حسن الصباح: سيد الحشاشين ومؤسس الدولة النزارية الإسماعيلية**
**حسن الصباح: سيد الحشاشين ومؤسس الدولة النزارية الإسماعيلية**
**بداية حسن الصباح:**
ولد حسن الصباح في عام 1034م في مدينة قم الإيرانية، ونشأ في أسرة شيعية. منذ صغره، أبدى شغفًا كبيرًا بالعلم والدين، مما دفعه للسفر إلى مدينة الري التي كانت مركزًا هامًا للعلم والمعرفة في ذلك الوقت. هناك، انضم إلى الطائفة الإسماعيلية وبدأ في دراسة تعاليمها وعقائدها. تأثر حسن الصباح بشكل كبير بفكرة الإمام المستور، وهو الإمام الذي يُعتقد أنه يعيش في الخفاء وسيظهر في الوقت المناسب لقيادة المؤمنين.
**انتقال حسن الصباح إلى القاهرة:**
في عام 1078م، انتقل حسن الصباح إلى القاهرة، التي كانت آنذاك عاصمة الدولة الفاطمية الإسماعيلية. في القاهرة، درس تحت إشراف كبار علماء الطائفة والتقى بالإمام المستنصر بالله، الخليفة الفاطمي. ازدادت قناعته بضرورة تعزيز العقيدة الإسماعيلية ونشرها بين الناس. ولكن بعد وفاة الإمام المستنصر بالله، نشب صراع على الخلافة بين ابنيه نزار والمستعلي. انحاز الصباح إلى جانب نزار، مما أدى إلى انشقاقه عن الدولة الفاطمية وتأسيس الحركة النزارية الإسماعيلية.
**تأسيس الدولة النزارية وإقامة دولة داخل دولة:**
بعد انشقاقه عن الفاطميين، عاد حسن الصباح إلى إيران وبدأ في نشر تعاليم الطائفة النزارية بين الناس. اعتمد في ذلك على الذكاء والدهاء، واستغل الوضع السياسي المضطرب في المنطقة لبناء قاعدة من الدعم بين أتباعه. استطاع الصباح تأسيس دولة نزارية قوية داخل الدولة السلجوقية، متمركزًا في مناطق جبلية نائية، مما جعل من الصعب على أعدائه القضاء عليه.
**الاستيلاء على قلعة ألموت:**
في عام 1090م، استولى حسن الصباح على قلعة ألموت، الواقعة في شمال إيران. جعل من القلعة مركزًا لحركته ومقرًا لحكمه، حيث قام بتحصينها وتطويرها لتكون قاعدة عسكرية منيعة. أصبحت قلعة ألموت رمزًا لقوة ودهاء حسن الصباح، ومركزًا لتدريب أتباعه وتعليمهم تعاليم الإسماعيلية.
**الاغتيالات السرية:**
اشتهر حسن الصباح باستخدام أسلوب الاغتيالات السرية كوسيلة لمواجهة أعدائه. أطلق على أتباعه الذين كانوا ينفذون هذه العمليات اسم "الفدائيين"، وكانوا معروفين بشجاعتهم وانضباطهم. نفذ الحشاشين العديد من الاغتيالات البارزة، منها اغتيال الوزير السلجوقي نظام الملك في عام 1092م. كانت هذه الاغتيالات تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومات المعادية وتعزيز نفوذ الحركة النزارية.
**حسن الصباح والدولة السلجوقية:**
كانت الدولة السلجوقية تعتبر أحد أكبر أعداء حسن الصباح وجماعته. واجه الحشاشين مقاومة شديدة من السلاجقة الذين حاولوا مرارًا القضاء على نفوذهم. استخدم الصباح تكتيكات حربية غير تقليدية وأساليب اغتيالات مدروسة لتقويض سلطة السلاجقة وإضعاف نفوذهم في المنطقة. رغم ذلك، استمرت المواجهات بين الطرفين لفترة طويلة، ولم يتمكن السلاجقة من القضاء على الحركة النزارية بشكل كامل.
**وفاة حسن الصباح:**
توفي حسن الصباح في عام 1124م بعد حياة مليئة بالنضال والكفاح. ترك خلفه حركة نزارية قوية ومتماسكة، لكنها بدأت تواجه تحديات كبيرة بعد وفاته. رغم أن الحشاشين استمروا في تنفيذ عمليات الاغتيال وتحقيق بعض النجاحات، إلا أن تأثيرهم بدأ يتراجع تدريجيًا مع مرور الوقت.
**قضاء المغول على جماعة الحشاشين:**
في القرن الثالث عشر، ظهر تهديد جديد للحشاشين، تمثل في المغول. في عام 1256م، قاد القائد المغولي هولاكو خان حملة عسكرية واسعة ضد جماعة الحشاشين. تمكن المغول من الاستيلاء على قلعة ألموت وتدميرها، مما أدى إلى القضاء على نفوذ الحشاشين بشكل كبير. بذلك، انتهت فترة الحشاشين كقوة سياسية مؤثرة في المنطقة، لكن إرثهم استمر في الذاكرة التاريخية كرمز للدهاء والمقاومة.
ختامًا، يبقى حسن الصباح شخصية محورية في تاريخ الإسلام الوسيط، حيث نجح في تأسيس حركة دينية وسياسية قوية، واعتمد على الذكاء والتخطيط الدقيق لتحقيق أهدافه. ورغم نهايته المأساوية، لا يزال تأثيره واضحًا في التاريخ والثقافة الإسلامية.