عنوان القصة: قسوة الحياة

عنوان القصة: قسوة الحياة

0 المراجعات

عنوان القصة: قسوة الحياة

في أحد أحياء القاهرة القديمة، وُلد "سامي" في عائلة بسيطة بالكاد تملك قوت يومها. والده كان يعمل حارسًا ليليًا في مصنع صغير، ووالدته تبيع الخضار في السوق. نشأ سامي بين جدران البيت المتشققة وأحلام أكبر من المكان والزمان.

منذ صغره، كان يرافق أمه إلى السوق، يحمل عنها السلال الثقيلة، ويساعدها في ترتيب الخضروات. ورغم تعبه، لم يكن يشكو أبدًا. بل كان يسرق لحظات بين البيع والشراء لقراءة صفحات من كتاب قديم وجده في القمامة. كان مولعًا بالعلم، يحلم أن يصبح مهندسًا، يخرج أهله من دائرة الفقر التي كبّلتهم سنوات طويلة.

نجح سامي في الإعدادية بتفوق، ثم في الثانوية بمجموع كبير، رغم الظروف القاسية. لكن القسوة الحقيقية بدأت حين مرض والده فجأة، وتوقفت يده عن العمل. أصبحت الأم عاجزة عن تغطية نفقات البيت والعلاج والدراسة معًا. اضطر سامي أن يعمل بعد المدرسة في ورشة ميكانيكا، وهناك ذاق أولى صفعات الحياة.

كان صاحب الورشة قاسيًا، يضربه لأتفه الأسباب، ويهينه أمام الزبائن. ورغم ذلك، كان سامي يتحمّل، لأنه يعلم أن كل ساعة يقضيها هناك تقرّبه خطوة من حلمه. أنهى الثانوية العامة بمعدل يؤهله لكلية الهندسة، ولكن الفرحة لم تكتمل.

قال له والده بنبرة حزينة:
"يابني، ما نقدرش. المصاريف كتير وإحنا بالكاد عايشين، حوّل لمعهد وخلاص."
لم يرد سامي، بل أغلق باب غرفته، وبكى لأول مرة منذ سنوات. شعر أن الحياة تسلبه كل شيء، حلمه، كرامته، ومستقبله.

ولكن سامي لم يستسلم. عمل في النهار، ودرس في الليل. أنهى المعهد، وتعلم البرمجة عبر الإنترنت. لم يكن يملك كمبيوتر، فكان يذهب إلى مقهى إنترنت ويجلس بالساعات يتعلّم، يكتب أكواد، ويسجّل الدورات المجانية.

وبعد سنتين من التعب، حصل على أول وظيفة عن بُعد في شركة برمجيات صغيرة. لم يصدق نفسه عندما استلم أول راتب له بالدولار. لأول مرة، اشترى لوالدته ثلاجة جديدة، ولأبيه أدوية على نفقته، واشترى لنفسه كمبيوتراً مستعملاً.

مرت السنوات، وشيئًا فشيئًا تغيّرت حياته. افتتح شركته الخاصة، وظل يساعد شباب الحيّ الذين يشبهونه، يعلمهم البرمجة، ويمنحهم فرصًا لم ينلها هو.

وفي إحدى المقابلات على التلفاز، سأله المذيع:
"ما سرّ نجاحك؟"
ابتسم سامي وقال:
"قسوة الحياة ما كانتش نهاية، كانت بداية… البداية الحقيقية."

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

3

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة