السبطان يلدم الصاعقة

السبطان يلدم الصاعقة

0 reviews

من هو يلدرم بيك؟

يُعرف يلدرم بيك باسمه الكامل "يِلدِرِم بيك"، واسمه الأصلي "ميرزا محمد بك". كان يلدرم بيك قائدًا عسكريًا عثمانيًا بارزًا في الفترة ما بين عامي 1378 إلى 1389 ميلادية. يلعب دورًا مهمًا في تاريخ الدولة العثمانية خلال تلك الفترة، خاصةً في حروبه ضد الدولة البيزنطية والإمبراطورية الصربية.لقب "يِلدِرِم" أو "يِلدِرِم بيك" يُشير إلى شخصية تاريخية مهمة في العالم الإسلامي، وهو اللقب الذي اشتهر به القائد العسكري العثماني البارز الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي. يُعتبر يلدرم بيك واحدًا من الشخصيات التاريخية الملهمة التي أثرت في مسار التاريخ الإسلامي والعثماني بشكل كبير. في هذا المقال، سنتناول بعض المعلومات حول حياته وأهم إنجازاته وتأثيره على تاريخ المنطقة.

وما إن تولى العرش عام ألف وثلاثمئة وتسعة وثمانين، حتى انطلق على رٔاس
حملة لضم إمارات الأناضول تحت حكمه. كما تمكن من فرض سيطرته على الأفلاق من
خلال حملة واحدة، حيث مكّن المجاهدين العثمانيين من التوضؤ من مياه نهر الدانوب،
لإقامة صلاتهم.
ومع سيطرة جيوشه على كل من البوسنة والهرسك وبلاد المجر، استطاعوا
التوغل لأول مرة في عمق النمسا وتمكنوا من فتح سالونيك وفيليكو ترنوفو، وكان يسعى
لتوحيد إمارات الأناضول من خلال السيطرة على كل من إمارة قرمان، القاضي برهان
الدين، سواحل البحر الأسود، حيث أخذت حدوده تجاور حدود المماليك. وفي الوقت
الذي اصبح فيه سقوط إسطنبول مسألة وقت ليس إلا، بدٔات سماء الشرق تتلبد.كان تأثير يلدرم بيك عميقًا على تاريخ المنطقة وتطور الدولة العثمانية. ساهمت انتصاراته العسكرية في توسيع نطاق الدولة وتعزيز نفوذها، وشكلت مسيرته العسكرية قاعدة قوية للنمو والتوسع العثماني في وقت لاحق.

 

                                                                   اهم معركة خاضها السلطان وتما اسرة فيها معركة أنقرة .

وفي التاسع عشر من شهر ذي الحجة الموافق العشرين من تموز عام ألف
ؤاربعمئة واثنين من يوم الجمعة، التحم جيشا اكبر ؤاقوى دولتين في ذلك العصر. ويصف
المؤرخون هذه المعركة العظيمة على الشكل التالي:
لقد وقعت حرب ضروس في ساحة الوغى هذه، حيث التحم الجيشان ونشب »
بينهما قتال عنيف، وعراك شرس، حتى أنّ الأقلام تعجز عن تدوين الأحداث مهما انحنت
على الأوراق، وتتلعثم الألسن الفصيحة عن وصف هول الوقائع، ولن يبلغ الخيال مهما
اتسع، رسم صورة لما جرى.
فقد بات معظم المحاربين عاجزين عن التنفس وسط تلك الحشود الهائلة
المتلاطمة، حتى خُيّل لهم، وكأنّ السماء ستنشق أو ستنهار فوق رؤوسهم. فحوافر الجياد
كانت تدك البيداء، وصرخات الجنود تدوي كالرعود في الأرجاء، حتى باتت الأرض تزلزل
وترتعش.
وكانت السهام تحلق في فضاء الميدان، فيما السيوف تنزل كالبروق على الرؤوس

