مخطوطة ابن إسحاق العائد الجزء الثالث والأخير من سلسلة "مدينة الموتى"

مخطوطة ابن إسحاق العائد الجزء الثالث والأخير من سلسلة "مدينة الموتى"

0 المراجعات

إهداء

إلى الصوت الذي كان يصاحبه شعور باللايقين... إلى كل شيء مرّ علينا.


داخل غرفة التشريح بمشرحة "زينهم"، كان يقف خالد والمأمور أمام جثة غريبة. أمامهم، على المنضدة، كائن متحول على هيئة لم يرها خالد من قبل. قال للمأمور:

"لم أر كائنًا من هذه الفصيلة قط. كائن يمتلك في يديه ثلاثة أصابع تشبه المخالب."

رد المأمور بقرف:

"هل ستبدأ التشريح الآن؟"

أعاد خالد الجثة لموضعها وأمسك الرأس الذي كان مختلفًا عن البشر. أزاح بعض الشعر الكثيف وقال:

"هناك قرنان صغيران لهذا الكائن الغريب، لم أر مثلهما من قبل." وأشار إلى القدمين قائلاً: "وقدمين غريبتين؛ أقرب إلى حوافر الماعز."


سأل المأمور:

"كيف ستبدأ التشريح؟"

أجاب خالد: "سأبدأ بالرأس، وتحديدًا الفم."

فتح الفم ليكتشف أن الأسنان طويلة جدًا، وكان عددها يزيد عن المعتاد. بينما كان يعدّ الأسنان، فجأة، فتح الكائن عينيه. تراجع المأمور مرعوبًا وهو يلهث، لكن خالد قال بهدوء:

"لا تخف، هذا رد فعل طبيعي للجثة. أحيانًا تتحول من حالة التصلب إلى حالة الارتخاء."

هدأ المأمور قليلاً، بينما نظر خالد إلى الجثة مجددًا وهو يفحص الأسنان. فجأة، تحركت يد الكائن وهاجمت وجه خالد بمخالبه، مما أدى إلى جرح عميق في خده. تراجع خالد ممسكًا بجرحه، بينما صدم المأمور، ثم فجأة وقف الكائن على قدميه القصيرتين.


نظر الكائن حوله، ثم حدق في خالد والمأمور. أغمض عينيه ببطء لتختفي ملامحه، وتحولت تدريجيًا إلى ملامح وجه المأمور. حتى بشرته بدأت تتغير تدريجيًا لتشبه بشرة المأمور. وفجأة، فُتح باب غرفة التشريح بقوة، ودخل حامد وهو يقول بصوت جهوري:

"دخول الحمام ليس كخروجه يا مولانا!"

لكنه تعثر فجأة وسقط على وجهه مطلقًا صرخة ألم. نظر له الكائن بدهشة، بينما رفع حامد وجهه من الأرض وقال:

"والنبي، لا تهاجم حتى أتمكن من الوقوف!"

لم يعرف الكائن هل كان حامد يمزح أم يتحدث بجدية. في تلك اللحظة صرخ حامد مرة أخرى:

"هيا يا رحيم، لنقضِ عليه!"


دخل عماد وبرفقته شخص آخر، يشبه الرجل الأربعيني، لكن له ملامح غريبة. نظر الكائن إلى الشخص الجديد برعب. رفع الشخص يده اليمنى وأشار ناحية الكائن قائلاً بهدوء:

"قيدوه وانقلوه معنا."

تلاشى الدخان من حول الكائن وترك مكانه فارغًا. نظر الرجل إلى المأمور وقال بابتسامة:

"ألم أقل لك ألا تتدخل في هذه القضية؟"


في مكان آخر، بينما كان محمود يحقن إسلام في ذراعه، فجأة انهار الجدار المجاور لهم. دخل كائن غريب مغطى بالغبار من الفتحة، جسده العاري بدا ضخمًا ومتناسقًا مثل أجسام لاعبي كمال الأجسام، لكن بدون عضو ذكري. كان الوجه مشابهًا لوجه إسلام، لكن بملامح مشوهة وعينين مشقوقتين بالطول مثل القطط، وقرنين يبرزان من وسط شعره.

تقدم الكائن نحو محمود الذي حاول لكمه، لكن الضربة لم تؤثر فيه. أمسك الكائن بمحمود ورفعه عاليًا قبل أن يصدم رأسه بالجدار مرارًا وتكرارًا، حتى خبت حركته تمامًا وغطت الدماء الجدار.

سقط جسد محمود على الأرض هامدًا، بينما تقدّم قرين إسلام نحو السرير حيث كان إسلام يجلس، فتحدث بصوت إسلام:
"تحت أمرك."

فُتح الباب فجأة، وظهر من خلفه رجل أمن المستشفى وهو يحمل مسدسه، وكان يرتعش من الخوف. زاد خوفه عندما رأى القرين، وقال بصوت متردد:
"ارفع يديك للأعلى!"

نظر القرين إلى رجل الأمن بلا تعبير، ثم تقدّم نحوه ببطء. أغمض رجل الأمن عينيه وأطلق رصاصتين عليه، لكنهما لم تؤثرا. أطلق رصاصة ثالثة اصطدمت بصدر القرين وارتدت عنه. صرخ رجل الأمن في رعب، والقرين ما زال يتقدّم نحوه، ثم فجأة اختفى. دار رجل الأمن بعينيه في الغرفة محاولًا البحث عنه، لكنه بدلاً من ذلك رأى رقية المغشي عليها وجثة محمود. حينها، سقط المسدس من بين يديه عندما رأى جسد محمود يتغير ويصبح مغطى بالشعر، حتى تحول إلى كائن صغير يشبه القرد يرتدي نفس ملابس محمود.

دخلت مجموعة من الممرضات إلى الغرفة بعد سماع صوت الرصاص، وما أن دخلن حتى صرخت إحداهن في ذعر. تحرك إسلام الذي كان على السرير ببطء وأشار إلى رقية. ارتبك رجل الأمن والتقط مسدسه من الأرض، ووجّهه نحو إسلام وهو يتراجع إلى الخلف، لكنه اصطدم بالممرضات. وفي تلك اللحظة سُمِع صوت رجل من خارج الغرفة يسأل:
"ماذا يحدث هنا؟"

تراجعت الممرضات ليتيحوا المجال لدكتور منصور، المشرف على قسم الجلدية، الذي دخل الغرفة ليجد رجل الأمن مذعورًا وسلاحه في يده.
"اترك سلاحك يا بني، ماذا حدث؟"

نظر له رجل الأمن بخوف، ثم أسقط السلاح مرة أخرى. كانت صدماته متتالية منذ أن أطلق الرصاص لأول مرة في حياته، ورؤية تحول الدكتور محمود إلى كائن غريب، وصولاً إلى إسلام الراقد على الفراش والذي يشبه الكائن الذي هاجمه منذ قليل.

اتسعت عينا الدكتور منصور دهشة من جثة محمود الذائبة. نظر في الغرفة حتى وقع بصره على رقية، فأسرع بجانبها محاولاً إنعاشها، بينما إسلام كان يريح رأسه على الوسادة وهو ينظر إلى السقف قبل أن يغمض عينيه.


استفاقت رقية لاحقًا في جناح آخر من المستشفى. نظرت حولها بقلق وسألت بإلحاح:
"ماذا حدث لإسلام؟"

أجابتها إحدى الممرضات:
"إنه نائم في غرفة أخرى، بعد أن دمرت غرفته السابقة."


في تلك اللحظة، كان إسلام يحاول فهم ما حدث. شعر بيد ناعمة تلمس شعره، وعندما فتح عينيه وجد رقية تنظر إليه بلهفة. ارتبكت وأبعدت يدها سريعًا عندما رأته يفتح عينيه. ابتسم إسلام بطرف فمه الذي يستطيع تحريكه بصعوبة. قالت رقية وهي تدفع خصلة شعر خلف أذنها:
"حمدًا لله على سلامتك."

تأملها إسلام بعينيه، لاحظ الإرهاق على وجهها من كل ما حدث، لكنه لم يستطع إلا أن يلاحظ جمالها وملامحها المميزة. حاول التحدث ولكنه لم يستطع بعد، فبقي يراقبها بصمت.


سألت رقية فجأة:
"من هذا الذي يريد قتلك؟ ولماذا كنت ترى هلوسات بعد ذلك؟ وكيف انهار الجدار بين غرفتك والغرفة المجاورة؟"

نظر إسلام إلى السقف وقال بهدوء:
"هل يمكنني أن أناديكِ رقية؟"

تفاجأت بالسؤال، لكنها لم تجد مانعًا في ظل تلك الظروف. ردّ إسلام:
"ما شاهدتيه لم يكن هلوسة، يا رقية. لقد رأيته معك."

انكمشت رقية وبدت متوترة، ثم استجمعت شجاعتها وقالت:
"ما الذي تريد أن أخبره لعماد؟"

وقبل أن يكمل إسلام حديثه، سمع طرقات على باب الغرفة. دخل عماد وحامد ومعهما شخص لا يعرفه إسلام. نظر عماد إلى رقية وقال بهدوء:
"هل يمكن أن تتركينا مع إسلام وحدنا؟"

أجابته رقية بتحدٍ:
"مع الأسف، لن أتركه."

همس لها إسلام بهدوء:
"لا تقلقي، أنا أعرفهم."


التفتت رقية نحو إسلام وألقت عليه نظرة مطمئنة قبل أن تغادر الغرفة. ثم بدأ الحوار بين إسلام وعماد وحامد والشخص الغريب، الذي قال بصوت ثابت:
"أنا يصفيدش بن ذا العغات."

لم يظهر أي تعبير على وجه إسلام، فسأل ببرود:
"من؟ وما معنى هذا الاسم؟"

أجاب عماد وهو يقترب من السرير:
"حراستك التي وضعها عليك حازم أخبرتنا بكل ما حدث."

سخر إسلام قائلاً:
"حراستي؟ من الواضح أنهم قاموا بحراستي جيدًا!"

ردّ عماد موضحًا:
"هم يحرسونك من الجان، لكن عندما يتشكل الجان بهيئة بشر، يجب أن يتشكلوا هم أيضًا. لكنهم غير مأمورين بذلك."

أضاف يصفيدش قائلاً:
"بالتأكيد ارتبكوا عندما ظهر قرينك ليقتل الغول. كيف حدث ذلك؟"

أجاب إسلام بحيرة:
“لا أعرف... لكن كيف عرفت أنت عن الأمر؟”

[يصفيدش] جلس على طرف الفراش وقال بصوت هادئ، "وكيف تكون خدمتك وأنا هنا أتحادث معك؟"  
عماد كان على وشك إكمال فكرته، لكنه قُطع بصوت خشن وحاسم من [يصفيدش]، "إنها المشكلة الوحيدة الآن، ألم تفهم بعد؟!"

غمغم عماد لبرهة، محاولًا تجميع أفكاره، بينما [يصفيدش] توجه نحو إسلام وقال بصوت جاد: "هل سمعت باسم [يصفيدش بن ذاعات] من قبل؟"  
إسلام رد بارتباك، "لم أعرفه بعد، ولكني أبحث عنه."  
يصفيدش نظر له بنظرة حادة، ثم استفسر عن الكلية التي يدرس فيها إسلام، الذي أجاب دون حماس، "كلية العلوم."

تدخل عماد ليضيف بحزم، "صاحبكم يفقد ذاكرته تدريجيًا."  
ثم توجه بالحديث لحازم: "قبل وصول إسلام، لاحظت نقطة صغيرة تتحرك بسرعة غريبة داخل سوائل الغرفة. في البداية، لم أفهم ما هي، ولكنها بدت وكأنها تحركات من عالم آخر... قرناء الرجال الذين ماتوا."

لكن قبل أن يتمكن من التوضيح، انفجرت الغرفة فجأة، واندلعت النيران بلا سابق إنذار. حازم وعماد طارا واصطدما بالحوائط، والدخان الأسود تخلل كل زاوية. زحف حازم بصعوبة نحو عماد، محاولًا التأكد إن كان ما زال على قيد الحياة، ولكنه وجده مضرجًا بالدماء.

بعد دقائق من فقدان الوعي، استعاد حازم وعيه بصعوبة، لكن الألم في جسده كان لا يطاق. وبالكاد تمكن من الوقوف، كانت الدماء تغطي وجهه وجسده، وكان الألم يزداد كلما نظر إلى الجروح والقطع الزجاجية التي اخترقت جسده. حاول التحرك، لكنه لم يتمكن من استعادة توازنه وسقط مرة أخرى.

مرت ثلاث ساعات قبل أن يفيق مجددًا. كانت رائحة الغبار تعبق في أنفه، والنزيف لم يتوقف بعد. فتح باب الغرفة بصعوبة، وبدأ في البحث عن المساعدة، لكنه كان يدرك أن الأمل ضئيل جدًا.

فوجئ (طه) بشعور غريب يسيطر عليه وهو يستمع لصوت قادم من طرف الصالة. كان الصوت يبدو مألوفًا ولكنه لا يتناسب مع كون الشقة فارغة. تحرك بحذر، مشدود الأعصاب، إلى مصدر الصوت.

عندما وصل إلى الباب المؤدي إلى الصالة، وقف قليلًا، يحاول تمييز الصوت بدقة. بدأ الصوت يتضح أكثر، كأنه موسيقى قديمة مشوشة تتداخل مع أصوات همسات غير مفهومة. دفع الباب ببطء، فإذا به يرى شيئًا غريبًا: قطع أثاث كانت مرتبة منذ قليل بدأت تتحرك تلقائيًا. الأريكة تزحف قليلًا إلى اليمين، الكرسي يتأرجح دون أن يلمسه أحد.

ابتلع ريقه بصعوبة وهو يراقب هذا المشهد الغريب. عيناه تجولان في أرجاء الغرفة، إلى أن رأى شيئًا أكثر غرابة. على الطاولة، كانت هناك صور قديمة، صور لوالده وأمه. الصور كانت تتحرك هي الأخرى، تتحول من صورة إلى أخرى بشكل سريع، وكأنها تعرض شريط ذكريات حياتهم معًا.

تقدم (طه) بحذر، ومد يده نحو الصور. في اللحظة التي لمس فيها إحدى الصور، تجمدت كل الأشياء في مكانها، وكأن الزمن توقف فجأة. همس صوت غامض في أذنه: "لقد عاد."

شعر طه ببرودة شديدة تسري في جسده، وحاول أن يتراجع، لكنه كان مجمدًا في مكانه. فجأة، أظلمت الغرفة بالكامل، ولم يبقَ سوى صوت واحد يتردد في ذهنه، صوت والده الذي لم يسمعه منذ سنوات.

همس الصوت مرة أخرى، هذه المرة بصوت أقوى وأكثر وضوحًا: "حان الوقت لتعرف الحقيقة."

شعر (طه) بيد باردة تلامس كتفه، واستدار بسرعة، لكنه لم يجد أحدًا.

رد (رحيم) وهو ينظر حوله: "لا شيء حتى الآن، ولكن لا أشعر بالراحة هنا، كل شيء غريب ومريب."

نظر (حامد) إلى قدميه داخل الدائرة المضيئة وأخذ يفكر: "هل هذه حقًا تجربة أو اختبار من نوع ما؟"

فجأة، بدأت الدائرة التي يقف عليها (حامد) تتوهج أكثر فأكثر، وظهر نمط معقد من الرموز على الأرض تحت قدميه. شعر بحركة تحت قدمه وكأن الأرض نفسها تحركت قليلاً.

"هل تشعر بذلك؟" سأل (حامد) بصوت متوتر.

رد (رحيم) وهو يراقب من دائرته: "نعم، لكن لا أعرف ما الذي يعنيه ذلك."

قبل أن يتمكن (حامد) من الرد، بدأت الغرفة بأكملها تهتز بلطف. كان الصوت منخفضًا، كأنه هدير بعيد. فجأة، انطلقت الأضواء في كل مكان داخل الغرفة النحاسية، وشعروا بقوة غامضة تحيط بهما.

نظرت عيون (حامد) إلى (رحيم) في خوف، ولكن (رحيم) بدا وكأنه توقع شيئًا كهذا. قال (رحيم) بهدوء: "أعتقد أن الغرفة تقوم بإجراء اختبار لك، تذكر أنك الآن سيدها. عليك أن تواجه ما تقدمه لك."

في تلك اللحظة، ظهرت كائنات غامضة من الزوايا المظلمة للغرفة. كانت تشبه ظلالًا متحركة، أشكالها غير واضحة لكن شعورًا بالهيبة والخوف ملأ الهواء.

همس (حامد): "ما هذه الكائنات؟!"

ابتسم (رحيم) ابتسامة خفيفة وقال: "إنها أرواح قديمة، ربما خدم الغرفة في العصور السابقة. يبدو أنهم يريدون التأكد من أنك تستحق السيطرة على هذه الغرفة."

نظر (حامد) إلى الكائنات التي اقتربت ببطء، وقلبه ينبض بشدة. لم يكن أمامه خيار سوى المواجهة، فهذا هو الاختبار الذي كانت الغرفة تخبئه له.

عندما قرأ (طه) الخطاب، امتلأ قلبه بالأسى والألم، ولم يكن يعلم كيف يواجه هذه الحقيقة الثقيلة. يبدو أن والده كان يعيش حياة مليئة بالأسرار والعوالم الخفية التي لم يكن (طه) على علم بها.

في تلك اللحظة، استرجع (طه) ذكرياته مع والده، وتذكر نصائحه وتعليمه، وحاول أن يربط بين كل ما حدث وما جاء في الخطاب. كما تذكر اللحظات التي شهد فيها والده وهو يعمل في ورشته، وتلك الكلمات الغامضة التي كان يرددها بين الحين والآخر.

خرج (طه) بسرعة من الشقة وتوجه إلى ورشته. شعر بشعور عميق من المسؤولية تجاه إرث والده. لا بد من أن يكتشف الحقيقة وراء هذا الإرث الغامض، ويعرف كيف يتعامل مع عالم الجان الذي كان والده على اتصال به.

دخل إلى الورشة ووجد الأدوات والكتب القديمة التي كانت تخص والده. بدأ في تفحص الكتب والوثائق بحثًا عن أي أدلة قد تساعده في فهم ما حدث، وكيفية التعامل مع الوضع الذي أصبح فيه.

بينما كان (طه) يفتش في الأوراق والكتب، لاحظ شيئًا لافتًا: كانت هناك كتب مخطوطة باللغة القديمة، وأدوات غريبة كانت تستخدم في الطقوس السحرية. لم يكن لديه فكرة واضحة عن كيفية استخدامها، لكنه كان عازمًا على اكتشاف الحقيقة.

