
على أعتاب الغرق
ممسك بجذع مبتل يلامس جسدي المكشوف حصوات الترب ويستنشق منخري غمرات من المياه أبلعها بلعا، هل هذه ببساطة ستكون نهايتي؟ أهذه ضربية عدم تعلمي السباحة. ... أفكار تراودني وأنا على سِنانِ الموت، نادم أنا على اللحظة الفاجرة التي قررت أن أنزل بها وسط الوادي لِمجرد أنني رأيت من حولي يسبحون ويعاتون المياه بحرفية بالغة،إن قُدِّر لي أن أخرج من هذه المصيبة فلن أعود إلى شيء مماثل لهذا التصرف الأحمق.
وهل أنا في موقف أتخير فيه ماذا أفعل، راوَدني شموخي الآن حين أصبحت ذليلا، راودتني قدرتي الآن حين أضحيت عاجزاً، أين أنت أيها المنقذ من أهوالِ المخاطر والمُعين في أمور الشدة، تحسست يدا تلامسني تحاول جذبي وانتزاعي، أهي بارقة الأمل التي انتظرت في هذه الثواني القاتلة، وبدفعة واحدة رأيت النور، اتضحت لي معالمٌ عديدة، ذلك المترقب بخوف والذي لا يقوى على النزول وانتزاعي من بُؤرة الموت ومصير الهلاك، وآخر يرمقني بنظرات عجز، وثلاثينيٌ يحض الجميع وصيحات من فتى أن هلمو ثمَّة غريق ،أيُعقلُ أن هذا الماء الزلال الذي أنتجه مطرٌ كان الكل يتمناه لو هطَل،هذا الذي بنزوله سينبُت الحرث وتأكل الدابة وتشرب وتنبعث الحياة في الأغصان والشجر ،وسَتُؤْكِلُ مما كلأََت طفلا وامرأة وشيخا، أيعقل أن هذه القوة الطبيعية التي ستحي أمة ، هي بحد ذاتها هي التي ستذيقني الموت وتبعث إلى هلاكي، أم هو الغرور الذي جرفني أن أغوص في الأهوال وأن أتبع الهواة في معمعة لست بالقادر عليها أو هي ضريبة الجهل.
أمسكت بالأمل الذي لاح لي تمسكت بتلابيب رقبته وعانقته كحبيب طال بعده وجَدَّ حنينه، شعرتُ بالضيق الذي شعرَ به، حين أحس بيدي تحيطُ رَقبَته وتشُلُّ حركته وتهوى به إلى مصارع الهالكين، وغصنا معا نحو القاع، ارتطم وجهي بالطين وأحسست بطعم يشبه طعم صدى الحديد منبعثا من أسناني وبات العِناق هلاكا، وگأننا في صراع بين من سينجو ، وفي ظلمةٍ سوداوية أحسست برفسات متتالية تخترق جسدي وأحيانا تَحيد قليلا، ووجدتني وحيداً ، أأكرهه حين أختار نفسه عني، أم أوبخ ذاتي لأني تعجلت الحياة فَكان لي مايُشبِه الموت،
وحدها الحركات العشوائية لِيدايَ المرتعشتين ما أبقتني في ارتفاع معقول أتنفس المياه أحيانا وتارةً ألتقف هواء لايصل الرئة من فرط ماشربت، أتقيءُ تارة في خضم الأنفاس المتسارعة بين التي تأخذ قسطها من رائحة الطين والتي تنال شرف الإنتعاشة القاتلة .
أفقت على جِذعٍ فباشرت نحوه، فهو المنقذ دون غيره، لن يرفس ولن يستَضيق، لامَسَته أناملي ومن جديد حين ضغطت بكل قوتي ترائى لي الجمع وانكشف السِّتار رأيتُ الجموع أزدادت والحركة تكثفت .
إنسل إلى أسماعي صوت أحدهم يقول.
_إنه راعي أهل فلان، تصرعه الأموج ويقاوم جرف السيول.
وطفل يقول .
_إنه يُمسك شجرة سِدْرٍ شائكة ، يده تسيل دما.
أيقنت ماذقته أنِفا...كان طعم الماء الممزوجِ بدمائي.
ندمت في لحظات الغرق على ترْكِ واجبي، ليتني كنت أعدُّ الشاي تحت ظلال الشجرة المعهودة وأهش على أغنامي وأتربص الخراف وهي تتعلم لأول مرة كيف تقطف الكلأ وتداعِب النبتة، تذكرت حينها أن أغنامي تستطيع السباحة ، أينَ أنتِ التي أهتممتُ بها أعواماً وقضيت معها أياماً وساعات أين التي لامست يدي ضرعها وشربتُ من حليبها وسقيت به عائلة كاملة، أم أن أجر الشهر الزهيد يعفيك من كل مسؤولية حلت بك.
أم أين ذلك السيد البدين،الذي لا يلبث يستدعيني ، يبوخني بإشباع الخراف لبنا وبغفلتي، أيُعقل أن هذه الحالة التي أنا فيها بسبب أني عيرته لأنفاسه المتقاطعة ولهثه حين يسترسل في السب والشتم، ماذا سيقول لعائلتي حين تودي بي هذه الأمواج إلى الهلاك؟
أم كيف الوقع على مسامعها حين تعلم أن ولدها ماتَ غريقا. كيف ستنزل دموع الشائبة وتتقطع كَبدها.. بعد أن ربَّتني أحوالاً واعتنت بي وخافَت علي من كل مكروه ، كيف ستعيش دوني..بل كيف ستستمر الأيام.
إن العجز قاتل أكثر من غمرات المياه المتلاحقة والسيل الجارف وامِتلاء الرئة من المياه الداكنة والأنفاس الخائبة، والوَهن الذي ألمَّ بجسدي وسارَ مسرى السيل بين منافِذي وأورِدَتي و في صور متعاقبة تلتقط منها العين ماستطاعت لمحت حبلا ينزل علي وصيحات تتعاقبه
--إمسك....تمسك...حاول...تستطيع
كان متقطعة كتقطع النفس الذي يعتريني ، ثم تلثم المشهد وانحل الضباب ، رأيتني وأنا أسير ببطيء نحو الأعماق أهذا هو الهلاك.
الغرق هو أكثر الحالات شيوعا في العجز القاتل حيث أن صاحبه إن لم يتلق مساعدة فورية أو معجزة تحول بينه وبين المحتوم .،مات دون حول منه ولا قوة