والأبدان. ؤاما الغبار المتطاير من تحت حوافر الجياد، ؤاقدام الجنود، فقد غطى السماء،
وحجب الرؤية عن الشمس ليمنعها من متابعة رحى القتال. وقد اغرقت سيول الدماء الكثير
من الأبطال، ؤاودت بهم إلى وادي العدم. ومع هجمات الفرسان القاسية من كلا الطرفين،
علت نيران الحرب حتى بلغت عنان السماء. ولم تعد الروايات التي تتحدث عن بطولات
.« رستم في ساحات الوغى، بذات قيمة بعد تلك الحرب الضروس
كانت ميمنة الجيش المغولي التي بقيادة الأمير ميران شاه، تكيل ضربات قوية
لميسرة الجيش العثماني المكون من قوات روميلي، والتي بدورها كانت تردّ هذه الهجمات،
بضربات أقوى منها، تجعل المهاجمين يندمون. وهذا ما دفع الأمير ميرزا محمد قائد ألوية
قلب الجيش ليترجى تيمورلنك السماح له بمساعدة ميمنة الجيش المغولي الذي بات من
الواضح أنّها في وضع خطر للغاية. حيث كانت قوات روميلي في الجيش العثماني، تظهر
بطولات قلّ نظيرها وتدافع دفاعاً مستميتاً لتكون الغلبة لها، ومع انضمام القوات الصربية
إليهم في القتال، أدرك تيمورلنك أنّ قواته ستهلك، لذا فقد أرسل إليهم مؤازرة من الجند
برفقة الفيلة ايضاً.
ولكن ميمنة الجيش العثماني تعرضت لخيانة كانت لها نتائج فادحة على سير
المعركة، حيث قام جنود إمارة آيدن بالانتقال إلى معسكر المغول، وذلك عندما رٔاوا
أمراءهم يحاربون في المعسكر المقابل. وقد حذا حذوهم كل من جنود إمارات قرمان،
ومنتيش صاروخان وغرميان، وبذلك فقد انهار الجناح الأيمن للجيش العثماني حتى قبل ان
يبدٔا الاشتباك في المعركة بشكل فعلي. وفي الوقت الذي كانت قوات تركستان بقيادة
السلطان محمد ميرزا تتجهز لضرب ميمنة الجيش العثماني، قامت بتوجيه جنودها نحو
الميسرة، بعدما رٔات انفراط عقد الميمنة وانضمامهم لجيش المغول. ورغم انّ قوات روميلي
والقوات الصربية كانت تقاتل بضراوة ودفاع مستميت، ولكنّ الخيانة الثانية التي تعرضوا
لها زعزعت ثباتهم ؤاخلت بقواهم، وذلك عندما بدٔات فرقة القره تتار التي كانت تشكل
القوات الاحتياطية في ميمنة الجيش العثماني - وإثر تفاهمها السري مسبقاً مع تيمورلنك -
بضربهم من الخلف. وحين رٔاى الصرب انّهم لا يقوون على المواصلة اكثر، قرروا الانسحاب

من القتال.
وفي هذه اللحظات الحرجة، انخرط الأمير محمد جلبي - الذي لم يكن قد تجاوز
الرابعة عشر من العمر، والذي كانت جرٔاته وشجاعته مثار إعجاب الجميع - في القتال مع
القوات التي كانت تحت إمرته، وشن هجوماً على كل من السلطان ميرزا حسين، وميرزا
جيهان، وبايندرلي قره عثمان، حيث انسحب هؤلاء مع جنودهم، دون ان يجرؤوا حتى على
مواجهة ضربات سيف الأمير القاضية، وعلى الفور قام تيمورلنك الذي كان يراقب سير
المعركة بدقة بالغة، بإرسال جزء من قواته إلى تلك الجبهة، ولكن الجنود العثمانيين كانوا
ينقضون عليهم بضراوة تقوّض شملهم. وكان سيف الأمير محمد جلبي الذي بلون الزبرجد
يقدح شررًا، ويحرق كل من يعترض سبيله.
حتى انّ تيمورلنك الذي كان يتابع الشجاعة التي يبديها جنود روميلي، ومواجهتهم
،« لم يبدِ هؤلاء الدراويش أي تقصير » : الضارية ودفاعهم المستميت، أثنى عليهم بالقول
مبدياً إعجابه بشجاعتهم.
وقد أمر بأن تتوجه كافة فرق جيشه نحو ميسرة الجيش العثماني، حيث تقاطرت
أسراب المغول عليهم، في الوقت الذي كان فيه أكثر من نصف الجيش قد انسحب من
القتال، فيما النصف الباقي قد دبّ الرعب بين صفوفه، فمواجهة جيش يفوقهم في العدد
بثلاث او خمس مرات مضاعفة، لم يكن بالأمر المنطقي على الإطلاق.
وإزاء هذا الخطر، حاول رجال الدولة العثمانية ممن يشهدون سير المعركة، إنقاذ
الأمراء وإبعادهم عن الخطر، من أجل الحفاظ على وريثٍ للعرش. فقام كل من علي باشا،
ومراد باشا، وإينة بيك سوباشي والآغا حسن قائد الإنكشارية، بإبعاد الأمير سليمان عن
نيران الحرب، والتوجه به نحو روميلي.
وبدوره انسحب الأمير عيسى جلبي مع القوات التي كانت تحت إمرته، متوجهاً
نحو إمارة قرمان. أما الأمير محمد جلبي، الذي أبدى من البطولة والشجاعة ما يفوق عمره

