أسرة بوربون: من النبل الإقليمي إلى العروش الأوروبية وصعود النفوذ الملكي عبر القرون
نشأة أسرة بوربون

نشأت أسرة بوربون من فرع أسرة الكابتيين في عام 1272 عندما تزوّج روبرت ابن الملك لويس التاسع من بياتريس دي بوربون وريثة لورد بوربون.
النشأة وأوائل التاريخ
تعود جذور أسرة بوربون إلى مملكة فرنسا، وهي فرع كاديت (فرعي) من أسرة كابيت، التي نبعت من هوغ كابت، الملك الأول للفرنجة.
بدأ التاريخ الرئيسي في عام 1272 مع روبرت كونت كليمنت، الابن الأصغر للملك لويس التاسع.
زواجه من بياتريس دي بوربون عزز مكانة الأسرة، مما أدى إلى إنشاء واحدة من أكبر الأسر الملكية نفوذًا في التاريخ الأوروبي.
قبل اندماجها في أسرة الكابتيين، كانت بوربون مملكة نبيلة حكمها نبلاء بوربون.
سيطرت هذه الأسرة على المنطقة خلال القرن الثالث عشر، وعززت سلطتها كأتباع أوفياء للملك.
انتهى إرث أول أسرة بوربون في عام 1216 بوفاة آخر وريث ذكر، مما أدى إلى تأسيس نسب جديد عبر زواج ماتيلدا دي بوربون من غي الثاني دي دامبيير.
تأسيس الفرع الكابتي (1372)
في عام 1372، صعد لويس الأول، حفيد روبرت وبياتريس، إلى لقب دوق بوربون من قبل شارل الرابع ملك فرنسا.
وخلال القرون التالية، كانت أسرة بوربون من النبلاء الموالين في عهد الكابتيين وملوك فالوا.
ازدهرت السلالة حتى انتهى الفرع الثاني من بوربون في عام 1572 بوفاة شارل الثالث دوق بوربون، وهو من الفرع الأصغر للعائلة.
بعد ذلك، صعد خط بوربون إلى الصدارة.
صعود أسرة بوربون إلى عرش فرنسا
كان انقراض أسرة فالوا بمثابة نقطة تحول للبوربونيين، إذ نصّ قانون الساليك على أن العرش يجب أن يمر إلى وريث ذكر.
فأصبح رئيس الفرع البوربوني، هنري دوق نافار، ملك فرنسا تحت اسم هنري الرابع.
وحد صعود هنري الرابع مملكة فرنسا مع الجزء الشمالي من مملكة نافار، مما جعل بوربون حكامًا لأراضٍ واسعة.
حكم هنري الرابع من عام 1589 حتى 1610، وكان حكمه تحوليًا؛ إذ بدأ بروتستانتيًا ثم اعتنق الكاثوليكية عام 1593 للحصول على قبول الأغلبية الكاثوليكية من الشعب الفرنسي.
أنهى عقودًا من الصراعات الدينية بمرسوم نانت عام 1598، الذي منح التسامح الديني للهوغونوت.
التعزيز والتوسع في عهد لويس الثالث عشر ولويس الرابع عشر
خلف لويس الثالث عشر والده في عام 1610.
وعلى الرغم من أنه كان ملكًا ضعيفًا، إلا أن حكمه اتسم بنفوذ الكاردينال ريشيليو، الذي ركز السلطة ووضع الأساس للملكية المطلقة.
بلغ هذا الاتحاد ذروته في عهد لويس الرابع عشر (1643–1715)، الملقب بـ"الملك الشمس"، الذي مثّل ذروة الملكية المطلقة في أوروبا.
شهد حكمه صعود فرنسا كقوة مهيمنة في أوروبا بإنجازاتها الثقافية والعسكرية التي شكلت القارة.
ملوك بوربون في إسبانيا وما بعدها
في حرب الخلافة الإسبانية، أصبح فيليب دوق أنجو، حفيد لويس الرابع عشر، وريث العرش الإسباني.
أثار ذلك مخاوف من اتحاد فرنسا وإسبانيا تحت عرش واحد، مما أدى إلى اندلاع الحرب بين القوى الأوروبية الكبرى.
