همسات بين الرفوف 5
همسات بين الرفوف
**الفصل الخامس:
أسرار بين السطور**
مرت الأسابيع بسرعة، وأصبحت لقاءات آدم وليلى في المكتبة جزءًا من روتين حياتهما اليومي. كل يوم كانا يكتشفان شيئًا جديدًا عن بعضهما البعض، لكن في تلك اللقاءات الهادئة، كانت هناك دائمًا أسئلة لم تُطرح بعد، وأسرار لم تُكشف.
في إحدى الأمسيات، بينما كانت ليلى تتصفح كتابًا قديمًا عن الحب والموسيقى، وجدت بين صفحاته رسالة قديمة، مكتوبة بخط يد أنيق. كانت الرسالة قصيرة، ولكنها مليئة بالعواطف. قرأتها بصوت خافت: “إلى من يقرأ هذه الكلمات، الحب ليس مجرد شعور، بل هو لحن يعزف على أوتار القلوب. في يوم ما، ستجد تلك النغمة التي تُكمل قلبك، فلا تتردد في متابعة اللحن أينما قادك.”
شعرت ليلى برعشة في قلبها، وكأن تلك الكلمات كانت موجهة لها مباشرة. سألت آدم بنبرة فضولية: “هل تعلم شيئًا عن هذه الرسالة؟ تبدو وكأنها تخفي سرًا.”
تردد آدم لوهلة، ثم قال: “في الواقع، هذه الرسالة كتبها جدي لجدتي قبل سنوات طويلة. كانت علاقتهما مليئة بالحب والحنين، وكان جدي يعتقد أن الموسيقى والحب مترابطان بشكل لا ينفصم.”
نظرت ليلى إلى آدم بتمعن، وسألته: “لماذا لم تخبرني عن ذلك من قبل؟ يبدو أن هناك الكثير عنك لا أعرفه.”
تنهد آدم وقال: “هناك أشياء في الماضي تجعلنا على ما نحن عليه اليوم. جدتي كانت حبه الأول والأخير، وعندما فقدها، تغيرت حياته بالكامل. أصبح وحيدًا، وانغمس في الكتب والموسيقى، متمنيًا أن يجد سلوى لروحه.”
صمت للحظة، ثم أضاف: “أعتقد أن جزءًا من حياتي يشبه حياة جدي. كنت أعيش في عزلة، أبحث عن شيء لم أكن أعلم ما هو. ولكن منذ أن التقيتك، بدأت أفهم ما كان يبحث عنه جدي. الحب ليس مجرد فكرة، بل هو الحياة نفسها.”
شعرت ليلى بأن كلمات آدم كانت صادقة وعميقة، وأدركت أن هناك جانبًا منه لم تعرفه من قبل. كان هناك عمق في شخصيته، وربما حتى جرح قديم كان يخفيه وراء كتبه.
بينما كانا يجلسان في المكتبة، استمر الحديث بينهما في الانسياب، وكشف كل منهما للآخر أسرارهما المدفونة. أخبرته ليلى عن خوفها من الفشل، وعن رحلتها في البحث عن ذاتها، وعن الأوقات التي شعرت فيها بالضياع في حياتها.
اقترب آدم من ليلى وأمسك بيدها، وقال بصوت مليء بالحنان: “ليلى، لا أحد منا كامل. كل واحد منا يحمل جروحه وأسراره، لكني أريد أن أكون الشخص الذي يقف بجانبك في رحلتك، كما أنك أصبحت جزءًا مهمًا من رحلتي.”
شعرت ليلى بالطمأنينة في كلماته، وكأنهما قد وجدا في بعضهما ما كانا يبحثان عنه طوال حياتهما. كانت تلك الليلة بمثابة نقطة تحول في علاقتهما، حيث بدأت القلوب تتحدث بلغة لا يفهمها سوى العاشقين.
ومع مرور الوقت، أصبح كل لقاء بينهما مليئًا بالعمق والصدق. كانت هناك دائمًا أسرار بين السطور، ولكنها لم تعد حاجزًا بينهما، بل جسرًا يعبرانه معًا، نحو حب أعمق وأقوى.
--