القصة الحقيقية لريا وسكينة:مابين الحقيقة والتزييف التاريخي
تُعتبر قصة "ريا وسكينة" من أكثر القصص إثارة في تاريخ الجريمة المصرية، حيث تم اتهام الأختين ريا وسكينة علي همام بارتكاب سلسلة من جرائم القتل في مدينة الإسكندرية في عشرينيات القرن الماضي. نُسبت إليهما تهم خطف وقتل النساء، وسرقة مجوهراتهن، وكانت محاكمتهما واحدة من أكبر الأحداث الإعلامية في ذلك الوقت. ومع ذلك، هناك العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت الرواية المتداولة هي القصة الحقيقية، وهل تعرضت هذه القضية لتزييف في تاريخها.
القصة المتداولة:
في النسخة التقليدية من القصة، بدأت جرائم ريا وسكينة في حي اللبان بالإسكندرية، حيث قامت الأختان وشركاؤهما باستدراج النساء إلى منزلهما ثم قتلهن وسرقة مجوهراتهن. كان الهدف المزعوم من هذه الجرائم هو جمع المال، وكان يتم دفن الجثث في المنزل أو في أماكن مجاورة. كانت وسائل الإعلام وقتها تشدد على تصوير ريا وسكينة على أنهما تجسيد للشر المطلق، ما زاد من شهرة القضية.
تم القبض عليهما في النهاية بعد اكتشاف عدد من الجثث المدفونة في منازلهما، وأُدينتا في المحكمة، وحُكم عليهما بالإعدام مع شركائهما في الجرائم. وأصبحتا أول امرأتين يتم إعدامهما في العصر الحديث بمصر. هذه هي القصة التي يعرفها الجميع، ولكن هل هذه هي الحقيقة الكاملة؟
نظريات التزييف التاريخي:
في العقود الأخيرة، ظهرت بعض النظريات التي تقول إن التاريخ ربما يكون قد زُوِّر أو لُفِّق حول قضية ريا وسكينة. إحدى هذه النظريات تشير إلى أن الأختين كانتا جزءًا من حركة مقاومة شعبية ضد الاستعمار البريطاني في مصر، وأن الجرائم التي نُسبت إليهما كانت مفبركة لتشويه سمعتهما وتدمير صورتهما. من الجدير بالذكر أن تلك الفترة كانت تشهد اضطرابات سياسية كبيرة في مصر، مما يجعل من هذه النظرية على الأقل قابلة للنظر.
تقول النظرية أن الأختين قد تم استغلالهما من قبل قوى استعمارية لترويج فكرة أن الفقر والجريمة منتشران بشكل كبير في المجتمع المصري، وذلك بهدف تعزيز السيطرة البريطانية وتبرير وجودها. كما يُقال إن السلطات البريطانية قد استغلت قضية ريا وسكينة لتحويل الأنظار عن القضايا السياسية المهمة في تلك الفترة.
الأدلة المحتملة:
رغم أن هذه النظرية قد تبدو بعيدة الاحتمال لبعض الناس، إلا أن هناك بعض الأدلة التي تدعمها. مثلاً، لم تكن هناك في البداية أي دلائل قاطعة تربط ريا وسكينة بجرائم القتل، وكانت هناك شكوك حول كيفية جمع الأدلة والمحاكمات التي جرت لهما. إضافة إلى ذلك، كان بعض الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم في القضية موضع جدل، حيث أشار بعضهم إلى وجود ضغوطات عليهم للإدلاء بشهادات ضد الأختين.
الصراع بين الروايتين:
الصراع بين الرواية التقليدية والتاريخ المحتمل لتزييف القضية يعكس تناقضات داخلية في المجتمع المصري خلال تلك الفترة. من الممكن أن تكون ريا وسكينة قد ارتكبتا بالفعل بعض الجرائم، ولكن السؤال الذي يبقى هو هل كانتا مسؤولتين عن كل الجرائم التي نُسبت إليهما؟ وهل تم استغلال القضية من قبل قوى أكبر لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية؟
الخاتمة:
في النهاية، تبقى قصة ريا وسكينة إحدى أكثر القضايا تعقيدًا وغموضًا في تاريخ مصر. وبينما تُعتبر الرواية التقليدية مقبولة على نطاق واسع، فإن الشكوك حول حقيقة ما جرى لا تزال قائمة. السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل كانت ريا وسكينة مجرمتين بالفعل أم أن القصة التي نعرفها اليوم تم تزييفها لأغراض سياسية؟ قد لا نحصل أبدًا على إجابة مؤكدة، ولكن المؤكد أن تلك القضية ستظل محفورة في الذاكرة الشعبية المصرية كواحدة من أكبر الألغاز التاريخية.