بيت الصحراء، رعب وغموض
في ليلة بلا قمر، حيث الظلام يغطي السماء، كان حسين يقود سيارته عبر طريق مهجور في الصحراء. الرياح كانت تعوي بشراسة، وكأنها أصوات من عالم آخر. الرمال كانت تتطاير لتصطدم بزجاج سيارته، مما جعل الرؤية شبه مستحيلة. حاول حسين الإسراع للوصول إلى المدينة قبل حلول منتصف الليل، لكن القدر كان له خطة أخرى.
فجأة، توقفت السيارة. المحرك أصدر صوتًا غريبًا قبل أن يخمد تمامًا. أخرج حسين هاتفه ليكتشف أن لا إشارة لديه. لم يكن هناك خيار سوى النزول من السيارة ومحاولة البحث عن مساعدة. نظر حوله فرأى بيتًا قديمًا يظهر في الأفق، كأنه شبح وسط الظلام.
تردد حسين للحظة. القصص عن البيوت المهجورة التي تسكنها الأرواح والجن مرت في ذهنه، لكنه قرر أن يقترب. "مجرد خرافات"، قال لنفسه محاولاً طمأنة قلبه الذي بدأ ينبض بسرعة.
البيت كان متهالكًا، أبوابه خشبية ومغطاة بالصدأ، والجدران مشققة بشكل يوحي بأنه لم يُسكن منذ عقود. الباب الأمامي كان مفتوحًا قليلاً، يتأرجح مع الرياح ليصدر صوت صرير يشبه صرخة طفل. دفع حسين الباب بحذر، ودخل إلى الداخل.
الظلام كان كثيفًا، ولم يكن هناك سوى بصيص من الضوء يتسلل من نافذة مكسورة. أشعل حسين مصباح هاتفه ليكتشف مشهدًا مقبضًا. الأثاث كان مغطى بطبقات من الغبار، والجدران مليئة بشقوق عميقة عليها بقع سوداء كأنها آثار دم جاف. كان الجو داخل البيت باردًا بشكل غير طبيعي، رغم الحرارة التي كانت تملأ الصحراء بالخارج.
بدأ حسين يتجول في البيت، يبحث عن أي وسيلة اتصال أو حتى ماء. على أحد الجدران، لاحظ صورًا قديمة. كانت الصور لعائلات مبتسمة، ولكن كلما اقترب أكثر، بدأ يلاحظ شيئًا غريبًا. وجوه الأشخاص في الصور بدت مشوهة، وعيونهم فارغة كأنها ثقوب سوداء. شعر حسين بقشعريرة تسري في جسده، لكنه قرر أن يستمر في البحث.
دخل إلى غرفة كانت تحتوي على مرآة ضخمة مكسورة على أحد جوانبها. توقف أمامها ونظر إلى انعكاسه. للحظة، بدا كل شيء طبيعيًا، لكنه فجأة لاحظ أن انعكاسه لا يتحرك معه. كان يقف هناك، ينظر إليه مباشرة، بينما كان حسين يتراجع للخلف.
أطفأ حسين مصباح هاتفه للحظة، محاولًا تهدئة نفسه. عندما أعاد تشغيله، وجد الغرفة خالية تمامًا. المرآة اختفت، ولم يكن هناك أثر لها. بدأ يسمع أصواتًا خافتة، كأنها همسات قادمة من مكان ما في البيت.
"هل من أحد هنا؟" سأل بصوت مرتجف، لكن الصدى كان الرد الوحيد.
الأصوات كانت تزداد قوة، وتحولت من همسات إلى بكاء. حسين، رغم خوفه، قرر أن يتبع الصوت. قاده الصوت إلى طابق علوي. صعد السلم المتهالك، الذي كان يئن مع كل خطوة. عند الوصول، وجد ممرًا طويلًا يضم عدة غرف. الصوت كان يأتي من الغرفة الأخيرة.
دفع الباب بحذر، ليجد الغرفة فارغة إلا من كرسي متأرجح في الزاوية. بدأ الكرسي يتحرك ببطء، وكأن هناك من يجلس عليه. الجدران كانت مليئة بخدوش عميقة وكلمات غير مفهومة مكتوبة بلون أحمر قاتم.
فجأة، انطفأ ضوء هاتفه مرة أخرى. كان الظلام مطبقًا، لكنه شعر بوجود شيء خلفه. عندما أضاء الهاتف مجددًا، رأى ظلًا يتحرك بسرعة عبر الممر.
ركض حسين نحو السلم، محاولًا الخروج من البيت، لكنه تفاجأ بأن الباب الذي دخل منه لم يعد موجودًا. بدلاً من ذلك، كان هناك جدار صلب يغلق المخرج. أصابه الذعر وبدأ يصرخ، لكن صوته تلاشى في الفراغ.
الأصوات عادت مرة أخرى، لكنها هذه المرة كانت ضحكات متقطعة، قادمة من كل اتجاه. التفت حسين ليجد أن الصور على الجدران بدأت تتحرك. الوجوه المشوهة كانت تتابعه بأعينها الفارغة، والابتسامات تحولت إلى تعابير شريرة.
تجمعت الأصوات حتى أصبحت صرخة واحدة مرعبة. فجأة، ظهرت أمامه صورة ظلية لشخص ضخم بلا ملامح واضحة. قال بصوت عميق ومخيف:
“أنت الآن واحد منا... هذا البيت لا يترك أحدًا يخرج حيًا.”
حسين حاول الركض، لكنه وجد نفسه يعود إلى نفس الغرفة مرارًا. كلما فتح بابًا، كان ينتهي في نفس المكان. أدرك أن البيت كان يعبث به، كأنه متاهة بلا نهاية.
في النهاية، انهار حسين على الأرض، بينما الضحكات تملأ أذنيه. بدأت الجدران تقترب منه، كأنها تحاول ابتلاعه. شعر بيد باردة تمسك عنقه، ثم لم يعد يرى شيئًا.
في صباح اليوم التالي، مرت سيارة عبر الطريق ووجدت سيارة حسين متروكة بجانب الطريق. عندما دخل فريق من رجال الشرطة إلى البيت للتحقيق، وجدوه فارغًا. لكن على أحد الجدران، كانت هناك صورة جديدة. صورة لرجل يبدو وكأنه يصرخ، وملامحه كانت تشبه حسين.
النهاية.