في القتال، فقد ابتعد عن ساحة الوغى بعد إصرار معلميه ومربيه، ورجالات أماسيا الذين
أمسكوا بلجام حصانه يرجونه الابتعاد، حيث تمكنوا بعد جهد جهيد من إقناعه، وبذا
توجهوا جميعاً نحو الشرق محتمين بالجبال هناك.
ولم يبق في ميدان القتال سوى السلطان يلدرم بايزيد برفقة عشرة آلاف من
الجنود الإنكشاريين المدافعين عنه، بعد انسحاب قوات الاحتياط، وسباهية الأناضول،
وبعض من وزرائه وقادة الجيش ؤابنائه الأمراء، وتخليهم عنه.
وقد عرض عليه إتيين قائد القوات الصربية الانسحاب حين بات من الواضح أنّ
الخسارة ستكون من نصيبهم، لكن السلطان المعروف بشجاعته وبأسه رفض هذا العرض
بشدة.
وبعد استفحال الوضع، أصرّ مينّت بيك - الذي كان معروفاً بحنكته وشجاعته -
لقد انسحب جنودنا الذين كنا نعتمد » : أن ينسحب يلدرم بايزيد من المعركة وهو يقول له
.« عليهم في نجدتنا وتقديم العون لنا في هذه اللحظات، وبات من الصعب تحقيق النصر
ولكن الموت كان اهون على السلطان الشجاع من ان يدير ظهره للعدو ويلوذ بالفرار. وبذلك
فقد واجه مع جنوده من الإنكشاريين الذين بالكاد يبلغ تعدادهم عشرة الاف فارس، جيشاً
يفوقهم بعشرة أضعاف أو أكثر، ليخوضوا معهم معركة حياة أو ممات. وقد أبدى
الإنكشاريون شجاعة قلّ نظيرها، وهم يرفعون سيوفهم بقبضاتهم القوية، ويواجهون العدو
بتوق أقرب للسعادة والغبطة، مستعدين لبذل أرواحم للذود عن السلطان، في صورة
توحي بمدى إخلاصهم العظيم له. حيث ضحى الكثيرون منهم بأرواحهم من أجل حماية
سلطانهم المعروف ببأسه، وقدموا في سبيله اغلى ما يملكون.
إن لم تكن سيوفنا سدًا
لحماية السلطان فبئس السيوف
ولا بقاء لنا وكرامة حين

