المتاهة المظلمة و  أرواح شريرة

المتاهة المظلمة و أرواح شريرة

0 reviews

اَلْمَتَاهَة اَلْمُظْلِمَةِ

 

 

كَانَتْ جُولْيَا تَحْلُمُ بِالْعَيْشِ فِي اَلْمَدِينَةِ اَلْكَبِيرَةِ مُنْذُ صِغَرِهَا ، وَعِنْدَمَا تَخَرَّجَتْ مِنْ اَلْجَامِعَةِ ، اِنْتَقَلَتْ إِلَى شَقَّةٍ صَغِيرَةٍ فِي اَلْوَسَطِ اَلْحَضَرِيِّ . وَفِي اَللَّيْلِ ، كَانَتْ تَسْمَعُ أَصْوَاتًا غَرِيبَةً تَأْتِي مِنْ اَلْجُدْرَانِ ، وَتَشْعُرَ بِحَرَكَاتٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ دَاخِلَ اَلشَّقَّةِ . وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ تَفْسِيرٍ لِهَذِهِ اَلْأَصْوَاتِ وَالْحَرَكَاتِ اَلْغَرِيبَةِ . 

بَدَأَتْ جُولْيَا تَشْعُرُ بِالْخَوْفِ وَالْقَلَقِ ، وَأَصْبَحَتْ تَرَى أَشْيَاءَ غَرِيبَةً فِي اَلْمِرْآةِ وَتَشْعُرُ بِالْوُجُودِ اَلْمُرْعِبِ فِي اَلْغُرْفَةِ . وَفِي أَحَدِ اَلْأَيَّامِ ، طَلَبَتْ جُولْيَا مِنْ جَارَتِهَا اَلْمُسَاعَدَةِ لِفَحْصِ اَلشَّقَّةِ ، وَعِنْدَمَا دَخَلَتْ اَلْجَارَةُ اَلشَّقَّةُ ، اِكْتَشَفَتْ شَيْئًا مُرْعِبًا . وَجَدَتْ أَنَابِيب وَأَسْلَاك مُتَشَابِكَةً دَاخِلَ اَلْحَوَائِطِ وَالْأُسْقُفِ ، وَقَدْ تَمَّ تَوْصِيلُهَا بِكَامِيرَاتٍ مَخْفِيَّةٍ فِي كُلِّ غُرْفَةٍ فِي اَلشَّقَّةِ . 

وَتَمَكَّنَتْ اَلْجَارَةُ مِنْ إِبْلَاغِ اَلشُّرْطَةِ عَلَى اَلْفَوْرِ ، وَعِنْدَمَا تَمَّ تَفْتِيشُ اَلشَّقَّةِ ، تَمَّ اَلْعُثُورُ عَلَى رَجُلٍ مَجْهُولٍ يَعِيشُ دَاخِلَ اَلْمَنْزِلِ مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ ، وَقَدْ قَامَ بِتَرْكِيبِ اَلْكَامِيرَاتِ وَالْأَسْلَاكِ دَاخِلَ اَلْحَوَائِطِ وَالْأُسْقُفِ لِمُرَاقَبَةِ حَرَكَاتِ جُولْيَا فِي اَلْمَنْزِلِ . تَمَّ اَلْقَبْضُ عَلَى اَلرَّجُلِ اَلْمَجْهُولِ وَأُحِيلَ إِلَى اَلْمَحْكَمَةِ ، وَانْتَقَلَتْ جُولْيَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ لِلْعَيْشِ ، وَكَانَتْ تَشْعُرُ بِالْحَذَرِ وَالْقَلَقِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ غَرِيبٍ يَحْدُثُ فِي اَلْمَنْزِلِ بَعْدَ تَجْرِبَتِهَا اَلرَّهِيبَةِ .

وَمَعَ ذَلِكَ ، لَمْ يَسْتَطِعْ اَلْخَوْفُ وَالْقَلَقُ اَلَّذِي شَعَرَتْ بِهِ جُولْيَا فِي اَلشَّقَّةِ اَلسَّابِقَةِ أَنْ يَتَلَاشَى بِالْكَامِلِ ، وَكَانَتْ تَشْعُرُ بِالتَّوَتُّرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَقْتَرِبُ فِيهَا مِنْ اَلشَّقَّةِ اَلْجَدِيدَةِ . وَفِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ، كَانَتْ جُولْيَا تَسْتَعِدُّ لِلنَّوْمِ ، عِنْدَمَا سُمِعَتْ صَوْتًا غَرِيبًا يَأْتِي مِنْ خِزَانَةِ اَلْمَلَابِسِ فِي غُرْفَةِ اَلنَّوْمِ . حَاوَلَتْ جُولْيَا تَجَاهُلِ اَلْأَمْرِ ، وَلَكِنَّ اَلصَّوْتَ لَمْ يَتَوَقَّفْ ، فَقَرَّرَتْ أَنْ تَتَحَرَّكَ وَتَفَحُّصُ اَلْأَمْرِ .

