيش بين أظهرنا لكنه كان مغلقاً عن العالم حوله
ارتبط - صالح - بأحد الشباب أحبه وأحب أخلاقه وحسن خلقه وكانت تلك بداية الانطلاقة مع أولائك الأخيار
(4)
المركز الصيفي كان بداية الانطلاقة ومشروعاً لحياة جديدة مع كثير من الشباب إنها البذرة الصالحة والغرس الطيب والتي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها سنتجاوز جميع ما حدث في المركز لننتقل إلى يوم السبت حيث بدأت الدراسة لعامها الجديد كان - صالح - يدرك أن هذا العام سيكون مختلفاً عن سابقه فحياتي ستكون لله ومع الله فما أعظمه من هدف أصبح - صالح - يعد الدقائق والساعات وهو ينتظر أول أيام الحلقة فهو يسمع عن الحلقات وطلابها ويرى ما هم فيه من الخلق والسمت لكن أن يكون أحدهم فهو ما لم يتصوره طيلة حياته وبعد الصلاة انطلق إلى حلقته برفقة أخيه - راشد - في سيارتهما المتواضعة لكن الهمة تصنع أهل القمة دخل الجامع وكانت بداية الحياة مع القرآن لقد كان - صالح - يحمل همة عالية جد عالية حيث بدأ الحفظ من سورة ( البقرة ) وكان يحفظ القرآن كما أنزل مرتلاً مراعياً أحكام التجويد الصحيح أحس - صالح - بنشوة وهو يحفظ كتاب الله فهو أمام تحد جديد وصراع شديد نحو هدف عظيم لذا لم يكن - صالح - عادياً ينهي المطلوب منه فقط كما كان غيره بل كان يجاهد نفسه وينجز كما ينجز الطالب الحافظ لكتاب الله لكن كان أمام - صالح - عقبات كثيرة يصعب تجاوزها إذ لم يكن التغير الجذري بالأمر الهين فلقد عاش في أكثر البيئات سلبية بين أبوين وإخوة عوام لا يكاد أحدهم يعرف من العلوم الشرعية أو الدنيوية شيئاً يميزه كان أعظم الحواجز أمامه حاجز اللغة العربية فلقد كان يشعر بالنقص أمام زملائه وهو يتحدث إليهم فلغته العربية ركيكة جداً فضلاً عن أن يحاول التحدث في النحو أو يعرب بيتاً أو حتى كلمة من مقال وكم كان يحس بالحرج الشديد حين يطلب منه المعلم القراءة فيحاول جاهداً لكن - الخرق - أعظم من - الرقع -
ذات يوم كان - صالح - جالساً مع نفسه قد أخرج ورقة وأخذ يسجل جوانب النقص لديه مباشرة كتب النحو واللغة العربية ثم أخذ يفكر تذكر أنه مرة اختلف هو وصاحب له في المسح على الخفين للمسافر ثم مر على ذهنه ذلك الموقف الذي لا يكاد ينسى فلقد سأل المعلم عن القصر في السفر فأجاب بأن صلاة المغرب تقصر إلى ركعتين فلم يكمل الجملة حتى عم الضحك الفصل لقد كان موقفاً محرجاً ( تمنيت أني لم أنطق بل لم أحضر ذلك اليوم ) فكر كيف لي أن أطور نفسي في هذا تذكر أن هناك درساً في الجامع الكبير في الحي المقابل يلقي فيه أحد كبار العلماء درساً ميسراً في فقه الطهارة والصلاة وبعد العشاء حمل دفتره وانطلق إلى الجامع وفي الجامع كان الجميع قد تحلّق حول الشيخ في منظر مهيب ( يا لله أجلوا الله فأجلهم ) قالها - صالح - وهو يدلف داخلا وبعد الركعتين جلس عند الشيخ وبدأ مشواره مع طلب العلم
ومرت الأيام
ذات يوم جلس - صالح - مع أخيه - راشد - يحكي له معاناته مع اللغة العربية - صالح - - راشد - لقد عانيت كثيراً من تعلم اللغة العربية أكاد أجن لقد فقدت الأمل إنها معقدة حقاً - راشد - وانا كذلك لقد واجهت صعوبة كبيرة في فهم المعلم هذا اليوم - صالح - لكن ما الحل ؟ أنقف مكتوفي الأيدي ؟؟ - راشد - لا أدري لكن ألا يمكن أن نجد من يعلمنا ؟؟ - صالح - يعلمنا - راشد - ما بالك هل قلت خطأ ؟؟ - صالح - أبداً لكن ذات يوم وعندما كنت عند الشيخ في درس الفقه كان بجواري رجل يدرس في كلية اللغة العربية بقسم الدراسات العليا - راشد - ممتاز ألا تعرض عليه الأمر - صالح - بالتأكيد
وفعلاً وافق الأستاذ على تعليمهم مقابل مبلغ رمزي ليعلم جديتهم
كان الأستاذ - خالد - يشرح مادة النحو لطلاب الصف الثالث ثانوي وبعد الدرس سأل - صالح - عن جزئية في الدرس كان الأستاذ خالد مثالاً للمعلم الناجح والمخلص قال الأستاذ لو قلنا مثلا الطلاب ناجحون ما إعراب ( ناجحون ) ؟؟ سكت - صالح - أعاد الأستاذ ولكن لم يجب كرر السؤال نزل - صالح - رأسه وقال لا أدري
كانت صدمة كبيرة للأستاذ - خالد - فـ - صالح - من الطلاب الممتازين على مستوى القسم الشرعي فكر قليلاً ثم قال أنصحك يا - صالح - بقراءة الأدب الجاهلي مع إعرابه وستجد الفرق بعد أيام
لم يعلم الأستاذ أن تلك ستكون شمعة بل شمساً ستتقد في طريق - صالح -
(5)
سبحان الله وهكذا الأيام من يتصور أن - صالح - سيتغير تغيراً كهذا خلال سنتين كم نحن بحاجة إلى ألا نيأس عند دعوة للآخرين فلا ندري متى يفتح الله على قلوب أولائك
أصبح - صالح - يتطلع إلى أن يكون من كبار العلماء فهو يرى شيخه كيف رفعه الله بالعلم درجات لذا عزم على الالتحاق بكلية الشريعة كان هذا هاجسه الدائم خلال دراسته الثانوية خاصة وقد ازداد حماسه بعد تجاوزه لعقبة النحو واللغة العربية فأصبح خلال شهر ينافس الأوائل في الإعراب ومهارات اللغة العربية لقد كان مثاراً للعجب
كان - صالح - يأخذ معه كل يوم كتاباً ليقرأه في الفصل حتى أنهى كتاب ( حادي الأرواح ) وهو في الصف الثاني ثانوي وما أعظمه من كتاب حيث أبدع ابن القيم الحديث في وصف الجنة وهي دعوة للجميع لاقتناء الكتاب فمعه ستنسى الدنيا ولذاتها - نسخة مصورة إلى قسم الإعلام المقروء -
لم يكن - صالح - يقرأ في أي فن بل كان يريد أيضاً أن يطور نفسه من خلال ما هيّة ما يقرأ فليست المسألة تسلية بقدر ما هي تطوير وتغذية
دخل المكتبة وأخذ يتجول في أروقتها رمق ركناً في الزاوية فيه كتب تختلف عن غيرها وصله أخذ يتصفح الكتب ( كيف تتقن الإدارة في ساعة كيف تكسب موظفيك فنون التعامل مع الآخرين من حرك قطعة الجبن دع القلق وابدأ الحياة ) كانت تلك العناوين تشده فهي تشبع جانباً لديه لقد كان يحس بجفاء من الآخرين فهو يحب فلاناً وفلاناً لكنهم كانوا باردي المشاعر معه كان يشعر بشيء من الكمد والحزن لكنه يعزي نفسه بالصحبة الصالحة أحيانا وبصدق الأخوة أحيانا أخرى
أقل من دقيقتين و- صالح - أمام المحاسب قد اقتني كتابين منها انطلق إلى البيت وهناك أخذ يقرأ من ذا ويتصفح شيئا من ذاك
