اللقاء مع المجهول
“صرخة في الظلام”
كان أحمد طالبًا جامعيًا في منتصف العشرينات، يحب الاستكشاف والمغامرات. ذات يوم، سمع عن منزل مهجور في أطراف قريته، يُقال إنه مسكون بالجن والعفاريت. لم يكن أحمد يؤمن بالأساطير والخرافات، فقرر زيارة المنزل بنفسه ليثبت أن كل هذه القصص مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة.
وصل أحمد إلى المنزل في المساء، وكان الظلام قد بدأ ينتشر في الأفق. المنزل كان يبدو متهالكًا، وقد غطته الأعشاب البرية والأشجار المتشابكة. فتح الباب ببطء، ودخل. كان الهواء باردًا بشكل غير طبيعي، وأحس بقشعريرة تسري في جسده.
بدأ أحمد يتجول في المنزل، وكان كل شيء يبدو عاديًا حتى تلك اللحظة. فجأة، سمع صوت همس يأتي من الطابق العلوي. قرر أن يستمر في استكشافه، فصعد السلالم الخشبية التي تصدر صريرًا مع كل خطوة. عندما وصل إلى الطابق العلوي، وجد بابًا مغلقًا. دفعه بحذر، فصدر صوت خشبي عميق قبل أن يفتح ببطء.
في الداخل، كان هناك كرسي هزاز يتحرك وحده في الزاوية. تجمد أحمد في مكانه، يحاول أن يجد تفسيرًا منطقيًا لما يراه. لكن قبل أن يتمكن من التفكير، بدأت الأصوات تزداد وضوحًا، وكأن شخصًا ما كان يتحدث بلغة غريبة وغير مفهومة. شعر أحمد بالخوف لأول مرة.
بينما كان يحاول فهم ما يحدث، بدأت الأضواء الخافتة تتراقص في الغرفة، وكأنها شموع تشتعل وتخبو. وفجأة، ظهرت امرأة ترتدي ثوبًا أبيض قديمًا، وملامحها غير واضحة في الظلام. نظرت إلى أحمد بعينين فارغتين، وبدأت تتحرك نحوه ببطء.
تراجع أحمد خطوة للخلف، لكن المرأة استمرت في التقدم نحوه. شعر ببرودة تزداد حوله، وكأن الهواء قد تجمد. عندما اقتربت المرأة، أمكنه أن يرى وجهها المشوه وعينيها الحمراوين المتوهجتين. صرخ أحمد وسقط على الأرض، محاولاً الابتعاد عنها.
قبل أن يتمكن من النهوض، اختفت المرأة فجأة، وتلاشت معها كل الأصوات والأضواء. وقف أحمد بصعوبة، وقلبه ينبض بشدة. حاول إقناع نفسه بأن ما رآه كان مجرد هلوسة، لكن شيئًا ما في داخله كان يخبره بأن ما حدث كان حقيقيًا.
ركض أحمد خارج المنزل بأسرع ما يمكنه، ولم يتوقف إلا عندما وصل إلى الطريق المؤدي إلى قريته. عندما عاد إلى المنزل، وجد جدته تنتظره بقلق. كانت تعرف إلى أين ذهب، وحذرته مرارًا وتكرارًا من الاقتراب من ذلك المكان.
حكى لها أحمد ما حدث، وكيف رأى تلك المرأة الغامضة في الطابق العلوي. تنهدت الجدة بعمق، وأخبرته بأن المنزل كان مسكونًا منذ زمن بعيد. قالت له: “هذا المنزل ملك لعائلة غريبة كانت تعيش هنا منذ مئات السنين. قيل إنهم كانوا يمارسون السحر الأسود ويستدعون الجن والعفاريت. في ليلة مظلمة، اختفت العائلة بأكملها دون أثر، ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ أحد على دخول المنزل.”
قرر أحمد العودة إلى المنزل المهجور في اليوم التالي، لكنه لم يذهب وحده هذه المرة. أخذ معه صديقه خالد، الذي كان يؤمن بالعالم الآخر ويعرف الكثير عن قصص الجن والعفاريت. دخلوا المنزل معًا، وكان كل شيء هادئًا بشكل غير طبيعي.
عندما وصلوا إلى الطابق العلوي، وجدوا الغرفة كما تركها أحمد في الليلة السابقة. بدأ خالد بقراءة بعض الآيات من القرآن، وفجأة، بدأت الأرضية تهتز بشكل عنيف. ظهرت نفس المرأة مرة أخرى، لكنها كانت تبدو أكثر غضبًا ورعبًا. صرخ خالد في أحمد بأن يبدأ بالركض، فركضا معًا نحو السلالم.
لكن قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى الباب، أُغلق الباب بقوة، وكأن قوة غير مرئية قد أغلقته. بدأت الجدران تنبض ببطء، وكأن المنزل كان حيًا. بدأ صوت همس يأتي من كل مكان، ثم تحول إلى صراخ مؤلم، وكأن آلاف الأرواح المعذبة كانت تبكي في الظلام.
بينما كانا محاصرين في الظلام، أدرك أحمد وخالد أنهما لن يتمكنا من الهروب بسهولة. بدأ خالد بالصلاة والدعاء، محاولاً تهدئة الأرواح المحاصرة في المنزل. فجأة، ظهر رجل عجوز بملابس قديمة في وسط الغرفة، وكانت عينيه تلمعان بلون أزرق مشع.
قال الرجل بصوت هادئ لكنه مهيب: "لقد تم اختياركم لإنهاء اللعنة. يجب أن تضحيوا بأنفسكم لإنهاء هذا الشر وإطلاق سراح الأرواح المحاصرة."
شعر أحمد بالرعب، لكن خالد أمسك بيده، وقال: "لن نتمكن من الهروب من هنا ما لم نفعل ما يطلبه منا."
بدأت المرأة في الظهور مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم تكن وحدها. كانت هناك أرواح أخرى تظهر من الظلام، تطفو حولهم في دوامة من الفوضى. بدأ أحمد يشعر بشيء يسحب روحه، وكأن الحياة كانت تُستنزف منه ببطء.
مع تصاعد التوتر، أغمض أحمد عينيه وبدأ في تلاوة ما يحفظه من القرآن، محاولاً دفع الخوف بعيدًا. فجأة، شعر بأن الظلام يبتلعه بالكامل. لم يعد يستطيع رؤية خالد أو المنزل، فقط ظلام دامس وبرودة مرعبة.
ثم، في لحظة غير متوقعة، توقف كل شيء. فُتح الباب بقوة، وأصبح المنزل مضاءً بضوء النهار. سقط أحمد على الأرض، وكان جسده مرهقًا وكأن كل طاقته قد استُنزفت. نادى على خالد، لكنه لم يجده. خرج أحمد من المنزل، ونظر حوله. لم يكن هناك أحد.
عندما عاد إلى القرية، أخبره الجيران أن خالد لم يعد معه، وأنه لم يُرَ منذ الليلة الماضية. كانت نظراتهم مليئة بالخوف والدهشة، لكن أحمد لم يكن يستطيع تفسير ما حدث.
مرت الأيام، لكن أحمد لم يستطع نسيان ما حدث في ذلك المنزل. كان يشعر وكأن شيئًا ما قد تغير داخله. في إحدى الليالي، بينما كان يجلس في غرفته وحيدًا، سمع همسًا يأتي من الظلام.
هل كان الجن ما زال يطارده؟ أم أن خالد أصبح جزءًا من اللعنة؟