
قصة الشيب العربي | المخلوق الأسطوري الذي أرعب قبائل الجزيرة العربية
قصة الشيب العربي | المخلوق الأسطوري الذي أرعب قبائل الجزيرة العربية

من خاف سلم، وهذا هو الشيء اللي نجّى صاحبنا اللي بنذكر قصته اليوم من الموت بعد الله طبعًا، من أشرس وأخطر مخلوق في الصحراء العربية، المخلوق اللي يخافون منه البدو من أول، المخلوق المسمى بـ "الشيب".
وإذا أنت للحين ما تعرف وش هو الشيب، تعال خليني أقول لك:
لما يتزاوج ذكر الذئب مع أنثى الضبع يخرج لنا مخلوق ضخم جدًا، يعني تقدر تقول ماخذ قوة الضبع وماخذ ذكاء الذئب.
والشيب كان داهية، وكان فيه من السطر (الدهاء)، إنه يختلف عن باقي الذئاب، لأن الذئاب ما تصيد إلا في الليل، أما الشيب إذا حطك في راسه بيجيك لو في عز النهار.
وقصتنا اليوم تتكلم عن رجل من قبيلة حرب المعروفة، ونعم فيهم ونعم في جميع القبائل، رجل داهية قابل الشيب لأول مرة في حياته، فتعالوا معي خلونا نعرف وش قصته.
يقول هذا الرجال اللي اسمه عايد:
كنا بدو نرحل، يعني ننقل في الجزيرة العربية بحثًا عن الربيع اللي يعيشنا ويعيش حلالنا.
وأذكر إنه في سنة من السنوات صابنا فيها القحط لدرجة إن شفنا الموت يا صاحبي أنا وربعي كلهم.
وأذكر إنه جمعنا الشيخ وقال لنا: يا الربع شوفوا لنا حل بهالمصيبة.
فبدو رجال القبيلة يشيرون عليه لين طاحوا على الشور المناسب، وهو إن الشيخ يرسل عُسّاسة في شتى أقطار نجد علشان يبحثون عن الأرض اللي فيها ربيع وما حولها أحد من القبائل، فيرحلون لها ويستوطنون فيها.
يكمل عايد ويقول:
كنت موجود، والشيخ يقول:
يا فلان رح للأرض الفلانية وعسّها لنا، وانت يا فلان رح للأرض الفلانية وعسّها لنا،
وانت يا عايد رح للذنا وشوف لنا وضعها إن كان جاها ربيع ولا لا، وعود لنا بالخبر بسرعة.
ما مداني أقول "سمّ وابشر يا شيخ" إلا وأسمع ضحكة واحد جنبي، يوم طالعت فيه كان يضحك ويقول: الله يعينك يا عايد، لأن الديرة اللي انت رايح لها ما فيها شجر، وشكلك بتعود لنا مواصل.
فهنا ضحكوا الموجودين، وأنا سريتها في خاطري.
الشيء اللي أنتم ما تعرفونه عن عايد إنه كانت عنده عادة غريبة شوي، وهي إنه إذا كان برا القبيلة وجاء الوقت اللي لازم ينام فيه، عنده حدس ما يخيب.
ولا من حس إن المكان اللي هو فيه خطر، كانت معه فروة مليانة شوك.
بتسألني ليش؟ صح خليني أعلمك:
عايد كل ما يحس بخطر، يرفع فروته فوق الشجرة، ثم يتسلق الشجرة ويربط نفسه وينا م فوقها.
وكان في كل مرة يسوي فيها هذا الفعل، يقوم ثاني يوم وينزل من الشجرة ويحصل جرة ذيابة تحت الشجرة بالضبط.
خلونا نرجع لقصتنا، بعد ما ضحكوا الربع، الشيخ قال:
وانت يا ملفي خلك رديف عايد.
وإذا ما تعرف ملفي، ملفي يصير أخو الرجال اللي قام يطقطق على عايد.
يقول عايد:
توادعنا وسمينا بسم الله وانطلقنا، ولا كانت معنا إلا ذلول واحدة، أنت رادف عليها أنا وملفي.
ولأن الشيخ طلب منا نروح ونرجع بسرعة، ما حملنا الذلول شيء واجد، ولا كان عليها إلا قربة موية وبارت بيني وبين ملفي.
فجلسنا ثلاث أيام نمرح في كل ليلة ونكمل ثاني يوم، ولا وصلنا هالديرة اللي وصانا عليها الشيخ إلا بعد ثالث يوم، وتحديدًا بداية العصر.
يوم طالعنا في المكان ولا صحراء قاحلة، ما فيها من المطر ولا النبت شيء.
فهنا طلعت في ملفي وقلت: يا ملفي خلنا نرجع على وساه الشيخ، احنا ببداية العصر وإن شاء الله بنقطع مسافة ما هي بسيطة.
فقال ملفي: يا عايد والله إني تعبان، خلنا نمرح ليلتنا هنا، والصباح نقول للشيخ.
يقول عايد:
أنا هنا طالعت في ملفي وحصلته فعلاً تعبان، فقلت: شورك وهداية الله.
وبدينا نجمع الحطب لين غابت علينا الشمس.
