محمد حسني مبارك: ثلاثون عامًا من الحكم والتحديات**
**محمد حسني مبارك: ثلاثون عامًا من الحكم والتحديات**
**القائد العسكري محمد حسني مبارك ودوره في حرب أكتوبر:**
محمد حسني مبارك، الذي شغل منصب الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية، بدأ مسيرته كطيار عسكري بارز في القوات الجوية المصرية. تخرج في الكلية الجوية عام 1950 وارتقى بسرعة في الرتب العسكرية بسبب كفاءته وتفانيه. في حرب أكتوبر 1973، لعب مبارك دورًا محوريًا كقائد للقوات الجوية. كانت خططه التكتيكية حاسمة في تحقيق التفوق الجوي المصري على القوات الإسرائيلية، وهو ما ساعد في تحقيق الانتصار العسكري واستعادة جزء من سيناء. هذا النجاح العسكري عزز من سمعته وجعل منه شخصية وطنية بارزة، مما مهد الطريق لتوليه مناصب قيادية عليا في الدولة.
**بداية الحكم:**
تولى مبارك رئاسة الجمهورية في 14 أكتوبر 1981، بعد اغتيال الرئيس أنور السادات. جاءت فترة حكمه في وقت كانت مصر فيه تعاني من اضطرابات سياسية واقتصادية. كانت أولوياته في البداية تتمثل في استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي. بفضل خلفيته العسكرية، نجح في تعزيز السيطرة على الأوضاع الداخلية، وعمل على تحسين البنية التحتية وتعزيز المؤسسات الحكومية.
**السياسة الخارجية:**
في مجال السياسة الخارجية، ركز مبارك على الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا، مع الاستمرار في الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل. ساعدت هذه العلاقات في تأمين دعم اقتصادي وسياسي كبير من الغرب، مما ساهم في استقرار الاقتصاد المصري. كما لعب مبارك دورًا محوريًا في عملية السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوساطة في النزاعات الفلسطينية-الإسرائيلية. على الصعيد العربي، سعى مبارك لتعزيز علاقات مصر مع الدول العربية ودعم التعاون العربي، مما عزز من مكانة مصر كقوة إقليمية رئيسية.
**التحديات الاقتصادية:**
خلال فترة حكمه، واجه مبارك تحديات اقتصادية كبيرة، منها ارتفاع معدلات البطالة والفقر. تبنى سياسات اقتصادية تهدف إلى تحرير الاقتصاد وتشجيع الاستثمار الأجنبي. أطلق سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية في التسعينيات، شملت خصخصة العديد من الشركات الحكومية وتحسين مناخ الأعمال. على الرغم من تحقيق بعض النجاحات في النمو الاقتصادي، إلا أن الفساد الإداري وسوء توزيع الثروة أدى إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما أثار استياءً شعبيًا متزايدًا.
**إقامة الأمن والاستقرار:**
كان تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي أحد أولويات مبارك الرئيسية. استخدم قانون الطوارئ بشكل مستمر لقمع الحركات المعارضة والاحتجاجات. ساهمت هذه السياسات في الحفاظ على استقرار نسبي لفترة طويلة، لكنها أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بسبب قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان. ورغم الانتقادات، استمرت الحكومة في تطبيق هذه السياسات للحفاظ على السيطرة ومنع الفوضى.
**تدخل أبناء محمد حسني في حكم مصر:**
خلال فترة حكمه، تزايد دور أبناء مبارك، جمال وعلاء، في الشؤون السياسية والاقتصادية. كان جمال مبارك نشطًا في الحزب الوطني الديمقراطي وتمتع بنفوذ كبير، واعتبره الكثيرون خليفة محتملاً لوالده. هذا التدخل أثار استياء شعبيًا كبيرًا، حيث رأى الكثيرون أن النظام يسعى إلى توريث السلطة، مما زاد من حالة الغضب والاحتقان الشعبي.
**الثورة وتنحي محمد حسني:**
في يناير 2011، اندلعت ثورة 25 يناير نتيجة لتراكم الفساد والبطالة وانتهاكات حقوق الإنسان. خرج الملايين من المصريين إلى الشوارع مطالبين بإنهاء حكم مبارك. استمرت الاحتجاجات لمدة 18 يومًا، واجهت خلالها الحكومة ضغوطًا داخلية ودولية متزايدة. في 11 فبراير 2011، أعلن مبارك تنحيه عن السلطة، لينهي بذلك فترة حكم استمرت ثلاثين عامًا.
**وفاة محمد حسني مبارك وتولي محمد مرسي:**
بعد تنحيه، خضع مبارك وأبناؤه للمحاكمة بتهم الفساد وقتل المتظاهرين. أُدين مبارك بعدة تهم وسُجن لفترة. تظل فترة حكمه موضوعًا جدليًا، حيث يراه البعض زعيمًا حافظ على استقرار مصر وحقق بعض النجاحات الاقتصادية، بينما يراه آخرون مسؤولًا عن الفساد والقمع وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
في يونيو 2012، انتخب محمد مرسي كأول رئيس مدني لمصر بعد الثورة، مما شكل تحولًا كبيرًا في المشهد السياسي المصري. وفاة محمد حسني مبارك في 25 فبراير 2020، أنهت فصلًا مهمًا في تاريخ مصر. رحيله أثار مشاعر مختلطة بين الحزن والارتياح، نظرًا للإرث المعقد الذي تركه وراءه.
ترك مبارك إرثًا معقدًا يتضمن نجاحات اقتصادية واستقرار نسبي، لكنه يتضمن أيضًا انتهاكات لحقوق الإنسان وفسادًا واسع النطاق. تظل فترة حكمه جزءًا هامًا ومثيرًا للجدل في تاريخ مصر الحديث، مليئة بالتحديات والإنجازات التي لا تزال تثير النقاشات في الأوساط السياسية والشعبية.