بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الخامس و العشرون

بذلة الغوص و الفراشة: الجزء الخامس و العشرون

0 reviews

صيد البط 


علاوة على مختلف المنغصات المقترنة بمتلازمة المنحبس، أعاني من اضطراب حقيقي في أذني.

على اليمين طرش تام، وعلى اليسار
تضخم في قناة السمع وتشوه في الأصوات حين يكون مصدرها على مسافة تزيد عن مترين وخمسين سنتيمترا.

عندما تحلق طائرة فوق الشاطئ ساحبة وراءها القماشة الإشهارية لمنتزه الجهة، قد يذهب في ظني أن طاحنة قهوة ثبتت إلى أصموخي.

 طعلى أن هذا ما هو إلا جعجعة عارضة.

أما الأكثر إيذاء فهو الجلبة المنبعثة من الممر
باستمرار، فرغم ما بذلته من جهد لتحسيس الجميع بمشكلة أذني، لم يوصدوا بابي دونها. تقرقع الكعوب على مشمع الأرضية، تتصادم
العربات، تتداخل الأحاديث، وتتصايح الفرق على طريقة موظفيزالبورصة في يوم تصفية، وتشغل أجهزة راديو لا يستمع إليها أحد.


و ليكتمل كل ذلك تصدر ماسحة أحذية كهربائية لمحة صوتية من الجحيم.
هناك أيضا المرضى المزعجون، أعرف منهم من يجد متعتهزالوحيدة في معاودة الاستماع إلى الشريط نفسه بلا انقطاع.

حدث أن جاورت فتى صغيرا أهدي بطة مخملية ذات نظام استشعار معقد يبتزموسيقى حادة ومزعجة حالما يدخل أحدهم الغرفة، ما يعني ثمانين مرة في اليوم.

من حسن حظ مريضنا الصغير أن عاد إلى منزله قبل أن أبدأ بتنفيذ مخططي لتصفية البطة. على كل حال ما يزال المخطط تحت يدي، إذ لا أحد يعلم طبيعة الكوارث التي ما تزال العائلات المكلومة قادرة على إثارتها. أما النخلة المثيرة للانتباه في الجوار فتعود إلى مريضة بعثرت الغيبوبة مداركها، حتى أنها صارت تعض الممرضات، وتمسك مساعدي التمريض من أكثر أجزاء أجسادهم
ذكورة ولا تستطيع طلب كأس ماء دون إطلاق صرخة استغاثة! في البداية تخلق هذه الإنذارات الكاذبة حالة استنفار حربي حقيقية. بعد ذلك وفي إطار الضجر من الحرب، ينتهي الأمر إلى تركها تزعق قدر ما تشاء، في أي ساعة تشاء، من النهار والليل.
تضفي حصص التمريض هذه على قسم الأعصاب مسحة من «عش الوقواق» غاية في الإثارة، إلا أنني حين أرسلنا صديقتناوخارجا لتُطلق عقيرتها بالصياح «النجدة، إنهم يقتلونني!» شعرت ببعض الندم .
بعيدا عن هذه الجلبة، وفي الصمت الذي استعدت يمكننيزالاستماع إلى الفراشات الطائرة عبر رأسي. يتطلب الأمر كثيرا من
الانتباه والتأمل، لأن خفقات أجنحتها تكاد لا تدرك.

يكفي تنفس قوي ليغطيها. وإنه لأمر مذهل أتي رغم عدم تحسن سمعي أسمعها
أفضل فأفضل. لا بد أن لدي أذن فراش.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

460

متابعين

610

متابعهم

115

مقالات مشابة