حقائق عارية في الظلام

حقائق عارية في الظلام

0 reviews

لو أُنصِف اللائي لن يقرأن

لو أُخرِج لهن صوتًا في هوسِ السكوتِ هذا!.

 

الذكريات التي تذهبُ وتعود كامرأةٍ قلقة

هزيمةُ اللحنِ لآلته

خشبةُ المسرح للممثلِ

والحريرُ لدودةِ القز!..

 وحده الدَّف مَنْ تَرّجل مُتعلِّمًا التعبير عن فرحه وكرهه، وأنا التي تبحث عن ذاتها بين أشلائها زاعمةً بأن شملها ملوم!.

ما عادت تكفي عُقد الثوبِ والسِبح التي أعددتها.. اليوم، أزُّف إليك حُزني مُخضّب الكفين، يرتدي ثوب الحِداد، ها أنت الآن تعطي القشّة الحقّ بأن تقسم ظهر البعير بينما كان بإمكانكَ وهبها فكرة أن تكون أملاً للغريق، تقتلني أنا لتُحي مبادئك؟!.

-قال حكيمٌ ذات مرّة: تكمن لذِةُ الأشياء في شفافيتها. ترصدت الأفكار في رأسي، شفافيةٌ لا يراها سِوانا، أن نكون بمثابةِ أرضٍ قِيعة تُرى أفكارنا ذواتِ القرون التي قُطِع "رحطها" سرابًا، غير مُتيقَّن من حقيقتها عِدانا. 

-اُخرجي من البابِ الأمامي يا بُنيّتي، إنهم أجبن من المواجهة، وأحقُّ بالغدر، وإن تلثمتي عرفوك؛ فهذه طرقهم، وبايعي حقوقكِ، واِتخذّي الطيّب خليلًا.

مشيتُ بجانبِ الحائط خافيةً لرعشتي، أضمُّ يداي إلى صدري، تشهدُ جوانبي الأخرى ضلالي، كنتُ أدعو للمرّة الأولى بالحياة، ألّا يدهسني غروري، ألّا يطفح طموحي فوق سطح توقعاتي، صعقتُ عند رؤيتي شابًا يعترض طريقي، واريتُ نِصف وجهي، خبأتُ فمي الذي شُلّ فكّه السفلي بشالي، طأطأت رأسي، همهمت وقد ثقُل القِرط على أذني بالطريقة التي ثقل بها هروبي، فسقط!.

-ثقيلٌ على أذنك، خفيفةٌ على قلبي كريشة!..

 تبسّمت على استحياء -إنها المرة الأولى التي تنصفني فيها ملامحي-:

-الريشُ يا سيدي يتركُ للنسيمِ ليحملُ..

-محطةُ القطارِ| 1 سبتمبر

9:30 صباحًا

اطمأَنّ قلبي عند رؤيتي وجوه الغرباء وقد سآءني ذلك؛ إذ كنتُ أخشى خرائطًا مجهولة المعالم، تدافعتُ وسط مئاتِ البشر لأصل إلى نافذةِ التذاكر، يُذكّرني عزمي هذا بالحقوقِ السرابية التي مددتُ يدي نحوها.

قررتُ الإرتحال إلى المدينة، المكان الذي يقصده التُجّار ومحافظي القُرى، والرُحّل، ونقيضةٌ مثلي تُسافِر هربًا لا غاية. 

-جربتُ الإنشغال عن خوفي، لو أتماثل لكتلة تسدُّ فوهة الاحتمالات، لو نقوم اليوم بقتلِ المبادئ التي لا تُنصِف الجميع، المبادئ التي أشعلت طرف ثوبي وأمرتني بالركض بدلًا عن خلعه واِستبداله، المبادئ التي تخافُ على نفسها وتدهسني تحت مُسمى عُرف!.

-‏لأولِ مرّة أخشى على العالم من طلّتي، أختبئ بين الحشودِ، وأتنازل عن المقعد المجاوِر للنافذة، خفتُ أن أُقدِّم للحياةِ وجهٌ مصفوع، أحلامٌ منتهية الصلاحية، وبالٌ شارد، وشكاوى للحياةِ من الحياة، حشرتُ نفسي داخل خزانة أفكاري، دسستُ ذلّاتي باحترافيةٍ داخل مذكراتي، كشفتُ عن جيشي الذي نظَّمته من هواني، تزعَّمت خيبتي الأمر لتطعن فيمن خلّفوها، ولأولِ مرة حاولت الانشغال بالكتابة

-إن وأدوكِ ما ماتت الفكرة، أنتِ مَنْ أورثتهم التمرد…

لم أكن أعلم شيئًا عن حقيقةِ الأمر، ولم أود الفجور حقًّا -كما وصفوه- تمنيتُ لو يُدافِع عني أمام الأقارب شاهرًا غضبه في وجهِ كل مَنْ يتهمني بالساخطة، لكنها غدرُ المناخات!.

