الجاسوس سمير وليم باسيلي: ج١
من هو سمير وليم باسيلي؟
سمير وليم باسيلي (١٩٣٨), مصري الجنسية,
حصل سمير على الثانوية العامة بصعوبة شديدة عام ١٩٦٠ و توقف عن إكمال دراسته بأحد المعاهد. فالأب ... كان بخيلاً شديد البخل... شرس الطباع في معاملته لأبنائه... لا يترك قط مساحة ضئيلة من التفاهم تقربهم منه، وكره سمير في أبيه سلوكه فأدمن الخروج من المنزل والسهر مع أصحابه, ولم تنطفئ برغم ذلك حرائق الصدام مع والده. لذلك فكر في السفر إلى ألمانيا بعدما ضاقت به الحياة وعضه الجوع.
وعندما عرض الأمر على أبيه لم يسلم من تهكمه وسخريته اللاذعة, وذكره بالفشل الذي أصبح سمة من سمات شخصيته, رافضاً بشدة إمداده بنفقات السفر رغم توسط بعض أفراد الأسرة.
استدان سمير من أصدقائه ووجد نفسه فجأة على مقعده بالطائرة في طريقه إلى ألمانيا، يتنفس الصعداء ويلعن الفقر, ويسب والده الذي حطم كل الآمال لديه فأشعره باحتقاره لنفسه, ودونيته, وبث بأعماقه شعوراً مخجلاً بالضعف والحقارة.
لقد كان يبخل عليه بأبسط بوادر الحنان والأبوة... وحرمه الحب... فعاش معه مزوياً بلا هدف أو كيان. وأخذ سمير يجتر ذكرياته المرة مع والده البخيل .. الذي دأب على تسميم بدنه ليل نهار بالسباب والحط من شأنه... وتحريض أمه على طرده من المنزل كلما عاد متأخراً وحرمانه من العشاء والهدوء, مما أثار شجن الشاب الممزق, وكثيراً ما كان يسأل نفسه أهو ابن شرعي لهذا الرجل أم لقيط وجدوه على الرصيف.
تحركت به الطائرة على الممر, وقبل أن ترتفع مقدمتها عن أرض المطار, أخرج سمير منديله وبصق على معاناته وآلامه وحظه، وكأنه يبصق على كل ما يذكره بأيامه الكئيبة. وظل يسرح طوال رحلته في خيال جميل أفاق منه على صراخ عجلات الطائرة وهي تنزلق على أرض مطار ميونيخ. وشرع من فوره في محاولة تحقيق الحلم, فاتصل بمعارفه هناك لمساعدته, وسريعاً حصل على وظيفة معقولة بشركة سيمونز الشهيرة فعاش حياة رائعة لم يكن خياله يقوى على وصفها أو يتخيلها.
مرت الأسابيع والشهور وفتانا منهمك في عمله لا يبغي سوى جمع المال, وبدأ رويداً رويداً في استطلاع الحياة الجديدة, التحرر الصاخب الذي يغش المجتمع من حوله, وساعده المال الذي ادخره على المغامرة, فانغمس في عالم آخر بعدما ضعف أمام إغراء المدينة الساحرة, بحر هائج من اللذات لا ينتهي مد موجه أو يخمد, أفرغ بين ضفتيه حياته السابقة لا يكاد يفيق من نشوته وسكرته إلا ويعود أكثر شراهة وطلباً.
ضمن له مرتبه الكبير التكيف مع حياته الجديدة, ولأنه فقد هويته – أراد أن يرسم لنفسه هوية جديدة ابتدعها هو, وهيأت له الظروف خطوطها لخدمة أحلامه وطموحاته. وتبلورت شخصيته الجديدة على مقهى برنسيس حيث الخمر والرقص والنساء.
وذات مساء وكان الزحام على أشده جلس بجواره رجل أنيق ودار حديث بينهما, وصاح "هاتز مولار" (ضابط المخابرات الإسرائلية) ينادي على صديقته "جينفيف يارد" في ترحاب زائد, وعرفها على سمير باسيلي الذي غاص في الذهول والمفاجأة, أحبها وتعلق بها, وأصبح بينهما علاقة, طلبت منه ترجمة بعض الصحف المصرية والعربية للمخابرات الإسرائلية, لم يتردد سمير واشترط عليها البقاء معه و عدم تركها.
