صلاح الدين الايوبي و تحرير القدس
صلاح الدين الأيوبي: القائد الذي وحد الأمة وحرر القدس
نشأته وبداياته
ولد صلاح الدين يوسف بن أيوب في قلعة تكريت عام 1138، ونشأ في كنف عائلة كردية عسكرية بارزة. انتقلت عائلته إلى الموصل ثم إلى دمشق، حيث تلقى تعليمًا عسكريًا ودينيًا مميزًا. تأثر صلاح الدين بشخصية نور الدين زنكي، القائد المسلم الذي سعى لتوحيد المسلمين ضد الصليبيين. تحت قيادة نور الدين، بدأ صلاح الدين مسيرته العسكرية، فاكتسب خبرات واسعة في الحروب والإدارة، حتى أصبح واحدًا من أبرز القادة العسكريين في الدولة الزنكية.
صعوده إلى السلطة
عام 1169، تم تعيين صلاح الدين وزيرًا في مصر بعد أن ساعد في استعادة السيطرة عليها لصالح نور الدين. سرعان ما استطاع القضاء على النفوذ الفاطمي في مصر، وأعاد البلاد إلى المذهب السني. بعد وفاة نور الدين، وجد صلاح الدين نفسه في مواجهة تحدي توحيد مصر والشام، اللذين كانا يعانيان من الانقسامات السياسية. استخدم ذكاءه الدبلوماسي ومهارته العسكرية لإعادة بناء الدولة الإسلامية وتوحيد صفوفها.
حملاته ضد الصليبيين
كان هدف صلاح الدين الأساسي استعادة القدس التي وقعت تحت الاحتلال الصليبي منذ الحملة الصليبية الأولى عام 1099، حين ارتكب الفرنجة مذابح وحشية بحق سكان المدينة. أدرك صلاح الدين أن توحيد المسلمين ضرورة لمواجهة الصليبيين، فعمل بلا كلل على تحقيق هذا الهدف.
معركة حطين (1187)
تُعد معركة حطين واحدة من أعظم إنجازات صلاح الدين، حيث تمكن من تدمير الجيش الصليبي بشكل شبه كامل. استخدم في المعركة تكتيكات عسكرية ذكية، مثل استدراج العدو إلى مواقع حرجة، وحرمانه من المياه في ظل حر شديد. انتصر صلاح الدين وأسر قادة الصليبيين، لكنه أظهر الرحمة حتى مع ألد أعدائه، مثل ريتشارد قلب الأسد.
تحرير القدس
في أكتوبر 1187، حاصر صلاح الدين القدس. لكنه، على عكس الغزاة الصليبيين، عرض التسليم السلمي للمدينة، مع ضمان حقوق سكانها ومقدساتهم. بعد مفاوضات، تم تسليم المدينة دون إراقة دماء. دخلها صلاح الدين كفاتح عظيم، وأمر بحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية. أعاد بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وسمح للحجاج المسيحيين بزيارة كنيسة القيامة.
قائد عالمي وأسطورة إنسانية
تميز صلاح الدين بصفات جعلته محط إعجاب حتى من أعدائه. كان قائدًا متواضعًا، ينام بين جنوده ويشاركهم طعامهم. اشتهر بتسامحه وعدله، حتى أن خصومه الأوروبيين امتدحوا أخلاقه في كتاباتهم. في الحملة الصليبية الثالثة، واجه صلاح الدين ريتشارد قلب الأسد في سلسلة من المعارك، لكنها انتهت بمعاهدة صلح، احتفظ بموجبها المسلمون بالقدس، مع السماح للحجاج المسيحيين بزيارتها.
إرث صلاح الدين
توفي صلاح الدين في دمشق عام 1193، بعد أن كرّس حياته لتحقيق الوحدة الإسلامية وتحرير القدس. على الرغم من كل انتصاراته، توفي وهو لا يملك من المال سوى بضعة دنانير، بعدما أنفق ثروته على بناء دولته ورعاية شعبه.
بقيت سيرة صلاح الدين حيّة في ذاكرة التاريخ كرمز للقائد العادل، الذي جمع بين الشجاعة، الحكمة، والتسامح، وأثبت أن القيادة الحقيقية تعتمد على الأخلاق بقدر ما تعتمد على القوة.