ساعتان مرت لم يشعر - صالح - بنفسه حتى دخلت عليه أمه ( ألم تنم يا - صالح - ) ؟؟ ( ماذا كم الساعة الآن ؟؟ ) كانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحاً أغلق - صالح - ما في يديه ثم صلى ما تيسر ونام
هاهو - صالح - يجلس بين أحبته وقد تحلقوا حوله مستمعين بإنصات لحديثه كان حديث صالح ذا شجون وأسلوبه في مراعاة السامعين يشدهم إليه لقد أصبح الجميع يحبه ويحب مجالسته لم يكن يسفه رأي أحد ولا يحتقر جلوسه بجواره لقد أعطى الجميع حقه وأظهر لهم حبه الكامن فأحبوه لقد كان يأخذ بالقاعدة النبوية ( أخبره أنك تحبه ) وكان يرى أثرها بالغاً على الآخرين
إنه سحر الأخلاق السحر الحلال
كان - صالح - يؤمن أن تغيير الناس يأتي بعد ارتياحهم للمتكلم وحبهم له لذا كان يكن لطلاب فصله حباً عظيما حتى أصبحوا ينتظرونه إذا تأخر ويسألون عنه إذا غاب
لقد كان - صالح - معلماً بخلقه ومربياً بأدبه تشعر أنه صادق مع الله فلا تتعجب أن يكتب الله له القبول بين خلقه
النخلة العوجاء مثل يضرب لمن ينفع البعيد ويدفع القريب فهي نخلة عوجاء أصلها في مكان وثمرها في مكان آخر
كان - صالح - يعي أن خير الناس أنفعهم للناس وأحق الناس بالنفع أهله خاصة وأن بيتهم قد وضع فيه الحبل على الغارب فكلٌ يصنع ما شاء كما شاء
في أحد الأيام شعر صالح بجلبة وحركة غير عادية في بيتهم كان إخوته يصعدون وينزلون ماذا ؟؟ لقد كان الخبر مفاجأة ترى ما الذي حدث ؟؟
لقد وضع إخوته طبقاً فضائياً فوق البيت لكنه ليس طبقاً عادياً لكن وُضع فيه رأس من خارج المملكة يجلب قنوات الإباحة والفساد جهاراً نهاراً
مصيبة لا يمكن التغاضي عنها كان - راشد - يشعر بالهم نفسه يتساءل هل سأكون ديوثاً أرضى الخبث في أهلي ؟؟ ماذا أقول لربي حين أقدم عليه ؟؟
كانت مصيبة أعظم من أن تحتمل يبكي ولكن البكاء لا يجدي يشكي وما ستنفع الشكاة ؟
أعلن الأخوان حالة الطوارئ اجتماع مغلق للمشكلة كان أمامهم خيار واحد فالتغيير لن يكون عن طريقنا لابد من سلطة أعلى لكن من ؟؟ والدنا لا يأبه بنا أصلاُ فكيف سيتعاون معنا أمنا نعم أمنا لكن كيف ؟؟
اتفقا على أن يتولى - صالح - التأثير على والدته وإقناعها أحس صالح أن المهمة صعبة وربما لا تنجح فماذا سيعمل ؟؟
(6)
انطلق - صالح - إلى أمه جلس عندها أخذ يتجاذب معها أطراف الحديث ثم قال ( أماه كم أعلم ما فيك من الخير وحب الدين فالله يحب من ينصر دينه وينشر الخير لقد تضايقت يا أمي عندما رأيت ما وضعه إخوتي أترين هذا الطبق إنه ينشر الفضيحة بلا حياء أترضين ما ينشره لبناتك أترضين أن تكون فلانة كهذه العاهرة أترضين أن يتلقى أبناؤك الأطهار تلك الثقافات الفاسدة ) كان - صالح - يكرر ذلك والتأثر يظهر على وجه أمه ( يكفي لكن ما العمل ؟؟ ) انفرجت أسارير - صالح - وقال ( لقد كنت أتوقع منك هذا فأنت أم الخير وصاحبته والحل في أننا نكسر هذا الجهاز )
انطلق الثلاثة إلى سطح المنزل وفي لمح البصر أصبح ذلك الجهاز في أسفل البيت لقد رموه من سطح المنزل إلى أسفله مباشرة فغدا متردية خبيثة لا ينتفع منها بشيء حتى ولو دبغت ألف مرة
