همسات بين الرفوف 4
**همسات بين الرفوف -
الفصل الرابع:
أسرار بين السطور**
كان الليل قد أرخى سدوله على المدينة، وهدأ صوت المطر ليحل محله همسات الرياح بين الأشجار. كان يوسف وسارة قد أمضيا ساعات طويلة في المكتبة، يتحدثان عن الكتب والحب والمستقبل الذي قد يجمعهما. لكنهما لم يكونا وحدهما تمامًا. فقد كان هناك ذلك الكتاب الغامض الذي تركه الرجل العجوز خلفه، يرمقهم بصمت من بين الرفوف.
اقترب يوسف من الكتاب، والذي كان مغطى بجلدٍ بنيٍّ قديم، ويحمل نقشًا باهتًا بالكاد يُقرأ. نظر إلى سارة وقال: “أعتقد أن هذا هو الكتاب الذي كان يبحث عنه الرجل العجوز. يبدو قديمًا جدًا، وكأنه يحمل قصة ما لم تُحكَ بعد.”
أخذت سارة الكتاب بين يديها، وبدأت تتفحصه بعناية. كان يبدو عليها الفضول، وكأن شيئًا ما داخلها كان يدفعها لفتح الكتاب واستكشاف ما بداخله. قالت وهي تبتسم: “لنرى ما إذا كان هذا الكتاب يحمل أسرارًا تستحق الكشف.”
فتحت سارة الكتاب ببطء، وتناثر الغبار القديم حولهما. كانت الصفحات مهترئة، لكنها تحمل بين طياتها كلمات وكأنها مكتوبة من زمن بعيد. بدأت سارة بقراءة السطور بصوتٍ منخفض، وكان يوسف ينصت إليها باهتمام.
“في قديم الزمان، كان هناك عاشقان يفترقان ويجتمعان بين الحين والآخر... تحت ظلال شجرة قديمة، كانت تجتمع أرواحهما وتفترق كأوراق الشجر التي تسقط في الخريف، ثم تعود لتتفتح في الربيع...”
كان النص يبدو مألوفًا بشكل غريب، وكأنه يعكس جزءًا من حياة سارة ويوسف. توقف يوسف للحظة وسأل: “هل تعتقدين أن هذه القصة لها علاقة بنا؟”
رفعت سارة رأسها عن الكتاب ونظرت إلى يوسف بعينين مليئتين بالحيرة. “لا أعلم، لكنني أشعر أن هناك شيئًا أكبر من مجرد صدفة... ربما هو مصير يجمعنا.”
استمرت سارة في القراءة، وكلما تعمقت في الصفحات، كلما انكشفت أسرار جديدة. كان الكتاب يتحدث عن حبٍ ضائع، عن لقاءاتٍ سريَّة تحت ضوء القمر، وعن فراقٍ لم يُكتب له أن يلتئم. لكن ما جذب انتباهها هو أن النهاية كانت مفقودة. كانت الصفحات الأخيرة ممزقة، تاركةً القصة بدون خاتمة.
قال يوسف متأملًا: “ربما لم يُكتب لهذه القصة أن تنتهي بعد. ربما نحن من سنكتب نهايتها.”
أومأت سارة بالموافقة، ثم قالت بنبرةٍ حازمة: “أعتقد أن علينا البحث عن الرجل العجوز. ربما يحمل هو باقي القصة، أو على الأقل، يعرف ماذا يجب علينا أن نفعل.”
في تلك اللحظة، شعر يوسف أن سارة قد أصبحت أكثر من مجرد صديقة أو شريكة قراءة. كانت تشاركه في مغامرة بدأت تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهما. وكان يعرف أنه مستعد للمضي قدمًا، مهما كانت الأسرار التي سيكشفانها.
قرر يوسف وسارة أنهما سيقضيان الأيام القادمة في البحث عن الرجل العجوز. كان لديهما عنوان قديم وجده يوسف مكتوبًا على إحدى الصفحات، وكأنها دعوة مفتوحة للبحث. كانا يعرفان أن رحلتهما قد تكون طويلة، وربما تحمل في طياتها تحديات لم يتوقعاها.
لكن في تلك اللحظة، وبينما كانا يغادران المكتبة سويًا، كان هناك شعورٌ مشترك يجمع بينهما: شعور بأن الحب الذي بدأ ينمو بينهما ليس مجرد صدفة، بل هو جزء من قصة أعمق، قصة تستحق أن تُكتب.
أُغلقت أبواب المكتبة خلفهما، وتركوا الكتاب القديم على الطاولة، مفتوحًا على الصفحات التي قرؤوها للتو. لكن سارة لم تستطع أن تقاوم النظر إليه مرة أخيرة قبل أن تغادر. وكأنما كانت تعرف أن تلك القصة لم تنتهِ بعد... وأنها ويوسف سيكونان جزءًا منها، حتى النهاية.