"الصرخة الأخيرة: أسرار المنزل الذي لا يسمح لأحد بالعودة"
"الصرخة الأخيرة"
كان ذلك المنزل يثير الرهبة في قلوب سكان القرية الصغيرة. لم يكن أحد يعرف تاريخه بالكامل، لكن الجميع كانوا يعرفون شيئًا واحدًا: لا أحد يعود من هناك إذا دخل. تحيط الشائعات بالمنزل، تحكي عن صرخات مسموعة في الليل، عن ظلال تتحرك بين النوافذ، وعن أصوات لا يمكن أن تصدر إلا عن أرواح عالقة بين الحياة والموت.
"لينا" كانت طالبة صحافة شابة، تسعى دائمًا للبحث عن القصص المثيرة لتقديم تقارير ملفتة. عندما سمعت عن المنزل المهجور، لم تتردد. اعتبرت أن كل ما يقال عنه ليس سوى أوهام شعبية مبالغ فيها. أرادت أن تكون الشخص الذي يكشف الحقيقة للعالم، وأن تكتب مقالًا يجعلها تتألق في الصحافة.
عند غروب الشمس، وصلت إلى المنزل. كان الظلام يلتهم السماء، والأشجار المحيطة تبدو كأنها تحرس هذا البناء القديم. كانت واجهة المنزل متآكلة، والجدران متصدعة، فيما كانت الأبواب موصدة كأنها تخفي سرًا مظلمًا. شعرت لينا بنسمة باردة تضرب وجهها، لكن فضولها كان أقوى من الخوف الذي بدأ يتسلل إلى عقلها.
دفعت الباب ببطء، وعندما انفتح، خرج منه هواء بارد محمل برائحة العفن والرطوبة. كان المنزل معتمًا بشكل غير طبيعي، حتى مع ضوء القمر الذي تسلل عبر النوافذ المهجورة. كانت الأرضيات تصدر صريرًا تحت خطواتها، وكأنها تحذرها من البقاء.
في الداخل، وجدت الغرف مليئة بالأثاث المتآكل، وأوراق الجدران الممزقة تتطاير مع الرياح الخفيفة التي كانت تدخل عبر الشقوق. لكن ما لفت انتباهها كان صوتًا خافتًا، بالكاد يُسمع. همسات! لم يكن هناك أي شك في الأمر. توقفت لينا في مكانها، محاولًة تفسير الصوت.
"هل يوجد أحد هنا؟" نادت بصوت مرتجف.
لم تتوقع أن تسمع ردًا، لكن الرد جاء. كانت الهمسات تزداد وضوحًا. صوت غامض يقول: "لن تخرجي". شعرت لينا بقشعريرة تسري في عمودها الفقري. حاولت إقناع نفسها بأنها تتخيل، ربما بسبب التوتر. لكنها سرعان ما أدركت أن شيئًا ما كان يتحرك خلفها.
استدارت بسرعة، ولم تجد شيئًا. لكن الأرضيات بدأت تهتز، وكأن شخصًا أو شيئًا يقترب منها. أضاءت مصباحها بسرعة، وأمامها ظهر باب خشبي قديم لم يكن موجودًا عندما دخلت. كان الباب يبعث شعورًا غريبًا، وكأنه يدعوها لفتحه.
بدافع من فضولها الذي لم تستطع السيطرة عليه، تقدمت ببطء نحو الباب وفتحته. كان خلفه درج يؤدي إلى قبو مظلم. ترددت للحظة، لكنها قررت النزول. كل خطوة كانت تصحبها أصوات لا يمكن تفسيرها. كانت تسمع أصوات أنين وبكاء، وأحيانًا صرخات بعيدة.
عندما وصلت إلى القبو، وجدت غرفة صغيرة في نهايته. كانت الغرفة مضاءة بضوء أحمر خافت ينبعث من مصباح معلق في السقف. في وسط الغرفة، كان هناك صندوق خشبي قديم. شعرت لينا بأن هذا الصندوق يحمل الإجابة عن كل الأسرار. لكن، ما إن اقتربت منه ومدت يدها لفتحه، حتى انغلق الباب خلفها بقوة، وصدى ضحكة مرعبة ملأ الغرفة.
كانت الضحكة تأتي من كل مكان. نظرت حولها بفزع، لكنها لم تستطع رؤية أحد. كان الصندوق يرتجف وكأنه ينبض بالحياة. حاولت الهروب، لكنها وجدت الباب مغلقًا بإحكام. بدأت أصوات الأرواح تصرخ بألم، وكأنها تحتج على وجودها.
تجمدت لينا في مكانها. شعرت بأنفاس ثقيلة خلفها. استدارت ببطء، وهناك، في الزاوية المظلمة، كانت تقف ظل شاحب لشخصية مشوهة، تحدق بها بعيون فارغة. حاولت الصراخ، لكن صوتها خانها. الشخصية بدأت تقترب، وهي تهمس بصوت خافت: "أنت التالية..."
في اللحظة الأخيرة، أضاء ضوء الصباح فجأة من الخارج، وكأن الشمس قررت إنقاذها. انفتح الباب بقوة غير متوقعة، واندفعت لينا خارج القبو بأقصى سرعتها. عندما خرجت من المنزل، شعرت وكأنها عبرت من عالم آخر.
ولكن، عندما التفتت نحو المنزل، رأت ما لم تستطع نسيانه: في النافذة العلوية، كان هناك وجه مشوه يحدق بها، بنفس العيون الفارغة التي رأت في القبو. أدركت لينا حينها أن هذا المنزل لن يتركها بسلام، وأن صرخات الضحايا التي سمعتها ستلاحقها ما دامت حية.
عادت لينا إلى مكتبها، وكتبت مقالًا عن المنزل المهجور. لكنها لم تكتب الحقيقة كاملة. لم تذكر الضحكات أو الصرخات. لم تكتب عن الكيان الذي رآها وتركها تخرج. احتفظت بكل ذلك لنفسها، لأنها تعلم أن تلك الأسرار لا يجب أن تخرج للنور. / بقلم محمد عبد الحميد