- ( خطاب تأميم قناه السويس 26 - 7 - 1956 ) -
( خطاب الرئيس جمال عبد الناصر فى عيد الثورة الرابع من الإسكندرية )
أيها المواطنون:
نحتفل اليوم باستقبال العيد الخامس للثورة.. باستقبال السنة الخامسة للثورة، بعد أن قضينا أربع سنوات نكافح ونجاهد ونقاتل؛ للتخلص من آثار الماضى البغيض.. للتخلص من آثار الماضى الطويل.. للتخلص من آثار الاستعمار الذى استبد بنا قروناً طويلة، وللتخلص من آثار الاستبداد الذى تحكم فينا، وللتخلص من آثار الاستغلال الأجنبى والاستغلال الداخلى.
نعم - أيها المواطنون - لقد اتحدنا وثرنا وكافحنا وقاتلنا وجاهدنا وانتصرنا. واليوم ونحن نتجه إلى المستقبل.. اليوم - أيها المواطنون - ونحن نتجه إلى المستقبل، بعد سنوات أربع من الثورة، نتجه بقوة وعزم وإيمان، نعتمد على الله وعلى أنفسنا، نعتمد على الله وعلى عزيمتنا، نعتمد على الله وعلى قوتنا؛ من أجل تحقيق الأهداف التى قامت من أجلها هذه الثورة. من أجل تحقيق هذه الأهداف التى جاهد من أجلها الآباء والتى كافح من أجلها الأجداد
أيها المواطنون:
حينما نتجه إلى المستقبل نشعر أن معاركنا لم تنته، فليس من السهل.. ليس من السهل أبداً.. مش سهل أبداً ان احنا نبنى نفسنا فى وسط الأطماع.. الأطماع الدولية المتنافرة، والاستغلال الدولى، والمؤامرات الدولية.. مش سهل أبداً ان احنا نبنى نفسنا.. نبنى وطنا، ونحقق استقلالنا السياسى، ونحقق استقلالنا الاقتصادى. قدامنا - أيها الإخوة - معارك طويلة سنكافح فيها.. قدامنا معارك طويلة لنعيش أحرار، لنعيش كرماء، لنعيش أعزاء.
حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا، وأن يضعف عروبتنا، وأن يفرق بيننا؛ فخلق إسرائيل صنيعة الاستعمار
إن إسرائيل اليوم ابتدت تتبع أساليب العصابات التى كانت تتبعها قبل ٤٨، إن يوم النصر لقريب. إذا كانوا يعتقدون انهم بقتلهم فرد - صلاح مصطفى - والتخلص منه، لن يجدوا فى مصر أمثال هذا الفرد؛ فإنهم واهمون. إذا كانوا يعتقدون أنهم بهذه الأساليب الغادرة يستطيعون أن يبثوا الرعب فى نفوسنا أو فى نفوس الأمة العربية؛ فإنهم واهمون. كلنا.. كلنا نعمل من أجل هذه المبادئ العليا، كلنا نعمل من أجل هذه المثل، كلنا نعمل من أجل قوميتنا، كلنا نعمل من أجل عروبتنا، كلنا نعمل لنحمى أنفسنا من الاستعمار وأعوان الاستعمار وإسرائيل صنيعة الاستعمار، كلنا سنجاهد.. كلنا سنكافح.. كلنا سنفدى أوطاننا بأرواحنا وبدمائنا
هذه - أيها المواطنون - هى المعركة التى نسير فيها.. هذه - أيها المواطنون - هى المعركة التى نخوضها الآن؛ معركة ضد الاستعمار.. معركة ضد أساليب الاستعمار.. معركة ضد وسائل الاستعمار.. معركة ضد إسرائيل صنيعة الاستعمار، التى خلقها الاستعمار ليقضى على قوميتنا كما قضى على فلسطين. قضوا على فلسطين، وسندوا إسرائيل بالعصابات وقووا إسرائيل؛ حتى يقضوا علينا ويحولونا إلى دولة من اللاجئين، وشجعوا إسرائيل؛ حتى تعلن على الملأ أن أرضها المقدسة تمتد من النيل إلى الفرات. نحن نشعر بهذا الخطر، كلنا سندافع عن قوميتنا، كلنا سندافع عن عروبتنا، كلنا سنعمل؛ حتى يمتد الوطن العربى من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى.
