قصة رعب حقيقية - الجن والعفاريت صابر وجده
صابر وجده منصور الجن والعفاريت والحرب في هذه. القصة المستوحاة من احداث حقيقة
- خد ياض ياصابر تعال اقعد معايا, سيب اللي انت ماسكه في ايدك ده, افرح بجدك شوية قبل ما يروح.
قفلت التليفون وانا بقول له بابتسامة خجول:
- ليه بس كدة ياجدي منصور, ربنا يديك طولة العمر, انا جيت لك اهو.
سألني بنص اهتمام:
- عامل ايه في مذاكرتك؟
- اهو, واش ياواش, حبة مطلعة عيني, وحبة مطلعة روحي.
- ااا .. طب ايه, مش ناوي تتجوز كدة وتخلف, اهو تلحق تفرح بعيالك وانت صغير.
ضحكت وانا بقول له:
- فال الله ولا فالك ياجدي, جواز ايه دلوقتي بس, العمر لسة قدامي طويل, مبفكرش فيه دلوقتي.
بابتسامة باهتة رد وقال:
- مبيفرقش بين كبير وصغير, ده قدر وحق علينا, ربنا يفرحك بشبابك. ايه, امال ابوك وامك مجوش ليه لحد دلوقتي؟
وعشان انا متعود من جدي (منصور) على كلام من نوعية ان الموت قريب من الكل ومبيفرقش والكلام ده, فعلقت على الموضوع التاني على طول:
- انا عارف, ابويا قال لي ساعة كدة وجاي وراك, شكلهم رايحين مشوار.
مال عليا وقرصني في رجلي وهو بيقول:
- ده شكله وزعك من البيت عشان يخاويك .. ولا ايه ياواد, ها..
ضحكت وقلت له:
- لا ياجدي, ابويا خلاص كبر, سلم نمر هو وامي واكتفى بيا.
- هه, امال انا حاسس اني لسة مسلمتش نمر ليه لدلوقتي؟.
وانا بضحك قلت له:
- انت ربنا يديك الصحة ياجمل, يافخر عيلة الجندي.
سألني بمكر:
- منا عايز اسلمك شارة الفخر من بعدي, طالما ابوك طلع سَكّة.
- لا لا, متحاولش, انا مش هتجوز دلوقتي, انا قدامي اهداف عايز احققها.
بسخرية قال:
- ماشي يابو اهداف.
- طب على ذكر الاهداف بقى, انت عارف اني بكتب..
- ايوا ياخويا عارف, نجيب محفوظ العيلة.
تغاضيت عن سخريته وقلت:
- انا عارف ان جيلك هو الجيل الذهبي, الجيل اللي حضر وشاف كل حاجة .. فـ معندكش حكاية كدة تقولها لي, من البهاريز, تكون مليانة رعب, وملظلظة بالأكشن والاثارة .. من الآخر كدة افتح جرابك ياحاوي.
ابتسم بوقار ورد عليا:
- جن ايه وعفاريت ايه بس, كل دول ميساووش حاجة, وقت ذِكر المولى, كله يوليك الدُبُر ويجري.
قلت له باصرار:
- قل لي انت بس حكاية منهم, وانا هعمل لك منها شربات.
بذات الوقار قال:
- ياواد افهم, مش كل الرعب اللي بتقول عليه, عفريت وجن ومساخيط ومقاطيع, في حاجات تاني فيها رعب من اللي بتتكلم عليه, ويمكن اكتر, في واحد تلاقيه زي الجبل, ويخاف من صرصار ماشي على الحيط .. وتاني يخاف يفقد حد عزيز عليه.
قلت له:
- ايوا, ما ده اسمه الرعب النفسي, وفي الفوبيا, انما اللي انا بكلمك عليه ده اسمه الرعب القوطي, اللي فيه جن وعفاريت والحاجات دي.
نهنه بسخرية كالمعتاد, وقال:
- اقول لك انا على نوع رعب جديد, مسمعتش قبل كدة؟
انتبهت له وقلت بحماس:
- ياسلام, قول ..قول ياموسوعة.
- مش عارف ابوك قال لك على الحكاية ده ولا لأ, بس انا هقولها لك .. جدك عبد الغفار صابر الجندي.
باستغراب سألته:
- مين ده ياجدي؟
ابتسم بمرارة وقال:
- اخويا.
- اخوك؟!
.
..
*سنة 1967*
وقف جنبه وانا بقول له:
- ياويل العدو منك ياخويا, دول لو شافوك بالبدلة الميري..
قاطعني:
- الله في سماه, ماحد هيلحق يشوف بدلتي حتى, قبل ما عينه تيجي على حتة من ارضنا, هيكون دمه مغرق تحت منه.
وقفت قدامه ورفعت ايدي جنب وشه التحية العسكرية:
- حظابط عبد الغفار صابر الجندي معدي يابني, وسع له طريق.
رفع صدره لفوق, ورد لي التحية وقال:
- استرح يامجند منصور.
ضحكت بانبهار وقلت له:
- تصدق, كانوا خدوك لواء, خايلة عليك ياخويا.
رجع بص للمرايا وقال لي:
- في الحرب, الكل واحد, العسكري زي الظابط زي رئيس الجمهورية.
سكت لثواني قبل ما أقول:
- كلها كام سنة وتخلص وادخل انا من بعدك, مش عايزين نعمل زي اللي سبقونا, ودخلوا وطلعوا محدش سمع عنهم, عايزين اسمنا لما يتقال هناك, يقفوا له احترام, عايزين اسم ولاد (صابر الجندي) يجلجل.
بص لي في المرايا وقال:
- مش مهم هنا, المهم اسمنا قدام العدو, هو اللي المفروض يهابنا, مش اللي من دمنا.
وهو بيتكلم, دخلت امي, بجلابيتها السودا المعتادة, وشايلة على كَف ايدها مبخرة صغيرة .. جت جنب عبد الغفار وفضلت تعمل دواير بالمبخرة وهي بتقول:
- اللهم صل على كامل النور والهدى, محمد بن عبد الله, رقيتك ياولدي من عين كل من شافك ولا صلاش على النبي, رقيتك باسم الله وقدرته, يحميك في غربتك, ويجعل في غربتك ناس يكونوا لك وطن .. ينصرك على مين يعاديك, ويبعد عنك من مات قلبه ولسة بدنه عايش.
قلت لها:
- ايه الحنان ده كله ياأم عبد الغفار, مفيش منه حبة لينا, ولا عشان هو البكر؟..
بصت لي وقالت:
- يعلم ربنا, ماحد فيكم له معزة اكتر من التانية, انتوا الاتنين معزتكم في قلبي واحدة, انتوا ولادي وضهري في دنيتي بعد ابوكوا ما فارق.
مسك عبد الغفار ايدها وباسها بحنان, فطبطبت على راسه, قال لها:
- ربنا يخليكي لينا ياجدعة, ويبارك لنا في عمرك وتشوفي ولاد ولاد ولادنا, واكتر كمان.
تدخلت وانا بقول لهم:
- انت هتاخد الحنان كله لوحدك, اديني شوية.
ضحكت امي واخويا .. وبعد شوية, رجع عبد الغفار يبص في المرايا تاني ويعدل هندامه .. لما امي قالت:
- بدلتك لاقية عليك قوي ياولدي, عريس ماشاء الله عليك .. تعرف, انا بفكر اجوزك بالبدلة دي بدل الجلابية.
- انتي تعملي مابدا لك فينا ياست الحبايب, احنا رهن وطوع اشارتك.
- ربنا يحميك ياولدي, ويُردك لينا سالِم.
بص لها وقال بثقة:
- وحياة رحمة ابويا عندي, لأخلي العدو يولوا الدُبُر ويجروا.
قلت له:
- قدها ياخويا.
عدت دقايق, امي قالت لنا فيها ان الاكل برا, نطلع نتغدى, عشان يلحق عبد الغفار يقعد مع خطيبته ويودعها قبل ما يسافر.
.
.
وعلى بالليل قُرب المغرب, طلعنا من بيتنا ورحنا لبيت (راضية) خطيبة اخويا .. استقبلنا ابوها بحرارة كعادته, احنا مكناش اغراب عن بعض, الوِد كان موجود ما بينا ومسقي وطارح وجدره غارس لسابع ارض, يعني خطوبة اخويا من بنته كانت زيادة في الوِد, وزيادة نسب..
قعدنا الرجالة مع بعض, وامي راحت تقعد مع الحريم, وقعدنا نتكلم, اخويا قال له:
- بإذن الله, اخلص خدمتي, وارجع اتجوز راضية على طول.
- ربنا يثبت أقدامكم, وينصركم.
وبص لي وقال:
- شد حيلك انت كمان يامنصور, الدور جاي عليك من بعده.
ضربت على صدري كام ضربة خفيفة:
- لو طولت ياخدوني من دلوقتي مكان عبد الغفار لاروح, الواحد في ديك الساعة لما يختاروه يروح يقف يدافع عن ارضه ويحرسها.
هز راسه:
- ربنا يحميكم ياولدي ويردكم لأهلكم.
