معركة صنعت أسطورة الدولة العثمانية وانهارت فيها أوروبا معركة موهاكس
سبب المعركة: تصاعد التوتر بين الدولة العثمانية والمجر

كانت مملكة المجر بقيادة الملك الشاب لايوش الثاني تعدّ خط الدفاع الأول لأوروبا المسيحية ضد العثمانيين.
وكانت المجر تتمتع بدعم مباشر من:
- الإمبراطورية الرومانية المقدسة
- مملكة بوهيميا
- دوقية النمسا
- الفاتيكان
- فرسان الدانوب
كانت أوروبا كلها تخشى تمدد الدولة العثمانية في البلقان، خصوصًا بعد سقوط القسطنطينية وفتح بلغراد.
وفي عام 1525م، أرسل السلطان سليمان القانوني مبعوثًا إلى الملك المجري يطالبه باحترام الاتفاقيات السابقة.
لكن المبعوث قُتل بطريقة مستفزة، وبتحريض مباشر من بعض رجال الكنيسة الذين أرادوا إشعال حرب شاملة ضد العثمانيين.
كان قتل المبعوث بمثابة إعلان حرب رسمي.
هيا نرى استعداد الدولة العثمانية للحملة
جهز السلطان سليمان جيشًا ضخمًا ومدربًا بدقة.
ووفقًا للمصادر العثمانية (مثل كتاب "تاريخ الدولة العثمانية" ليِلماز أوزتونا ( 100000 جندي 300 – 350 مدفعاً 800 سفينة نهرية وبحرية )
- طلائع من الإنكشارية وفرسان السباهية
- وحدات المهندسين العسكريين (اللازقية)فرق متخصصة لشق الطرق وبناء الجسورقطع الجيش العثماني مسافة تزيد على 1000 كم في ظرف أسابيع قليلة، وهي مسيرة تُعدّ في ذلك الزمن عملاً عسكريًا خارقًا.
وخلال تقدّم السلطان:
- فتح قلعة بلغراد ( قبل الحملة بسنوات لكنها كانت نقطة تحرك رئيسية)
- سيطر على عدة قلاع مجرية على الطريق
- أنشأ الجسور على الأنهار الكبرى مثل نهر الدانوب
- نظم مخازن الغذاء والتموين على طول الطريق
ولم يخض العثمانيون المعركة إلا بعد تأمين خط الإمداد كاملاً.
وكيف استعدت أوروبا للحرب
على الجانب الأوروبي، كان الملك لايوش الثاني مدعومًا من:
- الفرسان المدرعون (القوات الثقيلة)
- مرتزقة ألمان
- قوات نمساوية
- قوات تشيكية
- الخيالة الخفيفة الكرواتية
- وحدات مجرية من النبلاء
بلغ تعداد الجيش المجري–الأوروبي ما بين 70000 – 100000 مقاتل بحسب المؤرخين الأوروبيين (بابنجر، جوهان هامر).
وكانت أهم نقطة قوة لديهم:
الفرسان المدرّعون بالكامل الذين يشكلون رأس الحربة الأوروبية.
هؤلاء الفرسان كانوا يتقدمون في كتلة واحدة ويعتمدون على اختراق الصفوف ثم التنكيل بالجيوش.
وكانت أوروبا تعتقد أنّ قوتهم ستتفوق على أي تكتيك عثماني.
تكتيك السلطان سليمان القانوني العبقري
وصل سليمان إلى سهل موهاكس، وهو أرض منخفضة، مستنقعية، لا تناسب حركة الفرسان الثقيلة.
لكن المجريين لم يعرفوا طبيعة الأرض جيدًا.
رتّب السلطان جيشه في ثلاثة خطوط:
- الإنكشارية في المقدمة، خلف متاريس ترابية مدعمة
- السباهية (الفرسان العثمانيون) على الجناحين
- المدفعية الثقيلة في المؤخرة، مموّهة بالكامل حتى لا يلاحظها المجريون
كانت الخطة مبنية على:
- امتصاص الصدمة الأولى
- انسحاب تكتيكي محسوب
- جرّ الجيش المجري إلى النقطة القاتلة
- إطلاق المدفعية من مسافة قريبة جدًا
وهي الخطة نفسها التي ستُستخدم لاحقًا في معركة فيينا الأولى.
لنرى كيف اندلعت المعركة
في عصر يوم 29 أغسطس، شنّ الجيش المجري هجومًا شاملًا دون انتظار القوات المتحالفة من النمسا.
كان هذا خطأ كارثيًا.
اصطدم الفرسان المدرعون بالإنكشارية الذين صمدوا ساعة كاملة كما أُمروا، ثم بدأوا بالانسحاب المنظم.
ظنّ المجريون أن الجبهة انهارت، فاندفعوا بكل قوتهم داخل الفراغ.
هنا بدأت المأساة.
مع الفخ العثماني
ما إن اخترق الفرسان المجريون الصف الأول، حتى وجدوا أنفسهم في منطقة ضيقة موجهة بالكامل نحو المدافع العثمانية.
وفي اللحظة التي أعطى فيها السلطان الإشارة…
فتحت المدفعية العثمانية نيرانها من مسافة قاتلة.
تصف المصادر الأوروبية المشهد بأنه:
“تحولت السهول إلى بحر من النار والحديد، وسقط الفرسان كأشجار تُقطع من جذورها.”
أصابت المدافع العشرات في كل طلقة بسبب تراص الفرسان.
ومن هول الضربات:
- انهارت صفوف كاملة
- غرق الآلاف في المستنقعات
- سقط الملك لايوش الثاني عن حصانه أثناء الهرب، وغرق في النهر
لم تستمر المقاومة الأوروبية بعد الضربات الأولى.
تحول الهجوم إلى انهيار شامل خلال 120 دقيقة فقط.
النتائج الحقيقية للمعركة
وفق المصادر التاريخية الموثوقة:
خسائر أوروبا
- 20000 - 25000 قتيل
- آلاف غرقوا في نهر الدانوب
- مقتل الملك لايوش الثاني
- مقتل معظم قادة الجيش
- أسر آلاف الجرحى
انهارت مملكة المجر بالكامل خلال أيام بعد المعركة.
خسائر العثمانيين
- 1,500 شهيد 300 جريح
- لم يفقد الجيش قدرته القتالية أبداً
لماذا تشوهت صورة الدولة العثمانية بعد هذه المعركة؟
بعد موهاكس أصبحت المجر ولاية عثمانية لمدة 150 عامًا.
ودخلت أوروبا في مرحلة سمّتها الكتب الأوروبية “العصور العثمانية”.
وبسبب الغضب الأوروبي من هذه الهزيمة:
- ظهر في القرن 19 مصطلح “الرجل المريض”
- بدأت سردية “الاحتلال العثماني”
- تجاهلت أوروبا إصلاحات العثمانيين
- ضخموا أي سلبيات لإخفاء تاريخهم الأسود مع موهاكس
باختصار:
موهاكس كانت جرحًا لا يندمل… فأرادت أوروبا الرد بتشويه التاريخ.
وختاماً : معركة موهاكس ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل زلزال تاريخي هزّ أوروبا، وغير خريطة القارة بأكملها.
هي معركة تُدرّس حتى اليوم في الأكاديميات العسكرية كنموذج للتخطيط العبقري، وفهم الأرض، وإدارة المعركة بأعلى دقة.
وهي أيضًا السبب الرئيسي في كثير من الكراهية الأوروبية القديمة للعثمانيين.