رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الثاني - حلقة ٩

رَوَتْهُ راهِبة: الجزء الثاني - حلقة ٩

0 المراجعات

بعد ساعة كاملة من التفتيش الدقيق و إنتشار قوات الشرطة في كل شبر في المستشفي و مراجعة الكاميرات الموجودة بها و ....
"سيادة المقدم، لا يوجد أثر لمريم بالمستشفي ....".
قالها أحد ضباط الشرطة للمقدم هشام، الذي فرك كفيه و أخذ يتفقد المكان، ثم توجه إلي الغرفة الموجود بها جثة والدة مريم، و عقله مازال يتذكر رؤيته التي رآها في نومه ....
الكاميرا الموجودة في الغرفة لم تظهر بها مريم، 
بل و لم ترصدها أية كاميرا أخري بالمستشفي ....
هل كان ذلك مجرد صدفة أيضاً ....
هل يمكن أن تكون الرواية التي رواها له صديقه الدكتور يحي أخصائي الأمراض النفسية قد أثرت فيه إلي الحد الذي يجعله يري شيئاً كهذا في منامه، و ليس هذا فحسب بل و يتحقق أيضاً؟!....
أخذ المقدم هشام يفحص بنظره كل مليمتر في جثة والدة مريم، ثم نظر إلي الدكتور يحي و قال:
- تبدو طبيعية ....
ملامحها تبدو طبيعية تماماً، و لكن ....
ظاهرياً فقط ....
لأن و بمنتهي الصراحة هذا يتنافي تماماً مع ما أشعر به، و تلك المسألة متروكة لنتائج المعمل الجنائي و الطب الشرعي الذي سيبت في ذلك ....
ثم ألتفت، إلي أحد معاونيه، قائلاً بمنتهي الحزم:
يتم فحص الجثة بمنتهي الدقة و كذلك كل شبر في تلك الغرفة، و غير مسموح تماماً لأي شخص بالدخول إلى المكان باستثناء أفراد المعمل الجنائي و الطب الشرعي، و حتى ولو كان من المخولين بالدخول او من أفراد الطاقم الصحي، مفهوم؟
أومأ الضابط برأسه إيجاباً، في حين إستدار المقدم هشام إلي الدكتور يحيي و ربت علي كتفه، و قال:
أعلم مدي إرتباطك بتلك الحالة، فطالما تحدثت عنها كثيراً دون تفاصيل بالطبع، و ما كنت ترويه كان غريباً حقاً، و لكن و منذ تلك اللحظة لامجال لأية أسرار، فسوف تروي لي كل تفصيلة حتي و لو كانت ضئيلة، فانا علي يقين أنها ستفيد ....
و بات من الواضح من إستغراقه في تفكير عميق لبضع دقائق أن الدكتور يحيي سوف يروي تفاصيل رواية مريم منذ اللحظة الأولي و حتي إختفائها المفاجئ ....
رواية دقيقة كاملة ....

و ستشهد الأحداث القادمة في تلك الرواية علي مفاجآت، يعجز العقل عن تصديقها ....
حرفياً ....
_____________________________________________