ويوم غابت علينا الشمس، وأنا أحس إني ماني بطيب، بدأ يجيني الشعور اللي يقول لي: يا ولد الشجرة!
طالعت في ملفي وهو توه شاب النار، وقلت: يا ملفي، أنت تسمع العلم ولا ما تسمعه؟
أنا رفيجك عايد، واللي أنت خابره زين، وخابر إن حدسي ما يخيب.
وترى ليلتنا ما هي خلية، واليوم – ما شاء الله – عندنا ضيوف، وضيوفنا ما هم من النوع اللي ودك فيهم.
فإن طعتني، ترى فيه شجرة كبيرة تكفيني أنا وياك، خلنا ننام فوقها.
يقول عايد:
أنا يوم قلت لملفي هالكلام، أذكر وجهه زين، ووقتها كان يقلب في النار ويطالع فيني وهو مبتسم، وقال:
"والله ما يمر أحد من العرب ويشوفنا نايمين فوق الشجر، وش بيقولون عنا؟"
فقلت له: تكفى يا ملفي، العلم والله أكبر من إن يمرنا أحد.
العلم يا صاحبي في راسي وراسك.
فقال ملفي:
"عايد، إن عشت فهذا أمر الله، وإن جرى علينا جاري، فتراني بموت وأنا أدافع عنك، وجعلني فداك يا عايد."
يقول عايد:
أنا هنا ما أدري وش أسوي، كل اللي سويته إني أطالع في ملفي وأقول: تكفى يا ملفي لا، أنا طالبك تجي معي.
ويوم شفت ملفي على قوله أهل الكويت "ما بأذنه"، قلت: شورك وهداية الله.
يقول:
ورحت للذلول، وسحبت منها الجنبية، وسحبت منها زربة الماء، وحطيت فروتي فوق الشجرة وطلعت وربطت نفسي ونمت.
يقول:
نمت ذيك الليلة وليتني والله ما فتحت، لأني قمت على صوت تمنيت الأرض انشقت وبلعتني ولا سمعته.
اللي قومني من النوم صوت خويي ملفي وهو يقول: "تكفى يا عايد، تكفى لا تخليني!"
رفعت راسي وطالعت من فوق الشجرة، وقشر ما عليّ الشوفة اللي شفتها.
يقول عايد:
يوم طلعت، وأنا أشوف ثمن ذيابة، بوسطهم الشيب!
وهذه أول مرة تطيح عيني بعينه.
يقول: لا إله إلا الله، على ضخامة هالمخلوق! ذيب، لكن حجمه ما يقارن بحجم الذيابة اللي معه، لا من ناحية جسم ولا من ناحية فك.
يقول: شفت راس ملفي في وسط فكه، ولا مداني أسوي شيء، لأنه قرر يسكر فكه على ملفي.
وسمعت صيحة والله إنها تتردد بأذني إلى يومي هذا.
ومن بعدها الصيحة هذه سكت ملفي، وكانت هي سكتته.
يقول عايد:
لا تلوموني يا الربع، أنا ما أقدر أسوي شيء، ما معي إلا جنبية، والذلول يوم تلفت أدورها، أثرها من حاج من أول الليل يوم حست بالشيب والذئاب.
وكل اللي قدرت أسويه إني أطالع برفيقي والذئاب التناش، لكن المصيبة ما هنا، المصيبة إنهم عقب ما كلوه تقدم الشيب لين وصل عند الشجرة.
يقول: رفع راسه، ويعلم الله إن راسه كان حولي من ضخامته!
فرجعت وتخبيت في فروتي، وكان الشيب حاسم إن الشجرة شيء يُؤكل! لكنه قرر يرجع هو والذئاب اللي معه ويمشون.
يقول: يوم أصبح الصبح، وأنا ما نمت ليلتي من القهر والغبن، نزلت من الشجرة، وأخذت معي زربة الموية والجنبية.
والمشكلة إن ما عندي حتى الوقت اللي أدفن فيه خويي، لأن أنا الآن بدون ذلول، وكل ما تأخرت، كل ما كانت فرصة هذا الشيب إنه ياكلني.
ونهاري كله بين إني أركض خايف من الشيب، وبين إني أمشي خايف إن الموية تخلص.
ويوم بدت تغيب الشمس، ومني أطالع الأرض، صفاّت، ما فيها إلا ذاك الجبل البعيد شوي.
فقلت: الشمس غابت، إن ما احتميت بذاك المكان فالله أعلم إن بكون عشا الشيب.
يقول: كنت أركض ركض، والله ما أدري منين جتني ذيك الطاقة، لين وصلت ذاك الجبل.
وأطيب ما علي يوم شفت مغارة، وتلفت يمين ويسار، وأشوف شجرة كلها شوك.
فبديت أقطع الشجرة، لين قدرت آخذها بشكل كامل، وسددت فيها باب المغارة.
يقول: كنت داخل المغارة، والشجرة اللي بت بعد تحميني من الذيابة، حاطها على باب المغارة.
ويوم أظلم الليل، وأنا في مغارتي، أسمع الصوت اللي يا الله ما ودي أسمعه...
