معركة أورفا (1920): التمرد الوطني التركي ضد الاحتلال الفرنسي
معركة أورفا (1920): المقاومة المسلحة والتحليل الطبوغرافي للانسحاب الفرنسي


اندلعت مقاومة مسلحةالقوات الوطنية التركية في ربيع 1920 ضد الجيش الفرنسي المحتل لمدينة أورفا (شانلي أورفا).
صمدت الحامية الفرنسية في أورفا لمدة شهرين حتى طالبت بمفاوضات مع الأتراك للخروج الآمن من المدينة. نكث الأتراك بوعدهم، وقبل انسحاب الوحدة الفرنسية من أورفا هاجم الأتراك.
خلفية
احتل الجيش الفرنسي مدينة أورفا في خريف 1919 بهدف ضم هذا الجزء من الإمبراطورية العثمانية إلى الانتداب الفرنسي على سوريا. استنكر مصطفى كمال أتاتورك، قائد الحركة الوطنية التركية المشكلة حديثًا، مخططات الفرنسيين حول منطقة كيليكيا. في الجزء الأخير من 1919، بدأ كمال ومؤيدوه في الاستعداد لشن تمردات كبيرة ضد القوات الفرنسية المنتشرة بشكل متفرق والمتمركزة في مرعش وعنتاب وأورفا لإجبار الفرنسيين على التخلي عن طموحاتهم التوسعية في المنطقة. في يناير 1920، دعا علي صائب بك، نائب في المؤتمر القومي التركي، القبائل الكردية للتكاتف في مقاومة الفرنسيين وتنسيق إجراءاتهم مع كليتش علي بك كولوج علي، نقيب في الجيش التركي.
المعركة
في 7 فبراير 1920 طالب النائب بتخلي القوات الفرنسية عن أورفا في 1920. عندما رفض الفرنسيون المهلة، احتشدت القوات التركية في 9 فبراير ووضعت الحامية الفرنسية تحت الحصار. بدأ مقاومة أورفا المسلحة في اللحظة التي واجهت فيها القوات الوطنية التركية الهزيمة الوشيكة في مرعش. الحامية، والتي تشكلت من 473 فرنسيًا وسنغاليًا وجزائريًا وأرمنيًا، زادت من مقاومتها ضد الوطنيين الأتراك والأكراد لمدة واحد وستين يومًا. في 7 أبريل، ومع استنفاد الإمدادات من الذخيرة والطعام، طالب العقيد هوجير، قائد الكتيبة المحاصرة، الوطنيين الأتراك بأن يقدموا تصريحًا بالخروج الآمن لجنوده وأن يبقى السكان المسيحيون دون أذى مقابل إخلاء الحامية من المدينة. وافق علي بك على طلب هوجير والتقى به عند الجسر بالقرب من مستشفى البعثات الأمريكية. بحضور مرؤوس هوجير، النقيب ساجوس، والفيزيائي الأرمني الدكتور بيشلمان، ناقش القائدان الشروط، وانتقد علي بك سعي الفرنسيين للمغادرة بأسلحتهم. أكد علي بك لهوجير أن الفرنسيين سيُقدَّم لهم الأمن حتى عرب بونار. طلب هوجير من علي بك أن يصحب عشرة من وجهاء تركيا لمرافقة جنوده إلى كاسري، ولكن علي بك رفض واصطحب معه جنود الدرك بدلًا من ذلك. في الساعة التي تلت منتصف الليل بساعة، بدأت الجنود الـ300 المتبقية بقيادة هوجير الانسحاب من أورفا. قبل الفجر، عندما اقترب الرتل من ممر جبلي يُسمى وادي فريش باشا، أطلق الأكراد الذين اتخذوا مواقعهم على التلال التي تطل على الوادي النار، وأبدى الجنود الذين أعطاهم علي بك لهوجير جهلهم بالكمين. حاول هوجير عبثًا تنظيم الاستسلام، وكان بعض الجنود الفرنسيين قادرين على اختراق الحصار، ولكن قُتل هوجير نفسه، وقُتل أو أُسر معظمهم. سوى عدد قليل من البالغ عددهم 473 وضباط حامية أورفا كانوا قادرين على الوصول إلى بر الأمان في غرب بونار.
الوصف الطبوغرافي–العملياتي لمسرح عمليات أورفا (1920)
يقع مسرح العمليات في نطاق تضاريس مختلطة تجمع بين سهل حضري محدود العمق ومنطقة مرتفعات متقطعة تتحكم في محاور الحركة الغربية والجنوبية الغربية الخارجة من مدينة أورفا. ويمثل هذا التكوين الجغرافي عاملًا محددًا لحرية المناورة، والسيطرة النارية، وإدارة خطوط الاتصال والإمداد.