أخذ (طه) قرارًا بأن يتبع كل خيط يمكن أن يقوده إلى الحقيقة. بدأ بمراجعة كل الوثائق المتاحة، وجمع المعلومات عن عالم الجان، واستعد لمواجهة ما هو قادم.

وفي الوقت نفسه، في المستشفى، كان (عماد) يجلس مع (يصفيدش) ويستمع إلى الأخبار. كان يشعر بالقلق حيال الأحداث التي تحدث بسرعة. لم يكن يعرف ما هي الخطوة التالية، لكنه كان عازمًا على أن يكون جزءًا من الحل.

عندما خرج (عماد) من المستشفى، قرر أن يتابع التحقيقات بنفسه، ويحاول التواصل مع أي شخص قد يكون لديه معلومات حول الغرفة النحاسية والعالم الغامض الذي كان والده (طه) مرتبطًا به.

بينما كان (طه) و(عماد) يعملان بشكل منفصل، كانت القوى الغامضة التي تحرك الأحداث تتجمع في الخلفية، وتخطط لخطواتها القادمة. وكل من (طه) و(عماد) كانوا على أعتاب كشف أسرار قد تغير مصيرهم للأبد.

التجارب العلمية:

أجرى (طه) تجربة في الورشة التي تحتوي على لوحين خشبيين محفورين بدوائر حلزونية. كان هناك مساحة فارغة بين اللوحين قريبة من مترين. تم توصيل الأسلاك بجهاز لقياس شدة التيار الكهربائي. قال (طه) للشخص الذي يخضع للاختبار: "إذا كنت تقف، سأشغل الجهاز. حاول أن تقاوم المجال المغناطيسي." ثم ضغط على أحد الأزرار، مما أدى إلى ظهور شرر كهربائي بين اللوحين. أخذ مؤشر الملتيمتر يرتفع على الجهاز حتى استقر عند رقم معين، وطرح (طه) سؤالًا عن شدة التيار. بعد إيقاف الجهاز، انفصل التيار الكهربائي عن الأسلاك.

بحث (طه) بين الأوراق بسرعة حتى عثر على ورقة تحتوي على بعض المعادلات من فترة مضت. توقف عند نقطة معينة في إحدى المعادلات وعلق عليها. ثم عاد إلى جهازه وطلب من الشخص أن يحاول مقاومة المجال المغناطيسي مرة أخرى. أجرى معادلة بسيطة وأخرج رقمًا تأمل فيه لثوانٍ، ثم ضغط على زر تشغيل الجهاز. كانت هناك ساعة ملفاة بإهمال بين الأوراق، تشبه الساعات القديمة التي كانت تعلق بسلسلة، ولكنه صنعها من البورسلين الخالص كي لا تتأثر بالمجال الكهرومغناطيسي. استغرق شهرين في صنعها على طريقة الساعات القديمة التي يدير زنبركها كل عشرة ساعات. أدار الجهاز ليسري التيار الكهربائي داخل الأسلاك النحاسية وأخذ ينظر إلى ساعته منتظرًا مرور دقيقة وعشرين ثانية. في تلك الأثناء، تحرك جسد (الجساس) داخل الحقل المغناطيسي عدة مرات قبل أن يمسكه (طه) بعد مرور الوقت المحدد. فجأة، ظهر جسد (الجساس) منتصبًا وقال بصوت قوي: "شكرًا يا (طه). لقد عدت لسابق عهدي بفضلك."

شكرك لي أن تُعرفني بقاتل والدي

قال (الجساس): "الآن قمت بإشارتن في عالمي وسأتبعتني من قتلتهم قديمًا بأمر والديك. يجب أن أهرب. لاحقًا سأخبرك..." توقفت عبارته فجأة عندما أدار (طه) الحقل المغناطيسي بمرود وقال بصوت عال: "بعد ثوانٍ، ستنهار ذرات جسدك نتيجة الطاقة المنبعثة من الحقل. لن تتحرك من مكانك قبل أن تخبرني." أغلق الحقل ونظر إلى جسد (الجساس) وهو يبتسم.


 

كان (عماد) يضرب بيده على نقوش الباب الضخم، محاولاً بيأس فتحه. صرخ باسم (حامد) لنصف ساعة بلا جدوى. توقف الزمن عند هذه اللحظة فلا هو يستطيع مغادرة المكان بدون (حامد) ولا هو يقدر على عبور الباب. صرخ باسم (حامد) للمرة الأخيرة بكل ما أوتي من قوة حتى بكى صوته. فجأة، سمع صوت (حامد) يأتيه من الداخل: "كن صبورًا. سأفتح الباب ثانية واحدة." لم يفهم (عماد) سبب برود لهجة (حامد)، كأن الآخر في الحمام و(عماد) يطلب منه الإسراع فقط. انفتح الباب قليلًا وظهر من خلفه رأس (حامد) الذي يبتسم ببرود.

قال (حامد) بدهشة: "ما الذي حدث؟"

رد (عماد) بقلق: "ما الذي حدث؟"

في الغرفة التي عادت إلى حالتها السابقة مع بعض التعديلات، أتى (حامد) وقد ظهر بمظهر مختلف قليلاً وذهب ليقف بجانب المنضدة. قال (حامد): "إنه نيو لوك." نظر (عماد) إلى (حامد) باندهاش، وذهب ليتفقد المنضدة حيث وجد زجاجة تحتوي على مادة كيميائية مغلقة بسدادة.

أوضح (حامد) لـ (عماد) أنه علم كيفية التعامل مع الغرفة النحاسية من خلال بعض النقوش القديمة والتجارب. وأضاف: "الغرفة تعيد تكوين نفسها بعد تدميرها. وعندما تجد نفسك داخل نطاقها، تقبلك كجهاز جديد له لأن بياناتك القديمة قد انتقلت بعد إعادة تهيئة الغرفة."


 

قال (عماد) بذهول: "يمكنني تصديق أن (يوسف) لم يمت وأنه قد يظهر بين الجان قريبًا، ولكن أن تكون هذه الغرفة النحاسية؟"

أجاب (حامد): "نعم، الغرفة تعيد تكوين نفسها بعد كل تدمير. كان الأمر يشبه إعادة تهيئة جهاز كمبيوتر، حيث يتم مسح البيانات القديمة واستبدالها ببيانات جديدة."

رد (عماد): "سأذهب لأخبر البقية بما حدث."

قال (حامد): "سأبقى هنا قليلًا لأرتب الأمور."


 

كان (مهران) قد خرج من المسجد، وقد غمره التوتر حول ما حدث. بينما كان يمشي، شعر بشيء غريب وأحس بوجود شخص يراقبه. وعندما نظر خلفه، وجد (بيرقدار) يقف خلفه تمامًا، ممسكًا بسكين صغير.

قال (بيرقدار) بعصبية: "أين العجوز الذي سرت معه اليوم؟" شعر (مهران) بنبضات قلبه تتسارع، وعاجله (بيرقدار) بضربة من مقبض السكين على وجهه، محاولاً معرفة مكان العجوز. رد (مهران) باضطراب: "ذهب في طريقه. لا أعلم."

واصل (بيرقدار) ضربه بسكينه، مما دفع (مهران) للركض بأقصى سرعة هاربًا إلى الحارات المزدحمة، محاولاً تجنب ملاحقة (بيرقدار) والبحث عن الأمان.


 

جلس (القصاب) داخل منزله، منتظرًا بحالة من الهدوء، رغم تدهور صحته. طرق الباب فجأة، وعندما فتحه، وجد (مهران) يدخل وهو متصبب عرقًا. قال (القصاب): "ادخل، وأغلق الباب خلفك."

أجاب (مهران) بلهاث: "أنا هنا، ماذا تريد؟"

أخذ (القصاب) نفسًا عميقًا وقال: "سأشرح لك كل شيء الآن."

في 7 يناير 2020، ألقت قوات الأمن في القاهرة القبض على الصحفي محمود حسين في مطار القاهرة الدولي، حيث كان في طريقه للعودة إلى قطر بعد زيارة لمصر. كان حسين، وهو صحفي في قناة الجزيرة، قد تم توقيفه بناءً على اتهامات متعلقة بنشاطات إعلامية.

في يناير 2022، تم تجديد الحبس الاحتياطي للصحفي محمود حسين لمدة 45 يومًا في سجن طرة، بناءً على قرار من النيابة العامة، حيث كانت تهمته تتعلق بنشر أخبار كاذبة وإشاعات تهدف إلى زعزعة الاستقرار. خلال فترة احتجازه، تدهورت صحة حسين بشكل كبير، حيث تعرض لمشاكل صحية عدة منها ارتفاع ضغط الدم ومشاكل في القلب.

في أبريل 2022، تم نقل حسين إلى مستشفى خارج السجن للعلاج، وذلك بعد أن أصبح وضعه الصحي أكثر خطورة. لكن بعد تلقي العلاج، أعيد إلى السجن مرة أخرى، وواصلت المنظمات الحقوقية الإعراب عن قلقها حيال حالته الصحية وظروف احتجازه.

في أغسطس 2022، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا تطالب فيه بالإفراج الفوري عن محمود حسين، مشيرة إلى أن ظروف احتجازه تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان. كما طالبت المنظمة بالإفراج عن جميع الصحفيين المحتجزين بسبب ممارستهم عملهم الإعلامي.

في أكتوبر 2022، تم الإفراج عن محمود حسين بعد أكثر من عامين من الاحتجاز. عاد إلى قطر حيث قوبل بترحيب حار من قبل زملائه وأسرته. ومع ذلك، لا تزال قضايا حقوق الإنسان وحريات الصحافة في مصر موضوعًا للقلق على الصعيد الدولي.

بعد أن أتمّ (مهران) رسم الطلسم الذي أملاه عليه والده، كان عليه الآن أن يتلو التعاويذ بتركيز وقوة حتى ينجح في مهمة صرف عمار المكان. كان يتذكر تحذير والده بضرورة التصرف بحذر وعدم التهاون، لذا أخذ نفسًا طويلاً ليكسب ثقة يفتقدها في تلك اللحظة المتهورة، ثم بدأ في تلاوة التعاويذ:

  • ياغموش. يلغموش. الغموش. مرعموش. إیلغموش. مرش. مرنوش. جل الجليل صاحب الاسم الأكبر. الأرض بكم ترج والرياح بكم تقصف والوديان بكم تخفق والجبال بكم تتزلزل وأسماء الله نار محرفة محيطه بكم بأعماقها. المكان. وإلا فتغزل ملائكة عليكم من السماء نار فتقطع سنكم الأمعاء وتفركم مدى الجحيم محروقة. الله الله. الكلام كلام الله والعبد ينفذ والأمر أمر الله ولا إله إلا هو ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الفاشلون، لن تجدوا راحة حتى ترحلوا من هذا المكان. أعزم عليكم يا شر الأرواح وأعوانها أن تزيلوا عن عمار هذا المكان بالسلاسل حول أعناقكم بالهيبة والوقار. استمعوا وأطيعوا واطردوه بطلوا حركاتهم واذهبوا بعمار هذا المكان وحريمهم وأطفالهم من الخدمة. وادفعوا خدمتي حتى ينتهي عملي هذا.

أثناء تأدية الطقوس، شعر بوجود هالة تحيط بيده بسبب الطلسم الذي رسمه. ومع مرور الوقت، بدأ يشعر بالخوف والقلق حيث تفرقت أصابعه فجأة رغم إرادته، ثم لانت أصابعه بشكل غير متوقع. هذا التغير كان علامة على أن الطلسم بدأ يؤثر.

وفي هذه الأثناء، بينما كان (مهران) يتجول في الشوارع باحثًا عن (بيرقدار)، بدأ مظهره يتغير، وأصبح أكثر قوة وعمقًا. كانت يداه تظهران قبضة قوية لفتت نظر البعض. بعد الكثير من البحث، أخيرًا سمع صوته ينادي عليه، فتوجه إليه بثقة.

عندما اقترب (مهران) من (بيرقدار) وفتح قبضة يده ليظهر الطلسم المرسوم، شعر (بيرقدار) بشيء من الضغط ورعشات متتالية تجتاح أطرافه. تعامل (مهران) مع الموقف بثقة، قائلاً بصوت خافت: "اخرجوا من يدي فإنكم مأذونون وعليكم بركة من أسيادكم وحكامكم. أدوناي أدوناي: أنكير أنكير على بساط الأسماء انصرفوا دون تأخير. سلام سلام."

في وقت لاحق، استيقظ (عماد) على صوت جرس الباب، حيث كان قد غلبه النعاس وهو يقرأ في مكتبته. انتبه إلى الجرس ونهض بصعوبة، مما تسبب في انخفاض ضغط دمه فجأة. قُوبل بترحيب من الأصدقاء الذين كانوا بجانبه.

بينما كان (حازم) يدخل ويضحك ساخرًا، شرح (قاصيم) كيف يمكن لبعض الأشخاص التأثير على المخ لزيادة إفراز الأندروفين وتخفيف الألم. وأشار إلى مثال (حامد) الذي تمكن من المشي على قدميه المكسورتين بفضل هذه التقنية.

هذا الربط بين الأحداث يظهر تطور الشخصيات والمواقف، ويبرز كيفية تأثير الطقوس والتعاويذ على الوضع الراهن وكيفية التفاعل مع الضغوطات والمشكلات.


عندما جلس (عماد) في غرفته، استرجع كلمات (حازم) حول اختفاء (حامد) وعادته. قال (حازم) وهو يضحك:

  • "هل سمعت عن (حامد)؟"

سأل (عماد) بفضول:

  • "ماذا حدث؟"

أجاب (حازم) قائلاً:

  • "أخبرني (قاصيم) أنه اختفى فترة ثم عاد للظهور. ليس هناك مستشفى منه."

أضاف (حازم) وهو يضحك:

  • "لكننا نعلم أن (حامد) أصبح الآن سيد الغرفة النحاسية."

أكمل (عماد) قائلاً:

  • "هل تماسكك لا تضحك؟"

رد (حازم) وهو يضحك أكثر:

  • "نعم، فقد أصبح (حامد) سيد الغرفة النحاسية."

في تلك الأثناء، جاء جرس الباب، ففتح (عماد) ليجد (حامد) و(رحيم) يدخلان، وكان (حامد) يرتدي بدلة وكرافة، وشعره مشط للأمام بشكل مضحك. بمجرد دخوله، توجه (حامد) نحو (حازم) وقبّله، لكن (حازم) أبعده بلطف.

قال (حامد):

  • "كيف أصبحت سيد الغرفة؟"

أجابه (حازم) بدهشة، ثم أضاف:

  • "إني فخور بأنني أعيد لك عافيتك."

سأل (عماد):

  • "أين جراحة؟"

ضحك (حازم) بينما أضاف (قاصيم) بلغة عربية:

  • "ملوك المشانق وكبارنا يستطيعون التأثير على المخ ليفرز كمية جديدة من الأندروفين بشكل ثابت لأيام، فينتهي الألم تقريباً."

تذكر (عماد) كيف سار (حامد) على قدمه المكسورة، وأكمل:

  • "لقد شفى (حامد) بسرعة رغم الإصابة."

أتى (طه) وهو يراجع الطلسم الذي أملاه عليه (الجساس) أمس. رسم الطلسم باللون الأحمر على أرض الصالة بعد إزالة السجاد. استخدم الألواح الخشبية الجديدة التي اشتراها وحفر داخلها شكلاً حلزونيًا باستخدام سلك نحاسي أكبر حجمًا من السابق. ثم صمم جهازاً لقياس التردد الكهرومغناطيسي.

بدأ (طه) بتدوين ملاحظاته حول المعادلات القديمة التي عمل عليها سنوات، مسترجعًا ذكرياته عن كيفية تعرّفه على هذا العالم. تذكر كيف اكتشف الكتب في مكتب والده وصديقه الذي كان يتصفح مواقع تتحدث عن الجن.

قال صديقه:

  • "ابن مسعود يقول إن الله خلق نارين فمزج إحداهما بالأخرى، فنتجت نار السموم، وهي جزء من نار جهنم."

أضاف (طه) وهو يتصفح الأوراق:

  • "لدينا نوعان من النار: النار التي نعرفها والنار السموحية."

تعمق (طه) في بحثه، قائلاً:

  • "الجسد يستقبل المؤثرات الخارجية كنبضات كهربائية، ويحولها إلى إشارات تُرسل إلى الدماغ. لو اختل تنظيم الذبذبات في الدماغ، يحدث الصرع."

سأله صديقه:

  • "هل تعتقد أن الجن مسؤولون عن الصرع؟"

أجاب (طه):

  • "الجن قد لا يدخلون الجسد، لكن يمكن أن يؤثروا على إشارات الدماغ."

بدأ (طه) بتطبيق نتائج أبحاثه باستخدام طاقة كهربائية لتعامل مع الجن. استخدم حقلًا كهرومغناطيسيًا لتجميع المعلومات من الجني المحتجز، وعندما كان يستجوبه، بدأ الجني يتأثر بالحقل الكهرومغناطيسي.

بعد خمس دقائق، أوقف (طه) التردد الكهرومغناطيسي، وقال مبتسمًا:

  • "سأنفذ أي محاولة للهروب خلال دقيقة."

في مشهد آخر، (حامد) و(حازم) يتحدثان عن استعداد الجن للحرب، وسألت (حامد):

  • "إذا حدثت الحرب، هل يمكننا كسبها؟"

أجاب (حازم) بتفكير:

  • "لا أعرف، لكن علينا الاستعداد."

وصلوا إلى غرفة (إسلام)، حيث كان (حامد) يعبر عن قلقه بينما (حازم) يطلب من (قاصيم) التصرف بسرعة. دخل (حامد) و(حازم) إلى الغرفة، ليجدوا (إسلام) في حالة حرجة. ثم، فجأة، دخل قرين (إسلام) ورفع الأجواء بالضغط على (حامد). تحرك (حازم) بسرعة، مطالبًا (قاصيم) بالتدخل لإنقاذ الموقف.

الفصل الرابع: "ابن ذعات"

عند السماع لما حدث، تحول وجه (إسلام) من الدهشة إلى الحيرة. نظر إلى (حازم) الذي كان يتفحص (حامد) بقلق، ثم انتقل نظره إلى (رقية) وكأنه يسألها عن السبب. شعر (حازم) بتوتر واضح وهو يتلمس رقبة (إسلام) بقوة، حتى كاد يختنق. لكن فجأة، انزاح الضغط، مما جعل (إسلام) يتنفس بعمق بعد اختفاء الضغط على حنجرته.

قال (إسلام) بحدة: "قرينك المجنون هذا!" بينما كان (حامد) ينفض التراب عن ملابسه، وكانت (رقية) تقف مذهولة وفمها مفتوح. ثم سأل: "كيف ظهر قرينك بهذا الشكل؟"

رد (حامد) بكل فخر: "أنا أيضًا أمتلك قرينًا."

