قصة حياتي غزال

قصة حياتي غزال

0 المراجعات

قبل أن يدخل موسم الصيف، وفي إحدى الأيام المستترة، الجو
صاف والطقس معتدل. يجلس شبابي في الغرفة يفكر، كيف تخطيت
طفولتي؟ وكيف أصبحت قد ا رتي مقيدة بشروط؟
تجيبني نفسي: بأن الأمر مجرد تخمينات تأتي محل شك... ثم
تساءلت مع نفسي لماذا لا أذهب ولو لمدينة أخرى لكي أروج عن
نفسي التي صارت تقتلني كل يوم باحتمالاتها القاتلة؟
وبدون تخطيط وذات صباح استيقظت على عجلة من أمري ،
الجو غائم ومقترب من الإمطار ، وضبت أغ ا رضي وحملت حقيبة فوق
أكتافي، ثم ودعت عائلتي ذاهب لأبحث عن مستقبلي الضائع
والمغترب في غربة وكأنها منفى.
ركبت الحافلة، ثم وضعت سماعات الأذن لأستمع لنغمات
الموسيقى الشعبية، ربما ستذكرني أني أسير نحو غربة لا صديق فيها
ولا حبيب، الكل تركته خلفي. فجأة لامستني أنامل كعصفور جلس
على غصن زيتون، فالتفت مسرعا لأرى لمن تلك الأصابع، فإذا هي
كموجة تقف أمامي؛ عيناها كسماء صافية؛ رموشها كغابة نخيل...
تركت سماعة الأذن وسألتها ماذا تريدين؟
فأجابت متسائلة بصوت خافت كسكين طعن قلبي: "أيمكنني الجلوس
بجانبك؟" التزمت الصمت وكأني أبكم أصم، ثم كررت السؤال ثانية،
ثم أجبتها قائلا: "مرحبا تفضلي." جلست بجانبي وهي تبتسم ابتسامة
3
قد أشعلت في قلبي نا ا ر، بدأنا الدردشة وفتحنا الحديث عن الرحلة ثم
سألتني قائلة: إلى أين الوجهة؟ وما هو هدفك؟
ضحكت لكن الألم كالسهم يؤلم عند الإصابة، وهو أشد ألما حين
نزعه من الجسم، قلت لها: أيتها الجميلة لا تظني أني أرغب في
الرحلة، فأنا لست أعلم إلى أين أذهب وما هو هدفي ، فقط أريد العودة
لزمن الحب والحنان، العودة لزمن الصدق والصداقة، العودة لزمن
الرفقة الطيبة، العودة لحالي ولنفسي.
تعجبت الفتاة لأمري وما أحكيه، ثم قطعتها قبل أن تتكلم كلمة أو
تسأل سؤالا، أيا جميلة وربما رفيقة أو ربما حبيبة أو ربما لي عدوة،
رحلتي تركت فيها أهلي خلفي لأرى مستقبلي أمامي، لكنه صعب
المرور إليه أو الحصول عليه.
تنهدت تنهيدة ظننت أنها قطعت الأنفاس فيها، لكن رزينة في
كلامها حكيمة في آ ا رئها، عظيمة في ابتسامتها ثم قالت: إن الحياة
كفتاة تحبها وتريدها، لكن صعب أن تصل إليها منذ البداية، ستظل
تمشي و ا رءها وتتبعها وتذللها إن اقتضى الحال، لكن لا تعاكسها ولا
تمشي بدونها، تمسك بذيلها وامشي بجانبها لعل يوما ستعشقك حقا.
صفقت لها وشكرتها حتى سمعنا ركاب الحافلة، ثم سألتها لما لا
ت ا رفقينني لنذهب حيث العودة للوطن الجميل وللصدق والصداقة
4
والحب والحنان لنعد لزمن الأزمان، لنمشي في طريق لا رجعة فيه،
لنمشي في طريق العودة، صمتت حتى ظننت أنها لن تتكلم، ثم
سألتني بصوت خافت: من أنت لأ ا رفقك؟ وماذا أنا بالنسبة إليك؟ قلت
لها أنت لا تعنيني بشيء الآن، لكن القلب سعيد لرؤيتك، ولا أعلم
من ستكونين بالنسبة لي مستقبلا.
وبعد هذه المحادثة القصيرة والكلام الجميل، توقفت الحافلة في
موقف الاست ا رحة لنتناول وجبة العشاء ثم تكمل الحافلة السير مجددا،
ذهب الكل إلى حيث يريد أن يتناول والشيء الذي يحبه، ذهبت الفتاة
ثم لاحقتها، ثم سألتها هل تريدين أن نتناول الطعام معا، أجابتني بنبرة
صوت حزين: أنا لست جائعة وهذا الأكل لا يناسبني، ارحل أرجوك
فأنا لست من عالمك.. . شعرت وكأن أحد صفعني ثم كرر الصفعة
ثانية، التفت فإذا هي غير موجودة، بحثت عنها في كل مكان ولم
أجدها، نسيت الأكل ونسيت نفسي. بعدها سمعت سائق الحافلة
ينادي لكي نكمل الرحلة، صعدت الحافلة لكن الجسم هو من صعد
أما عقلي وربما قلبي بقي في هذا المكان الذي لم أعرفه حتى.
جلست بمكاني، لكنني مشغول البال أفكر في تلك الجميلة من هي
ومن تكون؟ وكيف أن تكون من غير عال مي وهي تحدثت معي؟
غريبة هذه القصة، أ أنني في حلم؟ أم أنني تهت بسبب شوقي لأهلي
الذين تركتهم خلفي؟ وبسبب بحثي عن تلك الفتاة قد نسيت الأكل،
5
ونسيت أن أكلم أمي التي تركتها تنتظر اتصالي فور الوصول ولو
لوسط الطريق، اتصلت بها وتكلمت معها لكي يطمئن قلبي ولو قليلا،
لكن كيف لي أن أرتاح وتلك الغريبة هي من تشغل بالي...؟
مر زمن ثم سمعت رنين هاتفي يرن، نظرت لأرى فإذا الرقم
مجهول، فتحت الخط لأسمع لكن لا أحد تكلم وأنهيت المكالمة، ثم
رن الهاتف مجددا نفس الرقم مجهولا، فتحت الخط لكن لا أحد يتكلم.
بعد ساعات شردت أفكر في الأمر من جديد من تلك الفتاة، ومن ذلك
المتصل والذي لم يتكلم، فجأة سمعت الهاتف يرن، فتحت والغضب
يعم لساني فقلت: من أنت أيها الجبان تكلم إن كنت شجاعا من أنت؟
فإذا بنفس الكلام الحلو والجميل، الرقيق والرومانسي، ما بك يا
حبيبي؟ لماذا أنت غاضب؟
عجبا كيف أن تك وني أنت؟ ومن أين حصلت على رقم هاتفي؟
قالت لي: لا تنسى أني أستطيع أن أفعل ما لم تستطع أن تفعله، ثم
أنهت المكالمة. ا زد استغ ا ربي وشوقي لأمر هذه الفتاة، ربما أنني في
حلم أو أنني أصبحت مجنونا.
وقبل أن تصل الحافلة لمحطة الوقوف، سمعت سائق الحافلة
يقول: "هيا استيقظوا فنحن على وشك الوصول الحمد لله على
سلامتكم، هذه هي المحطة الأخيرة، يمكن لكم أن تأخذوا سيارة أجرة
لتأخذكم إلى حيث تريدون الذهاب."

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

2

متابعهم

7

مقالات مشابة