تغيب شمسنا وتؤول للكسوف.
ولكن كان من المحال التغلب على تلك الأعداد الهائلة من جحافل العدو، ومع
مرور الوقت كانت مواجهتهم لضرباته تصبح أكثر صعوبة، وتنعدم فرصة التغلب عليهم
والنجاة من قبضتهم، ؤاخذت قواهم تخور مع تناقص أعدادهم تحت وطئ الهجمات
الكثيفة.
وبعد ان قاوم يلدرم بايزيد والفرسان الذي برفقته حتى ساعات المساء، ونال منهم
الحر والعطش كل مأخذ، تلاشت قواهم وباتوا أقرب للهلاك، فرموا بأنفسهم وسط جموح
العدو المحيط بهم برماحه وسيوفه من كل جانب، في محاولة لاختراق الصفوف والنجاة
بأنفسهم، وكان يلدرم بايزيد لازال يمسك بفأسه الحربي الثقيل، ويقاتل به من يواجهه.
وكان يشتت صفوف العدو، كما الذئب الجائع الذي يبعثر قطعان الماشية، وكانت ضربة
واحدة من فأسه القوية قاضية، لا يحتاج معها لضربة ثانية. ولكن تقدمه على صفوف
الإنكشارية وابتعاده عنهم لم يكن في صالحه على الإطلاق.
وقد تعرف عليه أحد أمراء الأناضول حال رؤيته له وهو يقاتل وصاح في جنده
قائلاً:
.« هذا الفارس الذي يحارب هو السلطان يلدرم بايزيد، هيا ما الذي تنتظرونه »
وعلى إثر ذلك توجهت جموع التتار نحو بايزيد خان لتحيط به وتأسره، مع الكثير
من الفرسان ورجالات الدولة ؤاعيانها، بينما ارتقى عدد كبير منهم إلى مرتبة الشهادة. أما
الإنكشاريون فلم يستسلموا إلا حين رٔاوا أنّ سلطانهم قد بات أسيرًا. وكان من بين الأسرى
والي ولاة روميلي فيروز بيك، ومينت بيك، ومصطفى بيك، وتيمورتاش باشا، وعلي بيك
وسواهم الكثير.
سلطانان في مجلس واحد

والدهر ميدان للسمو والإذلال
فلا الفرح باق ولا الحزن دائم
وعروش المجد غابت بعد بقاء
وغدت القصور مقابر ومآتم.
في تلك الأمسية الغريبة ومع اقتراب موعد صلاة العشاء، انطلق المبشرون
بسرعة نحو مقر قيادة الجيش، ليبشروا تيمورلنك بأسر السلطان بايزيد. ووسط فرحته
الكبيرة خرج إلى باب خيمته، ليستقبل بايزيد خان واقفاً بانتظاره بكل احترام. وقد دعاه
بتوقير بالغ إلى الدخول ؤاجلسه في صدر الخيمة، ؤاخذ يلاطفه في الحديث ويطمئن عليه،
ممهدًا بذلك سبل الصداقة بينهما. وبعد ان اوضح له، بأنه ظل على الدوام حريصاً الا تؤول
الأمور إلى ما الت إليه في النهاية، قال له:
لقد كنا على الدوام نحاول تقديم التنازلات، ونبذل الجهود لتمهيد سبل التقارب »
والوفاق، ولكنك بالمقابل كنت ترد على كل هذه المحاولات بجفاء وقسوة. وكلما حاولنا
السعي إليكم بطيب الكلام، وحسن التصرف، كانت تصلنا منكم اخبار تبعث على الاستياء
والنفور. يبدو أنّه كان من المقدر لنا أن نلتقي بهذه الطريقة، لكي ننهي الجفاء ونزيل
الخلافات التي بيننا.
والآن لا أريد لفؤادك الذي يفوح بطيب المسك أن تثقل عليه الهموم وتذهب
بضوعه. ولا أن تعصف رياح اليأس القاسية والباردة بجنان الأمل في روحك، ولا يجدر بك
استنكار مقادير الدهر وصروفه حين تعاكس امانيك.
ولا يمكن بقاء الديار العثمانية دون أن يظللها حكمك المبارك بعدالته. ولكن
دوام الحال من المحال، فلا سرور يدوم للأبد. وهذا ما اقتضته المشيئة الإلهية التي لا رادّ
.« لها، وما من احد قادر على تغيير حسن الطالع إلى السوء سوى العلي القدير