أضاف (حازم) وهو ينظر إلى (رقية): "هذا هو (حازم) الذي أخبرتك عنه، والذي يمتلك جنبًا يدعى (قاصيم)."

"هل تتذكرنا الآن؟" سأل (حامد)، متجهمًا.

أجاب (حازم) بلهجة أقل حدة: "طبعًا، يا (حازم)."

لاحظ (إسلام) اللهجة العدائية التي كانت تتسرب إلى كلمات (حازم)، لكنه نظر إلى (رقية) وسأل: "هذا (حازم) الذي أخبرتك عنه، والذي يمتلك جنبًا يدعى (قاصيم). وهذا هو (حامد)."

ردت (رقية) بسرعة: "لم تجب على سؤالي!"

أجاب (حازم): "لا أعرف يا (حازم). ربما ساعدتني (رقية) على التذكر أو إيجاد حل طبي."

أضاف (حازم) وهو يجلس على مقعد بجانب الفراش، بينما جلست (رقية) على الفراش وظل (حامد) واقفًا يلعب بإصبعه في أنفه: "لقد علمت من (يصفيدش) بحالتك."

قال (إسلام) بلهفة وهو يجلس على الفراش: "ما الذي حدث لحبيبتي؟"

سأل (إسلام) بقلق، "هل حبيبتي هي الفتاة التي كانت معي لحظة الحادث؟"

أومأ (حازم) برأسه بالموافقة، فردت (رقية): "لقد سأل عنها (إسلام) أمس ونسى كل شيء عنها وعن الحادثة."

نظر (حازم) إلى (إسلام) بتفحص، وسأل: "هل تذكر أي شيء عن فقدان الذاكرة؟ وما أمر ذلك القرين؟"

فتح (إسلام) عينيه للسماء وكأنه يتذكر شيئًا، ثم قال: "لا أجد نفسي أعاني من فقدان أي معلومات. أشعر أن كل شيء غير واضح في رأسي."

سألت (رقية) بسرعة: "هل تذكر صديقك (بُنيت)؟"

هز (إسلام) رأسه نافياً بخيبة أمل. فردت (رقية): "حالة (إسلام) لم أسمع بمثلها من قبل؛ فهو يتذكر تفاصيل عن حياته الماضية والحاضرة. سأطلب استشارة طبيب مختص للتأكد من..."

رد (حازم): "لن يفيد. المسألة على الأرجح تتعلق بقرينه الذي انفصل عنه."

قال (حامد) بجدية: "لم أشهد كل شيء، ولكن ما رأيته يكفي. كان الأمر كالحلم."

واصل (حامد) بجدية: "عند دخولنا إلى منزل (إسلام) كان قرينه ليقبض علينا. وعندما أمره (إسلام) بالتوقف، امتثل للأمر، لكنه أكمل هجومه على (حازم) فجأة عندما جاء (قاصيم)... هل يتعلق الموضوع بخدامنا من الجان؟"

قال (حازم): "تذكر أن (قاصيم) خالف أمر (إسلام) ليحميه."

"ماذا بشأن هذا؟" سألت (رقية).

"نحن بحاجة لمعرفة كل شيء عن قرين (إسلام) وذاكرته." قال (حازم).

"ألم تلاحظوا شيئًا؟" سأل (حامد).

توجه الجميع إلى حديث (حامد)، وأكمل بجدية: "عند دخولنا، رأينا أن قرين (إسلام) قد بدأ هجومه فجأة. يجب أن نكون حذرين ونبحث عن أي جان عدائي."

في هذا الوقت، كان (القصاب) يجلس على مقعد في مكانه، وقد دار حديث مع (مهران) بجانبه، حيث قال (القصاب): "هل تعتقد أن ما قالته عن قريين صحيح؟"

أجابه (مهران) بجدية: "نعم، لقد كذبت في عمري على الجميع إلا أنت."

"تذكر (سليمان) الذي أخبرتك عنه؟" قال (القصاب).

أكمل (القصاب) حديثه عن تحول الجان إلى بشر وذكر كيف يتم التحول بشكل سري لحماية العائلات والقبائل. وأوضح أن التحول يظل دائمًا حتى الموت، وأن بعض الجان يتحولون لبشر ليعيشوا بين الناس في إطار حياة جديدة، لكنهم لا ينجبون.

قال (القصاب): "هذه الطريقة لا تجعل الجان يعود إلى طبيعته مرة أخرى. لا، بل يظل بشريًا حتى الموت."

سأل (مهران) بقلق: "ما المشكلة في تحول الجان لبشر لبقية العمر؟"

أجاب (القصاب) بابتسامة ساخرة: "المشكلة أن الأعمار تتغير، وأنت ستعيش مثلهم، ولكنك ستعاني من الأمراض والشيخوخة بسرعة أكبر."

واصل (القصاب) في توضيح التفاصيل حول كيفية التحول وكيفية العيش بين البشر، وأوضح أن العملية تتطلب الكثير من القوة والتفاني لحماية العائلة والقبيلة.

سم وفكها من البشر الذين تعلموا علم الروحانية شفاهةً

لكنه توقف عن البحث منذ سنوات. شعر بالملل واعتبر ما عرفه غير هام. كان ينتظر اتصال المسؤول عنه لكنه تأخر. قال في نفسه: "سوف ينتظر أن يتم التواصل معه كي يعرض ما توصل إليه."

اليوم استفاق من النوم وتظاهر بمرضه كي لا يذهب إلى المدرسة. أخذ إجازة عارضة بالهاتف وطلب من زوجته أن تذهب إلى المدرسة كما تفعل كل يوم. رفضت في البداية لكنه طمأنها على صحته وأكد لها أنه سيحضر بعض الدروس لطلابه وسيبقى هناك عصراً لتناول الغداء معهم لأنه لم يزر أهلها منذ شهر.

بينما كان يراجع أوراقه جديًا متوقعًا أن يحدث اتصال آخر في أي وقت من اليوم.

أعد لنفسه كوبًا من القهوة وأخذه ليتناوله في الصالون وهو يحمل أوراقه تحت إبطيه. بمجرد دخوله الصالون سمع صوتًا يقول: "أهلاً وسهلاً بك، عبد الكريم."

فزع عبد الكريم من الصوت ونظر إلى الجني الجالس على مقعد الصالون. قال الجني: "طرقت حضورك الدرامية مفاجئة."

"لن يعجبك لو ظهرت لك صفة أخرى. لا أعرف ماذا حدث لك؟ هل أتيت هنا لتخيفني كالعادة؟"

"مرت سنوات طويلة وتفاجأت أنكم نسيتم الأمر."

"لقد غيرت كلياً من طريقتي في تجديد الطلاسم. لقد تطوعت بكامل إرادتي، ألا تذكر؟"

"لا تنسَ فَرق الصلوات بين البشر وعالمكم."

ابتسم الجني وقال: "أعلم ذلك."

ابتسم عبد الكريم ساخراً وقال: "أنا لا أعلم ماهيتي الآن.. بشر أم جني. المهم قل لي ما يحدث في عالم الجان. قالوا لي إنكم ستتصلون بي في حالة الحروب والتمردات."

"أتذكر (المخلي بن ذعاث)؟"

"تحزر.. كان ينوي فتح البوابات السبع لشن حرب شاملة على كل القبائل."

هز عبد الكريم رأسه متجاهلاً الفكرة لكنه استمع للجني الذي قال بسرعة: "في الوقت الحالي، الحالة سيئة. لقد تلقيت أمرًا جديدًا يتعلق بالطلاسم."

وضع عبد الكريم القدح جانبًا وفتح أوراقه أمامه ليقلب فيها. تذكر السنوات السابقة، حيث قابل في أسيوط عند مسجد جلال الدين السيوطي شخصًا أخبره...

قاطعه الجني: "لا أقصد هذا. هل تسلمت المهمة الأصلية التي كُلفت بها؟"

نظر عبد الكريم لعينيه لثوانٍ قبل أن يقول: "تفضل، الأمر المطلوب من كل من تحولوا إلى بشر؟"

سحب عبد الكريم ورقة وبدأ يقرأ: "المشكلة أننا لم نكن نعيش في عالم البشر. يجب التواصل مع العالم الخارجي بقدر معرفتهم."

"أرى أن الجني الذي لم يكن صادقًا إلا واحد فقط، وهو عبد الفتاح الطوخي."

قال الجني: "أليس هذا الساحر الذي عاقبته قبيلة (فهادان)؟"

"نعم، لكن الأمر مختلف. لقد طلب مني أن أحمل صورة لكلمات كُتبت بعد موت سليمان الحكيم. الكلمات من المفترض أنها تتعلق بهم وتستخدم لاستدعاء سيدهم. لكنني لم أستطع قراءة الطلاسم لأن عبد الفتاح الطوخي نفسه أقر بأنها بلا ترجمة."

أخرج عبد الكريم ورقة قديمة ونهض من مكانه ليعطيها للجني، الذي أخذها ونظر إليها بتمعن.

فجأة قال الجني وكأنه تذكر شيئًا: "أذكر أن هناك رجلاً قديمًا أطلق عليه لقب ابن الجان. هو من كان لديه سر استخدام تلك الكلمات، وأنه كان يعمل مع عبد الفتاح الطوخي."

"ابن الجان؟ أهو أحد أفراد عشيرتك؟"

قال الجني: "نعم، هو من كان يعمل مع عبد الفتاح الطوخي. أطلق عليه هذا اللقب بعد أن فُضح أمره."

"المهم أن تلتزم بأوامري الجديدة، سأرحل الآن. ولا تنسَ، ربما تعتقد أنك تخوننا."

سمع عبد الكريم صوت الباب يفتح وزوجته تناديه، فابتسم لفكرة خيانته لها. ماذا لو علمت أن كل أفعاله كانت تغطية لحقائق أخرى؟ ابتسم وتوجه إليها قائلاً: "أهلاً يا حبيبتي."

"أتت من أصبررت على الذهاب مكي. تذكري أني حذرتك من قبل."

كان والدها الشيخ يونس الحرابي، وهو يقف أمام باب غرفتها مبتسمًا، مرتديًا جلابيه وقفطانه ويتعمم بعمامته الكبيرة التي يحب التباهي بها بين تجار الفرس. كان الجميع يلقبونه بالشيخ بسبب دراسته الأزهرية وعمله بتدريس العلوم الشرعية بأروقة الأزهر. لكنه اتجه للتجارة وعشقها، فتاجر منذ شبابه بكل شيء بين المحافظات المصرية: العطور، السجاد، البخور، الدقيق، والأقمشة، واستطاع أن ينقل تجارته بين وجه بحري وقبلي. اتسعت تجارته وثروته، وخرج إلى الشام وبغداد وبلاد الفرس. تزوج من الصعيد وأنجب ابنته الوحيدة، لكن زوجته ماتت بالملاريا قبل أن تتم ابنته الخامسة. لم يتزوج ثانية، واكتفى بمروى التي كانت له الونيس والرفيق والأم والأخت.

رافقه في رحلات تجارته داخل مصر وخارجها، وكل مرة تتعلل بأنها لم ترافقه في رحلاته السابقة لتلك البلاد. اتفقوا على أن تُحمل البضاعة على أربعين جملاً. لم يتبقَ الكثير على العودة إلى مصر، وخاصة أن مروى تعودت على العيش في المنازل المريحة، لكنه لم يجد من يقبل أن يؤجر له منزلاً إلا هذا.

"انتظري لأرتدي ملابسي وأرافقك."

فقالت مروى وهي تنهض من الحشية المفروشة أرضًا بتثاقل: "لا يا حبيبتي، فأنا لن أذهب للعمل. سأذهب إلى المقابر. توفي والد علي القزاز صباحًا. سأذهب لأدفنه ونصلي عليه ثم أعود إليك."

"أليس هذا التاجر الذي قابلناه أول أمس؟"

اتجه يونس إلى باب المنزل وهو يقول: "نعم يا حبيبتي هو. هل تريدين شيئًا من الخارج؟"

شكرًا، وغادر يونس المنزل وهو يتأكد من اعتدال هندامه وسار حتى وصل إلى منزل صديقه التاجر، فوجد تجمعًا لبعض التجار ورجال عائلته. كان يعرف بعضهم فسلم على الجميع بحرارة وأخذ يستفسر منهم عن مكان علي الآن باللغة الفارسية التي كان يتقنها. خرج علي من المنزل وهو يخبر الجميع بأن الخشبة التي تحمل والده ستخرج الآن. عزاه البعض سرًا وخرجت الخشبة تحمل الجثة يحملها بعض الرجال.

رافقها الجميع حتى المسجد القريب، صلوا الظهر ثم صلوا عليه وخرجوا إلى المقابر يرافقهم البعض من الأحياء والعطوف المجاورة.

كان يونس يرافق علي ويشد من أزره طوال الطريق، حتى إنه رافقه وهو ينزل الجثة إلى القبر. وقف الجميع أمام القبر وهم مشغولون بالدعاء والاستعداد لبناء ضريح صغير.

سمع الجميع صوت دفّة يأتي من أحد أضرحة القبور المجاورة. نظروا إليها مستفسرين. فجأة، تنفصل الدفّة من مكانها بصوت فرقعة ضخم وصعد من القبر شاب يغطيه الغبار ويتناثر كل ما فيه كأنه بلا هوية.

دق مهران بقوة أكبر على الطبقة الصلبة فسمع صوت تكسير. استجمع عزم نفسه ودق بقوة مرة أخرى، فتسلل الضوء إلى عينيه واحتساه. شعر بقدميه في الرمال، ثم انتبه ووقف على أرض صلبة، حيث كان جسده العاري قد كشف عن الكفن الذي وقع عن جسده.

تجمع الناس حول القبر، بعضهم يقترب ويراقب، وأعينهم المتسعة وهمهماتهم العالية توحي بالدهشة والارتباك.

انحسر الباز فجرًا، وغادر الناس بعد أن ابتعد مهران، وصاحوا: "ابن القصاب حي!"

ساعد الجميع في إدخال مهران إلى منزل يونس. بعض الناس الذين لم تصل أخبار خروجه من القبر، بدأوا بطرح الأسئلة معتقدين أنه مصاب أو مريض أو حتى مجذوب. أدخلوه إلى المنزل ويونس ينادي على ابنته بأن تحتشم لأن هناك غرباء. كان مهران يتحدث بكلمات من اللغة العربية نتيجة قراءته للقرآن، فتأكد الجميع من أنه غريب. جلسوه على مقعد، ويونس كان يحرص على تغطيته بقفطانه كي لا تظهر عورته عند جلوسه. كانت عينا مهران نضرة وتبدو متعبة، وكان ينظر إلى الأرض دائمًا. نادى على ابنته مرة أخرى يطلب الماء.

خرجت مروى من غرفتها ترتدي جلبابًا رماديًا وتلف طرحة من نفس اللون على رأسها، لكنها توقفت عندما صرخ أبوها لتحضر الماء. حرصت مروى على تحضير الماء بعناية، ثم سلمته إياه.

"هل شربت ماء كافٍ؟"

فأجابها يونس بسرعة: "نعم، فقد جاء السفا من قليل."

بينما كان يونس يساعد مهران على التحمم ليزيل الأتربة العالقة بجسده ووجهه، ثم لبسه جلبابًا وطلب من مروى إعداد بعض الطعام. لم يخفِ يونس دهشته من مظهر مهران وحركات عينيه الغريبة، كأنه يتابع شيئًا ما ببصره بلا وعي.

صرف الرجال إلى الخارج وحاول يونس أن يشعر مهران بالراحة ليزيل عنه صدمة لا يعرف سببها. كان يعتقد أن مهران قد يكون قد دفن بالخطأ ثم استفاق فجأة. رغم أن هذه الفكرة كانت ساذجة، إلا أنها لم تفسر له كيف استطاع مهران كسر الطبقة الأسمنتية من الداخل بيده.

أجلسه على مقعد وجلس بجانبه. جاء صرخات على الباب ففتح يونس ليجد عددًا كبيرًا من الواقفين من رجال ونساء. كان بينهم رجل عجوز ذو لحية كثيفة بيضاء، مهيب الهيئة يرتدي ملابس علماء الشيعة كما عرفها.

"أهلاً الشيخ جعفر. هل يمكنني مقابلة الشاب الذي عندك؟"

"نعم، تفضل. لكن هل لي أن أطلب منك أن تدخل معك رجلين فقط؟"

وافق الشيخ ودخل معه رجلان فقط. اقترب الشيخ من مهران وعانقه بشدة، وهو يضع يده على كتفيه.

تجلى هذا المشهد أمام يونس، فوجد أن استجابة مهران لشخص لأول مرة جعلت الأمور تبدو أسهل. قال في نفسه إن الموضوع أصبح بسيطًا، سيرحل مع أهله سواء كان هذا الشيخ أو من يأتي لاحقًا.

"ما الذي حدث لك يا بني؟"

سأله الشيخ بتأثر، فرد مهران: "لقد أصابني بيرقدار بالبارود، يا شيخي."

نظر الشيخ خلفه إلى الرجلين ثم نظر إلى مهران بحزن وقال: "نعرف يا بني. أهل البلد علموا ما حدث."

"الحمد لله."

قال مهران وهو يميل برأسه إلى الوراء. ثم انتبه وسأل: "أهلي؟"

في تلك اللحظة خرجت مروى من غرفة النوم وتوقفت تنظر إلى مهران، الذي التقت عيناه بعينيها.

"ماتت؟"

قالها مهران بصوت ضعيف وعيناه ملبدة بالدموع. فقال الشيخ: "نعم، لكنها ليست المشكلة الآن."

"أين بيرقدار الآن، يا شيخي؟"

قال الشيخ: "قتله أبوك (القصاب). رحمهم الله جميعًا، فقد انتقلوا إلى خالقهم. لكن المشكلة أن كل هذا حدث قبل تسع سنوات. أنت في القبر منذ تسع سنوات!"

تدخل عماد مع الدكتور رقية الذي استطاع إخراج إسلام وأقنع أهله أن الوقت ما زال مبكرًا.

"أوافقك، لكن ما باليد حيلة... أخبرها إسلام وعرضت علينا بشكل جيد حتى الآن. وتقبلت كل ما عرفته بطريقة أدهشتني لطبيبة تأخذ كل مسلم به عن طرق العلم الحديث."

بينما كان عماد يجلس بجانب عماد، ويتحسس بعض الضمادات في وجهه، قال عماد بنبرة سخرية: "لا تندهش من تقبلها. معظم الناس داخلهم خوف من العالم الآخر. لأن وجود مثل هذا العالم يعطيه شعورًا بالإيمان بالله، ويمنحه أملًا في الحياة بعد الموت. حتى من ينكرون وجود إله، يحتاجون لعالم آخر كعالم الكائنات الضفدانية."