تمركزت الحامية الفرنسية داخل كتلة عمرانية كثيفة، ما وفر دفاعًا موضعيًا يعتمد على التحصين الميداني والانتشار الثابت، لكنه قيد القدرة على المناورة التكتيكية وألغى إمكانية تنفيذ عمليات اختراق أو انسحاب مرحلي منظم، وربط استدامة القتال بعامل الإمداد الداخلي فقط.
شكّل محور الجسر القريب من مستشفى البعثات الأمريكية خط خروج رئيسي (Main Exit Axis)، ويمثل في الوقت نفسه نقطة اختناق (Choke Point) يمكن مراقبتها والسيطرة عليها ناريًا من المرتفعات المحيطة. وقد استُخدم هذا المحور كنقطة التقاء للتفاوض، ما أعطى الانسحاب طابعًا خطيًا متوقعًا سهل التنبؤ بمساره.
بعد تجاوز النطاق الحضري، دخلت القوة المنسحبة إلى وادي فريش باشا، وهو ممر جبلي ضيق يتمتع بخصائص أرض مسيطَر عليها (Dominated Terrain)، حيث توفر التلال المشرفة مواقع رصد وإسناد ناري مباشر وغير مباشر. أدى ضيق الوادي إلى إجبار الرتل على التحرك في تشكيل طولي مقيد (Column Formation)، ما أفقد القوة القدرة على الانتشار العرضي أو تنفيذ مناورات التفاف مضادة.
سمحت السيطرة الرأسية للقوات المنتشرة على المرتفعات بتنفيذ كمين ناري جانبي (Lateral Ambush) باستخدام نيران موجهة من أعلى إلى أسفل، وهو نمط يزيد من فعالية الإصابة ويحد من قدرة القوة المستهدفة على الرد، خاصة في ظل انعدام الغطاء، وضعف القيادة والسيطرة، وغياب الاستطلاع الأمامي والمؤخر.
أدى غياب عناصر التأمين المتقدم والخلفي، وعدم فرض السيطرة على المرتفعات قبل التحرك، إلى انهيار منظومة القيادة والسيطرة (C2 Breakdown) داخل الرتل، وفشل محاولات إعادة التنظيم أو فرض الاستسلام المنضبط. وساهم عامل الزمن (التحرك ليلًا وقبيل الفجر) في تعقيد الموقف التكتيكي وزيادة فعالية عنصر المفاجأة لدى القوة المهاجمة.
وبذلك تحولت التضاريس من مجرد عامل بيئي إلى مُضاعِف قوة (Force Multiplier) لصالح القوات المحلية، وأسهمت مباشرة في إفشال عملية الانسحاب، وتدمير القدرة القتالية للحامية الفرنسية خارج النطاق الحضري.
أسباب نكث الأتراك بوعدهم للفرنسيين في أورفا (1920)
استراتيجية الضغط العسكري والسياسي
المقاومة الوطنية التركية كانت تريد إجبار الفرنسيين على التخلي عن طموحاتهم في كيليكيا بالكامل.
السماح بالانسحاب الآمن مع الحماية كان سيمنح الفرنسيين فرصة لإعادة تنظيم قواتهم لاحقًا، وهذا كان غير مقبول استراتيجيًا.
تضارب الأوامر والسيطرة المحدودة
في تلك الفترة، الحركة الوطنية التركية كانت ما تزال مؤسسة حديثًا، والأوامر المركزية لم تصل دائمًا لكل الوحدات.
بعض القبائل الكردية أو وحدات الدرك المحلية لم تلتزم بالاتفاقيات مع الفرنسيين بسبب غياب آلية تنفيذ صارمة.
الانتقام وإرسال رسالة
الهجوم أثناء الانسحاب كان تكتيكًا لإضعاف القوة الفرنسية نهائيًا وإرسال رسالة واضحة عن أن أي قوات أجنبية لن تتمكن من السيطرة على المناطق الداخلية.
يعكس هذا النهج ما يُسمّى في الدراسات العسكرية بـالضغط الأقصى (Maximum Pressure Tactics) على العدو لتأمين أهداف استراتيجية.
ضعف الثقة المتبادلة
الفرنسيون كانوا قوى احتلال، والأتراك لم يثقوا في التزاماتهم على المدى الطويل.
أي اتفاق شفهي كان يُنظر إليه على أنه تسوية مؤقتة، وليس اتفاقًا ملزمًا.
المصدر:لينك:https://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Urfa
مواقع ودراسات تركية عن حرب الاستقلال (1919–1920)
تحليلات عسكرية عن التضاريس والكمائن في حروب كيليكيا