يوم انتصف الليل، وبديت أسمع خطوات لين جت عند فم المغارة.
يقول عايد:
إن كان الذئب ذكي، فوالله إني أذكى منه!
تقدمت عند الشجر، وبديت أشده داخل المغارة.
وأدري إن اللي ورا الشجرة هو الشيب.
ذيابه اللي معه مرّة يدخل بوزه مع طرف المغارة، وأنا ألف الشجرة عليه فيرجع.
ومرة يدخل يده، ومن ضخامته ما كان قادر يدخل.
وسبحان اللي رزقه ذكاء!
كانه أمر واحد من الذيابة يحاول يدخل.
فتقدم واحد من الذيابة، دخل بوزه، وأنا ألز عليه الشجرة، فرجع.
وقرر هذا الذيب الصغير يدخل يده، وأنا فيني من الغبن على موت رفيقي ملفي، وسحبت شبري وقطعت يده.
يقول: أطيب ما علي يوم سمعت ركضة وعواه، وأصوات الذيابة وراه.
فدرّ هذا الذيب المقرود صار عشاهم لهالليلة.
قررت أني أنام، ولكن هيهات.
لأني يوم لفيت راسي، شفت ذاك الحنش، اللي رحم الله ما قرر يؤذيني، لكن الحذر واجب.
ما قدرت أنام، وكنت طول الليل أنا والحنش في المغارة، مرة أشوفه ومرة يشوفني، لين طلع الضوء، ودريت إن الشيب راح.
يقول: انفتحت المغارة، وطلعت أكمل مشي.
مشيت نهاري كله لين جا حَرّ العصر، وأنا طالع يميني، والله ذاك ذلول، لكن الشوفة القشرة: شفت ذلول مأكول نصه ومتروك نصه.
فرحت أركض للذلول، قلت يمكن أحصل البارودة، لكني ما حصلتها.
وجا في بالي إن من خوف الذلول يوم هرب من عندنا، إلا ما طاحت منه.
ما غابت علي الشمس إلا وأنا أشوف شجر يميني ويساري، وأنا بيني وبينكم مستأمن إن الشيب ما راح يوصلني، لأن عشاه راح يكون الذلول.
يقول: يوم أصبح الصبح، وأنا مستأمن إن الشيب بعيد عني، نزلت من الشجرة وبدأت أمشي.
وقدني قربت لأهلي، ويوم جا حر العصر، ما بيني وبين أهلي إلا إن تغيب الشمس وأنا عندهم،
إلا ويعترضني ذاك الشيب!
اللي طلع في وجهي وحال بيني وبين أهلي.
أثره الخبيث كان يراقبني من بعيد، ويدري إني موجود في المكان.
ومن ذكاء الشيب إنه ما هاجمني، يدري إني في لحظة نشاط، فكان يدور حولي وأنا أدور معه، ما أبغاه يجي بقفاي.
واستمرّينا على هالحال لين أهلكني، وهجم علي أول هجمة، شال أذني!
واللي خلاه يبعد عني في ذيك الهجمة، إني قدرت آخذ عينه بجنبيتي.
تحسبون يوم أخذت عينه راح؟ لا!
كان واقف مكانه!
يقول: أنا يوم أخذ أذني، بديت أحس بدوخة، لكن يا أنا يا هو.
الموضوع كله "صبر ساعة"، اللي يصبر هالساعة هو اللي بينتصر.
فقرر الشيب إنه يكر الهجمة، ويجيني فاتح فمه.
يقول عايد: أنا ما فيني حيل أقوم، فجلست واحتميت له بالجنبية.
وأول ما قرب مني، بكل ما أوتيت من قوة، حطيت الجنبية، ودفّيتها بثقل جسمي، ولا هو طايح جنبي!
وهنا استطاع عايد الحربي إنه يقضي على هذا الشيب الضخم، الشيب اللي كان مرعب أغلب القبائل.
يقول عايد:
أنا ماني قادر أشيله، فقررت أقطع كفه وأخذه معي لأهلي.
وصلت عند الشيخ، والرجال كلهم كانوا جالسين عنده.
فطالع فيني الشيخ وقال: يا عايد وين ملفي؟
فذكرت له السالفة كاملة من بدايتها إلى نهايتها.
فقام أخو ملفي اللي كان يطقطق علي وقال:
"انت تكذب! انت اللي قتلت ملفي!"
فالشيخ طالع فيه وقال له: اجلس.
ثم طالع فيني وقال: وش دليلك يا عايد؟
يقول: وأنا أطلع لهم كف الشيب، ومن كبره يا الله تنشال، وأحطها بينهم، وقلت: هذا اللي قضى على ملفي.
وإن كنتم تبون تعرفون مكان الشيب، تراه في المكان الفلاني، وإن كنتم تبون تسألون عن ملفي، فتراني تاركه في الذنا.
فكانت هذه يا صاحبي قصة عايد مع أشرس وأخطر مخلوق في الجزيرة العربية، الشيب العربي.
وصلنا هنا إلى نهاية القصة، اللي أتمنى إنها أعجبتكم، إلى لقاء قريب، في أمان الله.