"وكم اشتقت لدروسك في الفلسفة التي كنت تلقنها في أيام الخامسة. هل تتذكرها؟"

"كنا نتخيل أننا نبحث عن أقوى أسرار الكون. لم أكن سأصدق لو قلت إننا سنشترك في الإعداد لحرب بين قبائل الجان."

سأل عماد حامد: "هل إذا بدأت الحرب سيتضرر البشر؟"

"سيؤثر علينا بشكل أو بآخر. هل نسيت أن البشر يستطيعون التحكم في الجان بالطلاسم والأقسام والتعاويذ؟ سيطلب طرفا الحرب المساعدة في إبادة الآخر، وربما يتطور الأمر أكثر مما نتخيل."

"أكثر مما تتخيل يا عماد."

جاء يصفيدش من اللامكان فنظر حازم وعماد باتجاه الباب، وعاد للجلوس وهو يتحدث: "إذا كنت تشعرين بخوف، فذلك هو الحل."

"لستُ خائفة، بل على العكس."

"هذه الحكمة من فكر الإسلام يعتقدها كثيرون. لذا أطلب منك أن تتفهمي العالم من حولك بدلاً من الاستسلام للأفكار الدينية فقط."

تسألت مروة: "ما هي خطتك الآن؟"

قال عماد: "أعتقد أن الحرب قائمة. ربما تبدأ في أي لحظة. لذا يجب أن نكون جاهزين لتفادي أي آثار جانبية على البشر."

أعلنت مستشفى أكرم أنها حددت 4 سبتمبر 2024 موعدًا للعرض المنتظر.

---

“تفصد أنة. سيفرف قن الكلملت؟"
“لا أعزف. لله خیط سامسگه من الغد".
نثاءب (حازم) وهو يفرك عينيه بيده ويقول:
"اتصل. نة واسالة: عق"
قاطعه (عماد) وهو يريح رأسه على الوسادة بخيبة أمل:
"لا.. سأضطر للذهاب له. فلا أمتلك رقم هاتفه ولم أهتم قديماً. أرجو أن يكون في الكلية غداً."
فأجابه (حازم) وهو يغلق عينيه استعداداً للنوم:
"سأتأخر عن المنزل قليلاً، مع ماما".

أضاف (حامد) وهو يمسك هاتفه المحمول ويتحدث مع والدته خارج الغرفة:
"هل نام الحاح؟ الحمد لله.. أنا في منزل (للبلة) سأذهب إلى الكلية براحه بعد بعض المحاضرات التي فاتتني.. لا تخافي عليّ.. حاضر سأشتري ماي سي. جنات (فسنو) وحيله ارو هي. وهاذا؟ لانشون بالزيتون.. حاضر. محمد رسول الله، مع ماما."

دخل (حامد) الغرفة وهو يغلف هاتفه وقال:
"عرفت أشياء عن موت (سنان)"
عبس (حامد) جبينه وقال:
"ولذا اختفيت من الغرفة فجأة؟"
سأله (رحيم) بجدية:
"نعم. أردت تجربة شيء فكرت فيه منذ وقت قريب. كل الرموز في الغرفة تصدر إشعاعات طاقة تقودني إلى أماكن أو أشخاص تمثلها الرموز. عند موت (سنان)، انقطع إشعاع الطاقة الخاص به. فكرت في احتمال. ماذا لو قمت بشحن الرمز المدمر الخاص بـ(سنان) بجزء من طاقتي؟"
"لم أفهم لكن كلامك يبدو جيداً."
"عندما شحنته عاد الشعاع للخروج مرة ثانية إلى آخر مكان تواجد فيه (سنان)."
رفع (حامد) حاجبيه متأهبًا، فأكمل (رحيم):
"كنت أريد معرفة منطقة موت (سنان).. في عالم البشر أم عالمنا؟"
"عالم البشر. لكن الشعاع قادني لمنطقة أكثر تحديداً.. منطقة (شبرا) التي تسكن بالقرب منها."
"شبرا!! لا تقل لي إن بلطجية نتوه وأخذوا أمواله!"
"انقطع الشعاع عند منطقة عمارات ولم أعرف أكثر من هذا."
"حاوتك!"

---

لم يبعد (مهران) عينيه عن عيني (مروى) التي لم تفهم شيئاً من لغة الحوار. لكن شهقة والدها والرعب الذي ارتسم على وجهه عندما حانت نظرتها إليه جعلها تتأكد أن الأمر يحمل مصيبة تتعلق بهذا الشاب الوسيم الذي ما زال ينظر إليها. (مهران) نفسه لم يظهر على وجهه أي تعب. لكنه قال لشيخة عيدوء، لا يتناسب مع موقفه:
"احك ما حدث بعد موني."

نظر الشيخ للأرض بحسرة ثم قال:
"بعد دفنك بيوم واحد ماتت خالتك حزناً عليك.. أما (بيرقدار) فقد رآه الكثيرون يجري ليلة مقتلك فعلم الجميع أنه له بديل. لكن تدخل والده منع الجميع من الشكوى.. حتى ظهر بعدها بأيام شيخ عجوز يتوكأ على عصا. لم تنقطع دموعه من شدة الحزن. سار بين الحارات، وكل من يسأله كان يخبره بأنه (القصاب) والدك.. سار حتى وصل إلى منزل (بيرقدار)..."

عند هذه النقطة ابتلع الشيخ ريقه وأخذ نفساً طويلاً وقال:
"صرخ أمام البيت يطلب العدل من والد (بيرقدار) لساعة. تجمع العشرات حوله كي يثنوه عما يفعل. لكنه ظل يصرخ بجملة واحدة: (العدل يا أبا القاتل كي يأتك الرحمة).. فلم يجبه أحد. بعدها صرخ: (رحمة الله تتنزل عليكم). ثم وضع يده على حائط البيت فانفجر البيت وتهدم في ثوانٍ."

---

لم يكن (عماد) ينام بسهولة لأنه لم يتعود المبيت بعيداً عن شقته كثيراً. لكن بمجرد أن نام وجد نفسه في حلم. لم يتقبل هذا الحلم. يعرف أنه يحلم ويشعر بكل شيء في نفس الوقت. كان الحلم عبارة عن قصر كبير لا تظهر تفاصيله كاملة. لكن عند ركن من القصر وجد باباً بقطع من الزجاج. ظهر خلفه رجل يرتدي ملابس عجيبة باللون الأسود وعمامة ضخمة وله لحية وشارب. كان ينظر يميناً ويساراً كأنه ينتظر شيئاً ما.

نادى (عماد) بصوت عالٍ، فظهر (حازم) بجواره. انفجر المكان فجأة. فصرخ الرجل ذو اللحية بلغة غير مفهومة، وظهر مكانه شيء أسود بالكامل. ارتفاعه لا يقل عن أربعة أمتار ويعطي ظهره لـ(عماد). بينما الرجل ذو اللحية يقول:
"انشق الحاجز عنا."

دوى انفجار آخر أعنف مما سبق. تكلم الكائن الأسود بصوت مخيف مرتفع جعل (عماد) يتراجع خطوة للوراء. وقال الكائن:
"يجب أن أذهب الآن."

قال ذو اللحية وهو يسير مبتعداً:
"سأنفذ الطلب وأطردهم من مدينتنا."

توجه (عماد) إلى الرجل ذو اللحية وقال:
"كيف سأوصل الصحف إليك؟"

أجابه الرجل:
"لا تخف. سأنفذ الطلب وأطردهم من المدينة."

فجأة نظر ذو اللحية والكائن إلى (عماد) بشكل مفزع، ووقعت عين (عماد) على وجه الكائن. لم يستطع تحمل وجهه ووقع على الأرض وهو يلهث مرعوباً.

استفاق (عماد) مفزوعاً من نومه وهو يلهث برعب. نظر بجانبه ليجد (حازم) جالساً بجواره على السرير وهو ينظر إليه بقلق، ودموع تسيل من عينيه. سمعه يقول بخوف:
"كنت نائماً في الحلم وشاهدت العفريت."

---

"كم بقي على صناعة القاعدة التي اتفقنا عليها؟"
سأل (طه) وهو جالس على القهوة يدخن الشيشة ويتحدث مع صديقه (عمرو).
"ها يد جد. فل بتكن أن قل الترزوس واللوتر الآن للمستعجل؟"

ابتسم (عمرو) وأشار بيده، ثم تابع حديثه قائلاً:
"أعرف أن الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل، لكنني أريد الاطمئنان على كل شيء. وغداً منذ الصباح الباكر سأكون في المصنع انتظر القاعدة الحديدية. معذرة على تعبك معي لكن ستفهم كل شيء في الفجر."

أنهى (طه) المكالمة ونظر للشاب مبتسماً وقال:
"أخبرني عن آخر أحوالك يا (سكر)."

قال (سكر) وهو يقدم ل(طه) الشاي والمعسل:
"الحمد لله، عزيزي. زوجتي تدعو لك كل يوم."

أضاف (طه) بتساؤل:
"هل السيارة النقل الخادمة بإمكانها نقل المواد؟"

أجاب (سكر) بوضوح:
"الحمد لله، كل شيء جاهز."

ثم قال (طه) بعد أن أخذ السجائر:
"أعرف أنك فزعت عندما طلبت مني تلك الأشياء على الهاتف منذ بضعة ساعات."

شعر (سكر) ببعض الارتباك وقال:
"أعتذر. لم أفهم. كل ما هنالك أنني صدمت في البداية عندما طلبت مني مخدر الحشيش وحبوب الترامادول."

أوضح (طه) قائلاً:
"لست في طريقي لإدمان الترامادول ولا سأشرب الحشيش لمزاجي الخاص. سأستخدم الحشيش لخفض ضغط دمي وتفجير ضغط عيني. أما الترامادول فسأستخدمه لتقليل الألم."

هز (سكر) رأسه بقوة دلالة على فهمه لما يقوله (طه). لكنه كان يدرك أن (سكر) لم يستوعب أغلب ما قاله. مد (سكر) يده داخل جيب سرواله وأخرج قبضة مغلفة تحتوي على أصبعين من الحشيش وشرائط دواء (ترامادول). أعطاهما لـ(طه) بطريقة حاول أن يجعلها غير لافتة وهو يتلفت يميناً ويساراً.

أصر (طه) على إعطائه النقود فرفض (سكر) بإصرار حقيقي وأبعد يده، لكنه قال:
"لا تتحدث، عزيزي. تذكر أنني أشكرك لأنك رفضت النقود."

رد (سكر) وهو يشكر (طه):
"أفضالك أغرقتني منذ عرفتك."

سأل (طه) مجدداً:
"قل لي، ما الجرعة الطبيعية للترامادول في المرة الواحدة؟"

أجابه (سكر):
"خذ قرصين في الأسبوعين القادمين."

"وهل سيزيل أي ألم عندي؟"
"بالتأكيد، يا باشا."

"وما هي الجرعة المناسبة التي يمكنني معها تحمل دخول الدبابيس؟"
قال (

سكر) وهو يشير بأصابعه لتوضيح ما يقصده.

أجاب (سكر):
"تناول الحبوب طوال الفترة. كلما احتجت استعمل الترامادول، ولا تقم بحركات غير مدروسة."

"هذا جيد. سأكون في انتظارك غداً."

---

ذهب (عماد) إلى مكتب الدكتور محمود الطناني في الكلية. عندما رآه، بدا أن الدكتور لم يتذكره في البداية، لكن بعد بضع دقائق استعاد ذاكرته. تحدث عماد عن "أصف بن برخيا" وأكد أنه كان يبحث عن المعلومات المتعلقة به. 
قال الدكتور محمود:
"هل تقصد الفكر الشيعي أم الفكر التاريخي؟"

"أريد أن أفهم أكثر عن الاختلافات بين الروايات الدينية والتاريخية حول أصف بن برخيا."

أجاب الدكتور محمود موضحاً النقاط التي ينبغي معرفتها عن أصف بن برخيا وتاريخه ودوره في الروايات الدينية والتاريخية.

---

رأيت مثلها في طلاسم مزامير داوود."

"نص من مخطوط وحدته يتحدث عن (أصف)."

"وهل معك المخطوط الأصلي؟"

"صاحبه استرده ثانية. لكنني نقلت تلك الكلمات التي تتكلم عن (أصف)."

نظر دكتور (محمود) للورقة مرة ثانية واهتز كتفيه وقال:

"آسف يا (عماد).. ليست لي خبرة باللغات كما تعرف."

نهض (يسري) ووقف بجانب المكتب ينظر بفضول إلى الكلمات. رمق (عماد) وقال:

"أعتقد أنني أعرف معنى هذه الحروف."

"ما معناها؟"

"لا أستطيع تحديد الطلاسم المستخدمة في النص الذي استخدمه حاخامانت اليهود. أشرفت على دراسة دكتوراه منذ زمن طويل عن تلك المزامير، لكنني لا أتذكر هذا النص."

تأهب دكتور (محمود) وهو يقول:

"هل هناك احتمال أن يكون هذا الطلسم هو.."

لم يكمل جملته بينما هز (يسري) رأسه إيجاباً وهو يقول:

"ربما يكون هذا الطلسم هو الطلسم رقم 51 للمزامير.. الطلسم المشهود."

(قسم روض الفرج)

نظر الضابط إلى (حامد) الواقف ببدلته البنية مبتسماً له بود لم يعطِ انطباعاً في نفس الضابط سوى الغباء.

"تقول إنك تريد مقابلة المأمور لأمر هام؟"

"نعم يا سيدي."

قالها (حامد) بفخر لم يفهمه الضابط.

"وهل يمكن أن أعرفه؟"

"لا أستطيع."

"إذن لن تقابله."

"قل له إنني كنت معه في مشرحة (زينهم) منذ يومين."

أخرج (حامد) بطاقته من محفظته وأعطاها له، والابتسامة لم تفارق وجهه. فاطلع عليها الضابط وهو يقول:

"المأمور لم يذهب لمشرحة زينهم منذ فترة. وأنت إما مجنون أو جئت هنا خطأ."

فأضاف الضابط الأول بشيء من الجدية. فاختفت ابتسامة (حامد) وهو قال:

"سوف تفقد شيئاً لو لم تسمح لي بالدخول."

أفلتت من الضابط ضحكة ساخرة. مر به ضابط شاب آخر وسأله عن سبب ضحكته. همس له ببضع كلمات في أذنه وهو يشير إلى (حامد) الواقف أمام الكاونتر. قال الضابط الشاب وهو يمد يده نحو (حامد):

"بطاقتك من فضلك."

"انتظر هنا في مكانك حتى أعود لك."

نظر (حامد) حوله حتى وجد مقعداً خشبياً بجانب الكاونتر فجلس عليه وهو يسمع صوت (رحيم) يقول:

"ما تفعله أغبى شيء توقعت منك."

"هل حفظت ما اتفقنا عليه مع (قاصم)؟"

"حفظت، ولكنني لن أضحي بأي من رجالي يا (حازم)."

"لم أطلب منك التضحية بأحد. لكننا لن نعرف قدرته إلا بما اتفقنا عليه."

كان (حازم) يقول عبارته وهو يحضر صينية بها بعض الأكواب، من بينها بعض الأوراق حول كيفية الوصول لشقته هو و(إسلام). أنهى المكالمة ونظر إلى (قاصم) قائلاً:

"وإن عثرت على رجالكم وتأكدت من عدم وجودهم داخل القلعة وخارجها."

اختفى (قاصم) من جانبه. فجلس (حازم) على أريكة الصالة وشبك أصابعه وهو ينظر إلى باب الشقة متجهاً نحو الهدوء.

رن جرس الباب، فنهض بفتحه بخطوات متثاقلة لتكسبه هدوءاً وثقة. طالع وجه (رقية) التي رآها لأول مرة بملابس غير ملابس الأطباء البيضاء. لوهلة شعر كم هي جميلة، لكنه نفض الفكرة بسرعة.

قال (حازم) وهو يوجه حديثه إلى (إسلام):

"كيف حالك يا صديقي؟"

نظر (إسلام) إلى (رقية) وسأل بحذر:

"هل أعرفه؟"

"لا.. لكي أعرف أنه زارني كثيراً."

"لكنني لا أتذكر متى عرفته."

"والقرين؟"

"تقصد شبيهي الذي يزورني؟"

"تتذكر كم مرة رأيته؟"

"لا.. لكنني أعرف أنه زارني كثيراً."

نظر إلى الأعلى متذكراً. ثم قال بسرعة:

"عندما استيقظت من نومي اليوم، وجدته يقف أمامي بلا حركة. ظل هكذا قليلاً ثم فتح باب الغرفة وخرج."

نهض (حازم) وهو يقول:

"دقيقة وسأحضر لكما الشاي."

تركهما ودخل إلى المطبخ ليحضر الشاي. بينما كان يقوم بصبه في الأكواب، كان يتمتم ببعض الكلمات بصوت خافت. فجأة، سمع شهقة أنثوية من الصالة. فحمل أكواب الشاي على الصينية وخرج من المطبخ بهدوء.

في الصالة، وجد القرين يقف أمام (رقية) الجالسة بخوف، ويجاورها (إسلام). لحظة دخوله، نظر له القرين بنظرة بلا معنى وظل ثابتًا بلا حركة. نظر إلى صدر القرين فوجده ثابتًا. كان يريد أن يعرف ما إذا كان للقرين حياة مستقلة ويعتمد على التنفس كأي كائن حي، أم لا، لتحديد ما إذا كان يمكن قتله بتلك الطريقة أم لا.

سأله، فلم يتحرك القرين. مر بجانبه ووضع صينية الشاي على المنضدة، وجلس على المقعد قائلاً:

"منذ متى جاء؟"

قالت (رقية) وهي تشير إلى إحدى الغرف: "بعد دخولك المطبخ بقليل. جاء من إحدى تلك الغرف."

فقال: "تحدث معه، يا (إسلام)، واسأله عن سبب مجيئه."

فالتفت (إسلام) إلى (رقية) التي أومأت برأسها موافقة.

"إذا سألت أي نوع من الأسئلة، هل ستقوم بالإجابة؟"

حرك القرين رأسه ونظر إلى (إسلام) قائلاً:

"لأنه لم يهاجمك."

قال (حازم): "أنا فقط طلبت من هذا الجني أن يتحدث."

نظر القرين إليه وفجأة تحرك بسرعة خاطفة وأمسك برقبته. صرخت (رقية) إلى (إسلام) لتوقفه. لم يضيع (إسلام) الوقت وأمر القرين بالتوقف والابتعاد عن (حازم). عاد القرين إلى وضعه الأول، لكنه لم يرفع عينيه عن (حازم).