المقطورةُ التاسعة

12:00 ظهرًا

-التخلّي، التخّلي، عليكِ التخلّي!. 

نساءٌ مع أزواجهن، أطفالٌ يصرخون بطريقةٍ مزعجة يشوبها التذمر، شبّانٌ ببذلاتٍ باهظة، ربطةُ عنقٍ معقودة بإحكام ورباطُ مبادئهم محلول، العالم المُنصِف!.

جاورتُ فتاةً قتلت عندي فكرة أن النساء اللائي يُسافرن وحدهن، في الأصلِ نساءٌ هاربات، شعرتُ بأنّها تمتلك إجاباتٍ كافية عن تساؤلاتِي المذعورة.

-طاب يومك، أتسأئلُ عن مدةِ الرحلة..

-مرحبًا، يومان بالكثير، أتسافرين وحدك؟ 

-أظن ذلك، إن ضلّوا الطريق..

بعد أن بدوت كهاربة حقيقة، رحتُ أُكحِل فضولها، أو أنني حاولت أن أُبرئ نفسي، حتى إذا ما أُغلقَت الوِجهاتُ في وجهي، سأطمئن لأن جزءًا من الخارطةِ لم يخني:

-حالي حالُ الدخائل التي يستنكرها الناس، يشعرون بالفُجرِ إن سمحوا لها بالتسللِ، كنتُ أنا التي ملّت جمودها ومكوثها بين جدران المنزل أو حقول المزرعة، وددتُ إسترجاع حقٍّ من حقوقٍ مسلوبة، ثمّة عُرف نشأ عليه الجميع هناك وهو إمتناعُ النساء عن التعلم، اختيار أزواجهن، وقول آرائهن، لا يُنصفن، يُعرضن للضرب والشتيمة، يؤمرن بتلبيةِ احتياجات أزواجهن وأطفالهن والبيت، ثم ينتهي الأمر بخيانتهن كردٍّ للجميل، ولا يَسألن عن السبب بحكمِ النقص المؤصل أو لنقُل الذي تمّ تأصيله فيهن، لنعش على أنقاضِ حقوق، صدقيني أنا لا أطالب بالتسوية في الحقوق بين الرجل والمرأة، وإنني لامرأةٌ سويّة تستنكرُ التسوية فيمَ بيننا، وتعترف بالقوامة، جُلّ ما أريده أن أتمتع بحريةٍ تمنحني حقوقي العادية، التعليم، حقّ القبول أو الرفض، قد ترينها حقوق بدائية جدًا لكن هذا ما نحن عليه.

-‏أعتقد أن مثل هذه القيود تُحلّ بالمواجهة والنقاش أكثر من الهرب، لا أتهمك بالضعف، لكنه ليس باختيارٍ سليم، ستكون ردة الفعل إتجاهك عدائية جدًا، ولن تستطيعي الخلاص، أناسُ يرون التسلل إلى الدراسة جريمة، كيف سيحكمون على الهروب؟.

-تتكلمين عن أمورٍ لم تجربيها -عافاكِ الله- بسلاسة، إن العقل الذي يحكم على الأشياءِ بظاهرها ويستعمل الحِدّة دون أن يتيقن صلاحُ الأصلِ، لن يحتمل ليونة النقاش، وسيرى في خضوعي اعترافًا بخطأٍ لم ارتكبه، المشكلة ليست في ظاهرِ الأمر -الدراسة- بل في أصله -مَن أتلقى عنده العِلم- يظنون بأنني على علاقةٍ معه، رغم أنني أتلقى العِلم مع جماعةٍ ومن وراءِ حِجاب، أمّا ما يُثير غيظي أنهم لا يستنكرون أفعال الشُبّان الذين  يعترضون طرقنا ولا يردعونهم حتى!.

-المدينة| محطة القطار 

3 سبتمبر 12:30 ظهرًا

لم أستطع خذلان نفسي، نجوتُ بها من كلِّ الظروف، بدوت  كهاربةٍ خرقاء ماهرة، لكنني نجحتُ بإنقاذ فُتاتي... كيف توقفت عن حياتي لأستريح عند ناصيةِ الحُلم ثم عاودت العَدو من جديد؛ إنني جديرةٌ بأن أكون هدنة، توقفتُ عن النحيب لتخليد هزائمي، حتى إذا ما مررت بذاتِ الظروفِ من جديد لم أجد في الأمر غربة، المصائبُ تفقد بريقها كلما تكررت.