أيها المواطنون:
إن القومية العربية تتقدم.. إن القومية العربية تنتصر.. إن القومية العربية تسير إلى الأمام، وهى تعرف طريقها، وهى تعرف سبيلها.. إن القومية العربية تشعر من هم أعداؤها ومن هم أصدقاؤها.. إن القومية العربية تعلم أن وجودها فى اتحادها، وأن قوتها فى قوميتها.
وأنا اليوم - أيها المواطنون - أتجه إلى إخوان لكم فى سوريا.. سوريا العزيزة.. سوريا الشقيقة، وقد قرروا.. قرروا وأعلنوا أن يتحدوا معكم اتحاداً حراً سليماً عزيزاً كريماً؛ لندعم سوياً مبادئ الحرية، ولندعم سوياً مبادئ العزة، ولندعم سوياً مبادئ الكرامة، ولنرسى سوياً القومية العربية، ولنرسى سوياً الوحدة العربية.
إننى اليوم أقول لإخوانكم فى سوريا باسمكم: إننا نرحب بكم أيها الإخوة؛ فقد قلتم فى دستوركم: إنكم جزء من الأمة العربية، وقلنا فى دستورنا: إننا جزء من الأمة العربية، وسنسير معاً - أيها الإخوة - متحدين.. يد واحدة.. قلب واحد.. رجل واحد؛ لنرسى مبادئ العزة الحقيقية، ولنرسى مبادئ الكرامة الحقيقية، ولنقيم بين ربوع الوطن العربى وبين ربوع الأمة العربية استقلالاً سياسياً حقيقياً، واستقلالاً اقتصادياً حقيقياً
أيها المواطنون:
منذ أن أعلنت مصر سياستها الحرة المستقلة، وبدأ العالم ينظر إلى مصر ويعمل لها حساب.. بقوا يعملوا لنا حساب.. اللى كانوا زمان ما بيعبروناش وما بيحسبوش حسابنا، بقوا النهارده يعملوا لنا حساب، بدءوا يعملوا للعرب حساب، وللقومية العربية حساب. كنا زمان نتلطع على مكاتبهم؛ مكاتب المندوب السامى والسفير البريطانى، النهارده بعد تحقيق حريتنا السياسية وبعد إعلان مبادئنا، وبعد تكاتفنا وإقامة جبهة وطنية متحدة من جميع أبناء هذا الشعب ضد الاستعمار، وضد الطغيان، وضد التحكم، وضد السيطرة، وضد الاستغلال، وضد التدخل الأجنبى؛ بيعملوا لنا حساب، وبيعرفوا ان احنا دولة لها قيمتها، تستطيع أن تفعل ما تريد
النهارده قيمة مصر فى المجال الدولى كبرت، وقيمة العرب - الأمة العربية - فى المجال الدولى كبرت وعظمت، وعلى هذا الأساس - أيها الإخوة - تم مؤتمر بريونى.. تم مؤتمر بريونى وسافرت لاجتمع بالرئيس "تيتو" - رئيس جمهورية يوغوسلافيا - والرئيس "نهرو" - رئيس وزراء الهند - الاتنين اللى أعلنوا سياسة عدم الانحياز؛ السياسة الحرة المستقلة. وزرت وأنا رايح إلى بريونى يوغوسلافيا، والتقيت بالشعب اليوغوسلافى، ووجدت ولمست صداقة الشعب اليوغوسلافى للشعب المصرى، وتقدير الشعب اليوغوسلافى للشعب المصرى. واتجهت إلى بريونى وابتدأنا نبحث الوسائل ونتبادل الرأى فى المشاكل العالمية وفى مشاكلنا، وانتهى مؤتمر بريونى بانتصار كبير للسياسة التى تتبعها مصر؛ اللى هى سياسة عدم الانحياز.. انتصار كبير للقضايا العربية، وأعلنت فى المجالات الدولية.
قرار مؤتمر باندونج فى هذا الصدد بيقول إيه؟ بيقول: بالنظر إلى التوتر القائم فى الشرق الأوسط بسبب الموقف فى فلسطين، وخطر ذلك التوتر على السلام العالمى، أعلن المؤتمر الآسيوى - الإفريقى تأييده لحقوق شعب فلسطين العربى، ودعى إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين.
وبعدين مؤتمر بريونى اتكلم عن مشكلة الجزاير - اللى هى مشكلة عربية أيضاً - بحث رؤساء الحكومات الثلاثة الموقف فى الجزاير، الذى يعتبر - فى رأيهم - بالغ الأهمية، بل ويتطلب اهتماماً عاجلاً من وجهة نظر الحقوق الطبيعية لشعب الجزائر، ولدعم السلام فى ذلك الجزء من العالم. ونظراً لإيمان رؤساء الحكومات الثلاثة بأن السيطرة الاستعمارية غير مرغوب فيها إطلاقاً، فضلاً عما يترتب عليها من إضرار بالحاكمين والمحكومين معاً، فإنهم يرون من واجبهم التعبير عن عطفهم التام على رغبة شعب الجزائر فى الحرية. وهم يدركون أنه يوجد فى الجزائر عدد كبير من الأشخاص الذين من أصل أوروبى، والذين تجب حماية مصالحهم - دول اللى بتتحجج بهم فرنسا - على أنه يجب ألا يقف هذا فى طريق الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الجزائرى. وهم يؤيدون كل الجهود والمفاوضات التى تهدف إلى إيجاد حل عادل وسلمى، وبخاصة وقف أعمال العنف.
إذن طلعنا من مؤتمر بريونى بإن احنا أعلنا مبادئ أساسية للعلاقات بين الدول، وأعلنا رأينا فى المشاكل العالمية؛ مشكلة ألمانيا فى أوروبا، مشكلة الصين فى آسيا، ومشكلة فلسطين والجزائر العربية اللى تهمنا احنا كأمة عربية وكشعب عربى.
كنا بنعمل من أجل جلاء الإنجليز المحتلين عن أرض مصر، بوسائل مختلفة كلكم تعرفوها؛ بالقوة واللين، بالعنف وبالمفاوضات، وكان غرضنا من هذا أن نحقق لمصر استقلالاً سياسياً حقيقياً، وألا تكون السيادة فى مصر إلا لأبناء مصر، وألا يرفرف فى سماء مصر إلا علم مصر.
كنا بنسعى إلى هذا منذ قامت الثورة، ونسعى بعزم، وكنا نؤمن ان احنا حنستطيع أن نحقق هذا الاستقلال السياسى، سنستطيع مادمنا نقضى على أعوان الاستعمار. وحينما تخلصنا من أعوان الاستعمار تداعى الاستعمار وتداعى الاحتلال.. انتهى الاستعمار، والاحتلال ما قدرش يقعد؛ لأنه ما وجدش بينكم - بين أبناء مصر.. بين هؤلاء المواطنين - واحد يتعاون معاه، أو واحد يسنده، أو واحد يعاونه على وجوده؛ فسلم الاستعمار، وسلم الاحتلال، وجلت عن مصر فى الشهر الماضى آخر قوة من قوات الاحتلال التى دخلت أرضنا سنة ١٨٨٢، واللى لما دخلت إسكندرية سنة ٨٢ انهزموا، وانضربوا فى كفر الدوار، وما قدروش أبداً انهم يكملوا غزوهم، وما قدروش أبداً انهم يكملوا حملتهم.. انضربوا.. ضربهم عرابى فى كفر الدوار وهزمهم شر هزيمة.. لم يستطيعوا أن يتغلغلوا فى أراضينا، ولكنهم انسحبوا.. انسحبوا من الإسكندرية ورجعوا.. ما قدروش يواجهونا وجهاً لوجه، ولكنهم واجهونا بالغدر والخديعة، واجهونا بالخيانة، اتجهوا إلى قنال السويس، وعن طريق أعوانهم فى قنال السويس استطاعوا انهم يدخلوا من هناك ويوصلوا إلى التل الكبير، واستطاعوا انهم يحتلوا مصر ويقضوا على قوة مصر.
لم يستطيعوا أن يواجهونا وجهاً لوجه.. هزمناهم سنة ١٨٨٢، وهزمناهم سنة ١٨٠٧ أما جت حملة "فريزر" فى مصر هنا؛ من أجل احتلالها ومن أجل السيطرة عليها، ووصلت إلى رشيد.. خرج لها أهل رشيد - أهل رشيد المدنيين - واستطاع أهل رشيد المدنيين انهم يهزموا الحملة العسكرية البريطانية ويردوها على أعقابها للبحر.
بعد كده فى أيام الجلاء وفى أعياد الجلاء، وحينما شعرنا بالاستقلال السياسى؛ اتجهنا إلى العالم أجمع، وقلنا: لننس ما مضى، واتجهنا برضه إلى المستعمرين، وإلى الناس اللى جم احتلونا وخرجوا، واللى قتلوا من آبائنا وأجدادنا، وقلت فى يوم ١٩ يونيو: ان أنا أمد إيدى للجميع، وإن مصر تمد يدها إلى الجميع، وإنها ستسالم من يسالمها وتعادى من يعاديها.
إننا نتجه لتحقيق سياستنا.. سياسة مستقلة، تنبع من مصر، لا من لندن، ولا واشنطن، ولا موسكو، ولا أى دولة من الدول؛ تنبع من ضميرنا.. تنبع من إحساسنا. وقلت ان احنا مستعدين نتعاون مع الجميع، ولكن هذا التعاون لن يكون أبداً على حساب قوميتنا، أو على حساب عروبتنا، وطبعاً لن يكون على حساب استقلالنا، أو على حساب كرامتنا
من سنة ٥٢ وبعد نجاح الثورة بدأت تتصل بنا إنجلترا وبدأت تتصل بنا أمريكا، وبدءوا يطالبونا بأن نتحالف معهم ونتفق معهم؛ نعمل محالفات ونعمل اتفاقات. كان كلامنا لهم ان احنا لا نستطيع أن نتحالف.. مش ممكن ندخل فى حلف إلا الحلف الذى يضم الدول العربية وحدها. وكنت باقول لهم - وهذا الكلام موجود يمكن فى محاضر المفاوضات - إذا دخلنا فى حلف مع بريطانيا هل ستستطيع مصر أن تملى إرادتها على بريطانيا؟ بل هل ستستطيع مصر أن يكون لها رأى بجانب بريطانيا؟ وإذا قعدنا على ترابيزة واحدة وكان فيها "مستر إيدن" بيمثل بريطانيا العظمى واحنا بنمثل مصر، ازاى تتحالف دولة كبرى مع دولة صغرى زينا؟! هذا لن يكون حلف ولكنه يكون تبعية. وكنت باقول لهم إن دى تبعية، ونحن لا نقبل أن نكون تابعين.. نستطيع أن نتعاون معكم معاونة الند للند، نستطيع أن نتفاهم، نستطيع أن نكون أصدقاء، ولكنا لا نقبل أبداً أن نكون أذيال أو نكون تابعين.
ابتدينا فى سنة ٥٢ نتكلم على تموين الجيش المصرى بالأسلحة، وقلنا لهم عايزين تبينوا إنكم أصدقاء ادونا السلاح اللى احنا عايزينه.. ما بنشحتش منكم.. مستعدين ندفع تمن هذا السلاح، قالوا لنا: ما نديكمش سلاح إلا إذا وقعتوا معنا ميثاق الأمن المتبادل.
تعرفوا ميثاق الأمن المتبادل معناه إيه؟ معناه انه تيجى بعثة أمريكية تقعد فى مصر هنا تمشى أمور الجيش المصرى، وعبد الحكيم عامر ما يبقالوش دعوة بالجيش المصرى؛ دا ميثاق الأمن المتبادل.
إنجلترا خرجت من مصر وهى تعتقد.. وهى تؤمن ألا وجود لها فى مصر؛ لأن شعب مصر قد استيقظ، ولأن شعب مصر قد آلى على نفسه أن يحقق لها الحرية فى الحياة، ولأن شعب مصر آلى ألا تكون سيادة فى مصر إلا لشعب مصر، ولأن شعب مصر آلى ألا يرتفع فى سماء مصر إلا علم مصر.
الاستعمار - يا إخوانى - له أشكال مختلفة.. الاستعمار له أشكال متلونة.. الاستعمار أول ما بدأ كان يتمثل فى الاحتلال بالقوات المسلحة، وبعد هذا أخذ يتطور ويتطور ويتطور. النهارده الاستعمار بيتمثل فى أعوان الاستعمار.. الاستعمار بدون جنود، وبدون قوى مسلحة بيستطيع أن يحقق مآربه، ويستطيع أن يحقق أغراضه بواسطة أعوانه من الخونة الذين يتواجدون فى كل بلد.. وبيتواجدوا ويأخذوا منه السلطة ويأخذوا منه النفوذ، وبعدين يستولوا على السلطة فى البلد دى، وتكون البلد دى تابعة له وتحت إرادته بدون قوة مسلحة، وبدون احتلال، وبدون أسلحة. الاستعمار كان بيتلون ويتشكل.
دخلنا معارك فى مصر، والعرب دخلوا معارك فى خارج مصر.. فيه معارك فى الوطن العربى كله.. الاستعمار عاون فرنسا فى الجزاير وفى تونس وفى مراكش. قوات حلف الأطلنطى؛ اللى عملوها وسلحوها، وبقى لهم خمس سنين بيسلحوا فيها - واللا أكتر من خمس سنين - وبيصرفوا عليها بلايين الدولارات، كلها انتقلت من أوروبا إلى شمال إفريقيا؛ لتقاتل الناس اللى بيطالبوا بحقهم فى الحرية، وبيطالبوا بحقهم فى تقرير المصير.. الناس اللى بيطالبوا بحقهم فى الحياة. أمريكا زعيمة العالم الحر تؤيد فرنسا المستعمرة فى تقتيل الجزائريين فى الجزائر، بريطانيا تؤيد.. الدول اللى بتنادى بنفسها وبتقول: ان احنا زعماء العالم الحر، وان احنا اللى بنتمنى الحرية.. احنا اللى بنتمنى الحرية وبنتمنى تقرير المصير، الدول اللى عملت ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، الدول اللى عملت إعلان الأطلنطى.. أعلنه "روزفلت": لكل شعب أن يقرر مصيره.. ولكل شعب أن يكون حر..
هذه هى المعارك اللى احنا بندخل فيها.. ما نقدرش نقول معركة الجزائر دى مش معركتنا، وما نقدرش نقول إن معركة الأردن فى ديسمبر ماكانتش معركتنا، وما نقدرش نقول إن معارك الأحلاف مش معاركنا؛ لأن احنا إذا قلنا هذا نتنكر لعروبتنا، ونتنكر لقوميتنا، ونتنكر لنفسنا، ونتنكر لمصريتنا؛ لأن مصائرنا مرتبطة.. مصيرى هنا مرتبط بمصير أخويا فى الأردن، وأخى فى لبنان وفى سوريا وفى كل بلد، وفى السودان مصائرنا مرتبطة. احنا اتخلقنا كده فى هذا المكان من العالم، مصائرنا تؤثر على مصائر البعض.. مصير كل واحد فينا يؤثر على مصير الآخر، ما نقدرش نقول أبداً إن دى مش معاركنا.. هذه معاركنا.. معارك كل فرد فيكم.. معارك كل فرد من أبناء العروبة.
عرب فلسطين اللى شردوا، حقوق شعب فلسطين؟ يقول لك: ندفع لهم شوية فلوس. مش كل واحد يبيع بلده بالفلوس.. فلسطين دى بلد قديمة لها آلاف السنين.. يمكن انتم بلدكم بقى لها ١٠٠ سنة أو ٢٠٠ سنة بس، عمرها صغير مالهاش تاريخ طويل. احنا بنعتز بأرضنا وبنعتز بهذه العروبة وبنعتز بوطنا.. وطن الواحد فينا وأرضه لا تقدر بتمن ولا تقدر بمال، ولكن انتم يمكن بتنظروا نظرة مادية.. احنا ما ننظرش للأمور - كشرقيين - هذه النظرة المادية.. احنا يمكن عندنا النظرة المعنوية تساوى أكبر مبلغ يمكن واحد يتصوره.
كانوا عايزين مننا طبعاً ان احنا نسلم لإسرائيل بكل شىء، ونهمل حقوق عرب فلسطين ولا نتجه إليها، وعايزين مننا طبعاً ان احنا نتنكر لإخواننا فى شمال إفريقيا، ويمكن أكتر من كده عايزينا نوافق زى مجلس الأمن ما وافق.. مجلس الأمن من أسبوعين - اللى بتسيطر عليه هذه الدول الكبرى - وافق واعترف، وأقر قيام المذابح والمقصلة فى الجزائر؛ لأنه رفض انه يناقش موضوع الجزائر فى مجلس الأمن؛ كانوا عايزينا نتبع هذه الطريقة ونتبع هذا الأسلوب.. عايزينا ننفذ السياسة التى تملى علينا
أما قامت مصر وأرادت أن تكون لها الشخصية المستقلة، وأرادت أن تكون لها قومية حقيقية وعزة حقيقية وحرية حقيقية؛ منع عنا السلاح واتسلحت إسرائيل، وبدأ خطر إسرائيل يهددنا. ابتدينا نطالب بالسلاح من بريطانيا، وراحت بعثة لبريطانيا تطالب بالسلاح، قالوا لهم إيه؟ مستعدين نديكم سلاح على شرطين؛ الشرط الأول ان عبد الناصر أما يسافر باندونج يسكت خالص ما يتكلمش! والشرط التانى انكم تبطلوا تهاجموا سياسة الأحلاف وتسيبونا ننفذ خطتنا زى ما احنا عايزين. ما بقتش العملية بيع وشرا، بقت العملية استخدام السلاح للسيطرة والتحكم
وبعدين استطعنا ان احنا نشترى سلاح من روسيا.. باقول من روسيا مش من تشيكوسلوفاكيا.. من روسيا.. اتفقنا مع روسيا على انها تمدنا بالسلاح، ووافقت روسيا على أن تمدنا بالسلاح، وتمت صفقة الأسلحة، وبعدين حصلت ضجة كبرى.. إيه الغرض من الضجة دى؟ بيقولوا: دا السلاح الشيوعى، مش عارف أنا فيه سلاح شيوعى وسلاح غير شيوعى؟! أنا أعرف السلاح اللى ييجى هنا فى مصر يبقى سلاح مصرى
ومين اللى قوم إسرائيل فى هذه المنطقة؟ مين اللى كان ماسك الانتداب على فلسطين؟ مين اللى كان قائم بالانتداب على فلسطين؟ مين اللى سلمته عصبة الأمم - بعد الحرب العالمية الأولى - حق الانتداب على فلسطين؟ بريطانيا، مين اللى ادى وعد "بلفور" سنة ١٧؟ بريطانيا، مين اللى سبب نكبة أهالى فلسطين بأنه سمح للصهيونيين انهم يتسلحوا والعرب انهم ما يتسلحوش؟ بريطانيا؛ لأنها هى اللى كانت قائمة بالانتداب، وكانت تعلم أن هناك منظمات إرهابية، وتعلم أن هناك منظمات مسلحة، وتعلم أن فى داخل إسرائيل جيش اسمه جيش "الهاجناه" مسلح بأسلحة حديثة، وحيقوم علشان يستولى على فلسطين، ويقضى على العرب قضاءاً كاملاً
ما حدث فى فلسطين كان عملية إبادة، ولم تكن هذه العملية تهدف إلى إبادة فلسطين فقط؛ ولكنها كانت تهدف إلى إبادة القومية العربية جميعاً.. كانت تهدف إلى القضاء على القومية العربية، وكان الصهيونيون يعلنون دائماً أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات، وكان الصهيونيون - لغاية وقت قريب - بيقولوا: ان احنا عايزين نستأنف حرب التحرير لنحرر سينا - يحرروا سينا من مصر! - ونحرر الأردن من العرب، ويحرروا جزء من العراق.. بيقولوا هذا الكلام، وبيقولوه فى البرلمان بتاعهم.. بيقولوا عايزين نكمل حرب التحرير.
جبنا السلاح، وتعاقدنا على هذه الأسلحة، وأحب أن أقول لكم احنا نؤمن بمبادئ؛ كانت هذه الأسلحة بدون قيد ولا شرط، ندفع تمنها بس.. مافيش أى قيد، مافيش أى شرط، وهذه الأسلحة اليوم أصبحت ملك لنا.
قررنا ألا نبدأ فى السد إلا بعد أن نعلم كل العلم كيف سيمول السد، بعد ما نتفق مع البنك الدولى اتفاق نهائى، وبعد ما نتفق على اتفاقية الميه، وبعد ما نمول مواردنا، وقبل ما نبتدى فى الطريق نعرف ازاى حننتهى. وفى فبراير الماضى أوقفنا هذا العمل كله، ومدير البنك الدولى بعت لنا جواب.. طبعاً هذا الجواب ليس له قيمة، وأنا من هذا الوقت باعتبر ان هذا الجواب مالوش قيمة؛ لأنه جواب بيقول: ان أنا حاشترك معاكم بـ ٢٠٠ مليون دولار بعد حل الميه مع السودان، الفلوس تاخدها على أقساط بمفاوضات بين البنك وبينكم. لكن طبعاً هذا الجواب مافيش بنك يصرفه.. ليس له أى قيمة، والأيام اللى فاتت دى أثبتت طبعاً انه مالوش أى قيمة وليس له أى اعتبار. رغم هذا قررنا ان احنا نوقف وما نبتديش لغاية ما نعرف الطريق السليم، وبعدين الجواب اللى بعته لنا البنك الدولى ماكانش فيه أى حاجة تمس سيادتنا، أو سيطرة على ماليتنا، أو كلام من دا فقبلنا هذا الجواب
مصر والسودان اتخلقوا بهذا الشكل، مربوطين فى بعض ماحدش حيقدر يفصلهم أبداً، موجودين من أول الخليقة حتى الآن؛ مصر فى الشمال والسودان فى الجنوب. مافيش دولة منهم حتعزل حتروح أمريكا الشمالية ولا أمريكا الجنوبية، قاعدين هنا إلى أبد الآبدين، دا كلام يعنى طبيعى، موضوع مفروغ منه، هم دخلهم إيه؟! ولكن حب الوصاية، وحب التحكم، وحب السيطرة، وإثارة النفوس، وإثارة المنازعات، وخلق البلبلة.
وابتدأت أنظر إلى "مستر بلاك" - اللى هو قاعد على الكرسى - وكنت أتخيل ان أنا قاعد وقاعد قدامى "فرديناند ديلسبس"، رجع بى التفكير إلى الكلام اللى كنا بنقراه سنة ١٨٥٤
احنا النهارده بنبنى بلدنا بناء قوى سليم جديد، وفى نفس الوقت حينما نتجه إلى الخلف إنما نتجه لنقضى على آثار الماضى؛ آثار الماضى البغيض اللى ترتبت على السيطرة علينا، آثار الماضى البغيض اللى حصلت غصب عننا، آثار الماضى البغيض اللى عملوها المستعمرين خداعاً وتضليلاً.
النهارده قنال السويس - أيها الإخوة - اللى احنا مات من أبنائنا فيها ١٢٠ ألف حفروها بالسخرة، دفعنا فى تأسيسها ٨ مليون؛ قناة السويس اللى أصبحت دولة داخل الدولة، اللى ذلت الوزرا والوزارات وكانت تعصى على كل واحد، هذه القناة قناة مصرية، شركة مساهمة مصرية، اغتصبت بريطانيا مننا حقنا فيها الـ ٤٤% من أسهم الشركة، ويا ريت اديتنا فلوس، خدتهم وخدت عليهم فلوس، ولازالت بريطانيا من وقت افتتاح القنال حتى الآن بتاخد قصاد الـ ٤٤% دول فوايد، الدول كلها بتاخد فوايد، والمساهمين بتاخد فوايد، ودولة داخل الدولة، وشركة مساهمة مصرية!
مش عيب أبداً ان أنا أبقى فقير وأحاول استلف وأبنى بلدى، أو أحاول أن أجد مساعدة لأبنى بلدى، ولكن العيب ان أنا أمتص دماء الشعوب وأمتص حقوق الشعوب.. دا العيب.
احنا لن نكرر الماضى أبداً، ولكن سنقضى على الماضى؛ سنقضى على الماضى بإننا نستعيد حقوقنا فى قنال السويس. هذه الأموال أموالنا، هذه القنال ملك لمصر؛ لأنها شركة مساهمة مصرية، حفرت قنال السويس بواسطة أبناء مصر، ١٢٠ ألف مصرى ماتوا وهم بيحفروها.
شركة قنال السويس - اللى قاعدة فى باريس - شركة مغتصبة؛ اغتصبت امتيازاتنا.. "ديلسبس" أما جا هنا كان جاى زى ما جا "بلاك" علشان يتكلم معايا، نفس العملية.. التاريخ لن يعيد نفسه، بل بالعكس حنبنى السد العالى، وسنحصل على حقوقنا المغتصبة.. حنبنى السد العالى زى ما احنا عايزين، حنصمم على هذا.. ٣٥ مليون جنيه كل سنة بتاخدها شركة القنال.. ناخدها احنا، ١٠٠ مليون دولار كل سنة بتحصلها شركة القنال لمنفعة مصر.. نحقق هذا الكلام، يبقى الـ ١٠٠ مليون دولار نحصلهم احنا لمنفعة مصر برضه
أيها المواطنون - حينما نبنى السد العالى نبنى أيضاً سد العزة والحرية والكرامة، ونقضى على سدود الذل والهوان، ونعلن مصر كلها جبهة واحدة.. كتلة وطنية.. متكاتفة.. متحدة.. مصر كلها ستقاتل لآخر قطرة من دمائها.. كل واحد من أبنائها زى ما قلت لكم - زى صلاح مصطفى وزى مصطفى حافظ - كلنا سنقاتل لآخر قطرة من دمائنا فى سبيل بناء بلدنا، وفى سبيل بناء مصر. لن نمكن منا تجار الحروب، لن نمكن منا المستعمرين، لن نمكن تجار البشر، سنعتمد على سواعدنا وعلى دماءنا وعلى أجسامنا.