"كيف أحضرت هذا الجني؟"

فأجابت (رقية) بعدم تصديق: "هو من خدمتي. لكني صرفتهم جميعًا منذ قليل وأحضرت هذا فقط لأعرف رد فعل القرين. في البداية لم يعرف من أحضرت الجني، لكن بمجرد علمه هاجمني كمصدر للخطر كما فعل سابقًا. الآن أريد أن أعرف ما الذي سيفعله إذا هاجمه الجني في حالته الأصلية."

نظر (حازم) إلى الركن الذي كان قد أشار إليه القرين وقال: "أنا لا أراك الآن، لكن اهجم على هذا القرين."

مرت فترة زمنية لم يتحرك فيها القرين. فطلب (حازم) من (إسلام) أن يسأله نفس السؤال. فكان رده:

"لأنه لم يهاجمك."

هنا قال (حازم): "أنا فقط طلبت من هذا الجني أن يهاجم."

مد القرين يده اليمنى في الهواء بسرعة وأغلق قبضته على شيء ما. ظهرت في مكان قبضة القرين كتلة حمراء تشكلت لشكل فرد ذي لون أحمر يتغير إلى اللون الرمادي. كان القرين يقبض على رقبته، والقرد الذي كان يمسكه كان مزخرفًا بشكل يشبه الخنجر. صرخ (حازم) في (إسلام) أن يأمره بإرجاع الجني، لكن (إسلام) أخذته المفاجأة وهو ينظر إلى الفرد الذي يحاول الفلات من يد القرين بلا فائدة. صرخ فيه (حازم) مرة ثانية وهو يصرخ:

"لا تتركه هكذا!"

لم يستمع القرين للأوامر وترك القرد ثم انقض على (حازم) ليصطدمه بلكمة أفقدته الوعي.


عند دخول (حامد) الغرفة، قال المأمور:

"ألم تتعثر عند دخولك؟"

رد (حامد): "لم أتعثر، لقد كانت خدعة كبيرة. خطة خداع استراتيجية كي أتمكن من اختراقها."

قال المأمور بقلق: "اجلس، ما بالك؟ هل أطلب لك شيئًا لتوقف السعال؟"

رد (حامد): "شكرًا، أنا فقط أشعر بصدمة لمقابلتك."

سأله المأمور: "تكلم، ما الذي حدث؟"

قال (حامد): "أحتاج لمساعدتك في أمر يتعلق بالخدمة."

فقال المأمور بدهشة: "أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك."

سأله (حامد): "ألن تطلب لي شيئًا أشربه؟"

رفع المأمور حاجبيه مندهشًا قائلاً: "أنت جاد؟"

خبط المأمور على المكتب بكف يده، وتمتم بكلمات خافتة. قال المأمور: "هل تقول شيئًا يا سيدي؟"

رد (حامد): "تكلم قبل أن ينفد صبري!"

أخرج (حامد) ورقة من جيبه وسلمها للمأمور قائلاً: "هذا عنوان مجموعة عمارات بشبرا الخيمة. في إحدى تلك العمارات يقطن رجل له علاقة بالكهرباء."

ثم نظر بجانبه وقال: "أليس كذلك، يا (رحيم)؟"

قال (رحيم) وهو يتجنب النظر إلى (حامد): "فضيحتني!"

رد المأمور بشك: "ماذا عن هذا الكائن الذي كنا نشرحه قبل أن تأتي، ومن كان معك؟"

قال (حامد) بثقة: "سأجيبك لكن وعدني أن تلبي طلبي."

رد المأمور: "ماذا تريد؟"

قال (حامد): "أريدك أن تبحث في العمارات عن شخص له علاقة بالكهرباء، مهندس كهرباء أو شخص عمل بمجال الكهرباء."

قال (رحيم): "أخبرتكم من قبل أن الأمر مجرد نظرية. لا أعتقد أن ما حدث له علاقة بالكهرباء. ربما كان مجرد مصادفة."

رد (حامد) بنبرة حازمة: "سنرى، لكن يجب أن تخبرني بكل التفاصيل منذ البداية."


في المصنع، دخل (طه) وكان يحمل معه قاعدتين حديديتين. بعدما أتم وضعها في الداخل، جلس مع (عمرو) وبدأ في التحضير للتجربة. قال (طه) لـ (عمرو):

"هل يمكنك الآن إخباري بما تفعل؟"

قال (عمرو) وهو يستمتع بشرب العصير: "بقي القليل لتعرف، لكن قل لي أولاً، هل تؤمن بذكائي؟"

رد (طه): "لم أشك بذكائك من قبل. ومنذ أن عرفتك في الإعدادي، اعتبرت أنك عبقري."

قال (طه): "لو قلت لك إنني توصلت إلى نظرية علمية وأنني قمت بعشرات التجارب التمهيدية لإثباتها، هل ستصدقني؟"

رد (عمرو): "تبدو جادًا، لكن ماذا يعني هذا؟"

قال (طه): "أريد أن أثبت لك أن الكهرباء هي سر الحياة. سأشرح لك كل شيء بعد أن ننتهي من التحضيرات للتجربة."

قال (عمرو) وهو يضحك: "فاليا، يبدو أنك قد ذهب عقلك، طه!".

وقف (طه) في زاوية في المختبر، حيث كان يضم بعض الأدوات التي تُستخدم في أسلاك الكهرباء وتُسمى أسلاك الشعر. قال (طه) وهو يرتدي ملابسه: "كفاك جنونا، عمرو!".

ابتسم (عمرو) وهو يشير بإصبعه نحو (طه) الذي كان يبتسم. كان (طه) يحمل أسلاكًا نحاسية صغيرة صنعها من البورسلين.

قال (طه) وهو يقص السلك النحاسي إلى قطع صغيرة: "اتفقنا، عمرو، على أنك لن تسأل عن أي شيء إلا بعد التجربة. لا تعترض".

نظر (عمرو) بفضول بينما كان (طه) يقطع السلك النحاسي إلى قطع بطول متر واحد. فجأة، أخذ (طه) إحدى قطع السلك وأدخل طرفها في جلد معصمه كأنها إبرة. خرجت نقطة دم، فصرخ (عمرو): "ماذا تفعل، يا مجنون؟!"

رد (طه) وهو يمسك بقطعة أخرى من السلك: "اهلا، لقد بدأت ولن أتوقف الآن".

أمسك (عمرو) يد (طه) محاولًا إيقافه، لكن (طه) دفعه بلطف وقال: "ثق في هذه المرة، اعتبرها الأخيرة. لن أتراجع عن ما أفعله!".

جلس (عمرو) على المقعد، متجمدًا، وهو يشاهد (طه) وهو يلف السلك حول ذراعه. ثم أخذ قطعة سلك جديدة وغرس طرفها في ذراعه اليسرى، وسحبها حتى وصلها إلى إبطه، غارسًا إياها بدقة رغم تدفق الدماء. تابع العمل وهو يتحمل الألم، متسائلًا عن مقدار الألم الذي كان سيشعر به لو لم يتناول قرص الترامادول.

قال (عمرو) بدهشة: "أقسم بالله إنك جننت!"

كان (طه) يلف جسده بالكامل بالأسلاك، من صدره وخصره وفخذيه وقدميه، ثم قام بتوصيل الأسلاك ببعضها البعض وهو يثني أطرافها عند التوصيل.

تجمعت برك من الدماء عند قدميه من خلال الخيوط النحاسية، وأخذ (طه) الساعات وملاها بتركيز، وضبطها على الساعة الثانية عشرة.

أخذ قطعة نحاسية بطول متر واحد، ثم غطاها بيده اليسرى ولف السلك حولها لتثبيتها في يده.

ابتسم لـ (عمرو) وهو يخرج حزامين متقاطعين من الكيس البلاستيكي، الذي لم يتبقى فيه شيء. ثم سار بخطوات متعبة وألم الأسلاك المغروسة بجسده يؤلمه، حتى وصل إلى الأجهزة المتصلة بالقاعدة الحديدية. ضغط على عدة أزرار وقال لـ (عمرو): "لا تقلق، سأقوم بتشغيل الأجهزة. سيتم فصل التيار الكهربائي بعد 15 دقيقة بشكل تلقائي".

ثم نظر إلى (عمرو) وهو مبتسم بإرهاق، وذهب إلى القاعدة الحديدية قائلاً: "وعدتك أن أفسر لك ما يحدث. وما زلت عند وعدي. في أحد الأغراض على المنضدة ستجد ظرفًا بني اللون. افتحه وستعرف كل شيء".

بحث (عمرو) بسرعة بين الأغراض حتى عثر على الظرف. نظر إلى (طه) وقال شيئًا، لكنه اختفى فجأة في الدخان الذي بدأ يتصاعد حول القاعدة الحديدية.

فجأة، اختفى جسد (طه) وانقشع الضباب.

قرأ (عمرو) الورقة التي وجدها داخل الظرف، والتي كانت تحتوي على المعلومات التالية:

تجربة رقم 46:

نوع التجربة: تكوين مجال كهرومغناطيسي متزايد بشكل تدريجي يمر بجسد المتطوع للتجربة بعد غرس أسلاك النحاس كما هو موضح في الصور التوضيحية. يتطلب توصيل الجهاز المستخدم بمؤقت. عندها يتولد المجال الكهرومغناطيسي ويصبح جسد المتطوع موصلًا جيدًا للمجال. ثم يتولد داخل الأسلاك فترة شحن الطاقة.

فترة شحن الأسلاك: تفرغ الطاقة من الأسلاك بعد 3 ساعات و7 دقائق و45 ثانية.

النتيجة المتوقعة: التأثير على ذرات المتطوع عن طريق المجال الكهرومغناطيسي لنقلها إلى عالم الجان لفترة 3 ساعات و7 دقائق و45 ثانية. بعد انتهاء الفترة، ينفصل المجال الكهربائي عن الأسلاك وجسد المتطوع.

توقع الأضرار:

  1. عدم انتقال المتطوع إلى العالم الجديد.
  2. هلوسة سمعية وبصرية بعد الانتقال.
  3. بعد تفريغ الأسلاك النحاسية، لا يعود جسد المتطوع إلى عالم البشر كما كان (خطر التشوه).
  4. توقف العملية بعد نهاية الفترة.

رفع (عمرو) عينيه المتسعتين من على الورقة، ونظر إلى (طه) بقلق. فجأة، سمع صوتًا غريبًا من الموتور الذي بدأ بالدوران بسرعة. كانت الأسلاك تتصل وتدور حول (طه) الذي كان يدور بسرعة شديدة.

مزق (عمرو) جزءًا من الورقة وهو يقرأ بسرعة، ووجد بعض الأوراق الأخرى. الورقة الثانية كانت تحتوي على رسم توضيحي للجهاز ومكونات التجربة، أما الورقة الثالثة فكتبت بخط اليد:

ملحوظة: لو تم انتقال المتطوع إلى عالم الجان، فإن فترة الـ 3 ساعات و7 دقائق و45 ثانية تُحسب بتوقيت عالم الجان وليس بتوقيت عالم البشر.

بملامح غريبة تعطيك انطباعًا بأنها ليست ملامح عربية. ربما كانت له لمحة من الوسامة لا تخشى. بالرغم من حدة وجهه وتصافق ملامحه.

كان في غرفة خالية تمامًا، وهناك شمعة صغيرة بجانبه على الأرض. ماذا ترد على الطفل؟"

انطلقت العبارة من الكائن. انطلقت نبرات خافتة جعلت الخوف يسري في جسد الشاب الذي رد بنبرات مرتعشة:

“أريد القوة. القوة المطلقة والأمان باقي حياتي."

اقترب الكائن من الشاب أكثر حتى صار بينهما سنتيمترات قليلة، ثم مال برأسه على أذنه وقال:

“إذا أردت القوة سنعطيك بعضها. ولكن إذا أردت السيطرة فيجب عليك تقديم قرابين من البشر."

فقال الشاب وهو يرتجف:

“أوافق."

فقال الكائن:

“إذن أدر وجهك لي ولا تفتح فمك ونفذ كل ما أقوله لك."

أدار الشاب وجهه نحو الكائن. فإذا به (مهران)... ابتسم وهو يتأمل بفضول؛ فزع الكائن وهو يتحدث:

“كيف حالك مع (خورشيد)؟"

“كيف فعلت ذلك؟"

فقال الجني والألم يتجلى على وجهه:

“قمت بالتجهيز، وأريد منك أن تحضر كل من حضر مع سيدك الساحر منذ قليل. أريدهم أن يحضروا إلى هذه الغرفة الآن."

"كيف تعرف تلك الأمور؟"

أجاب (مهران) وهو يقول:

“لا أعلم، أنا مندهش مثلك تمامًا. والآن لننهي عملنا."

خرج (مهران) من الغرفة وذهب إلى الصالة فوجد (يوميس) مع (حازم) وإسلام. كانت (رقية) تحاول تهدئة إسلام الذي كان يجلس على طرف الأريكة، وهو ينظر للأرض حزينًا. بينما جلس (حازم) على مقعد آخر وهو يضم يديه على جانب وجهه وعلامات الألم تبدو واضحة عليه.

دخل (عماد) وسأل عن الحادث. فقالت له (رقية) كل ما حدث منذ أن دخلوا إلى الغرفة حتى أغشي على (حازم) وأفاق بعد دقيقة.

“ألم تصب؟ كأنني ضربت بمطرقة."

قالها (حازم). فنظر (عماد) مدققًا في وجهه وقال:

“لا أرى تأثيرًا للكمة قرين (إسلام) على وجهك."

“صحيح، لولا حيائي من وجودك الذي يعصف بعظام وجهي!"

“أين ذهب قرينك؟”

سأل (عماد). فأسرعت (رقية) لتطمئن (إسلام).

“لا أعرف كيف تصرف هكذا من تلقاء نفسه. عندما فزعت مما حدث، اختفى فجأة."

“ليك أن تعرف أن قرينك يتحرك بإحساسك. وعندما شعرت بالقلق، اختفى."

قالت (رقية) بنبرة متوسلة:

“أرجوك احذر من أذية أي أحد."

هز (عماد) رأسه متفهمًا وركز نظره على (إسلام). لم يحدث شيء، فقال (عماد):

“ما رأيك أن نفكر في أن يأتي قرينك الآن من المطبخ؟"

لم يكد (إسلام) يفكر في ذلك حتى جاء قرينه من المطبخ بخطوات متثاقلة.

“فكر في أن يتوقف أمامك ويرفع يده اليمنى عاليا."

فعل القرين ما فكر فيه (إسلام) وظل مرفوع اليد. ابتسم (عماد) واعتدل في مقعده.

“فكر في سؤاله عن (حبيبة)."

لم يتكلم القرين، فقال (عماد):

“اسأله بصوتك."

“من هي (حبيبة)؟"

هي الفتاة التي يحبها صديقك (يوسف)."

قال القرين. فقال (حازم):

“هل تشعر أن قرينك يتحدث إليك كأنه شخص آخر برغم أنه يسترجع ذكرياتك؟"

قال (عماد):

“لقد كان له شخصيته المنفصلة منذ البداية، وهو يتفاعل جسديًا فقط."

ثم خاطب (إسلام) قرينه فجأة قائلاً:

“هل كنت تثق في هذين الشخصين؟"

وأشار بيده تجاه (حازم) و(عماد). فنظر القرين إليهما ثم قال:

“وثقت في (عماد) منذ أول يوم قابلته. أما (حازم) فشعرت بالقلق من ناحيته لاستخدامه الجان، لكنك اطمأنت له مع الوقت."

“وماذا عن (رقية)؟ هل أثق بها؟"

قال القرين بملامح جامدة:

“لا أعرف شيئًا عنها."

قال (عماد):

“كأن قرينك يحتفظ بكل شيء قبل الحادثة. أما حياتك بعدها، فلا يعرفها!"

كان مغمض العينين، وألم شديد يتزايد بسرعة عند مداخل السلوك النحاسية في جسده. شعر (طه) بألم يشتد في ذراعه الأيسر يختلف عن بقية آلام جسده. انعصر قلبه بشدة فتساءل إن كان يتعرض لأزمة قلبية. زاد الضغط على أذنه وصداع برأسه. فكر متفاجئًا أن كل هذه الآلام المختلفة لن تكون سهلة على عقله. فعلاً، لم يعد يشعر بكل الآلام وهو يدور بسرعة مع الموتور. خيل إليه أنه يسمع أصواتًا مختلفة تتحدث بنبرات غريبة.

اختفى الألم فجأة، وتوقف جسده عن الدوران. شعر بنشوة بالراحة والنعومة أمام الجهاز الذي كان يقف عليه. نظر حوله فرأى الكثير من الكائنات تسير بشكل طبيعي. خاطب نفسه قائلًا بصوت عال:

“لقد نجحت!"

سمع صوته بشكل مزعج، تنحنح وقال كلمة أخرى، فوجد صوته قد تغيّر تمامًا. نظر حوله مرة أخرى فوجد (عمرو) يقف خلفه ممسكًا بالأوراق التي تركها له بيده وينظر إلى الآلة الخالية. نظر إلى الساعة المثبتة على معصمه، فوجد عقرب الثواني لا يتحرك. ففكر أنه لو صدقت حساباته، فإن الوقت يمر الآن بتوقيت الجان، لذا ستتحرك ساعته ببطء شديد. شعر بجسده خفيفًا كأنه يطفو.

“ما هذا؟"

سمع صوتًا حادًا يشبه تردد صوته لكنه مختلف قليلًا. نظر لمصدر الصوت، فوجد (عمرو) يشير إليه بإصبعه. تعالت أصوات بلغات الجن الأخرى، وجرت البحض واختفوا فجأة. أما (طه) فقد تحرك بخفة ليرى (عفرو) ينظر له متأملًا الهالة التي تحيط به.

“أهذا قرينك يا (عمرو)؟"

رأى هالة رمادية تحيط به، وكل ورقة وكل قلمة على المنضدة تحيط بها هالات رمادية ترسم أشكالًا مختلفة في الهواء. ذهب إلى المنضدة وضم يده عليها. شعر بكهرباء خفيفة تسري في يده وهو يمرر يده على المنضدة. وضع يده عليها مرة أخرى وحركها بسرعة كما تعلم من (الجساس) عندما حدسه. خرجت شرارة كهرباء من يده وشعر بملمس المنضدة. حرك يده بقوة، ففزع (عمرو) وهو ينظر إلى المنضدة مندهشًا. لم يتخيل (عمرو) أن هناك قوة يمكن أن تأتي من الجهاز الخالي الذي ما زال يصدر الكثير من الضوضاء.