-بدت الضوضاء لذيذة بالنسبةِ لفتاةٍ عاشت بين سنابلِ القمح، تعريفُ الإزدحامِ لديها مجموعةٌ من الناس يوم الحصاد، أو خطبة إحدى حسناواتِ القرية.

المدينة| السكن الداخلي

30 مايو

 1:05 صباحًا

تُقدَّم لي الذَّلاتُ على طبقٍ فاخر، أسد به رمقي، أتماثل لخيبةٍ هائلة، لقد حدثني بأن ليس للمشاعر شكل، الآن ها هيا تمتلك وجهًا وابتسامة، تفتقر للصدق، تود لو تحلق تخذلها أجنحتها، تحفر أرض قلبي بمخالبها، تُعد قبرًا صغيرًا يسع جسدي، وآخر ضخمًا للذكريات، تقيم مأتمًا يغني به الجميع، ها قد تمّ التخلص من الشرنقة التي لن تصبح فراشة، من الهمِّ الذي لن يتضاءل، من الحلقةِ التي لن تكسر..

-لا أعلم كيف اِعتدتُ الوحدة، كيف نسيتُ جلبة بيتنا، صوت والدتي، ركض إخوتي، وضجيج الجميع، واكتفيتُ بذِكراهم، كيف بدوت كحقيرةٍ تحاول أن تُخلص نفسها من دنسٍ لم تتلطخ به، لطالما كنتُ امرأةً عاشت طوال ربيعها حتى إذا ما دعست بقدمها أرضًا أنتجت أبد الحياة، لكنني ما كنتُ لأترك حمائمُ الأيام لتتعارك على فُتاتي!.

بعد هذه الأعوام الثلاث، تُراه هل أقاموا لذكرياتي نعشًا؟ وليمةً ضخمة، ومعازيمٌ من القرى المجاورة، هل قامت أخواتي بتمديد فساتيني وشمّ رائحتها والبكاء عليها؟ أم رفض أبي أن يُذكَر اِسم الفاحشة في بيته حتى؟.

لقد اِتَّضح أن الحياة تُقوِّمك كلما فكرت في الإعوجاج، تُقدِّم لكَ الشِدّة واحدةً تِلو الأخرى، ما أن تفك قيدها مِن معصمك، حتى تفاجئك بأُخيّتها.

عن حجمِ الخيبات التي تكورت لتغلق حلقي كما كان يفعل أخي بإدخال قطع القماش في فمي عند إدلائي برأيي، يا تُرى هل تغيّروا! ما زال النساء يصمتن كثيرًا ويعملن كثيرًا، يُلبّين الأوامر على عجل وقلوبهن في وجل ولا يتوقفن عن التنازل ويعايرن بأنوثتهن؟.

-لا تحتملُ الأشياء معدنية البشر، الطرق والسحب المتواصل يُشوِّه الملامحُ الأخاذّة، الأصل في الأمورِ السلاسة والمُرونة، بحيث لا تستطيع الحياة إلحاق الأذى بمَ في حوزتكَ، تراها كثيرًا ما تُحبُّ فِكرة القرمشةِ، وتنفي بند المعاملةِ بلينٍ شحيح أو مفرط!.

-لديّ الآن تأوهات كثيرة في منتصفِ الليل، وعملٌ كثير لا يشغل سريرة أحد غيري، وحلمٌ أعشى ينتظر الشارة الخضراء، بيد ذلك لا تُكبَّل النساء ذواتِ الفكر، والصوتِ المسموع، تخرجُ النساء المكافحات من شرنقاتهن بأجنحةٍ من نار، تتعايش جوانبهن الشيطانية والملائكية ويفسحن المجال لبعضهن في الظهورِ على حسب استحقاقِ الموقف، استطعت تجاوز كل شيء بصمتٍ وثبات وظلٌ مُرتجِف، بصراخاتٍ مكبلة ذات فكٍ ينزُف.. كنتُ عزلاءَ في كلِّ المعارك، الغنيمة الوحيدة التي كنتُ أطمح لها: ألا أنتهي! سأحيا في مكانٍ تُمكِّن الرياحُ طائرتي الورقية من التحليق، لا مِن نثر السنابل!.

-مِن المؤسفِ جدًا، أن البعض لا زال البعض يُؤمِن بمبدأ نتفِ الريشِ للإناثِ وهُنَّ في المهدِ، المبدأ الذي يُقابِل الوأد في الجاهلية لكنه بطريقةٍ مُحسَّنة دون لفتِ أنظار العالم، لا يعلمون أن بإمكانِ النساء اللجوء إلى الزحفِ لمواصلةِ السعي، لا يهم إن كان السبيل إلى ذلك صحيحًا أو خاطئًا، الأهم أن يُحيين مبدأ: الحياة لمن بدأ بالهجوم!.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

1

followers

1

followings

1

similar articles