ظلال في الظلام
ظلال في الظلام
في إحدى الليالي المظلمة، كانت "مريم" عائدة إلى منزلها بعد زيارة طويلة لصديقتها. كان الطريق خاليًا تمامًا، والرياح تعصف بشدة، مما جعل الأشجار تتمايل كأنها أرواح تهتز في الهواء.
بينما كانت تسير بسرعة لتتجنب البرد، لاحظت أن الأضواء في الشارع كانت تنطفئ واحدة تلو الأخرى خلفها. شعرت برعشة تسري في جسدها، لكنها حاولت تجاهل الأمر وأسرعت في خطواتها. فجأة، سمعت صوت خطوات ثقيلة خلفها. استدارت بخوف، لكنها لم ترَ أحدًا.
استمرت في المشي، لكنها شعرت أن شيئًا ما يراقبها. عندما التفتت مرة أخرى، رأت ظلاً طويلاً يتحرك بسرعة بين الأشجار. كان الظل أشبه بشخص، لكنه أطول مما يمكن أن يكون بشريًا. حاولت أن تهدئ نفسها وأقنعت نفسها أنها مجرد أوهام بسبب الظلام.
عندما اقتربت من منزلها، سمعت صوت همسات غريبة، كأن هناك من ينادي اسمها. تسمرت في مكانها، لكنها استجمعت شجاعتها وركضت نحو الباب. فتحت الباب بسرعة وأغلقته خلفها، ظنّت أنها أصبحت في أمان.
لكن، عندما أضاءت الأنوار، وجدت على الحائط أمامها كلمة مكتوبة بالدم: "أنتِ لستِ وحدك". تجمدت في مكانها، وبدأت تسمع خطوات تقترب من خلفها. التفتت ببطء، لترى شخصًا غريب الشكل بوجه شاحب وعيون سوداء فارغة يقف خلفها.
لم تستطع الصراخ، ولم تجد نفسها إلا وهي تُسحب إلى الظلام. منذ تلك الليلة، لم يسمع أحد عن "مريم" شيئًا، لكن جيرانها ظلوا يسمعون همسات غريبة تنادي اسمها في الليل.
مرت أسابيع على اختفاء مريم، والناس في الحي بدأوا يتناقلون قصصًا غريبة. كان البعض يقول إنه شاهد أشخاصًا يشبهونها يتجولون في الشوارع ليلاً، لكنهم كانوا دائمًا يختفون قبل أن يستطيع أحد الاقتراب منهم.
في إحدى الليالي الباردة، قرر "عادل"، أحد جيران مريم المقربين، أن يتحقق من سر الاختفاء. كان قد سمع همسات في الليالي السابقة تنادي اسمها، وكان يشك أن هناك شيئًا غريبًا يحدث في المنطقة. حمل مصباحًا صغيرًا وسار إلى منزل مريم، متسللاً عبر الظلام مثلما فعلت هي قبل أن تختفي.
عندما وصل إلى الباب الأمامي، شعر بشيء غير طبيعي في الجو، كأن هناك طاقة مشوهة تملأ المكان. فتح الباب ببطء، لتغمره رائحة قديمة وعفن. خطواته كانت تكاد لا تصدر صوتًا، وكأن المنزل بأسره يغطيه صمتٌ ثقيل.
دخل إلى الصالة وبدأ يتحسس الجدران، حتى وصل إلى نفس الحائط الذي وجدت عليه رسالة الدم. كانت الكلمة المكتوبة ما تزال هناك، ولكن الآن كانت الدماء جافة ومتشققة، وكأنها جزء من الجدار نفسه. شعر عادل بوجود شيء مريب، وكأن عيونًا تراقب كل تحركاته. فجأة، سمع همسات قادمة من الطابق العلوي.
صعد الدرج بحذر، وفي كل خطوة كان يشعر أن المكان يضيق حوله، كما لو أن الجدران تتقارب. عند وصوله إلى الغرفة التي كانت تخص مريم، شعر بشيء بارد يلامس جلده. كانت الغرفة مظلمة تمامًا، ولكن عندما أضاء المصباح، ظهرت أمامه صورة مشوهة. كان هناك شيء يقف في الزاوية، وجهه نصفه مغطى بشعر كثيف، وعيناه غائبتان، يحدق فيه بثبات.
"مريم؟" همس عادل بصوت مرتجف.
لكن الصوت الذي جاءه لم يكن صوت مريم، بل كان همسات مدوية لا يفهم منها شيئًا سوى أنها تملأ الفضاء من حوله. فجأة، قفز شيء من الزاوية، وصار عادل يتخبط في الظلام، يحاول الهروب لكنه كان محاصرًا، كما لو أن كل جزء من المكان كان يود أن يبتلعه.
وفي اللحظة الأخيرة، قبل أن يختفي في الظلام، رأى عادل مريم، ولكنها كانت عينيها فارغة مثلما كان يراها ذلك الكائن، وأصبحت تشبه الظل الذي رآه في البداية.
منذ تلك اللحظة، اختفى عادل أيضًا. وعندما زار آخرون الحي بعد ذلك، لم يجدوا سوى الفراغ، ولكن إذا نظروا في الظلام العميق، كانوا يسمعون همسات تلاحقهم، كأنهم على وشك أن يصبحوا جزءًا من الظلال التي لا تنتهي.