نظر إلى المنضدة فلم ير شيئًا، لكنه سمع صوتًا حادًا في أذنه.

“لا تخف... أنا (طه). أغلق الآلة وعد إلى منزلك. نجحت في الانتقال."

وما تعلمه لم ينسه بعد. وخاصة أنه شيء بسيط قد حفظه في بدايات الدرس، وهو وضع الدواة على المكتب. وسُمِّيَ القدر على الأرض وجلس بجانبه وهو يصرف عمار المكان.

"تلا بلا طلحة، باش أياش أصابيا، مهياش أل ياه بحق هذه الأسماء. احضروا لمجلسي واقتحموا هندلي. اسمعوا وأطيعوا المدعوون. واحضروا لمجلسي أسرع من إطباق الجفون. إن شئت صيحة واحدة، فإذا هم جميعاً لدينا "حاضرون".

فَارَ الحر ي الماء كأنه يتحرك. استند مهران على بدنه وشاهد جيشاً صغيراً يحرك الماء ليدلل على وجوده. أبعد عينيه عنه كي لا يدرك الجن أن مهران يتواجد هنا.

"أريد أن أعرف موضع زوجتي الآن. اسمها مروى، وأبوها يونس، وأمها وردا. خرجت مع والدها إلى زنارة قارب في منفلوط بأسيوط منذ أربعة عشر يوماً".

اختفى الجن فجأة. اطمأن مهران أنه الآن سيبحث عنها. مرت دقيقة وأخرى. شعر بالقلق؛ لم يمض كل هذه الفترة بدون نتيجة.

أمام القدر، اقترب الجن من أذنه وقال: "لم أستطع الوصول إلى مروى أو يونس".

تسارع أنفاس مهران وهو يقول: "كن معي. سأظل في نفس المكان لتواجدهم هنا خلال الأيام الماضية".

لم يكن مهران ينظر إليه من البداية، لكنه شاهد الجني بطرف عينه يتراجع برأسه للوراء وكأنه استجاب لكلماته. ثم قال في أذنه: "لم تطلب هذا الطلب الغريب؟"

"أنا أحد خدام المندل السليماني ويمكنك أن أطلب منك مرافقتي إلى آخر موضع تواجد فيه من أطالهم".

"لم أقابل من يعرف هذا منذ زمن.. من علمك؟"

"لا، هم سترافقني من الآن حتى أصل".

لم يرَ الجني بينما مضى مهران قائلاً: "سأذهب لتحضير الفرس والماء والنقود".

"توقف!" سمعها مهران وهو على ظهر فرسه، فشنت اللجام بهدوء حتى توقف الفرس ببطء محافظاً على توازنه. نزل من على الفرس وهو يمسك بلجامه ناظراً حوله.

كانت منطقة صحراوية وبعض الجبال المنخفضة تحيط به. "أين بالتحديد؟"

فعل مهران كما قيل له حتى توقف عند منطقة الرمال المنحسرة. "هنا آخر موضع تواجد فيه".

فَأَحَاطَ الجني بينما خلص مهران رمل الحفر. بدأ بتنظيف الرمال بسرعة جنونية.. اكتشف بدد بسيط. أكمل الحفر حوله لتظهر ألوان واضحة لجسد إنساني. لم يتحرك الجني بره، لكن مهران كان مشغولاً بمعرفة ما سيكتشفه. وبحزن، بكى مهران على الرمال التي حفرها.

ظهر جسد مروى المتآكل بالكامل. جلس بجانبه بذرف الدموع بوجه حامد. ظل على هذه الحال لدقيقة ثم نظر للجني بعينين مليئتين بالدموع، وتراجع الجني بجسده مندهشاً. رفع مهران يده اليمنى وأخذ بوصلة السبابة ناحيته وهو يقول:

"أقسمت عليك بخادم المندل بحق من لا يغلبه غالب ولا بشفوفه هارت ملك المندل سراهيل الذي خلفه الله نعال وجعل كلامه عليك كالرعد التاصف وعيناه كالبرق الخاطف وصيحته كالريح العاصف. القابص على صبولجان من النور إذا هزه لقضاء ربه فخرج منه ألف شرارة وكل شرارة أحرقتك إن عصيت قسمي بأن تكون خادمي حتى أطلقك".

تغلغلت يد الجني بأغلال حديدية وخرج شعاع من الضوء من جسده إلى مهران. لكن الشعاع اختفى فجأة كأنه لا يجد جسد هذا الآخر. تساءل الجني: "ماذا يحدث؟! كيف تستطيع رؤيتي ولمَ كبلتني لخدمتك؟!"

"اسمع، أنت من الآن خادمي ولن أطلقك قبل أن تنفذ ما أطلب. اذهب الآن وابحث عن كل الجن الذين يعيشون بالقرب من هذا المكان في عالمكم. واسأل كل واحد منهم عما رأوه في الأيام السابقة بخصوص قتل زوجتي وأحضر لي القاتل وأين هو الآن".

"لن أستطيع العودة. فأنا لا أراك كجني عادي. لا يوجد اتصال بيني وبينك لأعرف موضعك".

كان مهران يعرف ذلك، فالشعاع الذي ينشأ رابطة السيد والخادم لن يلتحم بجسده لأن جزءاً منه من الجن.

"لن أتركك حتى تنفذ أمري. وإلا سأستدعي من يخلصني منك".

فأجابه الجني: "إذا لم تحل الأمور، فإن الملك سراهيل سيقتلك".

"قلت لك، إذا نفذت أمري سأتركك. اذهب الآن، وإلا سأدعو الملك سراهيل ليخلصني منك".

قال الجني: "سأذهب لأبحث عن المعلومات وأحضر لك الإجابات".

أغلق مهران النقاش وترك الجني ينطلق للبحث.

في مكان آخر، كان يسري يجلس على مكتبه محاطاً بالأوراق. وجد نسخة من كتاب المزامير بترجمة الراهب سمعان، ونسخة عبرية بجانبها. قرأ المزمور 151 للمرة العاشرة، وركز على الآية التي ترجمتها سمعان: "أنا صغرت كنت في بيت أبي. كنت راعي غنم. يداي صنعتا الأرغن. وأصابعي ألفت المزمار".

توقفت يد سمعان عند هذه الآية، وكأنه قرر فجأة أن يتوقف عن الترجمة. لم يكمل ترجمة بقية المزمور وقرر الاتصال بعماد.

رن جرس الهاتف وسمع صوت عماد يسأل عن الحال. رد يسري قائلاً: "أنا دكتور يسري. أستاذ عماد، صدفة غريبة. كنت أفكر في الوصول إليك الآن".

قال عماد: "أتمنى أن تكون قد وجدت شيئاً جديداً".

أجاب يسري: "لقد قارنت الرموز في الأوراق وشفرات كتاب الراهب سمعان بنسختيه. الرموز كانت صحيحة، لكن هناك جزءاً من الرموز لم يكن واضحاً. حللت هذا الجزء ووجدت أنها شيفرة رمزية تعتمد على نظام أرقام من 1 إلى 10. لكن لحل الشيفرة، أحتاج إلى مرشد دلالي لهذه الرموز".

قال عماد: "هل وجدت حلاً للشيفرة؟"

أجاب يسري: "لا، لا أعرف ترتيب الأرقام الصحيح، حتى الأرقام القبطية ليست واضحة".

قال عماد: "نسيت أن أخبرك أن هذه الشفرات تعقيدها شديد وتعتمد على تجميع الأرقام بشكل دقيق. لكن نص ترجمة الشيفرة هو الناقص".

قال يسري: "لا أستطيع التأكد من الحل حتى أجد الترجمة الصحيحة. سأبحث عن أي شيء يتعلق بترجمات هذا الراهب. ربما أجدها".

قال عماد: "إذاً، نلتقي قريباً؟"

أجاب يسري: "اتفقنا. سنظل على اتصال".

أغلق يسري الهاتف وأطفأ سيجارته. استرخى على مقعده، ناظراً إلى الكتاب المترجم باللغة القبطية، وسأل نفسه: "لم كل هذا التعقيد يا سمعان؟"

في منتصف الليل، كان رحيم يسير بجانب حامد بينما كان يتحدث على الهاتف. قال رحيم: "ماذا تفعل هنا، حامد؟"

رد حامد: "نحن في مكان غير مناسب للحديث. الناس ستظن أننا نتحدث مع اللواء".

دخلوا شارعاً جانبياً مغلقاً بأبواب المصانع المفلقة. مع أصوات الماكينات القادمة من خلف تلك الأبواب.

قال حامد: "ماذا تريد مني الآن، رحيم؟"

أجاب رحيم: "يجب أن ترى بنفسك. قف أمام خامس باب على اليمين".

دخل حامد إلى المصنع، حيث فتح له رحيم من الداخل. أضاء المصابيح فوجد حامد نفسه في مكان مليء بالأوراق والرموز.

قال حامد: "ما الذي أفعله هنا؟"

قال رحيم: "اتجه إلى المكتب وابحث عن الأوراق. هناك رسالة لك".

وجد حامد رسالة مكتوبة: "أهلاً حامد. أنرت مصنعي. لن تجدني الآن فأنا في عمل هام. لكن انتظرني هنا وسأوافيك حالاً".

في وقت لاحق، عبد الكريم استيقظ على صوت زوجته التي نادت عليه. كان يشعر بشيء غير طبيعي، وأصبح يسمع صوتاً غامضاً.

قال الصوت: "قم من نومك. لا يوجد وقت لذلك. إذا أردت أن تنقذ نفسك وزوجتك، اذهب إلى شقة حماتك وارسم على جدرانها ما ستجده على الورقة التي وضعت لك على الكومود.. إلى اللقاء".

فتح عبد الكريم الضوء ووجد الورقة. كتب عليها رموز وخرائط وأرقام لم يفهمها. شعر بالقلق، وأسرع نحو شقة حماته ليفعل ما طلب منه.

وفي قصر الملك، كان عماد يشرف على العمليات العسكرية. قال أحد الجنود: "يا مولاي، لدينا معلومات عن تحركات الأعداء. يبدو أنهم يستعدون لهجوم آخر".

أجاب الملك: "حسن، استعدوا لمواجهة أي هجوم. نحن لا نسمح لأي شخص بتهديد أمننا".

كان الملك يتطلع إلى الأفق، حيث ظن أن هناك قوى خفية تلعب دوراً في الصراع، وبدأ يجهز نفسه لمواجهة الأسوأ.

فتح (إسلام) عينيه في ظلام الغرفة. لم يدر كيف جاء إلى هذا المكان ولا من أحضره. شعر أنه يعرف غرفة نومه لكن لا يتذكر أي تفاصيل عنها. نظر حوله في الظلام وهو يسترجع وجهين يعرفهما: (رقية) وقرينه. نظر حوله فسمع الصوت مرة أخرى يقول في أذنه:

"لا تخف مني، أنا في صددك."

في ظلام الغرفة، رأى شيئًا واقفًا عند حافة الضوء القادم من تحت عقب الباب. تبين أن الواقف هو قرينه، لكنه كان يقوم بحركة غريبة برأسه. كان ثابتًا لكنه كان يحرك رأسه بطريقة لا تتوقف.

قال الصوت: "تبقى لي وقت قليل. يجب أن أحتاجك لإنقاذ (حسية) في الصباح الباكر."

سأل إسلام: "من الذي يحدثني؟"

"كنت أعرف أنك فقدت معظم ذاكرتك. لم أكن أعرف أنك لست (حعدبهة) ونقية أصدقائي."

فجأة توقفت حركة قرينه عند نقطة معينة قرب فراش إسلام، وكأنه عثر على ضالته. أسرع من موضعه حتى وصل بالقرب من الفراش ومد يده ليمسك الهواء بقبضته.

شاهد إسلام شرارة كهربائية تخرج من الهواء من موضع قبضة القرين لتحيط بالقرين وتسري في جسده.

ارتعش القرين والشرارات الكهربائية تسري في جسده كأنه يقاوم. فجأة ظهرت بقعة ضوء من قبضة القرين تضخمت حتى أصبحت بحجم كرة القدم ثم اختفت. ففتح القرين قبضته وأرخى جسده.

شعر إسلام أنه يمكن أن يسأل قرينه.

"من هذا الذي كان يحدّثني؟"

"تمكنت منه لكنه هرب قبل موته."

صمت إسلام لحظات قبل أن يسأل قرينه:

"من هي (حخبيبة)؟ قل لي كل ما تعرفه عنها."

قضم (حامد) قضمة من (دبوس) الدجاجة المشوية التي كان ممسكًا بها بيده اليسرى، بينما كان يلعب إحدى الألعاب على هاتفه المحمول الذي كان ممسكًا به بيده اليمنى. كان قد خرج منذ قليل وأتى بالطلبات التي وجدها على الورقة. لكنه شعر بالملل والجوع ففتح ورقة الطعام ليأكل بعض قطع الدجاج التي أحضرها.

" (حامد).. احذر!"

صرخ بها (رحيم) وهو يضع يده بالقرب من رأس (حامد) ليتمكن من رؤية ما في يده. نظر (حامد) فزعًا وهو ينظر يمينًا ويسارًا حتى رأى بقعة ضوء ضخمة في منتصف المصنع. صرح (رحيم) مرة ثانية قائلًا:

"سأتولى الأمر."

نظر (حامد) إلى (رحيم) فوجده يخرج عكازًا من ملابسه ويختفي من جانبه. لقد فقد الرؤية بعد ابتعاد (رحيم) عنه. لكنه نظر إلى نفس النقطة الفارغة التي رأى فيها بقعة الضوء.

فجأة، ظهرت سحابة دخانية تدور ببطء حول نفسها وداخلها تظهر حدود جسد شاب يقف. تحرك هذا الشاب للأمام لكنه توقف فجأة كأنه لا يستطيع التقدم.

"آثت لم تدعني. ما السبب؟"

قال (حامد) بصعوبة وهو يشير بإصبعه ناحيته. فأشار (حامد) برأسه علامة الموافقة. ابتسم الشاب وقال:

"افا لها وخير."

أحدهم، سأل (طه): "هل يمكن أن أسأل لماذا لا ترتدي ملابس داخلية؟"


الفصل التاسع: مدينة الموتى

غادر الحضش وتم (مهران) بعد ما يقارب الساعة بتوفيق إلى الياي. فوجد هذا حر الساع على الأرض. بعد أن انتهى من الحشر الذي شاهده منذ قليل.

"بفضل بعد كل تلك المدة أن أعرف كل شيء."

انتبه (مهران) في وجهه كأنه بدا باحترام. قال:

"تلك الأحداث هي عن (مروى) و(بونس). استولوا على جمال كان بجرها (بونس). قاومهم فاستولوا عليه واغتصبوا (مروى) قبل قتلها هي الأخرى."

توقف الجني لثوان كأنه في انتظار أي ردة فعل أو تعبير على وجه (مهران). ثم أكمل بعد أن وجد الجمود على وجهه كما كان:

"بعد دفن جثتيهما، سافروا إلى قرية قريبة."

"غيبتك الطويلة تدل أنك توصلت لأكثر مما تقول."

أجاب الجني بتلقائية:

"استخدمت العشرات من الجن المحبطين حتى وصلت إلى القرية وعرفت أسماءهم: (أحمد بن يزيد)، (أحمد بن إبراهيم بن محمد)، و(يوسف العطار). هم من أهل القرية والقرى المجاورة."

"أرشدني إلى طريق هذه القرية."

"لماذا أحتاج إلى إرشادك؟"

"أرشدني وستعرف كل شيء."

أشار بيده إلى الاتجاهات وقال:

"من هنا اتبعك حتى ترى سديلاً من الماء الفقير. هناك تجد القرية."

نظر (مهران) إلى الاتجاه الذي أشار إليه الجني. فقال هذا الأخير:

"هل تفكر بأني أكذب عليك؟"

"أثق في صدقك.. هل تعرف لماذا؟"

قال (مهران) بجدية:

"سأشعر لو كذبت علي لأننا من نفس الجنس. فأنا جني مثلك!"

بعدما انتهى من جملته، مد يده ناحية الجني فجأة.

دخل (مهران) سوق القرية ممتطيا فرسه، يسير بين الدكاكين والنظرات المتفحصة للأرض وهو ينظر يمينًا ويسارًا بوجه جامد. توقف بعض الناس في السوق ينظرون بقلق إلى هذا الشاب الذي يرتدي تلك الملابس الفاخرة التي تميزها بعض الفبر. بدا مظهره متناقضًا.

مر (مهران) وسط الناس حتى وصل إلى مقهى ممتلئ بالأقوام. نزل (مهران) عن صهوة فرسه وهو يلقى التحية على الجالسين. رد الجميع التحية بحفاوة متأثرة.

ربط فرسه بجزء بارز بجانب أحد المنازل الملاصقة للمقهى. ثم جلس على أحد المقاعد الخالية والجميع ينظر إليه كأنهم يترقبون ما سيفعله.

جاءه القهوجي فطلب منه ماء وينسون ومعسلاً. بدأ الجالسون يتساءلون عن أصله بعدما لاحظوا لهجته التي تبتعد عن لهجة أهل الصعيد. قال بعضهم إنه ربما من إحدى قبائل الشام. ونفى آخرون ذلك.

جاء القهوجي حاملاً الماء والينسون. عندها صرخ (مهران) بصوت عالٍ:

"ترجو أن يعجبك الينسون المقدم."

نظر (مهران) خلفه جهة الصوت فوجده رجلًا يدخن (شبك دخان) الذي يشبه الغليون لكن قصبة تدخينه تزيد عن المتر. فابتسم بطرف فمه وقال:

"بدو أنك لم تتعاف من تربية المحروسة."

قال الرجل العبارة بتكلف وهو يستنشق الدخان بين كل كلمة وأخرى. اعتدل (مهران) في مجلسه ووجه جسده ناحية الرجل ليظهر له الاحترام قائلاً:

"لهجتك غريبة. فهي لا تشبه أهل المحروسة ولا أهل البحر."

قال الرجل وهو يمسك الشبكة بحرفية:

"طباع بلاد فارس لا تختلف كثيرًا عن طباع أهل مصر."

فقال (مهران) ثم دق بطرف ذراع الشيشة على فم الزجاجة قائلاً:

"كلمة الشيشة أصلها من بلدي. فنحن نقول شيش على الشيش، ونستخدم الشيش الزجاجية في التدخين في كل مكان. لكن النبع الذي نستعمله أثقل بكثير من المعسل هنا."

"سمعت عن المعسل الإيراني لكنني لم أجربه من قبل."

"في الزيارة القادمة سأحضر لك بعضًا لتجربه."