وبعد هذا الاستقبال اللائق، قدم سلطان المجاهدين في سبيل الدين الحنيف
حين يقضي لله سبحانه وتعالى بفناء مملكة » اعتذاره، وعلق على كلمات تيمورلنك بالقول
.« ما، ستكون العاقبة على هذا النحو
وبعد أن تبادل السلطانان حديثاً مفعماً بالحكم والدلالات الاعتبارية، أزيحت
ستائر الخلاف التي كانت تباعد بينهم، واختفت الأحقاد القديمة من قلوبهم. وناشد
السلطان بايزيد تيمورلنكَ، بدافع من عاطفة الأبوة أن يسأل عن مصير أبنائه الأمراء الذين
يشكلون عماد مملكته ومستقبلها، حيث كان يخشى من إصابتهم بمكروه اثناء المعركة.
وعلى الفور ارسل تيمورلنك فرقة من الكشافة للبحث عن الأمراء وإحضارهم إليه،
حيث تبين أنّ الأمير مصطفى جلبي قد اختفى أثناء المعركة الضارية التي كانت أشبه بيوم
القيامة، ولم يتمكن أحد من معرفة مصيره. أما الأمراء سليمان، عيسى ومحمد جلبي فلم
يتمكن الكشافة من العثور عليهم إثر هروب كل منهم مع رجالاته ووزراء الدولة ممن
رافقوهم في جهة. أما الأمير موسى جلبي فقد تمّ القبض عليه بعد يومين من البحث،
ؤاحضر للمثول أمام تيمورلنك الذي عامله بشفقة وعطف بالغين، وكأنه واحد من أبنائه،
واستطاع أن يخفف عنه من خلال حديثه الحلو. وقد خصصت له خيمة واسعة ولائقة إلى
جانب خيمة والده الفارهة والتي كانت كبلاط ملكي، وكان طعامه وشرابه الذي يقدم له
يليق بالأمراء والسلاطين من حيث الوفرة واللذة.
وكان تيمورلنك يعقد اجتماعات خاصة بين الفينة والأخرى ويدعو إليها السلطان
يلدرم بايزيد أيضاً، حيث يجلسه إلى جواره ليتبادلا الحديث كصديقين، ويبذل كل ما في
وسعه من أجل تبديد الضيق الذي يخيم على صدر السلطان يلدرم، وإدخال السرور إلى
قلبه وإبعاده عن الهموم. ويحاول جهده ملاطفته في الحديث، للتخفيف من وطأة الأسر
ومشاعر الغربة عليه.
وفي إحدى تلك المجالس التي أقيمت في كوتاهية، جلس السلطانان جنباً إلى
جنب يتجاذبان اطراف الحديث، وكان كل منهما يحاول اقصى جهده بذل الود واللطف إزاء

الآخر لإبعاد الضيق والكدر الناجم عن الظرف الذي جمع هذين الرجلين اللذين باتت
أواصر الصداقة تجمعهما أكثر من العداوة. وبعد الكثير من عبارات الإطراء المتبادلة بين
الطرفين، أعلن تيمورلنك أنه سيترك للسلطان بايزيد مملكته ليستعيد حكمها، كما أفصح
عن رغبته في عقد صلات القربى مع السلالة العثمانية الأصيلة، من خلال طلب يد إحدى
بنات السلطان لحفيده الأكبر ابو بكر ميرزا بن ميران شاه.
حان وقت الوداع
على الرغم من حرص تيمورلنك على التسرية عن السلطان يلدرم بايزيد من خلال
طيب الحديث وحسن المعاملة، وإبعاد الهمّ عنه من خلال دعوته للرحلات والمجالس التي
يعقدها، ولكن روح السلطان الأسير كانت غارقة في الألم. ولم يكن لحسن الوفادة والوعود
المبشرة وطيب الكلام، أن يخرجه من الغمّ والكدر. فمع مرور كل يوم كانت الهموم تحفر
طريقها الدامي بعمق أكثر في روحه المرهفة، ودموع الندم المنهمرة على خدوده الموردة
تغدو اكثر غزارة.
وكيف لا يبكي؟
فهو بعيد عن عرشه منذ ايام طويلة، يقاسي في سجون الفراق والأسر.
وقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه قوياً عزيزًا، تشمل سلطته كافة الأصقاع،
كالشمس التي حجبها الخسوف ؤاخفى نورها. وغدت تلك المدن الجميلة المزدهرة بعمرانها
وعلمها مجرد أطلال خربة، أما أبناؤه الذين كانوا مصدر سروره ودعائم عرشه المستقبلي،
فليس لديه اخبار عنهم لطمأنة قلبه المتعب. وكل تلك الجهود التي بذلها، والإجراءات التي
اتخذها من اجل توحيد الأناضول، باتت هباء منثورًا.
ترى كم جزءًا باتت سلطنة بني عثمان؟
هذه الأفكار القاتمة التي كانت تعصف بذهنه طوال الوقت، تمكنت في النهاية