بعد أقل من ساعة كان كل من المقدم هشام و الدكتور يحي داخل مكتب الأول الذي أمر أحد معاونيه بضرورة إبلاغه بنتيجة المعمل الجنائي و تقرير الطبيب الشرعي الأولي فوراً فربما سيتقرر تشريح الجثة إذا لزم الأمر، و طلب فنجانين من القهوة حتي يستجمع كل منهما تركيزه ....
المقدم هشام الذي سيستجمع كل حواسه للإنتباه جيداً لكل حرف سينطلق به صديقه الطبيب النفسي الدكتور يحي بينما يستعد الأخير لقول كل ما لديه بخصوص مريم ....
" مريم عز الدين سلامة أو ....
مريم حنا سرجيوس "
إسمين لكل منهما قصة مختلفة و لكن ....
تمتلكهما شخصية واحدة، و هي ....
مريم عز الدين سلامة، الناجي الوحيد من حادثة الأوتوبيس التي كنت قد أخبرتك بها من قبل ....
في تلك الفترة كنت أقضي أجازة قصيرة مع أسرتي بعيداً عن ، و في يوم اتصل بي صديقي الدكتور ماجد رؤوف أخصائي جراحات المخ و أخبرني بأنه يريد مقابلتي في أسرع وقت ممكن نظراً لخطورة الأمر.
و في خلال ساعة كنت علي مكتبه و أخبرني بأنه منذ أسبوعين كانت هناك فتاة في أواخر العقد الثاني من العمر، قد أتت إلي المستشفي نتيجة حادث أوتوبيس قد تعرضت له علي طريق الساحل، و لم يكن معها أحد، و تم إنقاذها الحمدلله و إلي حد ما بدأت حالتها تستقر نسبياً، و بعمل أشعة مقطعية علي المخ تبيَّن أن وظائف المخ تعمل بحالة  جيدة، و رغم أن ذلك يعد مؤشر جيد و أن الله قد كتب لها عمراً جديداً، إلا أنه يبدو أن هناك حالة من الهلوسة قد سيطرت عليها ....
كلمات غريبة تصدر منها ....
تبدو كالترانيم لديهم، رغم أنها مسلمة ....
تبين ذلك من إسمها في بطاقتها الشخصية كما أنه لم يكن هناك صليب علي يدها أو معلقاً علي صدرها مثلاً، فهذا يناقض ما تقوله و تهلوس به ....
و أراد مني أن أراها بنفسي ....
و بالفعل ذهبت معه إلي المستشفي في نفس اليوم و كل ما قضيته معها هما ساعتان فقط ....
بعد العديد من الأسئلة التي طرحتها عليها، تبينت عدم تذكرها لأي شئ حتي إسمها، و لم أستطع أن أجد تفسير لما تهلوس به ....
يبدو أنها تريد أن تحكي عن أحداث قد حدثت في الماضي ....
أحداث حينما تقاطعها لتتناقش فيها تجد أنها لا يوجد لديها ما تقول فهي لا تعرف سوي ما تقوله ....
فتاه في مثل عمرها ....
صليب ....
دير ....
إجتهدت لأحاول إيجاد تفسير منطقي لما رأيته ....
خرجت من حجرتها لأجد ماجد ينتظرني و علامات الإستفهام تغرق وجهه، ثم أخذني إلي مكتبه و أغلق الباب بإحكام و هو يسألني عمَّا لدي؟
لم أكن حقاً قد تأكدت من شئ بعينه لأقوله و لكنني قد كونت فكرة مبدئية، فنظرت إليه و بدأت أشرح له تصوري الأولي عن تلك الحالة ....
إنها حالة من حالات فقدان الذاكرة تسمي فقدان ذاكرة ما بعد الصدمة أو PTA
(Post-traumatic Amnesia )

و هو اضطراب يحدث كنتيجة مباشرة للتعرض لصدمة أو إصابة في الرأس، و يكون الشخص المصاب عندها مشوشاً وغير قادر على تذكر الأحداث الحاصلة بعد الإصابة، و يصبح الشخص حينها غير قادر على تذكر حالته أو اسمه، وتحديد مكانه أو معرفة الوقت، و الأحداث الجديدة لا يمكنها أن تخزن بالذاكرة، و حوالي الثلث من المرضى ذوي اصابات الرأس الخفيفة يُعتقد اصابتهم بما يسمى (تجزأ الذاكرة) حيث يستطيع المريض تذكر بعض الأحداث فقط و خلال فقدان الذاكرة ما بعد الصدمة يكون وعي المريض معتّم، و يتضمن فقدان الذاكرة بعد الصدمة الاضطراب أو الارتباك بالإضافة إلى فقدان الذاكرة المعتاد، و ما نراه أمامنا من إرتباك واضح للحالة فنحن نطلق عليه في عالمنا مصطلح (الحالة الإرتباكية لما بعد الصدمة) كمصطلح بديل و ....
و بينما كان الدكتور يحيي منهمك في الشرح كانت حواس المقدم هشام بأكملها معه، فما يقوله يحيي كان يستحق بالفعل و الأكثر من ذلك ما سيقوله بعد ذلك ....

تابع

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
اسلام ابراهيم
المستخدم أخفى الأرباح

articles

460

followers

610

followings

115

مقالات مشابة