أنهت معاهدة أوترخت (1713) الصراع، حيث سُمح لفيليب الخامس بالاحتفاظ بالعرش الإسباني بشرط أن يتنازل هو ونسله عن أي مطالبة بالتاج الفرنسي.
هكذا تأسس فرع بوربون الإسباني، الذي حكم إسبانيا بشكل متقطع منذ ذلك الحين.
بوربون في إيطاليا
امتدت فروع بوربون الإسبانية إلى إيطاليا، حيث حكموا ممالك نابولي وصقلية وبارما.
فعلى سبيل المثال، حكم تشارلز الثالث ملك إسبانيا مملكتي نابولي وصقلية قبل صعوده العرش الإسباني عام 1759.
استمر أحفاده في التأثير على جنوب إيطاليا من خلال مملكة الصقليتين حتى ضمها إلى مملكة إيطاليا عام 1861.
بوربون في لوكسمبورغ
امتد إرث بوربون إلى لوكسمبورغ عبر زواج الدوقة الكبرى شارلوت من الأمير فيليب دي بوربون-بارما.
أحفادهم، مثل الدوق الأكبر هنري، أعادوا تمثيل سلالة بوربون في الممالك الأوروبية الحديثة.
الانحدار والاستعادة في فرنسا
الثورة الفرنسية ولويس السادس عشر
كانت الثورة الفرنسية (1789–1799) فترة محورية في تاريخ أسرة بوربون.
فشل لويس السادس عشر في معالجة الأزمة الاقتصادية وتصاعد حماس الثورة أديا إلى سقوطه.
أُلغيت الملكية عام 1792، وأُعدم لويس السادس عشر في العام نفسه، وتوفي ابنه لويس السابع عشر في الأسر، مما أنهى حكم بوربون مؤقتًا في فرنسا.
استعادة البوربونيين
بعد سقوط نابليون بونابرت عام 1814، استُعيدت أسرة بوربون، حيث تولى لويس الثامن عشر (شقيق لويس السادس عشر) العرش في ظل ملكية دستورية.
وخلفه شارل العاشر، الذي حاول إعادة الحكم المطلق، لكن سياساته أدت إلى ثورة يوليو 1830 التي خلعته واستبدلته بابن عمه لويس فيليب دوق أورليان، الذي حكم خلال ملكية يوليو حتى عام 1848.
الفروع الكاديت (الفرعية)
أمراء كوندي وكونتي
كان فرعا كوندي وكونتي من أبرز الفروع الكاديت لبوربون.
ينحدر لويس أمير كوندي من عم هنري الرابع.
لعبت هذه السلالة دورًا مهمًا في السياسة الفرنسية والشؤون العسكرية حتى انقراضها في عامي 1814 و1830 على التوالي.
فرع أورليان
نشأ فرع أورليان من فيليب الأول دوق أورليان، شقيق لويس الرابع عشر.
حكم ملوك أورليان خلال ملكية يوليو (1830–1848)، واستمروا بالمطالبة بالعرش الفرنسي من خلال الفصيل الملكي الوحدوي.
النفوذ العالمي والإرث
نفّذت إصلاحات بوربون في مستعمرات أمريكا اللاتينية بهدف تحديث الإدارة وزيادة العائدات، لكنها ساهمت في تنامي السخط الاستعماري والحركات الاستقلالية اللاحقة.
في البرازيل، كانت الأميرة إيزابيل من بيت أورليان إمبراطورة بحكم الزواج، ولكن بعد سقوط الإمبراطورية عام 1889، استمر أحفاد أورليان في حمل الألقاب الملكية حتى اليوم.
رغم التوترات والتغييرات، ظلّت أسرة بوربون قائمة في إسبانيا ولوكسمبورغ، ممثلةً بالملك فيليب السادس والدوق الأكبر هنري.
من جذور نبيلة إلى قوة أوروبية مهيمنة، تركت أسرة بوربون إرثًا لا يُمحى في التاريخ، أثّر في الثقافة والسياسة والحكم في أوروبا والعالم.