مع صديقي الأبله الذي يوقعني في الحرج دائما

مع صديقي الأبله الذي يوقعني في الحرج دائما

0 المراجعات

 

أن تكون مسرفا في الشوق غير مقتصد في الحنين هو أمر مؤذن بتمريغ كرامتك بالرّغام عزيزي المبجّل جدا !

لي صديق أبله، غيّبته عني الأيام لمدة مديدة، وضرب بيننا البعد بمسافاته الطويلة الشاسعة، بعد أن كان ملء العين والبصر؛ آوي إليه في لحظات حزني، ويلوذ بي في أوقات ترحه.. نترافق ما غفل عنا الزمن في دنيا الناس، نسترق الفكر إلى لحظات سعيدة، ننسجها بريشة الآمال الكاذبة، ونضحك على واقعنا المرير ملء شدقينا، ثم نمضي كأن ما برح بنا هم قط!

عاد صديقي من سفرته وآب من طول غيبته دون أن يشعرني بذلك، وما ذاك منه لابتعاث أسباب الحبور في قلب صديقه بخبر عودته ولا لتهييء بوادر المفاجأة لديّ، وإنما كان مأخوذا ببلاهته المعهودة، وبطبيعته المنكودة، فتقبّلت ذلك منه، واغتفرت له فساد ذوقه وانعدام لباقته، ثم أقبلت عليه برسالة حِبية أتودد إليه على جري عادة الأصدقاء الذين طوّحت بهم المسافات لأمد من الزمن مديد، وضربتُ معه موعدا لِلّقاء في أقرب أجل. فاعتذر إليّ بمعاذير شتّى، جعل أولها تعبه من طول السفر وآخرها مقدم عمّه من بلاد ما وراء البحر، من بلاد الحور الطين.. وهو منشغل بتفرس أمائر عمّه علّه يقع على أثرٍ دارس لعفريتة أندلسية، يستدل عليها منه، لشهوة في نفسه، وأعلمني أن فراسته تلك قد تستهلك منه يومين على الأقل، وبعدها يتم اللّقاء!

تشاغلت عنه ليومين، ولما فاتحته بموعد اللّقاء كشخصين سقطت الكُلفة بينهما منذ قرون، اعتذر إليّ بانشغاله في صباغة غرفته، وهو شغل ملحّ لابد له من التعجيل به، ثم إنه مايزال في أيام الله غِنى لكل مشتاق، وفي القادم خير عوض عن كل مفقود!

وفي الغد أعلمني أن صديقا له ألحّ عليه في زيارة البحر، ولكون صديقه له سيارة فاخرة فهو غير قادر على إحراجه برد طلبه، لذلك هو مُلزم على أن يستجيب له على مضض، رغم أن غرفته المبجلة ستنظر يوما آخر من أجل طلاء جدرانها المحترمة، فاختلقت له ما بقي في جيب صبري من المعاذير، ثم اقبلت عليه أثمّن تضحيته المعهودة في سبيل سيارة صديقه الفاخرة.. وغفلت عنه غفلة من يوشك أن ينفد صبره، منتظرا إفساده للأمور كالعادة، فاقترحت عليه أن نفطر سويةً بعد مغرب يوم عاشوراء، وهي مناسبة حرية بالاجتماع ورأب الصدع من جهته، فما كان منه إلا أن أخبرني أن شخصا آخر قد أوثقه بهذا الموعد إثاقا لا طاقة له في التحلل منه. وهنا غسلت يدي منه وكبّرت عليه أربعا وتركته غير مأسوف عليه!

بعدها بيوم أقبل عليّ يريد أن يلتقيني، فوجدني بدوري قد هممت بصباغة شيء ما، لست أدري ما هو على وجه التحديد لكن لابد أن يوجد شيء ما في البيت يحتاج للصباغة؛ فاعتذرت إليه عن الموعد لأني شخص منشغل جدا كما يعلم، والوقت لا يسعفني للأسف الشديد في الاستجابة لطلبه المرموق.. وهنا علم أني غاضب عليه، وأن مداوراته البلهاء لن تفلح في ثنيي على ما وطّنت عليه نفسي؛ فاهتدى إلى مفاتحتي في مواضيع أخرى تلطيفا للجو المحتقن، وأنا في كل ذلك أمعن في تجاهل رسائله، لأن أشياءً كثيرة تنتظرني لأصبغها كما لا يخفى عليه !

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

3

متابعين

1

متابعهم

1

مقالات مشابة