وبعد فتره, فجاءته بأوراق وكتب بخطه سيرة حياته, ومعلومات عن معارفه وأقاربه ووظائفهم وعناوينهم في مصر. وطلبت منه بتدلل أن يمدها بأخبار مصر من خلال المصريين الوافدين إلى ميونخ, فلم يعترض, تعرف على مندوب الموساد. تركته جين لتبحث عن غيره, وانشغل هو باصطياد المصريين والتقاط الأخبار, وقبع في مطار ميونيخ ينتظر الطائرات القادمة من مصر عارضاً خدماته على الوافدين للمرة الأولى, الذين يسعدون بوجود مصري مثلهم يرافقهم إلى حيث جاءوا, ويقوم بتسهيل أعمالهم في المدينة.
أشهر قليلة, واستطاع أن يقيم شبكة واسعة من العلاقات, خاصة مع بعض موظفي مصر للطيران وبعض المضيفين والمضيفات... ويعود إلى مسكنه في المساء ليكتب تقريره اليومي المفصل, الذي يتسلمه منه مندوب من الموساد كل صباح, ويقبض آلاف الماركات مكافأة له.
بعد أن استقرت أموره المالية كثيراً عرف أبوه طريقه, فزاره في ميونيخ عدة مرات زاعماً أن المشاكل الاقتصادية في مصر تضخمت, وأنه يطلب مساعدته في الإنفاق على أسرته.
كان سمير يتلذذ كثيراً بتوسلات والده. بل يرسل في طلبه خصيصاً ليستمع إلى كلمات الرجاء تتردد على لسانه, وليرى نظرات التودد تملأ وجهه. وتضخم الإحساس بالشماتة عند الابن تجاه أبيه حتى وصل إلى درجة الانتقام, وكان الانتقام بشعاً ويفوق كثيراً حجم الترسبات التي قبعت برأس الابن تجاه أبيه.
لقد دبر سمير كميناً محكماً لأبيه أوقعه في شراكه عندما صحبه إلى مكتب هانز مولار ضابط المخابرات الإسرائيلية في ميونيخ, والذي يبدو في ظاهره مكتباً للمقاولات.
ولأن وليم فريد باسيلي يعشق النقود, أوضح له هانز أنه سبب الرفاهية التي يعيش فيها ابنه سمير. وأنه على استعداد أيضاً لبدء علاقة عمل بينهما وتأسيس شركة تجارية كبرى في القاهرة تدر عليهما ربحاً وفيراً, عندها . تخيل وليم شركته الجديدة والأموال التي ستغدق عليه, تخيل أيضاً مقعده الوثير ومكتبه الفخم وسكرتيرته الجميلة وسيارته الحديثة, وسافر بخياله يجوب شوارع القاهرة يختار موقع المكتب. فأيقظه هانز قائلاً إنه بحاجة إلى معلومات اقتصادية عن السوق المصرية, يستطيع من خلالها أن يحدد خطوطاً عريضة لنشاط الشركة. ولبى وليم الدعوة وجلس عدة ساعات يكتب تقريراً مفصلاً عن احتياجات السوق، وأحوال الاقتصاد في مصر.
دهش هانز لدقة المعلومات التي سردها وليم ومنحه فوراً 1000 مارك، ووعده بمبلغ أكبر مقابل كل تقرير يرسله من القاهرة.
نشط الجاسوس الجديد في كتابة التقارير وإرسالها إلى ألمانيا. وفي الزيارة التالية لميونيخ فوجئ وليم بثورة هانز بسبب سطحية تقاريره المرسلة إليه. وقال له إن المكتب الرئيسي على استعداد لدفع خمسة آلاف مارك للتقارير المهمة وأنه على استعداد لتدريبه على كيفية جمع المعلومات وكتابتها بعد تصنيفها. وعندما سأله وليم عن المكتب الرئيسي أجابه بأنه في تل أبيب، وهو مكتب مختص بالشؤون الاقتصادية في دول العالم الثالث. ارتبك وليم فناوله هانز خمسة آلاف مارك في مظروف مغلق قائلاً إنه هدية من إسرائيل من أجل التعاون المخلص.