
رحلة ليلى إلى مملكة الغيوم
في قديم الزمان، في قرية صغيرة تحيط بها الجبال العالية والأنهار الجارية، كانت تعيش طفلة تُدعى ليلى. ليلى كانت محبوبة من الجميع، ليس لأنها فقط لطيفة ومهذبة، بل لأنها كانت تملك فضولاً لا ينتهي وحباً عظيماً لاكتشاف العالم من حولها. كانت تنظر دائماً إلى السماء وتقول:
"أمي، هل تعتقدين أن الغيوم مدن صغيرة يعيش فيها ناس مثلنا؟"
فتضحك أمها وتجيب:
"ربما يا ليلى، ربما تكون هناك عوالم لا نراها."
لكن ليلى لم تكتفِ بتلك الإجابة. في قلبها كانت تؤمن أن وراء الغيوم أسراراً عظيمة تنتظر من يكتشفها.
بداية المغامرة
في إحدى الليالي، بينما كانت القرية غارقة في النوم، سمعت ليلى صوتاً غريباً يأتي من النافذة. فتحت عينيها، وإذا بضوء أزرق لامع يملأ غرفتها. اقتربت بخطوات خفيفة، فرأت أمامها طائراً ضخماً من نور، بجناحين يشعّان كالقمر.
قال الطائر بصوت هادئ:
"ليلى، لقد سمعتُ نداء قلبك. أنتِ تريدين اكتشاف ما وراء الغيوم، أليس كذلك؟"
أجابت ليلى بدهشة وفرح:
"نعم، نعم! أريد أن أعرف ما الذي يختبئ هناك."
ابتسم الطائر وقال:
"إذاً، تمسكي بريشي، وسآخذك إلى حيث لا يجرؤ أحد على الوصول."
لم تتردد ليلى، أمسكت بريش الطائر النوراني، وفجأة ارتفعت بهما الرياح، وطارا فوق القرية والجبال والأنهار، حتى اخترقا الغيوم البيضاء. كانت ليلى تشعر وكأنها تطير في حلم جميل.
مملكة الغيوم
حين اخترقا الضباب الكثيف، ظهرت أمام ليلى مملكة عظيمة، كلها مصنوعة من غيوم ناصعة البياض. القصور شامخة كالجبال، الجسور متلألئة كقوس قزح، والحدائق مليئة بزهور تطفو في الهواء بدلاً من أن تنبت في الأرض.
وفي منتصف المملكة، كان هناك قصر ضخم يضيء كالشمس. عند بوابته، وقفت جنية صغيرة لها أجنحة شفافة كالزجاج.
قالت الجنية:
"مرحباً بكِ يا ليلى في مملكة الغيوم! نحن ننتظرك منذ زمن طويل."
تعجبت ليلى وسألت:
"تنتظرونني؟ لكنني لم آتِ إلى هنا من قبل."
أجابت الجنية مبتسمة:
"كل طفل يملك قلباً نقياً وفضولاً جميلاً يُدعَى إلى هنا يوماً ما. والآن جاء دورك."
سر المملكة
قادتها الجنية إلى قاعة القصر، حيث جلس ملك الغيوم على عرش من الضياء. كان طويلاً ذا لحية بيضاء، وعينيه تلمعان كنجمتين.
قال الملك بصوت عميق:
"ليلى، لدينا سر عظيم. مملكتنا في خطر. هناك ريح سوداء تحاول أن تبتلع الغيوم، وإذا نجحت، ستختفي المملكة إلى الأبد. نحتاج إلى شجاعة قلب بشري لينقذنا."
شعرت ليلى بالخوف قليلاً، لكنها تذكرت دائماً ما كانت أمها تقول: "الشجاعة ليست أن لا نخاف، بل أن نواجه خوفنا."
فسألت الملك:
"وماذا عليّ أن أفعل؟"
قال الملك:
"يجب أن تحصلي على ثلاث جواهر سحرية، مخبأة في أماكن مختلفة من مملكتنا. كل جوهرة تحمي الغيوم من الظلام. لكن الحصول عليها ليس سهلاً، عليكِ أن تثبتي صدقك وقوة قلبك."
المهمة الأولى: جوهرة الرياح
قادت الجنية ليلى إلى جبل ضخم من الغيوم، يعلوه دوامة رياح قوية تكاد تبتلع كل من يقترب.
قالت الجنية:
"الجوهرة الأولى هنا، لكنها محمية برياح هائجة. عليكِ أن تهدئيها."
اقتربت ليلى بخوف، لكنها تذكرت أن الرياح مثل الأطفال، لا تهدأ إلا إذا شعرَت بالحنان. فجلست على الأرض، وأخذت تغني أغنية صغيرة كانت أمها تغنيها لها قبل النوم.
فجأة، بدأت الرياح تضعف، وصارت تدور ببطء، ثم توقفت تماماً. وسط السكون، ظهرت جوهرة خضراء لامعة. أمسكتها ليلى بفرح.
المهمة الثانية: جوهرة الضوء
ذهبت ليلى إلى وادٍ عجيب كله مظلم رغم أنه في وسط الغيوم البيضاء. في قلب الوادي، كانت هناك جوهرة صفراء محبوسة داخل صندوق أسود.
قالت الجنية:
"لكي تحرريها، عليكِ أن تنشري النور في هذا المكان."
فكرت ليلى قليلاً، ثم تذكرت المصباح الصغير الذي تحمله دائماً معها. أشعلته، لكنه كان ضعيفاً جداً. فأغمضت عينيها، وتذكرت لحظات السعادة: ضحكة أبيها، عناق أمها، أصدقاءها يلعبون معها.
كلما تذكرت شيئاً جميلاً، ازداد ضوء المصباح حتى أضاء الوادي كله، وتلاشى الصندوق الأسود، وظهرت الجوهرة.
المهمة الثالثة: جوهرة الشجاعة
أما المهمة الأخيرة فكانت الأصعب. أخذتها الجنية إلى غابة من الغيوم السوداء، حيث يسكن التنين العاصف، مخلوق ضخم ينفث الريح والبرق. وكان يحرس الجوهرة الحمراء.
ارتجفت ليلى قليلاً، لكنّها تقدمت بخطوات ثابتة. عندما رأى التنين دخيلة، زأر بصوت جعل الغيوم ترتجف.
لكن ليلى لم تهرب. رفعت يدها وقالت:
"أنا لم آتِ لأؤذيك، بل لأحمي مملكتك أيضاً. إذا التهمت الريح السوداء الغيوم، فلن يبقى لك مكان تعيش فيه."
نظر إليها التنين بدهشة. لم يعتد أن يقف أحد أمامه دون خوف. وبعد لحظة صمت، تنهد وقال:
"أنتِ تملكين قلباً لا يعرف الكره. خذي الجوهرة، فأنا أثق بك."
وهكذا حصلت ليلى على الجوهرة الثالثة.
الانتصار والعودة
عادت ليلى مع الجنية إلى القصر، حيث وضع الملك الجواهر الثلاث في تاجه السحري. فجأة، أضاءت المملكة كلها بألوان زاهية، وتلاشت الريح السوداء تماماً.
قال الملك وهو يبتسم:
"لقد أنقذتِ مملكتنا يا ليلى. شجاعتك ستظل خالدة في سمائنا."
اقتربت الجنية من ليلى وهمست:
"لكن حان الوقت للعودة إلى عالمك. لا تنسي أبداً أن القوة الحقيقية ليست في السحر، بل في قلبك."
ركبت ليلى الطائر النوراني من جديد، وعادت إلى غرفتها قبل أن يطلع الصباح. وعندما استيقظت، تساءلت: هل كان ذلك حلماً؟
لكنها ابتسمت حين رأت تحت وسادتها ريشة مضيئة من جناح الطائر.
العبرة
ومنذ ذلك اليوم، عرفت ليلى أن الخيال ليس مجرد أوهام، بل هو باب يقودنا إلى الشجاعة والأمل. وكلما رأت الغيوم في السماء، ابتسمت، لأنها تعلم أن هناك مملكة جميلة خلفها، تنتظر قلوباً نقية مثل قلبها.