ابتسم الرجل، وقال آخر:

"وهل جئت بلدا لتجارة أم زيارة؟"

"جئت لتوصيل أمانة، مبلغ من النقود لثلاثة رجال."

"من هم؟"

"(يوسف العطار)، و(أحمد بن يزيد)، و(أحمد بن إبراهيم بن محمد)."

فجأة، خيم الصمت على الكثير من الزبائن. حتى إن بعضهم ممن لم يسمع المناقشة من البداية نظر بقلق إلى هؤلاء الرجال. نظر الرجال الثلاثة إلى بعضهم البعض ووجوههم تحمل تعابير مختلطة بين القلق والخوف والشك.

"هل أنتم الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم؟"

"حملت الأمانة من رجل بالمحروسة دون معرفة هؤلاء الرجال."

قال أحدهم: "نعم."

سأل آخر:

"ومن هذا الرجل الذي أرسل المال؟"

"الرجل الذي كان يذخن شبك الدخان. لكنه بعد انتهاء حديثه، أدار رأسه بعيدًا عن (مهران) فتبعوه الجميع."

قالها وانسحب من وسط الناس بهدوء وهو يأخذ معه القهوة. فاجأ (مهران) بقوة الرجل الذي سحب قهوته، فاستدار وقال:

"أرجو أن تسمحوا لي، سأحتاج إلى قسط من الراحة."

توجه إلى أحد الخلاء.

"ماذا تريد؟"

سأل من خلفه.


فصل مفقود

بعد أيام، انتقل (مهران) إلى مكان جديد. هنا كان يستعد لمغامرة جديدة. هناك أسرار لم تُكشف بعد وأحداث ماضية تستدعي التحقيق. في تلك القرية، كان ينتظر لحظة الحسم التي ستكشف كل شيء وتجمع خيوط القصة المبعثرة.

لم أجن بعد. لا أستطيع العودة إلى البداية. أعيش حالة من الهلوسة. لم أفهم بعد هذا الأمر الغريب. لم أستطع الانتقال إلى عالم الجان بالمغايير. لكن ما حدث كان مستغرباً.

"هل الانتقال مستحيل؟"

"الانتقال إلى عالم الجان مستحيل علمياً في الوقت الحالي. إذا أردت أن تنتقل إلى عالم آخر، يجب أن يكون جسدك سريعاً جداً، بأكثر من 300 ألف كيلومتر في الثانية، وهي سرعة الضوء. وبرغم أن بعض التجارب استطاعت اختراق هذه السرعة عبر نبضات الليزر بسبب عدم وجود كتلة لها، إلا أن جسدك له كتلة ستزيد مع زيادة السرعة."

"هل الانتقال مستحيل؟"

"مستحيل وفق القوانين الفيزيائية الحالية. لكن لا أعلم إمكانيته في عالم الجان. القوانين الفيزيائية التي تحكمه لا أعلم عنها الكثير. كما قلت لك، كل ما يمكن أن يحدث هو في عالم الجان. عرفت بأن كل شيء يتعلق بالطاقة. ولأن الأسلاك المغروسة في جسدي محملة بشحنة ضخمة من الطاقة، فقد فهمت كيف أطلقها لأنتقل من موضع إلى آخر بسرعة. وحتى أتمكن من التأثير على جان آخر، كأن أضربه برصاصة من الطاقة، فأقتله. ذهبت إلى (حبيبة) في الموضع الذي حدده (سنان) لأكتشف أنني بمجرد أن أخرجت طاقة عالية من جسدي وفكرت بأن أدخل إلى هناك، كان كأنه مشهد من فيلم يعرض أمامي."

"هل وجدت نفسك هناك؟"

"نعم، وجدت نفسي في غرفة غير مريحة. تأملت جوانب الغرفة فوجدت ممرًا مظلمًا في ركنها يقود إلى شيء ما. أما (حبيبة) فكانت ممددة على الأرض. شعرت بشيء ما يعوق قدرتي على التحرك وكأنني أصبت بمرض ما. فقررت أن أنزل إلى الممر وأدخل الغرفة. رأيت نفسي في الممر المظلم وأخرجه الغرفة الممتلئة بالطلاسم و(حبيبة) ممددة على الأرض كما هي. حاولت الدخول إلى الغرفة لكن لم أستطع. كان هناك حائط غير مرن يمنعني."

"ما هو الحل؟"

"الحل يكمن في كائن لا يتأثر بعالم الجان وتعاويذه، وفي نفس الوقت يمتلك القوة اللازمة لدخول هذا المكان والخروج منه مع (حبيبة)."

قال (طه) وهو يلقي الورقة على المنضدة ويتناول قطعة دجاج ليتناولها: "قرين (إسلام)!"

قال (حامد) وهو يفرقع بإصبعيه: "فكرت في ذلك بعدما أخبرني (الجساس) بآخر ما عرفه عن انفصال قرين صديقكم وقوته الطاغية. ذهبت إلى (إسلام) ووجدت أنني اكتشفت أنني لا أستطيع القتال!"

"تقصد شاهدت نفسك في المستقبل؟"

"لا، قبل أن أزور (إسلام)، فرغت شحنة الطاقة التي كنت أمتلكها بسبب إنقاذي لجواسيس الجان الذين عرفتهم من (سنان). ومحاولة إيقاف المعارك بينهم."

"جواسيس الجان؟"

"جواسيس الجان كانوا مستهدفين، وكنت قد تعرضت للقتل بعد استخدامهم ككمين (للمخلي)."

"كيف عرفت كل تلك التفاصيل؟"

"الجساس القديم أخبرني بالكثير حولكم. بعدما انتهيت من مسألة الجواسيس، جئت إلى هنا لقرب انتهاء شحنتي. استخدمت آخر مرة أستطيع فيها رؤية المستقبل ورأيتك وتحادثنا. وذهبت إلى (إسلام) في منزله فوجدت قرينه الذي كاد يقتلني."

"كيف؟"

"كان يبحث عني في البداية. لاحظت أن الجان لا يروني بشكل طبيعي، لكنهم يخافون من وجودي."

همس (رحيم) في أذن (حامد): "نراه كأنه بقعة ضوء ساطعة."

أعاد (حامد) العبارة على (طه) وأعلمه أنها من (رحيم). فهز (طه) رأسه متفهمًا وأكمل قائلاً:

"عندما خبت شحنتي، عرفت مكاني. لا أتذكر سوى أنه مد يده داخلي، شيء غريب. استخدمت آخر ما أمتلك من طاقة لأهرب وأعود هنا قبل أن ينهار جسدي."

"هل ستشرك أصدقائك في هذه المعلومات؟"

"هل ستخبرهم عني؟"

"نعم، سوف يزورونك في المستشفى ونقرر ماذا نفعل."

"جسدي يعاني من الحروق ولا أعرف إذا كان هناك ضرر داخلي أيضًا. ومع ذلك، لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان آخر. لا وقت للتأخير. يجب أن أحاول العودة إلى عالم الجان مرة أخرى لأقتل (المخلي)."

"تقتل (المخلي)! تتحدث عن قتله كأنك ستقتل دابة!"

"أعتقد أنه يجب المحاولة. خاصة أنني سأخاطر مرة أخرى بالعودة إلى عالم الجان."

"تخاطر؟"

"لا أعرف إذا كانت الأسلاك في جسدي ستتحمل مرة أخرى أم لا. المهم أنك ستساعدني، أليس كذلك؟"

"إذن، جد طريقة لإقناع (إسلام) بالحضور إلى تلك المنطقة ونقل (حبيبة)، لكن في موعد محدد."

"ما هو الموعد؟"

"سأحدد لك الموعد في الغد إذا انتقلت إلى عالم الجان بسلام. لأنني اكتشفت أن (حبيبة) إذا خرجت قبل موعد فتح البوابات، سيستبدلونها بأي فتاة عذراء أخرى."

"ولماذا (حبيبة) بالذات؟"

"لا أعرف. ربما نوع من الانتقام من كل ما يخص صديقك (يوسف) الذي تسبب في سجنه."

"لحظة. كيف سيقوم قرين (إسلام) العاري بإخراج (حبيبة) أمام الناس؟"

"سيفعل ذلك بطريقة غير ملحوظة لتجنب الناس." قالها (طه) ونهض من المقعد بصعوبة وهو يقول:

"اذهب أنت وتأكد من تواجد (إسلام) غدًا قبل الساعة الرابعة في منطقة الهننيكة. وانتظر هنا بجانب الغرفة النحاسية حتى أخبرك ببقية التفاصيل."

"وأنت ماذا ستفعل؟"

"سأحلق شعري وأرتاح قليلاً لأفكر في بعض حساباتي. ثم أعود إلى عالم الجان."

"لم تخبرني متى موعد هجوم (المخلي)."

"لقد بدأ الهجوم بالفعل!"


الفصل العاشر

لم يُفهم بعد الوضع بالكامل. الأحداث تجري في أوقات غير متوقعة. أما (مهران)، فقد وجد نفسه في غرفة مظلمة مليئة بالكتب والأوراق. تم تقييده بأغلال حديدية، وكان يحاول بكافة الطرق كسر هذه الأغلال دون جدوى.

دخل الشاب (إسماعيل الحلاج) حاملاً قنديلًا مضاءً، مما بدد الظلام وأظهر كل ما حول (مهران). استفسر (مهران) عن كيفية تطبيق الطلاسم والصرع. أظهر (إسماعيل) ابتسامة باردة وقال إن تلبيس الكف بالطلاسم كان أحد الطرق لإحداث الصرع.

تحدث (إسماعيل) عن نشأته وكيف انتقل من قرية إلى أخرى، ليصبح من مريدي قبيلة (الثقاف). كشف عن معرفته بعلوم الطلاسم والسحر، وتطرق إلى بعض الأمور المتعلقة بالجن والبشر. تبين أن (إسماعيل) كان يسعى لتحقيق أهداف خفية ويستخدم سحره لغاياته الشخصية.

فجأة، حاول (مهران) استخدام السحر لتحرير نفسه، باستخدام طلاسم قوية لمحاربة (إسماعيل) وحماية نفسه من محاولاته للسيطرة عليه.

هذه هي طريقة التدريب المعتادة. خرج من مجلسه وهو يرى الجنود.

فجأة ظهر (رحيم) وهو يحمل كرباجًا في يده اليمنى، وحوله الجنود.

قال أحد الجنود من بعيد مخاطبًا (يصفيدش): -"توقفوا. إنه معنا".

ابتعد الجنود ببطء، وكان (رحيم) يرتدي ملابس سوداء وينظر إليهم بتوتر. صرخ أحد الجنود من بعيد مخاطبًا (يصفيدش): -"آسرع! الفرفة التحاسية يا سيدي".

أسرع (يصفيدش) ومن كان يجلس معه إليه وهو متوتر: -"لا يمسه أحد. هذا (رحيم) أحد رجالي".

نظر له (رحيم) ببرود وقال: -"لم أعد من رجالك يا سيدي. فأنا الآن خادم للغرفة النحاسية وسيدها".

وقف (يصفيدش) أمامه يتأمله حتى قال (رحيم): -"جئت مهتمًا لرجل بطلب مقابلتك فورا".

-"رجل من البشر؟"

-"كان من البشر لكنه من الجان الآن. ولا تظن يا سيدي أنني أمزح. إنه (طه)".

زادت همهمات الجنود تساؤلًا عن المعنى. بينما فاجأهم (يصفيدش) سائلاً: -"كيف سأقابله؟"

-"الآن سيأتي. لكن يطلب منك أن تترك رجالك أسلحتهم كي لا يتهوروا".

-"سيخالفون أمرك من الخوف. يقول لك إن الأمان في ترك أسلحتهم".

-"اتركوا أسلحتكم وابتعدوا عنها".

كاد أحد القادة أن يعترض لولا أن أشار له (يصفيدش) بالسكوت. بينما الصمت يجري معه الوقت ببطء. من عدمه لن يشكل فارقًا.

فجأة ظهرت نقطة ضوء في مساحة خالية بجانب (رحيم) وتضخمت حتى أصبحت أكبر حجمًا من هذا الأخير. ثم جاء صوت (طه) من تلك النقطة يقول: -"شرف لي مقابلة القائد (يصفيدش)".

اقترب الجنود من مساحتهم مرتقبين. رفع (يصفيدش) يده لأعلى مشيرًا إليهم بالتوقف. ثم نظر بعدها إلى (طه) وقال بهدوء: -"لا تقتربوا من الضيف إلا بإذن".

قالها (يصفيدش) مخاطبًا الجنود. فقال (رحيم): -"أنت سلاح (المخلي) الذي قتل رحالي".

-"ألم تكن مع (المخلي)؟ لم تقتل رحالي وحدك. بل مات أيضًا إحاقه".

-"من أنت؟ وما هذا الضوء الساطع الذي يمنع رؤيتك؟ وما حكايتك؟"

-"لا يصح الحديث أمام الجنود في مثل هذه الأمور".

-"أجب أولاً على أسئلتي ثم أقرر بعدها إن كنا سنكمل حديثنا أم أقتلك".

قال (طه) ابن (عباد) سيد الغرفة النحاسية: -"جسدي يراه الجان بهذا الشكل لأني بشر انتقلت بين عوالمكم وأبعادكم عن طريق سحرٍ دقيق. أما حكايتي فتتلخص في عبارة واحدة: إن تركتني أساعدك، سنقضي على (المخلي)".

"سنتناول الإفطار سويا يا بنيتي"، قالت والدة (إسلام) لـ(رقية) بعد أن جلست معها في صالون الشقة. فرفضت (رقية).

-"كيف حالك يا أمي؟" قالها (إسلام) وهو واقف على الباب، والأحزان واضحة على وجهه كأنه لم يرَ والدته منذ فترة. فانفرجت أسارير الأم وهي تسر إليه تحتضنه. بينما هو ينظر إلى (رقية) بنفس النظرة التي تعودت على رؤيتها. فقالت مبتسمة وهي تقربه نحوها: -"هل تتذكر والدتك؟"

-"أتذكرها وأتذكر اسمي ودراستي والكثير عني وعن أصدقائي. لكن آسف، لا أتذكرك. رغم أنني أشعر أني أعرفك منذ وقت طويل".

-"الحمد لله يا دكتورة (رقية)، نجحت جلسة العلاج أمس وتذكرنا".

قالتها (رقية) بسرعة ثم أسرعت إلى غرفة النوم وهي تقول: -"سأتصل بالجميع لأبشرهم".

رمق (إسلام) وجه (رقية) وقال: -"كأنني كنت أحمل لك مشاعر ما".

همست (رقية) وهي تقرب رأسه من رأسها قائلة: -"هل تذكرت بحق أم أن هناك شيئًا آخر؟"

نظر (إسلام) حوله كأنه يتوقع ظهور شخص في أي وقت. ثم قال: -"ابتسمت (رقية) وقالت: "هل سألته عن حياتك السابقة؟"

-"أعرف كل شيء عنه".

قال (إسلام) متوترًا: "فضيلة الليل استفسرت منه عن حياتي لكنه لم يذكر وجودك".

"عائلتك تعرف. أخذوك لجلسات علاج في المستشفى. لكننا سنذهب لـ(حازم) و(عماد). هل تتذكرهما؟"

-"اتصل بي (عماد) وقال بأننا يجب أن نحضر قبل الساعة التاسعة لأمر ما".

-"سنذبح خروفًا لله بركة تعافيك"، قالتها الأم بعد أن عادت فجأة من غرفة النوم وتحمل بيدها هاتفا محمولا. فقالت (رقية): -"الحمد لله. لكن يجب أن نذهب لجلسة اليوم كي يتحسن أكثر".

"سأتصل بأحدهم ليخبرهم".

قال (إسلام) والقلق يظهر على وجهه: "سنذهب لاحقًا".

أضافت (رقية) وهي ترتبك: "لا أستطيع تأجيل الجلسة. أشعر بأمل كبير في جلسة اليوم".

-"وأنا أيضًا"، قالتها (رقية) والارتباك يغزو نبرات صوتها وهي تنظر إلى (إسلام).

بينما (بصفيدش) يجلس في خيمة بالقرب من معسكرات جيشه، ويتحدث مع (طه) الذي كان يظهر ككتلة ضوء لا يعرف (يصفيدش) هل هو جالس أم قائم.

سأل (بصفيدش): -"هل أخفيت الجواسيس؟"

رد (طه): -"لم أتكلم عنهم. لا ذنب لهم في هذا الصراع".

"هم جنود لحرب طويلة ويعلمون جيدًا أن الموت أقرب إليهم من الحياة".

-"من يعرف مصيرهم يتعاطف معهم أكثر. وإن كان الأمر لا يعنيك، فعارهم من البشر تميّزهم الأخلاق".

-"بدأت أشعر بذلك بعد انتقالي لعالمكم. لكن المشكلة ليست في البشر. المشكلة في عالمكم. عندما نقلتم حروبكم إلى عالم البشر، لتقضيوا بعضكم إن أردتم، لكن اتركوا عنا".

-"أنتم أيضًا تبيدون بعضكم البعض".

-"لكن لم تمسونا".

-"لو كنت تطلب مقابلتي لمجرد المحاضرة عن مخاطر اختلاط عالمينا، فاسمع لي أن أقول إنك خابت ظني".

-"لا تخف، لن أخيب ظنك. أولاً، البوابات ستفتح بعد قليل".

-"لذلك يجب أن تتكلم بصراحة كافية".

"بدأ صبري ينفد من هذا الحديث الطفولي".

"القتال بالطاقة شيء غريب علينا. هل تعرض علي استخدامها ضد (المخلي)؟"

-"لا. بل أعرض عليك أن تسير حسب طريقتي. ألم تسأل نفسك كيف كنت أعرف موعد هجوم رجال (المخلي) كل مرة عند كل جاسوس؟"

-"أجبني إن لم أسأل!"

"مستقبل ما سيحدث يعتمد على حركتي. أفقد جزءًا من طاقتي عند كل مرة أفعلها، لذا سأوفرها قدر الإمكان".

"لهذا أشار (رحيم) إلى أن رجالي سيهاجمونك لو ظلوا محتفظين بأسلحتهم؟"

-"رأيت ذلك وأمكنني تغييره".

"في البداية ستكشف لي بعض أوراقك لأتمكن من استخدامها بطريقتي".

"لكن لا ضمانات. أنت ستضحي بنفسك في سبيل انتصار غير مضمون تنتظره. وأنا مثلك سأضحي بنفسي في سبيل قتل (المخلي)".

"هل ستساعدني انتقامًا لأبيك؟"

-"أردت الانتقام في البداية، لكن مع الوقت أدركت أنني لا أملك سوى خيارين ينتهيان بالموت. لكن أحدهما يحمل بعض الأمل في النجاح".

