حرب نافارّيريّا: الصراع الذي أعاد تشكيل بامبلونا في القرن الثالث عشر
حرب نافارّيريّا:

تُعدّ حرب نافارّيريّا واحدة من أبرز الأحداث الدامية في تاريخ مملكة نافارا خلال العصور الوسطى، وهي حرب داخلية وقعت عام 1276 داخل مدينة بامبلونا نفسها. لم تكن مجرد نزاع محلي، بل واجهت المدينة خلاله صراعًا مركبًا جمع بين التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وانتهى بنتائج غيّرت شكل المدينة ومصير المملكة لسنوات طويلة.
خلفية تاريخية: مدينة منقسمة على نفسها
كانت بامبلونا في القرن الثالث عشر مدينة مقسّمة فعليًا إلى ثلاثة أحياء رئيسية، لكل واحد هوية مستقلة تقريبًا:
حي نافارّيريّا (Navarrería): وهو الأقدم، ويُعدّ المنطقة التقليدية التي يسكنها أهل نافارا الأصليون.
سانت نيكولاس
سانت سِرنِين
الأخيران كانا يضمان عددًا كبيرًا من المهاجرين القادمين من فرنسا، الذين استقروا في بامبلونا خلال العقود السابقة وبرزوا كتجار وحرفيين نافذين. ومع قوة تجارتهم واتساع نفوذهم الاقتصادي، بدأت تتشكل علاقة معقدة مع السكان الأصليين الذين شعروا بأنهم يفقدون السيطرة على مدينتهم لصالح الوافدين الجدد.
إلى جانب هذا الانقسام الاجتماعي، كانت مملكة نافارا في حالة اضطراب بسبب قضية الخلافة بعد وفاة الملكة خوانا الأولى. تنافسٌ بين فصائل مؤيدة لفرنسا وأخرى رافضة لهذا النفوذ كان حاضرًا في كل تفاصيل الحياة السياسية داخل بامبلونا، مما جعل أي خلاف محلي يتحول بسهولة إلى صراع واسع.
اندلاع الحرب: من توتر مكتوم إلى مواجهة مفتوحة
تحولت المنافسة الاقتصادية والسياسية إلى مواجهة مباشرة عام 1276. إذ بدأ النزاع باشتباكات بين سكان نافارّيريّا من جهة، وسكان سانت نيكولاس وسانت سِرنِين من جهة أخرى، ثم سرعان ما تطور إلى حرب حضرية حقيقية. استعان كل حي بحلفاء خارجيين؛ فالأحياء الفرنسية تلقت دعمًا من ملك فرنسا فيليب الثالث، الذي وجد في الصراع فرصة لمدّ نفوذه داخل نافارا تحت ذريعة حماية رعاياه من التجار الفرنسيين.
فرضت القوات الفرنسية حصارًا على حي نافارّيريّا، وشهدت المدينة قتالًا شرسًا في الشوارع والأسوار. انتهى الحصار بكارثة كبرى: تدمير حي نافارّيريّا بالكامل. أُحرقت البيوت، وهُدمت الأسواق، وطُرد السكان أو قُتلوا. وكان مستوى الدمار شديدًا لدرجة أن المنطقة بقيت فارغة من العمران نحو خمسين عامًا قبل أن يُعاد إعمارها تدريجيًا.
النتائج: مدينة جديدة ومملكة تحت تأثير فرنسي
أسفرت الحرب عن تغييرات جذرية في بامبلونا:
ترسخ النفوذ الفرنسي داخل مملكة نافارا بشكل واضح.
أصبح سكان سانت نيكولاس وسانت سِرنِين القوة الاقتصادية والسياسية الصاعدة.
زال الحي الأقدم في المدينة، وتغيّرت بذلك التركيبة الاجتماعية جذريًا.
أدى الدمار إلى إعادة تخطيط المدينة لاحقًا بصورة تمنع تكرار النزاعات بين الأحياء.
كما تركت الحرب أثرًا دائمًا في الذاكرة التاريخية للمدينة، حيث اعتُبرت درسًا في مخاطر الصراعات الداخلية بين جماعات سكانية مختلفة، وكيف يمكن أن تتحول الانقسامات الاجتماعية إلى مواجهة عسكرية مدمرة.
خاتمة
لم تكن حرب نافارّيريّا مجرد معركة محلية، بل كانت محطة حاسمة شكلت مستقبل بامبلونا ونافارا ككل. فهي تكشف عن كيفية تداخل الاقتصاد بالسياسة وبالهوية، وكيف يمكن لصراع داخل مدينة واحدة أن يغيّر مصير مملكة بأكملها.