لمحت بطرف عيني عبد الغفار عمال يفرك وعينيه تدور في كل مكان في البيت .. فقلت:
- مش انا اخوه الصغير اهو, هو ايوا انا اصغر منه بسنة, يعني الفرق ما بينا مش كتير, بس الاسم انه اخويا الكبير, الاصول بتقول كدة .. بس انا عايز اطلب منك طلب.
رد الراجل باهتمام:
- قول يابني, أؤمر.
- اخويا بس يودَّع خطيبته, يشوفها قبل ما يسافر ويقعد معاها, ولو خمس دقايق, انا عارف انه مش من سِلونا, بس انت عارفنا, ومربينا بعد ابويا الله يرحمه, يعني يوم ما تدينا ضهرك, تديه لنا وانت مطمن.
الراجل قام وقف في مكانه وقال:
- ايه الكلام اللي انت بتقوله, اخاف منكم ايه بس, دا اختكوا قبل ما تبقى خطيبة اخوك. راضية, تعال هنا مع امك, وهاتي حماتك معاكي.
ببص لأخويا لقيت وشه قلب الوان, وبان عليه انه مرتبك .. ولما دخلت راضية, قام فَط في مكانه, والضحكة كانت من الودن للودن..
قلت لهم بصوت مسموع:
- ماتيجوا نطلع برا ونسيبهم لوحدهم, ده بعد اذنك طبعا ياعمي.
امها بصت لي, بعدها بصت لجوزها بشكل يوحي انها اتصدمت .. لكن جوزها اتكلم وقال:
- تعال ياراضية اقعدي مع خطيبك, عايز يودعك قبل ما يسافر.
وطلعنا قعدنا في المِيجاز, وسبناهم لوحدهم .. وسط نظرات الام المندهشة.
لما رجعنا البيت, عبد الغفار كان طاير من الفرحة, وقعد يحضني ويشكرني على اللي عملته, وامي كانت فرحانة لفرحته..
وفضلنا قاعدين مع بعض, لحد ما جه معاده, ومشي..
رحت وصلته لمحطة القطر, واتطمنت انه ركب, وشوفت القطر ماشي .. ولما تاكدت انه خلاص مشي, رجعت البيت.
- سكت ليه ياجدو, كمل..
اخد نفس, وفضل يبص ع حيطان البيت بلا سبب واضح, وقال:
- احسن حاجة يعملها الواحد قبل مماته, انه يسيب مكانه أثر طيب, الناس تفتكره به لما يفارق, بس عارف بقى الاحسن من ده ايه؟ .. انك لما تعامل حد حلو, عامله بكل الحلو اللي في الدنيا, متشيلش جواك شوية لبعدين, عشان لو كانت دي آخر مرة تشوفه فيها, تفتكر انك ماقصرتش معاه, وكل الخير اللي في قلبك طلعته, ومترجعش تفكر وتقول "يااااه لو كنت عملت كدة .. لو يرجع بيا الزمن, مكنتش شيلت جوايا حاجة."
وشوفت دمعة بتترقرق في عينيه, قربت منه وقلت له:
- انت كويس؟
وهو باصص ف الارض قال:
- مكنتش عارف ان دي آخر مرة هشوفه فيها..!
*************************
بعد ايام قليلة, قامت النكسة, وبدء يتوالى علينا اخبار الشهداء, والجرحى والمصابين, والمفقودين..
امي حالها اتبدل, تعبها زاد, والحزن اللي كانت شايلاه جوة قلبها من يوم ما مات ابويا, طلع المرة دي, وبان ضعفها, وقلة حيلتها, وحسرتها على ابنها اللي مسمعتش عنه اي خبر تاني, لا بـ حلو, ولا بـ وحش .. !
بعد ما الحرب هديت شوية, والحال شبه استقر, كانوا قدروا يحصدوا عدد اللي استشهدوا, وجت لنا الاخبار لحد عندنا مع مرسال, وقف في نص البلد ينادي على الأسماء اللي مش راجعة تاني..
وقفت مع امي ايدينا على قلبنا, مش سامعين غير صوت المنادي, حتى الستات اللي بيزعقوا جنبه, مكنتش سامع لهم صوت, يادوب افواه بتتفتح وتتقفل, وايدين بتشيل التراب..
فضل ينادي, كتير, كتير قوي, يمكن مكملش دقايق, لكن اللي كنت حاسه جوايا, خلى الوقت يعدي كأنه 100 سنة..
وقال كل الأسماء اللي معاه, من كل عيلة والتانية اسم شهيد, نعرفه ومنعرفوش, كان صاحبنا او خصيمنا .. سمعنا كل الأسامي .. الا اسم اخويا..