"هل تعرف، يا (طه)، لماذا احتفظت بالمجلس منذ زمن رغم اختلافي الدائم؟ لأنني أتخذ خطواتي على أساس الشعور والحدس فقط. وهذا ما اعتاد عليه الجنود. لكن كثيرًا ما نجحت وحصلت على ما أريد".

"أفهم الآن. والربح يتعلق باستدعاء كيان العفاريت الذين اختفوا منذ زمن (سليمان) الحكيم. لديهم القدرة على مواجهة (المخلي) أو التصدي للملوك السبعة إن خرجوا. وموضوع خاص بعودة (إسماعيل الحلاج) لعالم البشر بعد انفصال قرينه منذ دخوله هنا. وعودة (يوسف) أيضًا قبل فتح البوابات.. أما آخر ورقة فتخص جاسوسًا زرعته عند (المخلي) نفسه.. سيحدث كل هذا.. إذا..."

"ماذا إذا؟"

-"إذا تبعنا طريقتك في التحرك".

"فما رأيك؟"

قال (طه) وهو يضيء من جديد ثم يظهر:

-"أستعد لعودتي الآن".

"وشن ابن الخ هذا؟"

"لم يوضح أحد حقيقة شخصيته. لكن (سمعان) كان يقول إنه سيكون له شأن كبير بين الجان. لو اعتمدنا على خرافة (سمعان)، فسنجد أنه كان يطمح إلى حماية نفسه، لكنه أراد أيضًا أن يخفي مفتاح الشفرة، فأين يمكن أن يكون؟"

-"الحلم الذي حلمناه!"

"أي حلم؟" تساءل (يسري). فنهض (عماد) قائلاً:

“(سمعان) خبأ مفتاح الشفرة في الغرفة النحاسية كما رأينا في حلمنا."

"غرفه نحاسية؟!" كان (يسري) يوزع نظراته بينهما وهو ينتظر تفسيراً.

"لو وجد مفتاح الشفرة شخص عادي، هل يستطيع حلها؟" تساءل (حازم). فرد (يسري):

"لا أعرف. ربما كانت الشفرة معقدة وتحتاج إلى حل الأرقام أولاً قبل تحويلها إلى حروف."

"هل تستطيع أنت حلها لو رأيتها؟" حاول (حازم) توضيح الأمر.

"حاولت، لكنني لم أستطع."

نظر (حازم) إلى (عماد) قائلاً:

"لا نملك الكثير من الوقت. وربما لن نتمكن من الوصول إلى (يصقيدش)."

هز (عماد) رأسه بالموافقة. ثم نظر إلى (يسري) الذي قال:

"هل تسمحون لي أن أقيم ما يحدث؟"

نظر (عماد) نظرة أخيرة إلى (حازم). ثم عاد ينظر إلى (يسري) قائلاً:

-"دكتور (يسري)، الغرفة التي تتحدث عنها موجودة. ونرجوك أن تدخلها معنا لنبحث عن مفتاح الشفرة."

قال (يسري): "ادخل الآن مع (حامد) إلى الغرفة وافتح لي منافذها جميعاً وليس منفذاً واحداً فقط."

استجاب (حامد) للأمر وذهب إلى غرفة مكتب (عساد). سار سريعاً إلى الغرفة وفتح الأبواب. بمجرد دخوله، سمع صوتًا يطلب من (رحيم) الدخول. فقال (حامد):

"افتح جميع منافذ الغرفة بدعوتي."

وفتحت الغرفة وأضاءت بأنوار ساطعة. كانت الغرفة أكثر إشراقاً من مظهرها السابق. في ركن الغرفة، ظهر جسدان وحولهما معالم الجان، وسرعان ما سقط الجثمانان أرضاً واختفيا. ثم ظهر جنيان يعملان على جمع الملابس في شكل كومة، ثم اختفيا. دقق (حامد) في الجثث.

"هذا جسد لرجل ناضج. أما الجسد الآخر، فكان (يوسف)." نطق (حامد) باسم الجثة وهو يركض نحوها، بينما سمع (طه) يقول:

"أغلق منافذ الغرفة بسرعة قبل أن ينتبه لها الجان!"

قام (حامد) بإغلاق المنافذ بسرعة دون اكتراث وهو ينحني ليفحص الجثة.

"اتركه فهو بلا قرين."

همس (حامد) وهو ينظر إلى بقعة الضوء قائلاً:

"كل ما رأيته اليوم كان مرهقاً، أكثر مما كنت أتحمل. وكلها لرجال!"

"يمكنك بدلاً من المزاح أن تلبسهم ملابسهم التي احتفظت بها؟" قالها (يسري).

أمسك (حامد) بكومة الملابس قائلاً:

“(بصميدش دراي كلين).. هل أقوم دائماً بهذه الأعمال؟"

"هل يمكنك استدعاء قرينك لمساعدتنا في الغرفة النحاسية؟" سأل (يسري).

أجاب (حامد): "الغرفة تُعلِمك كيفية الوصول إلى القرين، لكن إذا كان القرين منفصلاً، فلا أعرف نسبة تجاوبه. لكنني سأحاول."

اختفى (رحيم) فجأة. فقال (حامد) وهو يحاول جاهداً إلباس (إسماعيل) ملابسه:

"هل من الطبيعي أن الضوء الصادر من جسدك أصبح أكثر سطوعاً؟ أم أن نظري يخدعني؟"

نظر (طه) إلى حوائط الغرفة النحاسية وقال:

"أعتقد أن الغرفة تعمل كمكثف لشحنتي الكهربائية. أشعر بالكهرباء تسري في جسدي بشكل أسرع."

أكمل (طه) تأمله في الغرفة وقال:

"لم أتوقع أن تكون الغرفة بمثل هذا الإبداع. كأن من بناها كان يعرف تكنولوجيا حديثة لم نتوصل إليها بعد.. أو كأنه اعتمد على فيزياء الجان لبنائها.. الأوامر الصوتية ومنافذ الدخول للغرفة ومتابعة حركة الجان. كأنني داخل كمبيوتر عملاق."

سمع (حامد) صوت الشهيق المميز لطلب (رحيم) الدخول. فسمح له مغمضاً عينيه وهو يُدخل قطعة ملابس داخلية في جسد (إسماعيل). شكل (رحيم) وطرف كرباجه يلتف حول رقبة قرين (إسماعيل). اختفى (رحيم) مجدداً مع قرين (يوسف).

قال (رحيم) وهو يتحدث إلى (حامد):

-"غادر الغرفة النحاسية وعد بعد دقائق. إذا نجحت فستجد هدفك وجلد أحياء. وإذا فشلت، ربما ستموت كما مات أصدقاؤك. سابقي إلى المكان الذي اتفقنا عليه: صبخاء إيران."

سأل (حامد): "ماذا يعني هذا؟"

أجابه (رحيم) وهو يغادر الغرفة.

عند وصول (عماد) و(حازم) و(يسري) إلى مكان الغرفة، قال (عماد) لـ(يسري):

"لا تخف من شيء، دكتور (يسري). ستفهم كل شيء. (حامد)، هذا الدكتور (يسري) أستاذ التاريخ. سيساعدنا في الوصول إلى العفاريت."

تمعن (حامد) في (يسري) قائلاً: "أشعر أنني رأيته من قبل."

قال (يسري) بالفارسية بصوت عالٍ:

"مسدود گردن."

توقفت آلات الغرفة النحاسية عن العمل فجأة وساد صمت قطعي. قال (حامد) مشيراً إلى (يسري):

"أنت تشبه الشاب الذي رأيته في الغرفة."

ابتسم (يسري) وهو ينظر إلى (إسماعيل)، الذي كان ينظر إليه بذهول. قال (يسري):

"هل أنت بن القصاب؟"

هبط (إسلام) و(رقية) والمأمور من سيارة هذا الأخير، الذي فتح حقيبة السيارة وأخرج منها سلة حول نفسه، وطلب من "السانق" أن يظل داخل السيارة ولا ينظر يميناً أو يساراً أو يخرج مهما حدث.

قال المأمور: "طبيعي يا ابنتي، ينفذون أوامر ضابط من القاهرة بدون سبب ويقفون على حدود قرية (عرب مطير) ليمنعوا الأهالي من الاقتراب من الهنتيكة."

قالت (رقية) للمأمور أن يحذر من هجوم الجان بعد خطوات قليلة. فقال (طه) للمأمور ما يجب أن يفعله.

عند وصول (إسلام) إلى الهنتيكة، بدأت معركة مع الجان. وقام (إسلام) بحماية الموقع وقتل الجان الذين كانوا يحرسون الهنتيكة.

عندما وصلوا إلى الهنتيكة، سحبوا (حبيبة) من الغرفة الموصدة. قال الشيخ (محمد) وهو يقف أمام باب الغرفة النحاسية ينظر إلى (إسلام):

"هل عدت من الموت يا (إسلام)؟"

قالها الشيخ بينما نظر الجميع بدهشة، وأكمل قائلاً: "سوف يعود للحياة."

سأل (حامد): "هل هو (طه)؟"

رد الشيخ: "حدد لي المكان وموعد دخولي وصف لي هذا المكان."

سأل (حامد): "وكيف ستجعلهم يغادرون؟"

قال الشيخ: "هذا المكان مبارك، وعليه بركة."

قال (طه): "الاعتداء قد بدأ من الجان!"

رد الشيخ: "لا تخافوا، فالقرناء يتحملون الضربات ولا يموتون."

ثم قال الشيخ: "أخر كلمة في الوقت، صوتي سيسمح لـ(إسماعيل) بالخروج بعد أن يتحضر."

طلب الشيخ قلمًا وأداة للحماية، ثم قال (حامد): "عندي لك مفاجأة. الأقلام في هذا العصر ممتلئة بالحبر من تلقاء نفسها. هل تركت قلمًا تركه (الحي بن القصاب)؟"

سأل (طه) عن القلم.

تقال: "جِيش (المخلي) مع جدش المالك ق الصحراء.. وعند عدد أمتار، وقف (المخلي) ورجاله وبجانبه (قصعان) يراقبون الحرب الدائرة، والأول يقول:

"لقد سحب (بصفيدش) إليّ هنا لغرض ما."

ثم نظر إلى أحد قواده قائلاً:

"أنت. أحضر الفتاة حالاً."

اختفى القائد من أمامه، بينما نظر (قصعان) إليه وقال:

"هيا. قل الكلمات لأحفظها عند التشكيل."

"تشكل أولاً ورددها معي لأني سأتشكل في نفس اللحظة."

نظر (المخلي) إليه بشك ثم قال:

"هل هنا مركز البوابات؟"

"ابدأ أنت التشكيل أولاً، وأنا سأتبعك."

سمع المأمور و(رقية) و(إسلام) صوت طلقة رصاص. فسقط (إسلام) على ركبتيه وقرينه يظهر بجانبه سافطاً على ركبتيه مثله كأنه يقلده في كل حركات جسده. حاول (إسلام) الوصول إلى موضع الرصاصة في ظهره، و(رقية) تصرخ، والمأمور يترك (حبيبة) على الأرض وينظر إلى مطلق الرصاص، الذي كان يرتدي جلباباً وغمامة ويحمل بندقية خرطوش.

أفاق (طه) من رؤيته التي تعود إلى المستقبل ونظر أمامه ليرى (إسلام) بجانب (رقية) بنفس الطريقة، والمأمور يحمل (حبيبة). نظر إلى موضع الرصاصة في رؤياه فلم يجد شيئاً. لا تفسير إلا أن مطلق النار قد طلسم نفسه كي لا يراه الجان. من المحتمل أن يكون هو سيد الغرفة الطلسمية كما كان (إسماعيل الحلاج). ستنطلق الرصاصة الآن.. لا يوجد إلا حل واحد.

فجأة ارتجت الصحراء وانفجرت الأصوات، وبلغ الصوت القرى الثلاثة، والغبار الساخن يعمي عيونهم.

نُشل جسد (قصعان) في بقعة نائية بصحراء إيران، وقد شعر بالحر الذي لم يعتده من قبل. نهض بصعوبة ليجد جسد (المخلي) بجانبه. نظر إليه وقال:

"مل نتذكر الجاسوس الذي زرعه (بصفيدش) بينكم؟"

نظر إليه (المخلي) بإرهاق، فأكمل (قصعان):

"أخرجني (بصفيدش) من سجني البحري وطلب مني مساعدته.. ثم أعادني مرة أخرى لتأخذني."

"وما السدب؟" تساءل (المخلي).

"أنت تحت!" أجاب (قصعان).

أقنع (قصعان) بضرورة إنهاء المعركة، بينما انتهى (إسماعيل) من طلسمة جسده ووقف قائلاً:

"كيف سأخرج من هنا؟"

نادَى الشيخ:

"افتحوا لهذا الرجل ليخرج."

فجأة أثيرت زوبعة من منتصف الغرفة ابتلعت (إسماعيل) واختفت. ثم أثيرت زوبعة ثانية في منتصف الغرفة خرج منها (مران) بصدره العاري، وقال:

"يقولون عنهم العفاريت.. عذاب.. عفاريت. كأنهم يعفّرون الأرض من سرعة حركتهم."

"ما الذي يحدث؟" تساءل (عماد)، فنظر إليه (مهران) قائلاً:

"جاءني (طه) صباح اليوم وقال إنه رأني في المستقبل أتحكم في العفاريت. لكن (إسماعيل) هرب مرة أخرى. لذا عرض عاي."

"وماذا حدث بعد ذلك؟" سأل (عماد).

"عالم الجان أصابه الخلل بعد موت (سليمان). وكثرت حروبهم."

جيش الممالك يطوق جيش (المخلي) من الجوانب.

"لذا أعتقد أنهم بحاجة إلى حاكم جديد. وكي يتقبلوا هذا الحاكم يجب أن يظهر من القوة والشدة ما يكفي ليحترموه."

فجأة صرخ (بصفيدش) في رجاله أن يتوقفوا عن القتال وهو ينظر إلى الأفق حيث كانت الزوابع تسير بسرعة جنونية تقترب من الجيشين. صاح:

"العفاريت آتوا!"

"تلك القوة التي ستظهر يجب أن تخلف ضحايا ليكونوا عبرة للجميع. ولذا أعتقد أن علينا بناء بيت جديد في مكان مخصص وإزالته."

كانت الزوابع تدور حول جثث الجيشين الملقاة. (بصفيدش) جسد هامد لا يتحرك. وكلما أبدت إحدى الجثث حركة تدل على الحياة، كانت الزوابع تمر فوقها فتخمد الجثة.

"أما البوابات السبعة، فقد أخافها الجان، فعان الوقت لتدميرها لتصبح عبرة لهم. ويصبح مدمرها هو البطل الجديد."

قام (المخلي) بقتل (قصعان) وهو يضع قدمه فوق رقبته قائلاً:

"قل الكلمات وإلا قتلناك!"

بدأت سلسلة من الانفجارات في صحراء إيران، وكأنها تقارب النهاية. نظر (قصعان) إلى تلك الانفجارات وقال:

"لا أعرف ماذا يحدث لكن أعتقد أنها النهاية يا صديقي."

ثم انفجر موضعهما بعنف.

النهاية:

في أعماق الصحراء، حيث اجتاحت الزوابع المحيط وملأت الأفق بالضباب والغبار، دارت معركة ضارية بين القوى المتصارعة. الجيش الذي كان يقوده (المخلي) قد اجتاحته الكوارث، بينما كانت القوى الجان التي أرسلها (بصفيدش) تكتسح كل شيء في طريقها.

في قلب المعركة، وعقب انفجار غير متوقع، اجتمع الأبطال الناجون حول (طه)، الذي كان قد تلقى أنباءً متضاربة من رؤيا المستقبل، وبالحديث مع الشيوخ.

كان (طه) يقف بجانب (رقية)، و(حامد)، و(عماد)، و(يوسف)، و(حبيبة)، وقد نجوا جميعاً من هجوم الزوابع العنيف. وبعد تأكيد (حامد) بأن (رحيم) قد اتصل ليبلغهم بأن (حازم) و(عماد) و(يوسف) و(حبيبة) و(الشيخ محمد) في طريقهم إليهم، ساد الأمل بينهم.

قال (طه) وهو ينظر إلى الأفق الملبد بالغيوم: "الزمن ليس في صالحنا، ولكننا سنحارب حتى النهاية. علينا إيجاد الطريقة لإيقاف الزوابع، وتدمير البوابات، وإنقاذ من تبقى."

تجتمع المجموعة لمواجهة التهديدات المتبقية. استخدم (طه) كل ما لديه من معرفة ورؤى حول كيفية إيقاف الزوابع، بينما عمل (حامد) و(رقية) على تنسيق الخطط مع البقية. كان التركيز على إغلاق البوابات السبعة التي فتحت الطريق للجان.

في خضم الصراع، نجح الأبطال في استغلال اللحظات الحاسمة، وتمكنوا من إغلاق البوابات وإيقاف تدفق الجان. عندما هدأت العاصفة أخيرًا، كان الصحراء قد تحولت إلى ساحة هادئة، وجثث الأعداء المتناثرة تشهد على المعركة التي جرت.

بينما كانت الشمس تشرق من وراء الأفق، وشعاعها ينير الصحراء، تجمع الأبطال حول (طه) ليحتفلوا بنصرهم. كان الجميع يعاني من التعب والإرهاق، لكن الشعور بالإنجاز والنجاح كان يملأ قلوبهم.

قال (طه) وهو ينظر إلى أصدقائه: "لقد مررنا بالكثير، ولكننا استطعنا التغلب على كل الصعاب. لا يمكننا أن ننسى من فقدنا، ولكننا نواصل السير للأمام، نحو مستقبل أفضل."

أخذت المجموعة قسطًا من الراحة واستعدت للعودة إلى ديارها، حيث كان كل واحد منهم عازمًا على استعادة حياته وبناء المستقبل. وكانت صحراء إيران، التي شهدت المعركة، تبتسم لهم من بعيد، وكأنها تعترف بشجاعتهم وبسالتهم.

وفي النهاية، اجتمع الأصدقاء في مكان هادئ، حيث شكر كل واحد منهم الآخر على دعمهم وصمودهم. أضاءت الأضواء في الخيم حولهم، بينما احتفوا بنجاحهم وتذكروا أولئك الذين سقطوا في المعركة.

كانت نهاية الرواية تعبيراً عن الأمل والشجاعة، حيث أثبت الأبطال أنهم قادرون على مواجهة أي تحدي مهما كان صعبًا. وبهذا، تُغلق صفحات القصة، ولكن ذكرياتهم وشجاعتهم ستظل حية في قلوبهم إلى الأبد.

 

الي اللقاء في قصص ورويات اخري قادمه ……………………..

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة