حكاية اسمها "وشوش الناس
١
كنت واقف في البلكونة، ماسك كوباية الشاي، وعيني بتلف ع الوشوش اللي ماشية تحت. فيه اللي مستعجل، واللي بيكلم نفسه، واللي ماسك موبايله وبيزعق، واللي بيضحك فجأة كأنه سمع نكتة محدش سامعها غيره. الشارع دايماً مليان قصص، بس إحنا مش بنشوف غير اللي عينينا تاخده بسرعة.
٢
فيه واحد عجوز بيتمشى كل يوم الساعة ٦ الصبح. زمان كنت مستغرب، إزاي حد يصحى بدري كده وهو مش مضطر يروح شغل؟ بس بعدين فكرت… يمكن بيهرب من الوحدة. يمكن مستني حد يقول له "صباح الخير" حتى لو كانت مجرد كلمة عابرة من بقال الحارة.
٣
"الحياة ماشية بينا وإحنا مشيين بيها"—دي جملة سمعتها زمان من واحد صاحبي، كان بيقولها لما يحس إن كل حاجة بقت روتين. بس هو نسي إن الحياة عمرها ما بتفضل ثابتة، حتى لو إحنا فاكرين كده.
٤
في يوم كنت نازل أشتري حاجة من السوبر ماركت، وقابلت واحد صاحبي من زمان. وقفنا نتكلم، وبدون قصد، قلت له: “إنت لسه زي ما إنت!”
ابتسم وقال لي: “وإنت كمان.”
بس الحقيقة؟ مفيش حد بيبقى زي ما هو. كل واحد فينا جواه حاجة بتتغير، بتكبر أو بتكسر، بس الفرق إن مش كل الناس بتاخد بالها.
٥
في آخر اليوم، بعد ما الدنيا تهدى، والوشوش تختفي، كل واحد فينا بيرجع لسريره بأفكاره اللي محدش سامعها غيره. يمكن يكون بيحسب هو كسب ولا خسر النهارده، يمكن بيفكر في حد معين، يمكن بيتمنى لو كان يقدر يبدأ من جديد.
---
الخاتمة
الحياة مش دايماً بتدينا اللي إحنا عايزينه، بس دايماً بتدينا حاجة. السؤال هو: إحنا واخدين بالنا منها ولا بنجري بسرعة من غير ما نشوف؟
(تكملة)
٦
كنت دايماً بحب أقعد في القهوة اللي على أول الشارع. مش لأنها أحسن قهوة، ولا عشان قهوجيها بيعمل الشاي بمزاج، بس لأنها المكان الوحيد اللي بحس فيه إني مش لوحدي حتى لو قاعد لوحدي. الناس بتتكلم حواليا، والضحك بيطلع فجأة، والخناقات الصغيرة بتحصل من غير ما حد ياخدها جد.
فيه راجل كبير بييجي كل يوم، بيقعد في نفس المكان، ويطلب نفس الحاجة: شاي سادة في كوباية إزاز. ملامحه كانت دايماً ساكتة، كأنه شايل قصة كبيرة محدش يعرفها. في يوم، وأنا قاعد جنبه، سألته:
— "حضرتك بتجي هنا كل يوم؟"
ضحك وقال لي:
— "أهو الواحد بيدور على مكان يتعود عليه قبل ما الأيام تخلص."
— "بس ليه هنا بالذات؟"
— "لأن هنا، حتى لو الناس متعرفنيش، وجودي محسوب."
ما فهمتش قصده وقتها، بس لما فكرت، حسيت إننا كلنا بنحاول نلاقي مكان محسوب لنا، حتى لو مجرد قهوة صغيرة على ناصية شارع.
٧
في الشارع، قابلت سالي. سالي كانت بنت الجيران، اللي كنا بنلعب سوا وإحنا صغيرين. زمان كانت بتجري ورايا في الحارة، وتضحك لما أكسبها في سباق. دلوقتي، لابسة عباية سودا، وملامحها فيها هدوء ما شفتوش قبل كده.
— "إزايك يا سالي؟ بقالك كتير مختفية!"
— "الحياة بقت تاخد الواحد غصب عنه."
— "لسه بتضحكي؟"
— "مش زي الأول."
الرد كان بسيط، بس تقيل. حسيت إن جواها كلام كتير، بس مبقتش تحب تحكيه. يمكن لأن الدنيا علمتها إن مش كل الكلام بيتسمع، وإن في حاجات لو قلتها مش هتفرق عن سكوتك.
٨
بليل، وأنا راجع البيت، وقفت عند البلكونة تاني. بصيت للشارع، للوشوش اللي بتظهر وتختفي. فكرت في الراجل العجوز اللي بيتمشى، في زبون القهوة اللي بيدور على مكان محسوب له، في سالي اللي بقت تضحك أقل. وكلهم حسسوني إن الحياة عبارة عن شوارع بنمشي فيها، وأماكن بنتعود عليها، وناس بنفقدهم حتى لو لسه قدامنا.
يمكن السر مش إننا نفضل زي ما إحنا، ولا حتى إننا نغير نفسنا، لكن إننا نفضل فاكرين الوشوش اللي عدت في حياتنا، حتى لو اختفت.
الخاتمه
الحياة مش بس اللي بنشوفه، الحياة هي اللي بنحسه، حتى لو محدش غيرنا حاسس بيه.