عنوان الرواية: "النسيان في الغابة الملعونة

عنوان الرواية: "النسيان في الغابة الملعونة

0 المراجعات

 

 

**عنوان الرواية: "النسيان في الغابة الملعونة"**

كان الليل قد أرخى سدوله على القرية الصغيرة، وسكون الغابة المحيطة كان يشوبه صوت الرياح التي تهب عبر الأشجار الكثيفة. في تلك الليلة الباردة، جلس "علي" و"مريم" بجانب المدفأة في كوخهم الخشبي، يتأملان النار التي تتراقص أمامهما وتلقي بظلالها الغامضة على الجدران.

قالت مريم بصوت خافت: "هل سمعت تلك القصص عن الغابة الملعونة؟" نظر إليها علي بابتسامة مريرة وأجاب: "نعم، لكنني لا أصدقها. إنها مجرد أساطير يرويها أهل القرية لإخافة الأطفال."

لكن مريم لم تكن متأكدة. كانت هناك شيء في عيونها يعكس خوفًا حقيقيًا. "لقد سمعت أن هناك مخلوقات غامضة تظهر في الغابة ليلاً، وتأخذ من يجرؤ على الاقتراب منها."

ضحك علي بصوت عالٍ وقال: "هذا هراء! لنذهب إلى الغابة الآن، وسأريكِ أنها مجرد شجيرات وأشجار، لا شيء أكثر."

بعد لحظات من التردد، وافقت مريم. ارتديا معاطفهما السميكة وتوجها نحو الغابة. كان القمر مكتملًا في السماء، مما أضفى نورًا خافتًا على الطريق المظلم. عندما دخلا الغابة، بدأت الرياح تعصف بقوة أكبر، وكأنها تحاول منعهما من التقدم.

تعمقت خطواتهما في الظلام، وأصبحت الأصوات المحيطة أكثر غرابة وإزعاجًا. سمعا صوت تهشم أغصان تحت أقدامهما وصوت حفيف الأوراق، لكن لم يكن هناك أي شيء مرئي في الظلام.

قال علي، محاولًا طمأنة نفسه أكثر من مريم: "إنها مجرد الرياح، لا شيء يخيف."

لكن مريم توقفت فجأة، مشيرة إلى شيء في الظلام. "هل رأيت ذلك؟"

نظرت إلى الاتجاه الذي أشارت إليه، لكنه لم يرَ شيئًا. "ماذا رأيتِ؟"

"هناك... شخص يقف هناك."

شعر علي بالبرد يزحف عبر عموده الفقري. رغم عدم رؤيته لأي شيء، إلا أن نبرة مريم كانت مليئة بالخوف الحقيقي. "لربما كان مجرد ظل، لا داعي للقلق."

لكن قبل أن ينتهي من كلامه، ظهر شخص غريب فجأة بين الأشجار. كان يرتدي معطفًا طويلًا يغطي وجهه. لم يكن يتحرك أو يتكلم، بل كان يقف ثابتًا كما لو كان يراقبهما.

بدأ قلب علي ينبض بسرعة. أمسك بيد مريم وقال: "علينا المغادرة."

لكنهما لم يستطيعا. فجأة، أحاطت بهما مجموعة من الأشخاص الغامضين. كانت ملامحهم غير واضحة، وكأنهم أشباح تائهة. بدأوا يتقدمون نحو علي ومريم ببطء، وكلما اقتربوا، ازداد الظلام حولهم.

صاحت مريم برعب: "ماذا تريدون منا؟!" لكن لم يجبها أحد. بدلاً من ذلك، بدأت الأصوات تهمس من كل جانب، كلمات غير مفهومة تحمل في طياتها تهديدًا غامضًا.

حاول علي التفكير بسرعة، لكنه شعر بالعجز. كان يعلم أن عليهما الهروب، لكن قدميه كانتا متجمدتين من الخوف. "مريم، اهربي!" صرخ.

