فيلا الطيور: المتحف الأول لأرضيات الفسيفساء الملونة في الإسكندرية

فيلا الطيور: المتحف الأول لأرضيات الفسيفساء الملونة في الإسكندرية

0 reviews

في قلب منطقة كوم الدكة التاريخية في الإسكندرية، تقع فيلا الطيور، وهي تعود للعصر الروماني في القرن الميلادي الأول.

ظلت الفيلا تحتفظ بجمالها وروعتها عبر العصور، كأنها عبرت الزمن بواسطة آلة زمنية، حيث تظل "شابة" ومتألقة كما هي. تعتبر الفيلا شاهدة على جانب مهم من العمارة الرومانية في مدينة الإسكندرية العظيمة.

فيلا الطيور تعد المتحف المفتوح الوحيد في مصر الذي يضم فسيفساء. إنها جزء من التراث الثقافي للإسكندرية، وتمتاز بتاريخها الذي يعود إلى القرن الأول الميلادي.

فيلا الطيور.. سبب التسمية

تم اختيار اسم "فيلا الطيور" نسبةً لتصميم الأرضيات المميزة في المكان، حيث تصور مجموعة واسعة من مناظر الطيور بأشكالها المختلفة.

ونظراً لذلك، فقد تم اختيار هذا الاسم ليعكس جمال وتنوع الأرضيات داخل المبنى. تشبه هذه الأرضيات فيلا الطيور بومبي في إيطاليا، حيث تتميز بتصاميم مشابهة للمناظر الطبيعية والحياة الطيورية.

تعد فيلا الطيور متحفًا فريداً يضم مجموعة متنوعة من الفسيفساء الملونة في الإسكندرية، حيث يمكن للزوار الاستمتاع برؤية واستكشاف هذه الأرضيات الجميلة والفنية المستوحاة من عالم الطيور.

متحف فيلا الطيور: تاريخ يمتد إلى العصور الرومانية والبيزنطية في الإسكندرية

تعود فيلا الطيور إلى القرن الأول الميلادي، تحديداً في عصر الإمبراطور هادريان (117-138م). ومنذ ذلك الحين، استمرت هذه الفيلا في الاستخدام حتى العصور البيزنطية، من الفترة الزمنية تقريباً 450م حتى 550م.

تاريخ فيلا الطيور يشهد على التحولات الثقافية والفنية التي شهدتها الإسكندرية عبر العصور، حيث استمرت الفيلا في الاحتفاظ برونقها وسحرها على مر الزمان. 

اليوم، يعد متحف فيلا الطيور مكاناً مثيراً يجمع بين التاريخ القديم والفن الراقي للفسيفساء الملونة في المنطقة.

متحف فيلا الطيور: اكتشاف تاريخي في كوم الدكة، الإسكندرية

تعد فيلا الطيور واحدة من أقدم الفلل الرومانية التي تم اكتشافها بحالة شبه جيدة في منطقة كوم الدكة، والتي كانت تعرف سابقاً بتل كوم الدكة، أو تل البانيون، أو تل كوم الديماس.

قد أطلق عليها الجغرافي استرابون بيلفيدير اسم "Belvedere" في عام 1952م. تم صدور قرار جمهوري لإزالة هذا التل الصناعي واستغلال المساحة الناجمة عن إزالته في إعادة تطوير المدينة الحديثة.

استمرت الأعمال الأثرية والحفائر في المنطقة حتى عام 1981م، حيث تم الكشف عن العديد من الآثار الهامة. ومن بين هذه الاكتشافات البارزة، تم اكتشاف فيلا الطيور في عام 1998م.

تعتبر فيلا الطيور جزءاً هاماً من الحي السكني الذي كان يقع في منطقة كوم الدكة. استوطن هذا الحي السكني العديد من السكان، وتوجد منازل تمتد عبر العصور، بدءاً من الفترة البطلمية المتأخرة وحتى الفترات الرومانية والبيزنطية.

فيلا الطيور تُعتبر مثالاً رائعاً للمباني السكنية التي تم اكتشافها في مدينة الإسكندرية من العصر الروماني، وتضفي قيمة تاريخية وثقافية هامة على المنطقة.

اليوم، تم تحويل فيلا الطيور إلى متحف يستعرض تلك الحقبة التاريخية الرائعة ويعرض الفسيفساء الملونة والآثار الأخرى المكتشفة في الموقع.

متحف فيلا الطيور: افتتاح مركز ثقافي راقٍ في الإسكندرية

تم افتتاح متحف فيلا الطيور عام 2000م بحضور وزير الثقافة والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. يضم المتحف مجموعة من الأرضيات الملونة المستخرجة من منزل كبير، المعروف بـ "فيلا الطيور". 

تم تحويل هذا المتحف إلى مركز ثقافي راقٍ يستقبل الزوار ويعرض تراثاً فريداً من فنون الفسيفساء والآثار في الإسكندرية.

فيلا الطيور: روعة فسيفساء الطيور في قلب الإسكندرية

تتميز فيلا الطيور بمجموعة رائعة من الأرضيات التي تصور في معظمها مناظر لطيور متنوعة، مما أدى إلى اطلاق عليها اسم "فيلا الطيور". 

تشبه هذه الأرضيات الرائعة نماذجها في منازل بومبي في إيطاليا. تتألف الفيلا من فناء يؤدي إلى غرفة الطعام، وتتفرع منها ثلاث غرف، بالإضافة إلى وجود حمام صغير في الجناح الشرقي، مما يدل على أن المبنى كان سكناً.

تتميز جميع الهياكل المتبقية في فيلا الطيور بتقنية بناء استثنائية باستخدام كتل كبيرة من الحجر الجيري، تم بناؤها على نمط "أوبوس كوادراتوم" (Opus quadratum). تم اكتشاف أيضاً شقفات من أمفورا داخل الفيلا، والتي استخدمت كوعاءات لتخزين السوائل والنبيذ.

أما أرضية الفناء، فهي مغطاة بفسيفساء رائعة، صُنعت على نمط "أوبوس سيكتايل" (Opus sectile)، وتحتوي على حدود مصممة بنمط "أوبوس تيسيلاتم" (Opus tessellatum)، وتعرض على الأرضية أشكالاً هندسية مذهلة.

تحف الفسيفساء في الفيلا: تنوع الزخارف وجمال الأشكال

فسيفساء الغرفة الأولى

تتألف هذه الفسيفساء من أرضية متوسطة الحجم، حيث يُصوّر عليها وردة سوداء محفورة داخل دائرة كبيرة تحتل مركز الدائرة. 

وتحيط الدائرة بمربع كبير مكون من شرائح ثلاثية سوداء على خلفية بيضاء. تُعتبر هذه الزخرفة، التي تجمع بين الوردة والدائرة المحاطة بالمربع، من أكثر الزخارف شيوعاً في الفسيفساء الرومانية الموجودة في مصر. 

يعود تاريخها إلى عام 133 م، حيث تم تحديده من خلال العملة التي عُثر عليها تحت هذه الأرضية التي تعود إلى عصر هادريان.

فسيفساء الغرفة الثانية

تتكون هذه الفسيفساء من أرضية مزخرفة بأشكال هندسية، ويتم تصوير مجموعة متنوعة من الطيور في الجانب الشرقي للغرفة.

تشمل الطيور السمان والببغاء ودجاجة الماء الأرجوانية والبط والطاووس والحمام. تتميز هذه الأشكال بألوان مختلفة وتُعرض على خلفية بيضاء.

فسيفساء الغرفة الثالثة: الفسيفساء الأقدم في الفيلا

يعود تاريخ هذه الفسيفساء إلى عام 100م، مما يجعلها الفسيفساء الأقدم في الفيلا. تتكون من أرضية متعددة الألوان تحتوي على مربع مركزي محاط بأشكال هندسية ذات ألوان حيوية.

يأخذ المربع المركزي أشكال دوائر مقسمة، حيث يبدأ بلفيفة من ورق الأكانثوس في وسط الجانب الشرقي للوحة. وداخل كل حلقة من الدوائر، توجد براعم زهور زرقاء وحمراء إضافية، بالإضافة إلى رمان وأوراق اللبلاب في اللفائف.

تتمتع الزخرفة النباتية بتصميمات صغيرة مصنوعة من قطع صغيرة بأربعة ألوان رئيسية. في المنتصف، يتواجد مربع كبير يحمل صورة لنمر يتجه نحو اليمين، ويرافقه عنصران صغيران بجوار أقدام النمر وهما بقايا قرون لحيوان آخر.

تعرضت الفيلا لحادث حريق في القرن الثالث الميلادي، مما أدى إلى تدميرها وتشييدها من جديد على أنقاضها.

ولكن بفضل هذا الحدث، تم الحفاظ على أرضيات الفيلا المكونة من الفسيفساء. تم اكتشاف سطح الفسيفساء على عمق تقريبي يبلغ حوالي 11 متراً، وذلك بفضل تكديس المباني الجديدة فوقها.

أشكال الفسيفساء الساحرة في موقع الفيلا

لوحة صالة الطعام: روعة الفسيفساء في قاعة تناول الطعام في المنزل الروماني.

صالة الطعام كانت غرفة رئيسية في تصميم المنزل الروماني، حيث يفتخر صاحب المنزل بها أمام ضيوفه. تعود هذه الصالة إلى فترة متأخرة، وتم اكتشافها أثناء البحث عن لوحة النمر التي كانت موجودة فوقها. 

الفسيفساء في هذه الصالة مصممة بأشكال هندسية باللونين الأبيض والأسود، وتم صنعها بأسلوب أوبوس سيكتايل.

لوحة غرفة الاستقبال: فن الفسيفساء يتحدث في غرفة الاستقبال المدهشة.

تم اكتشاف هذه اللوحة في عام 1993، ولكنها تم وضعها في المخازن حتى بدأت عملية الترميم عام 2015 وعُرضت في الفيلا تقريباً في عام 2017.

تتكون اللوحة من ثلاثة أجزاء، حيث يشكل الجزء السفلي كلمة ترحيب باللغة اليونانية. أما الجزء الأوسط، فهو مزيج من أشكال هندسية متنوعة بألوان مختلفة.

ويتم تصوير شكل الصليب بشكل ضفيرة، وهو نمط زخرفي شهير ينتشر في الولايات الرومانية الغربية.

أما الجزء الثالث، فهو اللوحة المركزية في المنتصف ويصور رجلاً ملتحياً يرتدي عباءة ويحمل كأسًا من الشراب، ويعتقد أنه يمثل الإله ديونيسوس.

لوحة اللوتس: أرقى جمال الفسيفساء يتجسد في ستة لوحات فريدة

لوحة اللوتس هي لوحة فسيفساء تتكون من ستة لوحات سداسية الشكل. تُصوَّر هذه اللوحات أصنافاً متنوعة من زهرة اللوتس، حيث تحيط بكل زهرة إطار دائري ساحر.

تتميز هذه اللوحة بجمالها وروعتها، حيث تجسد رونق وجمال هذه الزهرة الفريدة.

في ختام هذا المقال، نستنج أن "فيلا الطيور" في الإسكندرية تعد المتحف الأول لأرضيات الفسيفساء الملونة. حيث تضم هذه الفيلا تحفاً فريدة من نوعها تعكس تاريخاً عريقاً وثقافة غنية.

من خلال استعادة واكتشاف هذه الأعمال الفنية الرائعة، يتسنى لنا التعرف على التراث الإسكندراني والحضارة الرومانية التي ازدهرت في تلك المنطقة.

تعتبر الأرضيات الملونة من الفسيفساء معلماً فريداً يستحق الاهتمام والتقدير، فهي تروي قصة الفن والإبداع والحضارة.

لذا، يجب المحافظة على هذا التراث الثمين وتعزيز الجهود المستمرة لحمايته وتوثيقه، حتى يستمتع الأجيال القادمة بجماله وقيمته التاريخية. 

تعد "فيلا الطيور" وجهة مميزة لعشاق الفن والتاريخ، ونأمل أن يستمر هذا المتحف في إثراء المجتمع المحلي وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بجماله الفريد والغوص في عالم الفسيفساء الملونة

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

13

followers

2

followings

1

similar articles