الطابع الذي يضفي على القرية يوم الخميس

الطابع الذي يضفي على القرية يوم الخميس

0 المراجعات

في قريتي الصغيرة-إن صح التعبير- لطالما كان ليوم الخميس طعما" خاصا"
فالشيء الذي هو روتيني واعتيادي في أغلبية المدن، لا نراه هنا إلا يوم الخميس بلوحة ظريفة؛ مبالغ مالية بسيطة تطهو السعادة في الشوارع للأطفال،  الحانات ممتلئة من لحظة صياح جرس المدرسة حتى المساء،  المراهقون على الدراجات في كل مكان، أشباه العشاق على الأرصفة يسيرون بخفة وخوف، ثم يعود كل شيء للسكون والهدوء في اليوم التالي، تنام القرية حتى الخميس التالي.
عدم رؤيتنا لهذه اللوحة إلا الخميس هو طابع من طوابع القرية، فمن طباع الحياة القروية أنه لا استراحة إلا بعد تعب غير منطقي.
في المرحلة الإعدادية كنت أحب الإنعزال يوم الخميس مع موسوعة جبران عند المدفأة والمتة، وكان لذلك أثر سلبي، أصبت بتسمم أدبي، ففي العمر الذي كان علي أن أقرأ روايات مسلية وأشعار خفيفة للقباني كنت أقرأ "حديقة النبي" و "الأجنحة المنكسرة"..أتتخيل!!!.
ماذا بقي من تلك الأيام لي؟..لا شيء سوى الموسوعة أرتب عليها ذرات الغبار ،أخشى أن أفتحها مرة أخرى فأرى دمائي على السطور الجارحة.
أما في المرحلة الثانوية كان للخميس لون مغاير، كنا رفاق نجتمع، ولو طلبت مني قائمة بأسماء الحضور كل الخميس لما استطعت الإستذكار فلطالما كنت أنا الأكثر تغيبا، كنا نتحدث بجدية وبهزل، بذكاء وبغباء، ودوما" كنت أمارس هوايتي فأبحث عن فينيس في عيون الجميع، وأنزف حنينا"، ألم يكن الألم الأجمل في حياتي هو ذلك الذي دفعته في سبيل عينيها؟..
كان قلبي كما وصفته فيروز : "قلب تمرس باللذات وهو فتى".
وماذا بقي اليوم؟..
أصدقاء بالكاد أعرف أخبارهم، وصدى الأحاديث، وحبي لفينيس💜
خلاصة القضية أنه اليوم ماعاد الفرق كبيرا" بين الأحد والخميس، إلا أن الذكريات تطوف كالنهر حين أسير بجوار الثانوية، فتكمل فيروز كلما رأيت قميص أزرق يصرخ بوجه الحياة وزهري صاخب بالإنوثة : "كبرعم لمسته الريح فانفتح".
بالحقيقة خسرت جمالية وقدسية الخميس لأنه ماعاد طابع القرية يعمل أو ينتج، فإذا أردت إثبات ذاتك-خارج القرية-عليك أن تكون أسرع وأمهر، وتبذل جهدك بذكاء، أي نقطة من الذكاء في غير موضعها قد تودي لكارثة، أما داخل القرية فما عليك إلا أن تبذل جهدا كبيرا وهائلا" حتى لو كان في غير موضعه وحتى لو ضاع الكثير من الوقت، فالبقاء للمتعب.
لكن ..
أين لي أن أجد مثل هؤلاء الناس الذين كبرت بينهم، وهربت من جبران إليهم، معهم أذوق للحب فقط طعم آخر، لا باريس ولا روما تعرف شيئا عنه، أينما ذهبت تجد الطيبة..أليست الطيبة هي ما يميزنا عن الحيوانات؟ أليست ضالتنا المنشودة؟.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة