
ظل في الممر (الجزء الاول)
في ليلة شتوية باردة، كانت “ليلى” تجلس على مكتبها الصغير في غرفتها، تكتب آخر فصول روايتها الأولى. كانت الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل، والبيت صامت إلا من صوت الرياح وهي تصفع النوافذ.
فجأة، سمعت صوت خطوات بطيئة قادمة من الممر الطويل المؤدي إلى غرفتها. توقفت عن الكتابة، وتطلعت ناحية الباب المغلق. قلبها بدأ يخفق، لكنها حاولت إقناع نفسها أن الأمر مجرد وهم أو صوت الريح.
مرت دقائق، وعادت لتكتب، لكن الخطوات تكررت، هذه المرة أقرب… وأقرب. مدّت يدها نحو مقبض الباب وفتحته ببطء. الممر مظلم، إلا من ضوء خافت يتسلل من النافذة في آخره. لم تجد أحدًا.
عادت إلى مكتبها، لكن شيئًا باردًا لامس كتفها. التفتت بسرعة… لا أحد. حاولت أن تضحك على نفسها وتواصل الكتابة، لكن عينها وقعت على صورة قديمة على الجدار، كانت لجدتها التي توفيت منذ عشر سنوات. الغريب أن ملامح الجدة في الصورة بدت وكأنها تبتسم الآن، رغم أنها في الأصل كانت صورة عابسة.
شعرت ليلى برعشة تسري في جسدها، وقررت مغادرة الغرفة. عندما خرجت إلى الممر، لاحظت أن باب المخزن الصغير في نهايته مفتوح قليلًا، مع أنها متأكدة أنها أغلقته صباحًا. دفعت الباب بحذر، فوجدت بداخله صندوقًا خشبيًا صغيرًا لم تره من قبل.
فتحته، فوجدت داخله مذكرات قديمة، وأوراقًا صفراء مكتوب عليها بخط يد الجدة. قرأت الجملة الأولى:
"إذا وجدتِ هذه الأوراق، فاعلمي أن السر أصبح بين يديك… ولا تدعي أحدًا يعرف الحقيقة."
قبل أن تكمل القراءة، سمعت الصوت مرة أخرى خلفها، لكن هذه المرة كان واضحًا وقريبًا جدًا…
همسة باردة قالت: "أغلقي الصندوق… الآن.
تجمدت “ليلى” في مكانها وهي تمسك المذكرات بيد مرتعشة. الكلمات التي قرأتها للتو كانت تدوي في عقلها:
“السر أصبح بين يديك… ولا تدعي أحدًا يعرف الحقيقة.”
أغلقت الصندوق بسرعة، لكن قبل أن تنهض، شعرت بأن الهواء في الغرفة أصبح أثقل، وكأن شيئًا غير مرئي يملأ المكان. التفتت ببطء نحو الممر، فرأت شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقها.
في آخر الممر، تحت الضوء الخافت، كانت تقف امرأة عجوز بملامح تشبه جدتها تمامًا… لكنها لم تكن تتحرك. عيناها كانتا سوداوتين بالكامل، بلا بياض، تحدقان فيها بصمت مخيف.
تراجعت ليلى للخلف حتى اصطدمت بالطاولة، فسقطت المذكرات على الأرض وتناثرت صفحاتها. من بين الصفحات، انزلق مفتاح نحاسي قديم، غامق اللون، وكأنه لم يُفتح به شيء منذ سنوات طويلة.
وقبل أن تلتقطه، انطفأ الضوء فجأة، وعم الظلام المكان، إلا من ضوء القمر الذي يتسلل من النافذة. كانت خطوات العجوز تقترب… بطيئة، لكن كل خطوة كانت تُشعر ليلى وكأن قلبها يتوقف لحظة.
مدّت يدها تبحث عن المذكرات والمفتاح في الظلام، لكنها شعرت بيد باردة تلامس يدها. شهقت بصوت مرتفع، لكنها لم تجد شئ