بذلة الغوص و الفراشة: الجزء السابع عشر

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء السابع عشر

0 reviews

الستارة 


من على كرسي المتحرك، أسترق النظر إلى أطفالي بمذلة وأمهم تقودني على امتداد أروقة المستشفى. فلئن كنت أبا أشبه بالزومبي فإن ثيوفيل وسيليست حقيقيان تماماً، متوتران ومتذمران.

لا أمل النظر إليها وهما يمشيان إلى جانبي، فقط يمشيان، مخفيين تحت الهيئة
الواثقة استياء أحنى أكتافها الصغيرة. أثناء السير، يمسح ثيوفيل بمناديل ورقية أدفاق اللعاب السائل من بين شفتي المغلقتين. في
حركة متوارية، عطوفة ومتهيبة في آن، وكأنها موجهة لحيوان ذي ردات فعل غير متوقعة. وحالما نبطئ في السير، تبادر سيليست إلىوإحاطة رأسي بيديها المكشوفتين، غامرة جبهتي بقبلات مصيتة وهي تردد «هذا أبي، هذا أبي» كمن يقرأ تعويذة. هو ذا احتفالنا بعيد الآباء.


في السابق، وحتى وقوع حادثتي، لم نشعر بالحاجة إلى تسجيل هذا الموعد الإجباري في رزنامتنا العاطفية.

أما الآن فإننا نقضي هنا كامل هذا اليوم الرمزي سوية، كي تثبت -دون شك- أن هذا المسودة، أو الظل، أو البضعة أب، لا يزال بعد أبا. كنت ممزقا بين الابتهاج برؤيتها يعيشان، يتحركان، يضحكان أو يبكيان لساعات عديدة، والخشية من أن لا يكون هذا العرض المتكرر للمآسي، وأولها أنا، التسلية المثلى لطفل في العاشرة ولا لأخته الصغيرة ذات الأعوام الثمانية، حتى وقد اتخذنا كعائلة القرار الحكيم بألا نلطف شيئا مما يجري.


نزلنا في النادي الشاطئي، وهو الاسم الذي أطلقه على قسم من تلة منفتحة على الشمس والريح، تفضلت علينا الإدارة بأن عمرتها بطاولات وكراس وشمسيات، بل وبأن غرست فيها فسائل حوذان نمت في الرمل وسط الأعشاب البرية. وسط هذا الغربال الواقع على حافة البحر، بين المستشفى والحياة الحقيقية، يمكن أن نحلم بأن تحول جنية خيرة كل الكراسي المتحركة إلى عربات شراعية.
«هل لك في لعبة المشنوق؟» يسألني ثيوفيل.

 قد أجيبه عن طیب خاطر «حاليا أكتفي بدور المشلول». ما لم يخل نظامي التواصلي
دوني والإجابات السريعة والحاسمة على طريقة قطاعات العجين.

ينحل الخيط الأكثر رهافة ويسقط إلى القاع، ومن ثمة تلزمه دقائق عديدة ليشد من جديد.

 في النهاية لا نفهم نحن أنفسنا هذا الذي
كان يبدو ممتعا قبل أن نتكبد مشقة إملائه حرفا بحرف. القاعدة إذن، تجنب الفورات المبكرة، ما من شأنه أن يفقد المحادثة ألقها الزئبقي وتلك الكلمات العابثة التي ترتد من أحدنا إلى الآخر كما ترتد كرة عن حائط.

فيضاف هذا النقص القسري في المرح إلى مساوئ حالتي.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

460

متابعين

610

متابعهم

115

مقالات مشابة