من التغلغل إلى جسده أيضاً وضعضعته، ؤاخذت تطبق على صدره وتضيق على أنفاسه.
وبات جسده المنهك يذوب كما الشمعة الآيلة للفناء.
وفي اخر لقاء بينه وبين تيمورلنك، اوصاه السلطان بما يلي:
ايها الأمير! فليدم ملكك للأبد، وإن كان اليوم لي، فالغد هو لك. خذ التتار من »ٔ
هذه البلاد، ولا تجعلهم يقدمون على دك القلاع والحصون التي كانت تحمي راية الدين
.«( الحنيف، ولا تشعل الحرب في ولاية الروم (الأناضول
وبعد أن وعده تيمورلنك بتنفيذ وصيته، أرسله مع الحكماء والأطبة إلى آك شهير
من أجل الاستراحة والعلاج. وقد أعطى أوامره لكل من مولانا جلال الدين عربي، ومولانا
عز الدين مسعود الشيرازي، وهما اثنان من أشهر أطباء العصر، للقيام بكل ما يلزم حتى
يستعيد السلطان يلدرم بايزيد صحته ويتماثل للشفاء.
وخاطب السلطان قائلاً:
ايها السلطان الشجاع بايزيد! كل ما اريده هو اصطحابك معي إلى سمرقند، ومن »ٔ
.« هناك سأعيدك إلى مملكتك
ولكن لم تستطع هذه الكلمات المواسية، ولا كل الجهود التي بذلها الحكيمان
والأساليب العلاجية التي اتبعاها، ان تشفي السلطان من مرضه، فقد بات هذا الحاكم الذي
اشتهر ببأسه وشجاعته، متلهفاً لقدوم الموت من أجل تخليصه من مرارة المصيبة التي
ألمت به. ؤاخيرًا تحققت أمنيته، وغادر هذا العالم الفاني نحو العالم الباقي في الثامن من
شباط عام الف ؤاربعمئة وثلاثة.
كان للبطولة عرشاً، فزال العرش
وبات الأسر مقامه بعد مجد

وفارق الدنيا سلطان عظيم
فلا بقاء إلا للواحد الأحد.
وفي تلك الأثناء وبينما كان تيمورلنك في طريق العودة بعد ان قام بالسيطرة على
مدينة إزمير، تلقى نبأ وفاة السلطان بايزيد، وقد أظهر من الحزن والأسى قدرًا كبيرًا، وهو
يخاطب من حوله بالقول:
إنّ السلاطين العثمانيين هم أحد أساطين ديننا القويم، وكنت قد تخليت عن »
فكرة الإغارة على سلطنتهم والقضاء عليها، بعد الجهود التي بذلوها في محاربة الكفار،
وبخاصة بعد اطلاعي على الجهود الجبارة التي بذلها السلطان يلدرم بايزيد، الذي أرجو أن
يسكنه لله فسيح جنانه، من اجل إلحاق الهزيمة بالكفار المجرمين والقضاء عليهم، وإعلاء
راية ديننا الحنيف، وقد عقدت العزم على مساعدته، ومدّه بالقوة والدعم، وإدخال السرور
لقلبه. لأنّني أدركت أنّ حماية هذه السلالة وبقاءها، هو الأساس لبقاء الدين واستمراره.
وكنت أنوي السيطرة على كافة بلاد الروم، ومن ثم إعادة السلطان لعرشه، بالشكل الذي
يليق بمكانته وقدرته.باختصار، يلدرم بيك يعتبر شخصية تاريخية بارزة في تاريخ الدولة العثمانية، ولقبه "الصاعقة" يعكس قدرته العسكرية وتأثيره البارز على المنطقة في زمنه.وبعد وفاة السلطان يلدرم بايزيد، تم تحنيط جسده ليدفن في مقبرة حضرة الولي
محمود حيراني في آك شهير. حيث قام تيمورلنك بتقديم التعازي إلى أفراد عائلة السلطان
الذين كانوا برفقته، ؤاجزل لهم في العطاء. وحين قرر العودة إلى سمرقند، سمح لموسى
جلبي بأخذ جثمان والده إلى بورصة ودفنه هناك وفق المراسم الواجبة

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

1

followers

0

followings

4

similar articles