كانت تلك أولى علامات النصر لـصاحبنا وأولى المبشرات
لكن لم يكن الأمر بهذه السهولة فما أشد الشباب وعنادهم فبعد أيام إذا بجهاز جديد يوضع في المنزل
صدمة غير متوقعة فلم يكن يظن أن إخوته سيضحون بمالهم مرة أخرى رغم شح الموارد المالية لكنه الشيطان يؤز الناس إلى العذاب أزاً
كان - صالح - صامداً شعاره ( وإن عدتم عدنا ) يقول لي ( لقد كسرنا يا أبا زيد ثلاثة أطباق في بيتنا ) يا لله ما هذه العزيمة لله أنتم
كان - صالح - يأسر من حوله بعزيمته الفذة فلقد غير في حياته الكثير وغير من حياة الكثير في سنتين بل لقد خطا خطوات رائدة في اللغة الإنجليزية خلال أشهر بعد أن كان لا يعرف إلا الأحرف بل حتى الأحرف لا يعرف أكثرها
انتهى العام الدراسي معلناً تخرج - صالح - ونجاحه وأخيه - راشد - وانتقالهم إلى المرحلة الجامعية لم يتردد الأخوان في التسجيل فلقد التحقا بكلية الشريعة دون تردد وكانت لهم هناك حوادث وقصص ومنها الحادث الأهم والذي حدث قبل أيام فما الذي حصل
(7)
كلية الشريعة أفضل كلية شرعية على مستوى العالم وأنقاها منهجاً خرجت ولا زالت تخرج العلماء وطلبة العلم والدعاة والوعاظ في أروقتها لا تتأذى من رائحة سجائر ذاك ولا من نغمة جوال الآخر ولا تتضايق من أخبار المباريات ونقاش التوافه فيها راحة نفسية لا تضاهى لا أبالغ إن قلت إنه لا يمكن أن يجتمع هذا العدد من الأخيار في مكان بشكل يومي إلا في كلية الشريعة
في تلك الكلية كان - صالح - يسير حاملاً كتاب حاشية الروض المربع في يمينه والعقيدة الطحاوية في يساره يحث الخطى ليلحق بالمحاضرة الأولى حيث بدأت قبل ثلاث دقائق ( السلام عليكم ) قالها - صالح - ثم دخل
كان - صالح - يشعر بنشوة والدروس تتوالى عليه كل يوم من فن لآخر ومن علم لثانٍ في تناسق عجيب يقول في نفسه " ترى هل يوجد مكان آخر يمكن أن أطلب فيه العلم بهذا التركيز والموضوعية ؟؟ " وفي البيت لا يفتأ يقلب صفحات الكتب مراجعا ومعلقا وأحيانا يقرب - المسجل - ليسمع شريطاً يشرح أحد المواضيع خاصة في - النحو - والتي كان - صالح - يوليها اهتماماً بالغاً ، فيحضر الدرس قبل شرحه من أكثر من كتاب ويحضر وقد فهم الدرس كاملاً فلا يبقى إلا التعليق والمتابعة مر الفصل الأول بأحداثه وحكاياته سريعاً كلمح البصر فلم نشعر إلا وقد بدأت الاختبارات النهائية ثم ها هي تنتهي وتخرج النتائج انطلقت سريعاً للجامعة لأشاهد النتائج وقد - علقت - في - البهو الداخلي - ( فضيحة أمام الخلق ) أخذت أبحث في أسماء الحاصلين على امتياز من الأحبة ما شاء الله فلان ممتاز وفلان كذلك وذلك الطالب غير المعروف أخذ ممتاز أيضاً نتائج مبشرة حقاً لكن ترى أين - صالح - تفاجأت كثيراً حين لم أجد اسم - صالح - ممن حصل على ممتاز لقد ظننته من الأوائل لكنها صدمة لقيت - صالحا - بعد ذلك فسالته كان جوابه غريبا وغير مفهوم وربما يظنني ساخرا لا أدري فلربما كان ذلك المستوى بداية التثبيط لذلك النشاط الباهر
استمرت الحياة بحوادثها تولى - صالح - إمامة مسجد قريب من بيتهم واشترى سيارة بالتقسيط على حسابه الخاص وكان يفكر أحيانا بالزواج لكنه كان عقبة كؤود فليست أموره بالهينة
سعد - من أقرب أصدقاء - صالح - فبينهما محبة عظيمة فلا تسأل عن أحدهما إلا وتجد الآخر أحيانا أجلس مع - سعد - فيقول " ليت - صالحا - معنا " وكذلك العكس لكن - صالحا - لم يكن يظهر صحبته الحميمة أحيانا للآخرين ( ربما لشيء في نفسه ) لكنها تأبى إلا الظهور كانت صداقتهما في الله ولله لقاء في طاعة الله واجتماع لعبادته
كان - صالح - شخصية انطوائية يحب أن يجلس كثيراً في بيته ولا تروق له الطلعات وخاصة الطويلة منها بل إنه أحيانا يطلب منا العودة من - جلستنا البرية - بعد ساعة من وصولنا وكثيرا ما يعتذر عنها من البداية
كان - سعد - يذكر أنه يطلب العلم ويدمن قراءة الكتب فنسعد بذلك كثيراً لكن نشعر وكأننا - نسمع جعجعة ولا نرى طحنا -
لم تكن حالة - صالح - المادية ميسورة بل كان يعتمد على نفسه في توفير ما يحتاج وكثيرا ما يعتذر عن - القَطة *- توفيراً لمصروفاته خاصة وأن أقساط السيارة تستهلك جزءا كبيرا من مصروفاته وكان يلقبنا دائماً بـ - أبناء المدرسين -
( القطة مصطلح شعبي يطلق على ما يدفعه المرء مشاركة لزملائه في غداء أو عشاء أو شراء أمر ما )
ومع هذا فكنت أرى منه مفارقات عجيبة فقبل عامين إذا به يقتني جوالاً جديداً في السوق بألفي ريال وبعدها بعام اقتنى حاسباً محمولاً بأكثر من ألفي ريال
كنت مع تعجبي أسعد كثيراً بذلك وأبارك له لكني كنت في حيرة من أمره
قبل أسبوع كنت جالساً مع - سعد - وقت الإفطار نتجاذب أطراف الحديث قال - سعد - أتدري ما حدث لـ - صالح - ؟؟ قلت ماذا ؟ قال اووه لقد تغير - قالها مبديا ابتسامة مع شيء من الحزن - وأشار إلى لحيته قلت كيف ؟؟ هل تساقطت لحيته ؟؟ - حيث تذكرت قصة صاحب لي تساقطت لحيته فظن به بعض أصحابه سوءاً - قال لا أنت شخص طيب لقد تغيرت فما هي كما كانت قلت وما الذي حصل ؟؟ قال لا أدري لكني صدمت حين رأيتها فالمقص غير فيها شيئاً كبيرا وسترى بعد قليل
كان أمراً محيراً حقا - صالح - الذي كان يعتب وينتقد بشدة من كان يأخذ من لحيته إذا به يقع في نفس الحفرة يا لله ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )
وبعد قليل كنت أمام باب القاعة وإذا بي بـ - صالح - وليس كما نعرف نظرت إليه آسفاً ولم أطق فأشحت بوجهي إلى الجهة الأخرى صدمة وأي صدمة من كان معيناً لنا على الخير قد بدأ يتخاذل عنه
عفواً فليست المسألة مظاهر فحسب بل تتبعنا الوضع فإذا المخبر ليس كما كان علامات التغير بدت واضحة في أكثر من جانب
حقيقة كنت ولا زلت محتاراً ماذا نصنع ؟؟ وكيف نرد صاحبنا إلى جادة الصواب ؟؟
أما - سعد - و - راشد - فهما يتقطعان ألماً مما يحدث ويسعيان جاهدين للرجوع به نحو جادة الصواب
مؤلم حقاً حين يتخلف عنك أعز من كان يعينك إنه جرح لا يندمل وكسر لا ينجبر
-مصاص الدماء- ليس كالأمس