 عِنْدَمَا فَتَحَتْ جُولْيَا اَلْخِزَانَةِ ، تَفَاجَأَتْ بِرُؤْيَةِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ يَخْتَبِئُ دَاخِلِهَا . بَدَأَتْ جُولْيَا بِالصُّرَاخِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَرُدْ اَلرَّجُلُ اَلْمَجْهُولُ بِأَيِّ رَدِّ فِعْلٍ ، وَبَدَا وَكَأَنَّهُ مُشَوَّشًا وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى اَلتَّحَرُّكِ . اِتَّصَلَتْ جُولْيَا بِالشُّرْطَةِ عَلَى اَلْفَوْرِ ، وَحَضَرَتْ فِرْقَةُ اَلْإِنْقَاذِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْ اِنْتِشَالِ اَلرَّجُلِ اَلْمَجْهُولِ مِنْ اَلْخِزَانَةِ . تَبَيَّنَ أَنَّ اَلرَّجُلَ اَلْمَجْهُولَ كَانَ مَرِيضًا نَفْسِيًّا وَلَمْ يَكُنْ يَشْعُرُ بِأَيِّ شَيْءِ حِيَالَ فِعْلَتِهِ . 

وَبَعْدُ هَذِهِ اَلتَّجْرِبَةِ اَلرَّهِيبَةِ ، قَرَّرَتْ جُولْيَا اَلِانْتِقَالِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ لِلْعَيْشِ وَالْبَحْثِ عَنْ شَقَّةٍ جَدِيدَةٍ ، حَيْثُ تَشْعُرُ بِالْأَمَانِ وَالْحِمَايَةِ . وَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا مَا زَالَتْ تَشْعُرُ بِالرُّعْبِ وَالْخَوْفِ بَعْدَ هَذِهِ اَلتَّجْرِبَةِ ، إِلَّا أَنَّهَا تُحَاوِلُ اَلتَّغَلُّبَ عَلَيْهِ وَالْعَيْشِ بِحَيَاةٍ طَبِيعِيَّةٍ وَسَعِيدَةٍ .

فِي اَلْأَسَابِيعِ اَلتَّالِيَةِ ، بَحَثَتْ جُولْيَا بِجِدِّيَّةِ عَنْ شَقَّةٍ جَدِيدَةٍ وَآمِنَةٍ ، وَبُعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ ، تَمَكَّنَتْ مِنْ اَلْعُثُورِ عَلَى شَقَّةٍ جَدِيدَةٍ فِي مَبْنَى حَدِيثٍ وَآمِنٍ . كَانَتْ جُولْيَا مُتَحَمِّسَةً لِلِانْتِقَالِ إِلَى اَلْمَكَانِ اَلْجَدِيدِ وَالْبَدْءِ فِي حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ بَعِيدًا عَنْ اَلْخَوْفِ وَالرُّعْبِ .

 وَعِنْدَمَا وَصَلَتْ إِلَى اَلشَّقَّةِ اَلْجَدِيدَةِ ، شَعَرَتْ جُولْيَا بِالِارْتِيَاحِ وَالسَّعَادَةِ ، فَكَانَتْ اَلشَّقَّةُ جَدِيدَةً تَمَامًا وَلَمْ يَسْبِقْ لِأَيِّ شَخْصٍ أَنَّ عَاشَ فِيهَا مِنْ قَبْلٌ ، وَكَانَتْ مُجَهَّزَةً بِكُلِّ مَا تَحْتَاجُهُ جُولْيَا لِلْعَيْشِ بِرَاحَةٍ . وَمَعَ مُرُورِ اَلْوَقْتِ ، بَدَأَتْ جُولْيَا تَتَكَيَّفُ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ مَعَ حَيَاتِهَا اَلْجَدِيدَةِ ، وَاسْتَمْتَعَتْ بِالْعَيْشِ فِي شَقَّتِهَا اَلْجَدِيدَةِ . وَفِي لَيْلَةٍ مِنْ اَللَّيَالِي ، كَانَتْ جُولْيَا تَسْتَعِدُّ لِلنَّوْمِ ، عِنْدَمَا شَعَرَتْ بِشَيْءِ مَا يَلْتَفُّ حَوْلَ رَقَبَتِهَا ، وَبَدَأَتْ تَخْنُقُ وَتَصْرُخُ 

