
صحوة العقول الحقيقية
بسم الله الرحمن الرحيم:-
تبدأ القصة بشاب صغير بعمر السادسة عشر يدعى زيد ، يعيش زيد مع عائلته الفقيرة المكونة من خمسة افراد ، والد زيد و والدته الذين تعديا عقدهما السادس و هما يعملان في جد و إجتهاد لتحقيق مطالب أطفالهما و توفير إحتياجاتهم من مأكل و ملبس و مشرب و تعليم ، و لكن زيد من بين إخوته كان أكثرهم تهورا و طيشا ، فلم يكن يبالي بحالة والديه و لم يشعر بشقاهما مطلقا ، فكان دائما ما يطلب المال من اجل مستلزمات دراسته او من أجل دروسه الخصوصية ، و كان والديه المسكنين لا يرفضان له أي طلب فيعطيانه ذلك المال أملا منهم في أن يكون فردا صالحا في مجتمعه ، و لكن زيد لم يستخدم ذلك المال لدروس خصوصية فهو لم يذهب قط إلى تلك الدروس لكنه كان يخدع والديه من أجل الحصول على المال ، فقد كان زيد يصاحب العديد من الفتيان الطائشين و الفاسدين ، الذين كانوا يأخذون ماله من أجل شراء ما يضرهم و يضر بصحتهم ، فقد كان هؤلاء الفتيان يستغلون زيد و ماله من أجل شراء السجائر ، و كان زيد كذلك يدخن معهم محطما آمال والديه في ان يكون صالحا ، حتى جاء ذلك اليوم المؤلم و هو يوم وفاة والد زيد ، و الذي جاء خبر وفاته حاملا موجة شديدة من الأحزان فقد توفي في مكان عمله بسكته قلبية مفاجئة دون ظهور أعراض سابقة عليه ، مما جعل ذلك الخبر ينزل نزول الصاعقة على والدة زيد ، فقد فقدت وعيها من هول الصدمة و قد تدهورت صحتها تدهورا كبيرا مما جعلها تتوقف عن عملها و تحجز في بيتها ، و بين كل تلك الصدمات كان زيد سارحا بذهنه غير قادرا على فعل شىء و حين ذهب لأصدقائه ليواسوه و يخففوا عنه ،عاملوه بجفاء و غلظة حين علموا انه لم يعد يمتلك مالا و قاطعوه و لم يرغبوا في حديثه ، فأصبح زيد وحيدا بدون أب و بأم مريضة لا تستطيع سداد ثمن دوائها ، فجلس زيد يفكر فيما سيفعل فقد كان زيد كبير إخوته و لم يفكر زيد لكثير من الوقت بل قرر سريعا البحث عن عمل يناسبه و يسدد حاجات عائلته ، و سرعان ما عثر على واحد فقرر أن يعمل بجد و إجتهاد ، وقرر إلى جانب عمله أن يكون شديد الإهتمام بدراسته ، فقد كان يعود من عمله متعبا و مع ذلك يفتح كتبه ليدرس فيها ؛ أملا فقط ان يعوض ما فات من عمره و أن يكون مستقبله مشرقا ، فأصبح زيد من شاب طائش و فاشل إلى شاب طموح حريص على مستقبله يحاول أن يوطد علاقته بربه فقد اقلع عن التدخين و حافظ على الصلاة .
حتى حان موعد إمتحانات الثانوية العامة ، و قد كان زيد يذاكر لتلك الإمتحانات ليلة ليلة ، يريد فقط أن يجعل والدته فخورة و يكون صالحا ، حتى حان موعد النتيجة ……….
" و تشاء أنت من البشائر قطرة : و يشاء ربك أن يغيثك بالمطر
و تشاء أنت من الأماني نجمة : و يشاء ربك أن يناولك القمر "
ظهرت النتيجة و قد حصل زيد على درجات مرتفعة جعلته يكون مؤهلا لدخول كلية الطب ، وقد جعل ذلك الخبر عيناي والدة زيد تفيض دموعا من شدة فرحتها ، و جلس زيد يشكر ربه كثيرا و يحمده على كثرة نعمه ، أصبح زيد يجتهد أكثر في كليته ، حتى تخرج بإمتياز مع مرتبة الشرف ، فأصبح طبيبا و أقام عادة له في مدينته ، فأصبح من أشهر الأطباء في المدينة و حصل على حب الناس و ثقة المرضى .
العبرة من القصة :
و بذلك نتعلم من هذه القصة العديد من القيم المهمة و الاساسية في حياتنا ،
•١- أولهم هو بر الوالدين فالوالدين هما أساس هذه الحياة فهما من ربيانا و هما من يريدان لنا دوام التفوق و التقدم و هما من يتعبان من أجل تحقيق مطالبنا .
قال تعالى :
“ و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ”
و قال رسول الله صلى الل عليه وسلم :
“ من أرضى والديه فقد أرضى الله و من أسخط والديه فقد أسخط الله ”
•٢- ثانيهم هو اهمية انتقاء الاصدقاء فالاصدقاء يجب عليهم ان يكونوا صالحين لا فاسدين و فاشلين فالأصدقاء إذا كانوا صالحين يجعلونك صالحا ، اما إذا كانوا طالحين و فاشلين يجعلونك طالحا و فاشلا
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“ المرء على دين خليله ،فلينظر أحدكم من يخالل ”
•٣- الثقة بالله حتى لو لم تتحقق آمالنا و طموحاتنا فالله دائما ما يخزن لنا خيرا كثيرا فهو لا يكتب شرا لعبده ابدا فربما يكون ما نتمناه و نطمح إليه ليس خير لنا و لذلك لا يحققه الله
قال تعالى :
“ و عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم و الله يعلم و انتم لا تعلمون ”
و لذلك يجب علينا أن نثق بالله و بالأقدار المكتوبة لنا و كذالك يجب علينا أن نأخذ بالأسباب فلا أحد يعلم ما يخبئه المستقبل من مفاجأت .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ ”.