بعد ما خلص, رحت له, بلسان متلجلج قلت له:
- اخويا, عبد الغفار, عبد الغفار صابر الجندي, مش معاك صح, اسمه مش موجود هنا؟ يعني هو عايش, مش كدة والنبي .. عايش صح؟
بص في الورقة, وقلب بعينيه شوية, بعدها مد ايده في جيبه, وطلع منها كام ورقة تاني, ودور فيهم, لحد ما رسي على ورقة منهم وقال:
- اهي, عبد الغفار صابر الجندي.
الدنيا اسودت في عيني لما سمعت الاسم, وحسيت بالبرد, مبقتش سامع حاجة, وداني بتصفر .. لمحت امي واقفة جنبي, بتبص له ببواقي الثبات اللي فيها .. وسمعت صوتها:
- شهيد؟ قل لي انه مات شهيد, مش هزعل, ده هيشفع لي, هو انا .. هو انا اطول لما يقولوا لي يا أم ... يا أم الشهيد .. قل لي ياولدي, الرصاصة جت له في وشه, ولا غدروا به؟
رد عليها بعد صمت:
- ابنك ملقنهوش, لم يستدل عليه, احنا منعرفش اذا كان حي ولا ميت, بس احنا نحتسبه عن الله من الشهداء .. دي شهادة فقد, مبعوتة لكم, اتفضلي.
______________________
البلد كلها عملت جنازة كبيرة في نفس اليوم, كل من له شهيد عمل جنازة, مسلم, مسيحي, المساجد كانت عمرانة, والكنايس, صوت آيات الذكر الحكيم بيضوي في كل ناحية, وترانيم, بتزغت في ودن كل حي..
عملنا لهم خارجة غيابي تليق بيهم, وعلى قد قدرتنا, وصلينا عليهم صلاة الغائب, وكل واحد أخد كفن, وطلع على المقابر دفنه, وفي اللي بَنى تربة جديدة, وكتب عليها "هنا يرقد الشهيد (فلاني)"..
.
لكن احنا معملناش حاجة, امي رفضت, كانت مقتنعة تمام الاقتناع ان عبد الغفار عايش, معنى انه مفقود, يعني عايش, سواء كان مدفون تحت الارض ومحبوس مش عارف يطلع, خدوه أسير, هو في الآخر عايش..
وفضلنا قاعدين على امل انه يجي ويخبط علينا الباب.. بس ده محصلش, فات شهر واتنين, سنة.. مفيش ولا حِس ولا خبر بعد الورقة اللي معانا..
امي تعبت زيادة, صدرها تعبها اكتر, والحساسية شدة عليها .. وكل يوم والتاني عند دكتور شكل, وكل شوية دوا مختلف عن اللي قبله, وبرضه مفيش نتيجة مرجوة, وحالتها بتسوء اكتر..
مكانش لوحدنا اللي جالنا الجواب, كان في كذا حد تاني, بس حالتهم كانت احسن مننا نوعًا..
- أسوأ انواع الرعب ياصابر, هو الانتظار, لما تبقى متأكد ان اللي راح, مش هيرجع تاني, بس مع ذلك, انت قاعد منتظر تسمع خبره .. موت يابني بالبطيء, انك تستنى بابك يخبط, ويقولوا لك "حبيبك مات." .. ولحد ما يجي الخبر, انت قاعد في رعب الانتظار. !
اغلب البلد راحوا له, مش عشان موت حد عندهم, لكن كل اللي كان عنده مشكلة, كل اللي رزقه قليل, كل اللي حالها واقف؛ يلاقوا عنده الحل .. احنا كنا من المجموعة اللي راحت تدور على عيالها عنده, بس الاختلاف اللي ما بينا وبينهم, انهم رايحين يدوروا على عيل صغير تاه في الغيط, وخايفين تكون النداهة ندهته, انما احنا, كنا رايحين نستعجل خبر وفاته.. بس امي كان لها رأي تاني, زي ما كان رأيها وقرارها اننا نروح للشيخ عرفان, على الرغم اني كنت معارض:
- اخوك عايش يامنصور, قلبي بيقول لي كدة, انا أم, ومحدش حاسس بقلب ولدي غيري .. عبد الغفار عايش.
وابتسمت لي ابتسامة باهتة قوي, مرهقة, مجهدة..
بادلتها نفس الابتسامة, وبصيت قدامي على الناس اللي قاعدين مستنيين دورهم..
سرحت شوية في ملامحهم, بين الخوف, والشغف, والحماس, والقلق .. كل واحد منهم له قصة, كل واحد فيهم له حكاية جاي هنا عشان يحكيها..
كان في راجل كبير في السن قاعد جنبي, وجنبه واحدة صغيرة, في سن العشرينات على ما اعتقد, شكلها بنته .. لقيتني بفضول بسأله:
- اعذرني يابويا اني بسألك, بس انت جاي هنا ليه؟
الراجل بص لي بفتور شديد:
- بتسأل ليه؟
- متآخذنيش, بس اهو بحاول اتكلم مع اي حد .. محدش جاي هنا عشان يحل مشاكله قد ماهو جاي عشان يتكلم ويطلع اللي جواه. لو مش عايز تقول, براحتك, وعلى العموم انا آسف.
بذات الفتور بص قدامه وسكت, فـ بدوري انا كمان بصيت قدامي .. بعد ثواني قليلة سمعته بيقول:
- غُلبنا, دوخنا في كل حتة على حد يخليها تخلف, محدش عارف ايه السبب, ادوية وخدنا, اعشاب وشربنا ودهنّا .. مفيش قدامنا غيره, جايز يكون الشيخ عرفان مبروك زي ما بيقولوا, جايز ربنا يجعل في ايديه الشفا.
بصيت للي قاعدة جنبه وقلت له:
- طب وهي جوزها فين, مجاش معاكم يعني .. عارف, شكله هو اللي فيه حاجة, وخاف يجي احسن الشيخ عرفان يـ..
قاطعني بحدة وهو بيبص لي:
- انا جوزها. !
سكت, وفضلت مبلم وباصص له .. قام اخدها من ايدها وراح للراجل اللي بينظم الدور وزعق فيه:
- احنا بقالنا يجي تلات ساعات قاعدين, كل الناس دخلت الا احنا.
- خد بنتك واقعد مكانك ياحاج لما يجي دورك هنا..
الراجل اتعصب اكتر:
- بنتي مين ياجالوس الطين, دي مرتي.
ومسكها من ايديها وشدها:
- يلا بينا من هنا, مبقاش الا النصابين كمان, ناقص يعملوا لهم مقام.
ومشي وسط نظرات الناس المستغربة, واللي بيضحك ضحكة مكتومة .. وبعد ما بِعِد, ابتدت سيرته تطلع, والكل قعد يتكلم عليه, وعن شيبته, وازاي ياخد واحده من دور بناته, وازاي عايزها تخلف منه .. طلع واحد من الناس وقال:
- فاكر العيب من عندها, ميعرفش ان هو اللي قاطع.
وانفجر الناس في الضحك.
.
قعدنا شوية تاني لحد ما جه دورنا ودخلنا .. وكـ عادة السحرة اللي من النوع ده في الوقت ده بالتحديد, مبخرة من الفخار قدامه, طالع منها دخان كتير لونه احمر غامق, لابس في رقبته سِبَح كتير..
قعدنا قدامه على الارض, ما بيننا المبخرة, ومن وراها كانت ملامحه الهادية..
فتح عينيه, ابتسم بلطافة وقال:
- خير..
- ولدي, ولدي تاه في الحرب, بيقولوا انه مفقود ومستدلوش عليه, قالوا لي هعنتبره شهيد, بس انا قلبي بيقول لي غير كدة, بيقول لي انه عايش, روحه لسة بتحوم في بلاد الله .. طمن قلبي ياولدي, بحق ما تعبد.
رمى شوية بخور في الفخارة, واستنى لحد ما دخانها الاحمر طلع, قعد يبص عليه, ويقلب بعينيه كأنه بيدور على حاجة .. وكرر ده كام مرة تاني .. بعدها قال لنا:
- ابنك روحه متعلقة, جسمه عايش, بس روحه محبوسة, زي ما يكون مسجون.
- مسجون ازاي ياشيخ؟
بص لي وقال:
- اخوك شكله متاخد أسير.
بصينا لبعض انا وامي, كمل كلامه:
- انا مقدرش أجزم بـ ده, غير لما تعملوا اختبار لحاجة .. قولوا لي, مين آخر واحد كان معاه قبل ما يسافر منكم؟
- كلنا كنا جنبه.
- لا, قصدي آخر واحد كان معاه قبل ما يسيب البلد, على محطة القطر.
قلت له:
- انا.
- حلو .. يبقى تعمل اللي هقول لك عليه بالحرف. !!
.
أتمنى تكون القصة عجبتكم، ومتنسوش اللايك والشير، وان تكن مجرد بضع لمسات على شاشات الهواتف الذكية أو نقرات على أزرار الهواتف
والحواسيب بالنسبة لكم، الا أنها تعني لي الكثير، فهي تُعطيني دفعة للأمام لكي أكتب لكم أكثر وأفضل