الصدديقان "الضداقة أسمَى معاني الحياة"

الصدديقان "الضداقة أسمَى معاني الحياة"

0 المراجعات

      بطل الحكاية: الطائر الوديع "أبو قردان"، أو مالك الحزين، ولنبدأ الحكاية: كان ياما كان، في سالف العصر والأوان. كان يعيش رجل طيب يُدعى: العم "عرفان". كان فلاحا نشيطا يعشق الأرض والزرع؛ فيصحو كل يوم في الفجرية؛ يتوضأ ويصلي الصبح مع امرأته "بدرية" وبعد أن يتناولا طعام الإفطار، يحمل العم عرفان فأسه فوق كتفه، وطعام الغداء، ويخرج من بيته قبل شروق الشمس، ويجدّ السير على شاطئ الغدير. وكان يُطربه صوت الكروان حين يُردد تسبيحه في الفضاء: 

ـ الملك لك لك يا صاحب الملك !.   

 ويبدأ العم عرفان العمل، وما أكثر أعمال الفلاحة: عزق الأرض، وبذر الحَب، ورىّ، وغيره. وما تلبث أن تبزغ الشمس من ناحية الشرق، وتملأ الأرض نورا. وكل حين يتوقف العم عرفان عن العمل، ويعزف على الناي، ويغني موّال. وكان يستمع إليه اثنان من عصافير الكناري، ويتبادلان الحوار:

ـ ما أجمل عزفه !. 

ـ وما أعذب صوته !.

  وعندما ينتصف النهار، يدع ما بيده يتوقف، ويذهب ليتوضأ ويصلى الظهر، ثم يتناول غداءه، ويُقيّل ساعة: أي يستريح أو ينام فى ظل التوتة المورقة. ثم ينهض ليواصل عمله بنشاط؛ وما أن تتخضب السماء بلون الشفق، إيذانا بالغروب؛ يرجع إلى داره حامدا شاكرا. 

 وتمضي الأيام على هذه الوتيرة والمنوال، وقالوا في الأمثال: "دوام الحال من المحال"وذات يوم يحدث ما لم يخطر على البال !. في ذلك اليوم لم يؤدّ العم عرفان عمله، ولكنه جلس واضعا يده تحت

 خـده !. ويتعجب العصفوران، فيقول أحدهما: 

ـ العم عرفان حزين ومهموم !. 

 ويقول الآخر: 

ـ تُرى ما السبب يا صديقي، وما الذى حدث ؟!. 

 ورآه مالك الحزين حين كان على الشجرة، فقال في دهشة : 

ـ عجبا لهذا الرجل. كان بالأمس يعزف على الناي ويغني المواويل !، ولم أحيّر نفسى ؟. 

  وطار مالك الحزين، وحط بالقرب من العم عرفان، وبادر قائلا: 

ـ لا أسكت الله لك صوتا. أراك حزينا مهموما أيها الرجل الطيب. ماذا جرى، وأيّ مكروه أصابك ؟!.

ـ ماذا أقول يا سيد مالك. أنظر حولك. وستعرف السبب. 

 ويُلقى مالك الحزين نظرة: 

ـ عجبا. الزرع أخضر نضر؛ عدا هذا الحوض، زرْعه أصفر وذابل !.

ـ مع أنني لم أقصّر في خدمة الأرض من ري وتسميد وتنقيتها من الحشائش الضارة. 

ـ أعرف أنك فلاح نشيط لا تهمل عملك، ولا تقصّر أو تكسل عن أداء واجبك.

 لاحظ العم عرفان؛ أن مالك الحزين يغرس منقاره في الأرض، ثم يرفع عنقه ومنقاره لأعلى، ليبتلع شيئا !، فسأله: 

ـ ماذا تبتلع عزيزي مالك الحزين ؟!.

ـ دودة أرضية. لذيذة وشهية. 

ـ ماذا ؟!. دودة أرضية لذيذة وشهية ؟!.

ـ أمر الله يا سيد عرفان. المهم؛ لا تحزن على ما راح، فالحزن لا يُعيد ما راح. وخذها منّي نصيحة يا ابن بلدي. ابعد الوسواس الخناس، وقم لأرضك وزرعك، واضحك للدنيا تضحك لك. قم يا سيد عرفان وغنّ كم موال، والله يعوّض صبرك خيرا، ولكل مجتهد نصيب. 

 أنصت العم عرفان، وعمل بنصيحة الطائر الوديع، واستعاد هدوءه،

 وقام في التوّ والحال؛ يواصل عمله؛ حين كان مالك الحزين، فرحا

 بوليمة الديدان الأرضية، التي ينتزعها من الحوض ذي الزرع الأصفر الذابل، ويردد: 

ـ ما أشهى الديدان !.

 ومرت بضعة أيام، ليشهد العم عرفان أمرا عجيبا: 

ـ لستُ أصدق عيني. لقد اخضرّ الزرع وكان بالأمس أصفر ذابلا. يا كرم الله !. ما الحكاية ؟. شغـّل مخك يا عرفان.

 وراح العم عرفان يفكر في عمق شديد. تذكر ما كان يفعله مالك الحزين، فعلته الفرحة هاتفا: 

ـ هذه هي !. الديدان الأرضية. نعم هي، وليست غيرها !. حلم ما أرى أم حقيقة ؟!. أين أنت يا مالك ؟. 

  كان مالك الحزين واقفا فوق التوتة، فسمع العم عرفان، وما لبث أن هفهف وطار فى الفضاء، بينما علت ضحكاته: 

ـ هاهاهاه !. هاهاهاه !. هاهاهاه !. 

 وحط بالقرب منه قائلا: 

ـ أنا مالك الحزين أكال الديدان. أمرك يا سيد عرفان.   

ـ انظر يا وجه السعد ما جرى وكان. 

ـ سبحان مغيّر الأحوال. كأني أحلم. كان الزرع بالأمس ذابلا، وبدا أخضر ناضرا يسرّ العين. ولكن..

 أطرق مالك الحزين مفكرا، ثم صاح:                                          

ـ وجدتها !. يبدو أن الديدان الأرضية تضرّ بالزرع.       

ـ عشنا وشفنا !. ما يضرّك؛ قد ينفع غيرك.

ـ لا تتعجب يا سيد عرفان، فإنها حكمة الرحمن.

ـ ما رأيك يا سيد مالك لو. لو أصبحنا صديقين ؟. تشرفنى بزيارتك كل يوم. تأكل وتشبع وزرعي يخضرّ ويترعرع؛ فتضمن طعامك، ويصحّ زرعي. 

 وتنطلق ضحكات مالك الحزين، بين دهشة العم عرفان:

ـ هاهاهاه !. هاهاهاه !. هاهاهاه !.

ـ إنني لم أطلق نكتة، فلم تضحك يا سيد مالك ؟!. 

ـ كنت سأقولها !. 

 وينفجر العم عرفان بالضحك، ويشاركه الطائر الوديع، ثم يسأله العم عرفان:

ـ يعني. موافق ؟. 

ـ إلا موافق !، وأبصم بالعشرة.

  ثم يهتفان معا: 

ـ تحيا الصداقة !. 

ويسأل المعلم:

ـ ماذا تفعل لو مرض صديق لك، وغاب عن المدرسة ثلاثة أيام متتالية ؟

رتب الكلمات التالية: "لم. أخٍ. تلدْهُ. رُبَّ. لك. أمُّك"

                                                                                                                                                                تمـت                          

                                                                                                                                                                                                                                                                                             حمدى عمارة 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

19

followers

181

followings

1

مقالات مشابة