وَعِنْدَمَا اِسْتَيْقَظَتْ جُولْيَا ، تَفَاجَأَتْ بِرُؤْيَةِ دُمْيَةٍ قَدِيمَةٍ تَلْتَفُّ حَوْلَ رَقَبَتِهَا ، وَكَانَتْ تُحَاوِلُ اَلْخَنْقَ . أَلْقَتْ جُولْيَا اَلدُّمْيَةِ بَعِيدًا عَنْهَا وَأَطْفَأَتْ اَلْأَنْوَارُ ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ اَلنَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَكَانَتْ تَشْعُرُ بِالْخَوْفِ وَالْقَلَقِ وَالرُّعْبِ . وَفِي اَلصَّبَاحِ ، قَرَّرَتْ جُولْيَا اَلتَّحَقُّقِ مِنْ اَلدُّمْيَةِ وَمَعْرِفَةٍ مِنْ وَضْعِهَا حَوْلَ رَقَبَتِهَا ، فَقَرَّرَتْ فَتْحُ اَلْخِزَانَةَ اَلَّتِي كَانَتْ تَحْتَوِي عَلَى اَلدُّمْيَةِ . وَعِنْدَمَا فَتَحَتْ اَلْخِزَانَةُ ، شَعَرَتْ جُولْيَا بِالرُّعْبِ وَالصَّدْمَةِ ، حَيْثُ وَجَدَتْ دُمْيَةً شَيْطَانِيَّةً تُشْبِهُ اَلشَّيْطَانَ اَلَّذِي رَأَتْهُ فِي اَلشَّقَّةِ اَلسَّابِقَةِ . 

كَانَتْ جُولْيَا تُدْرِكُ اَلْآنَ أَنَّهَا لَمْ تَنْجُ بَعْدٌ مِنْ اَلشَّيْطَانِ اَلَّذِي يُطَارِدُهَا ، وَأَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى اَلْقِيَامِ بِشَيْءٍ لِلتَّخَلُّصِ مِنْهُ نِهَائِيًّا . قَرَّرَتْ جُولْيَا أَنَّ تَعَرُّضَ اَلدُّمْيَةِ عَلَى طَبِيبٍ نَفْسَانِيٍّ وَمُسْتَشَارِينَ فِي اَلْخَوْفِ وَالرُّعْبِ . بُعْدُ أُسْبُوعِ مِنْ اَلزِّيَارَاتِ اَلْمُكَثَّفَةِ لِلْأَطِبَّاءِ ، تَوَصَّلُوا إِلَى اِسْتِنْتَاجٍ مُفَادَهُ أَنَّ اَلشَّيْطَانَ اَلَّذِي يُطَارِدُهَا لَيْسَ حَقِيقِيًّا ، بَلْ هُوَ نَتِيجَةُ لِرُهَابِ اَلشَّيْطَانِ اَلَّذِي يُعَانِي مِنْهَا جُولْيَا . بَدَأَتْ جُولْيَا بِالْعَمَلِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَتَحَدَّثَتْ مَعَ اَلْمُسْتَشَارِينَ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى أَفْضَلِ اَلطُّرُقِ لِلتَّعَامُلِ مَعَ رُهَابِ اَلشَّيْطَانِ . 

بُعْدُ بِضْعَةِ أَشْهُرٍ ، شَعَرَتْ جُولْيَا بِالتَّحَسُّنِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْ اَلتَّغَلُّبِ عَلَى رُهَابِ اَلشَّيْطَانِ اَلَّذِي كَانَ يُطَارِدُهَا . وَكَانَ لِهَذَا تَأْثِيرٌ كَبِيرٌ عَلَى حَيَاتِهَا ، حَيْثُ بَدَأَتْ تَشْعُرُ بِالثِّقَةِ وَالتَّفَاؤُلِ مَرَّةً أُخْرَى . وَفِي أَحَدِ اَلْأَيَّامِ ، وَجَدَتْ جُولْيَا صُنْدُوقًا صَغِيرًا يَحْتَوِي عَلَى دُمْيَةٍ مِثْلٍ تِلْكَ اَلَّتِي وَجَدَتْهَا فِي اَلشَّقَّةِ اَلسَّابِقَةِ . وَعَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ تُعَانِي مِنْ رُهَابِ اَلشَّيْطَانِ ، إِلَّا أَنَّهَا قَرَّرَتْ اَلتَّخَلُّصَ مِنْ اَلدُّمْيَةِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ اَلْمَاضِي اَلرَّهِيبِ اَلَّذِي عَاشَتْهُ . بُعْدُ هَذِهِ اَلتَّجْرِبَةِ ، تَعَلَّمَتْ جُولْيَا أَهَمِّيَّةُ اَلِاهْتِمَامِ بِالصِّحَّةِ اَلنَّفْسِيَّةِ وَالتَّعَامُلِ مَعَ اَلْمَشَاكِلِ اَلنَّفْسِيَّةِ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ . وَأَصْبَحَتْ جُولْيَا مُؤَيِّدَةً لِلْعَمَلِ عَلَى تَوْعِيَةِ اَلنَّاسِ بِأَهَمِّيَّةِ اَلصِّحَّةِ اَلنَّفْسِيَّةِ وَتَعْلِيمِهِمْ كَيْفِيَّةَ اَلتَّعَامُلِ مَعَ اَلضُّغُوطِ اَلنَّفْسِيَّةِ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ .

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

12

followers

0

followings

10

similar articles