الأمير بوكاس والقاضي العادل
الشحاذ يعترض طريق بوكاس
أراد الأمير بوكاس أن يتعرف على حقيقة ما يردده الناس عن وجود قاض عادل في إحدى مدن مملكته، لديه القدرة على معرفة الحقيقة على الفور، ولا يستطيع أي غشاش أن يهرب من قصاصه، فتنكر الأمير في زي تاجر وامتطى حصانه واتجه نحو المدينة، حيث يعيش القاضي.
عندما وصل “بوكاس” عند مشارف المدينة اقترب منه شحاذ أعرج وطلب منه صدقة، فتصدق علیه وأراد أن يواصل رحلته إلا أن الشحاذ تشبت برداء الأمير فساله الأمير بوكاس : ماذا تريد ؟ ألم أعطيك الصدقة ؟ أجاب الأعرج
نعم لقد تصدقت على، لكنني أطلب منك أن تقدم لي معروفا بأن أركب معك الحصان وتقوم بتوصيلي حتى الميدان فإني أخشى أن تداهمني الجمال والجياد .
سمح “بوكاس” للشحاذ الأعرج أن يركب خلفه، وما أن وصلا إلى الميدان رفض الشحاذ أن ينزل عن ظهر الجواد
وقال له بوكاس: لم أنت جالس؟ فلتنزل .. لقد وصلنا رد الشحاذ عليه قائلا : انزل ؟ انزل لماذا ؟ إن هذا حصاني … وإذا لم تعطني إياه بالحسنى فلنذهب إلى القاضي، تجمع حشد من الناس حولهما وسعوا عما يتشاجران ، فصاحوا: هيا اذهبا إلى القاضي، فهو الذي سيحكم بينكما.
ذهب “بوكاس” مع الشحاذ الأعرج إلى القاضي، وكان في المحكمة حشد من الناس، نادي القاضي على الذين جاءوا للفصل في قضاياهم كل حسب دوره، وقبل أن يحين دور
بوكاس
شرع القاضي في حل قضيه أخرى وهي قضية
الفلاح والعالم
نودي على رجل من رجال العلم واحد الفلاحين إذ ادعى كل منهما أن المرأة التي تقف معهما أمام القاضي هي زوجته
قال الفلاح: إن هذه المرأة زوجتي في الوقت الذي يقول فيه العالم إنها زوجته هو الأخر.. فاستمع القاضي وصمت قليلا ثم قال : اتركا المرأة عندي في المحكمة، أما بالنسبة لكما، فاحضرا غدا، وعندما غادر العالم والفلاح قاعة المحكمة
وبدأ القاضي بحل قضية
الجزار وبائع الزيت
حضر جزار وبائع زيت، كانت ملابس الجزار ملوثة بالدم، أما بائع الزيت فملابسه مبتلة بالزيت، وكان بائع الزيت قابضا بيديه على يد الجزار التي بها بعض النقود .
قال الجزار: لقد اشتريت من هذا الشخص بعضا من الزيت، وحينها أخرجت من جیبی حافظة النقود لأدفع له ثمن الزيت، إلا أنه أمسك بيدي و أراد أن يخطف كل ما معي من نقود فأتينا إليك أمسك حافظة نقودي في يدي ، لكني أؤكد لك أن هذه النقود نقودي، أما هو فيقبض على يدي، فهو لص وهنا قال بائع الزيت : هذا غير صحيح، لقد حضر إلى الجزار لشراء بعض الزيت، وعندما كنت أملا له قسط الزيت، طلب مني أن أفك له بعض النقود .
فأحضرت له النقود ووضعتها على المنضدة فاخذها وأراد أن يهرب بها فأمسكت بيده وأحضرته إلى هنا، صمت القاضي ثم قال : اترك النقود هنا واحضرا غدا
جاء دور
بوكاس” والشحاذ الأعرج
أ فحكى “بوكاس” عما حدث وأنصت إليه القاضي ، الذي طلب من الشحاذ الأعرج أن يدلي بأقواله فقال الشحاذ: هذا ليس بصحيح. كنت في طريقي إلى المدينة ممتطيا جوادی، بينما كان هو جالس على الأرض فطلب مني أن أقوم بتوصيله إلى المدينة فركب معي على ظهر الجواد وأوصلته حيث كان يريد، لكنه رفض أن ينزل عن ظهر الجواد وقال إن هذا جواده، وهذا كذب.
فكر القاضي وقال لهما : اتركا الجواد هنا واحضرا غدا
في اليوم التالى حضر حشد من الناس للاستماع إلى أحكام القاضي، ولما جاء دور التاجر والشحاذ قال : القاضى للتاجر الذي هو الأمير له إنه جوادك، خذه. أما الشحاذ الأعرج فيضرب بالعصا خمسين مرة.. ولاحظ القاضي وهو في طريقه إلى منزله بعد المحاكمة أن “بوكاس
كان يتتبعه، فنادى القاضي عليه وساله : ماذا بك ؟ ألم ترض بقرارى الذي اتخذته ؟ قال بوكاسة : لا إنتي راض … ولكني أود أن أعرف كيف استطعت أن تجزم بأن المرأة هي زوجة العالم وليست زوجة الفلاح، وأن النقود تخص الجزار وليست نقود بائع الزيت، وأن الجواد جوادي وليس جواد الشحاذ الأعرج ؟
قال القاضي: بالنسبة للمرأة فقد دعوتها في الصباح وطلبت منها أن تسكب الحبر في المحبرة فقامت بتنظيف المحبرة ثم صبت الحبر فيها بسرعة وبحنكة ، فاتضح لى أنها تعودت على أن تفعل هذا الشيء ، وأن هذا العمل ليس بغريب عليها ، فإن كانت هي زوجة الفلاح ما استطاعت أن تقوم بهذه المهمة، وبناء على ذلك يكون العالم على حق، أما بالنسبة للنقود فقد عرفت حقيقتها على النحو الآتي .
الأمس وضعت النقود في كوب من الماء وأمعنت النظر في الماء للتأكد من ظهور زيت على سطح الماء، فإذا كانت هذه النقود تخص بائع الزيت فلابد وأن تكون بها آثار من يد البائع، لكنه لم يظهر على سطح الماء أي أثر للزيت، ولذلك فالجزار على حق فى دعواد، أما موضوع الجواد فكان أكثر صعوبة، فقد تعرف الشحاذ الأعرج كما تعرفت أنت على الجواد من بين العشرين جواذا، فأنا لم أصطحبكما إلى إسطبل الخيل لتتعرفا على الجواد، وإنما على من منكما سيتعرف الجواد عليه، فعندما اقتربت أنت من الجواد حتی تلفت برأسه ومدها نحولك وحينما لمسه الأعرج بيده، تضايق الجواد ورفع رجله عن الأرض، وبذلك عرفت صاحب الجواد الحقيقي، عندئذ قال “بوكاس” للقاضي :
إني لست بتاجر، وإنما أنا الأمير بوكاس وقد جئت إلى هنا لأعرف حقيقة ما يقال عنك وتاكدت بنفسي بانك قاض عادل. فلتطلب ما تشاء وسالبيه لك على الفور، وهنا قال القاضي ؛ إني لست في حاجة إلى عطايا. فأنا سعيد بأن الأمير تحقق من عدالتی وامتدحني ، وهذا شرف عظيم لي