قرار من رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية
مادة ١: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات،
مادة ٢: يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس مرفق عام ملك للدولة.. يتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية،
مادة ٣: تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها فى جمهورية مصر وفى الخارج، ويحظر على البنوك والهيئات والأفراد التصرف فى تلك الأموال بأى وجه من الوجوه، أو صرف أى مبالغ أو أداء أية مطالبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٤: تحتفظ الهيئة بجميع موظفى الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين، وعليهم الاستمرار فى أداء أعمالهم، ولا يجوز لأى منهم ترك عمله أو التخلى عنه بأى وجه من الوجوه، أو لأى سبب من الأسباب؛ إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها فى المادة الثانية.
مادة ٥: كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازى ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة. وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن، فضلاً عن حرمانه من أى حق فى المكافأة أو المعاش أو التعويض.
مادة ٦: ينشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية، ويكون له قوة القانون، ويعمل به من تاريخ نشره، ولوزير التجارة إصدار القرارات اللازمة لتنفيذه
أيها المواطنون:
إننا لن نمكن المستعمرين أو المستبدين.. إننا لن نقبل أن يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى.. إننا قد اتجهنا قدماً إلى الأمام؛ لنبنى مصر بناء قوياً متيناً.. نتجه إلى الأمام نحو استقلال سياسى واستقلال اقتصادى.. نتجه إلى الأمام نحو اقتصاد قومى من أجل مجموع هذا الشعب.. نتجه إلى الأمام لنعمل، ولكنا حينما نلتفت إلى الخلف إنما نلتفت إلى الخلف لنهدم آثار الماضى.. آثار الاستبداد، آثار الاستعباد، آثار الاستغلال، آثار السيطرة، إنما نتجه إلى الماضى لنقضى على جميع آثاره.
واليوم - أيها المواطنون - وقد عادت الحقوق إلى أصحابها.. حقوقنا فى قناة السويس عادت إلينا بعد مائة سنة، اليوم إنما نحقق الصرح الحقيقى من صروح السيادة، ونحقق البناء الحقيقى من أبنية العزة والكرامة.
وكما قلت لكم منذ قليل ليس عيب أن أكون فقيراً أو أن أعمل على بناء بلدى، ولكن العيب امتصاص الدماء.. كانوا يمتصون الدماء، يمتصون حقوقنا ويسلبونها.
واليوم حينما نستعيد هذه الحقوق، أقول باسم شعب مصر: إننا سنحافظ على هذه الحقوق ونعض عليها بالنواجذ.. سنحافظ على هذه الحقوق ودونها أرواحنا ودماءنا.. إننا سنحافظ على هذه الحقوق؛ لأننا نعوض ما فات. إننا حينما نبنى اليوم صرح العزة والحرية والكرامة، نشعر أن هذا الصرح لا يمكن أن يبنى أو يكتمل اكتمالاً إلا إذا قضينا على صروح الاستبداد والذلة والمسكنة، وقد كانت قنال السويس صرحاً من صروح الاستبداد، وصرحاً من صروح الاغتصاب، وصرحاً من صروح الذل.
اليوم - أيها المواطنون - نقول: هذه أموالنا ردت إلينا.. هذه حقوقنا التى كنا نسكت عليها عادت إلينا
والآن - وأنا أتكلم إليكم - يتجه إخوة لكم من أبناء مصر ليديروا شركة القنال، ويقوموا بعمل شركة القنال، الآن.. دلوقت.. بيستلموا شركة القنال.. شركة القنال المصرية.. مش شركة القنال الأجنبية.. قاموا دلوقت ليستلموا شركة القنال، ومرافق شركة القنال، ويديروا الملاحة فى القنال.. القنال اللى بتقع فى أرض مصر، واللى بتخترق أرض مصر، واللى هى جزء من مصر، واللى هى ملك لمصر، يقوموا الآن بهذا العمل؛ لنستعوض ما فات، ولنستعوض الماضى، ولنبنى صروحاً جديدة فى العزة والكرامة. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.