قصة صلاح الدين الأيوبي كاملة: القائد الذي وحّد الأمة وحرّر القدس
نشأة صلاح الدين الأيوبي وبداياته
وُلد يوسف بن أيوب بن شادي، المعروف لاحقًا بصلاح الدين الأيوبي، عام 1137م في مدينة تكريت بالعراق، لعائلة كردية الأصل. لم يكن ميلاده عاديًا، فقد وُلد في ليلة اضطر فيها والده لمغادرة المدينة، وكأن القدر كان يهيئه لحياة مليئة بالترحال والجهاد.
نشأ صلاح الدين في كنف أسرة عُرفت بالعلم والانضباط العسكري، خاصة عمه أسد الدين شيركوه، أحد كبار قادة الدولة الزنكية. تلقى تعليمه في دمشق، حيث درس العلوم الشرعية، واللغة العربية، والفقه، إلى جانب تدريبه العسكري.
لم يكن في شبابه مولعًا بالحرب، بل ميّالًا للعلم والقراءة، إلا أن الظروف السياسية آنذاك دفعته إلى ميادين القتال.
---
دخول مصر وبداية التحول الكبير
في منتصف القرن الثاني عشر، كانت مصر تعيش حالة من الضعف والانقسام تحت حكم الدولة الفاطمية. أرسل القائد نور الدين زنكي حملات عسكرية إلى مصر بقيادة أسد الدين شيركوه، وكان صلاح الدين ضمن هذه الحملات.
بعد وفاة شيركوه عام 1169م، عُيّن صلاح الدين وزيرًا لمصر، وهو في الحادية والثلاثين من عمره. شكّل هذا المنصب نقطة تحول حاسمة في حياته، إذ بدأ بتقوية الجيش، وإصلاح الإدارة، ونشر المذهب السني، وإنهاء الحكم الفاطمي بهدوء وحكمة دون إراقة دماء.
---
توحيد مصر والشام: حلم الأمة
أدرك صلاح الدين أن تحرير القدس لن يتحقق إلا بتوحيد الصف الإسلامي. وبعد وفاة نور الدين زنكي عام 1174م، بدأ صلاح الدين مرحلة شاقة لتوحيد مصر والشام واليمن والحجاز تحت راية واحدة.
واجه خلال هذه المرحلة معارضة من بعض الأمراء المسلمين، لكنه تعامل معها بالصبر والسياسة قبل السيف. وبحلول عام 1183م، أصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي لمعظم المشرق الإسلامي، ممهّدًا الطريق للمواجهة الكبرى مع الصليبيين.
---
الحروب الصليبية ومواجهة مملكة القدس
كانت مملكة القدس الصليبية تمثل شوكة في قلب العالم الإسلامي. قاد صلاح الدين عدة معارك ضد الصليبيين، أبرزها معركة حطين عام 1187م، والتي تُعد من أعظم المعارك في التاريخ.
في هذه المعركة، استدرج صلاح الدين جيوش الصليبيين إلى منطقة حطين قرب طبريا، وقطع عنهم المياه في حرّ الصيف، ثم هاجمهم هجومًا كاسحًا انتهى بهزيمة ساحقة للصليبيين وأسر ملك القدس غي دي لوزينيان.
---
تحرير القدس: لحظة التاريخ الخالدة
بعد انتصار حطين، فُتحت الطريق أمام صلاح الدين لتحرير المدن المحتلة، فسقطت عكا ونابلس ويافا وغيرها، حتى وصل إلى مدينة القدس.
في 2 أكتوبر 1187م، دخل صلاح الدين القدس بعد مفاوضات قصيرة. وعلى عكس ما فعله الصليبيون عند احتلالهم للمدينة عام 1099م من مذابح مروعة، أظهر صلاح الدين تسامحًا نادرًا؛ إذ سمح للمسيحيين بمغادرة المدينة مقابل فدية رمزية، وأطلق سراح الفقراء، وحافظ على الكنائس والمقدسات.
كان هذا الموقف سببًا في احترامه حتى من قبل أعدائه، وخلّد اسمه في كتب التاريخ الأوروبية قبل الإسلامية.
---
صلاح الدين والأخلاق في زمن الحرب
تميّز صلاح الدين الأيوبي بأخلاق رفيعة في زمنٍ سادت فيه القسوة. كان يعالج جرحى الأعداء، ويرسل الأطباء لخصومه، ومن أشهر مواقفه تعامله الإنساني مع ريتشارد قلب الأسد أثناء الحملة الصليبية الثالثة.
عندما مرض ريتشارد، أرسل له صلاح الدين طبيبه الخاص وفاكهة طازجة وثلجًا لتخفيف الحمى، في مشهد يجسّد أسمى معاني الفروسية.
---
وفاة صلاح الدين الأيوبي
توفي صلاح الدين الأيوبي في دمشق عام 1193م بعد حياة حافلة بالجهاد والانتصارات. والمفارقة المؤثرة أنه لم يترك وراءه مالًا يُذكر، إذ أنفق ثروته في سبيل الجهاد والفقراء.
دُفن قرب المسجد الأموي، وكتب على قبره:
“هذا قبر يوسف بن أيوب، الذي ملك الدنيا ولم يملك منها إلا هذا الكفن.”
---
إرث صلاح الدين الأيوبي في التاريخ
لم يكن صلاح الدين مجرد قائد عسكري، بل كان مشروع أمة. علّم المسلمين معنى الوحدة، وعلّم العالم أن القوة يمكن أن تجتمع مع الرحمة.
ولا يزال اسمه يُذكر حتى اليوم في الشرق والغرب رمزًا للعدل والشجاعة والتسامح.
---
خاتمة: لماذا بقي صلاح الدين خالدًا؟
بقي صلاح الدين الأيوبي خالدًا في الذاكرة لأنه لم ينتصر بالسيف وحده، بل بالأخلاق والمبادئ. جسّد نموذج القائد الذي يخدم قضيته لا مصالحه، ويبحث عن وحدة الأمة قبل مجده الشخصي.
إن قصة صلاح الدين الأيوبي ليست مجرد صفحة من التاريخ، بل درس متجدد لكل من يبحث عن القيادة الحقيقية والعدل في زمن الصراعات.