لكنها لم تستطع التحرك. كانت عيناها مثبتتين على أحد الأشخاص الغامضين، وكأنها تحت تأثير تعويذة سحرية. بدأ هذا الشخص يمد يده نحوها، وقبل أن يدرك علي ما يحدث، انطفأ القمر وساد الظلام الدامس.

استفاق علي في صباح اليوم التالي وحده في الغابة. كانت الأرض مبللة، ورائحة الخشب الرطب تعبق في الهواء. لكن مريم لم تكن هناك. نادى باسمها مرارًا وتكرارًا، لكن لم يأتِ أي رد.

شعر علي بالذعر. حاول تذكر ما حدث، لكن ذاكرته كانت مشوشة. كل ما يتذكره هو الظلام، والأشخاص الغامضين، ووجه مريم المليء بالخوف.

ركض نحو القرية بأقصى سرعة، وعندما وصل، أخبر أهلها بما حدث. لكنهم نظروا إليه بريبة وقالوا: "مريم؟ من هي مريم؟ لم يكن هناك أي فتاة بهذا الاسم هنا."

شعر علي وكأن الأرض تنسحب من تحته. "ماذا تقولون؟ إنها زوجتي! كنا نعيش هنا منذ سنوات!"

لكنهم أصروا على أن لا أحد في القرية يعرف أي شيء عن مريم. وفي تلك اللحظة، أدرك علي الحقيقة المرعبة: الغابة قد أخذتها، ومسحت وجودها من ذاكرة الجميع... بما في ذلك ذاكرته.

كل ما تبقى له هو شعور عميق بالخوف والضياع. لم يكن يعلم كيف يعود إلى منزله، أو إذا كان لديه منزل أصلاً. كل ما يعرفه هو أنه فقد شيئًا عزيزًا، شيء لن يعيده أبدًا.

ومع مرور الأيام، بدأ علي يسمع الهمسات. كلمات غير مفهومة، تذكره بتلك الليلة في الغابة الملعونة. همسات تطارده في كل مكان، تذكره بأن مريم قد تكون في مكان ما، تنتظره. ولكن هل لديه الشجاعة ليعود إلى الغابة مرة أخرى؟ وهل سيتذكرها إذا وجدها؟

مع مرور الوقت، بدأت ملامح وجهها تتلاشى من ذاكرته، تاركة وراءها فراغًا مؤلمًا. ومع كل يوم يمر، كان يدرك أنه ربما لن يجدها أبدًا، ولن يتذكر ما فقده. ظل علي يعيش في ظلال تلك الليلة المرعبة، عالقًا بين الحقيقة والوهم، بين الخوف والأمل.

مرت سنوات عديدة منذ تلك الليلة المشؤومة، ولم يتوقف علي عن البحث في الغابة. على الرغم من أن ملامح مريم بدأت تتلاشى من ذاكرته، إلا أن شعور الفقد لم يغادره أبدًا. وفي إحدى الليالي الباردة، بينما كان يسير ببطء بين الأشجار المظلمة، سمع صوتًا مألوفًا يناديه باسمه. توقف للحظة، شعر بقلبه ينبض بشدة. كان الصوت يأتي من أعماق الغابة، وكأنه يناديه من عالم آخر. اتبع الصوت بلا تردد، وكلما اقترب، أصبح أكثر وضوحًا. أخيرًا، وصل إلى دائرة من الأشجار، وهناك، وسط الظلام، لمح ظل مريم. لم تكن واضحة تمامًا، بل كأنها شبح أو ذكرى بعيدة. مدت يدها نحوه، وابتسمت ابتسامة حزينة. همس علي: "مريم؟" لكنها لم ترد. وفجأة، أحاط بهما الضوء الساطع، وابتلعت الأرض كل شيء. عندما استيقظ علي، وجد نفسه وحده في الغابة مرة أخرى، لكنه هذه المرة شعر بالسلام. أدرك أن مريم لم تكن مجرد ذكرى، بل روح لا تزال تنتظره، ربما في مكان آخر، حيث يمكن للأرواح الضائعة أن تجد السلام أخيرًا.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

2

متابعهم

0

مقالات مشابة