حين يقود الفأرُ القط.

حين يقود الفأرُ القط.

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

 

في أحد الأحياء القديمة، كان يعيش قط رمادي يُدعى ظِلّ. لم يكن مثل بقية القطط، فقد فقد بصره بعد حادثٍ صغير حين كان ما يزال حديث الولادة. ومع ذلك، لم يتوقف عن التجوّل في الأزقة، معتمدًا على حاسة سمعه القوية، وعلى ذاكرته التي تحفظ تفاصيل كل زاوية. كان يعرف خطوات الناس، صرير الأبواب، وحتى أصوات الريح حين تمر بين الحجارة. لكن معاناته الحقيقة كانت الوحدة؛ فالقطط الأخرى تجنبت اللعب معه، واعتبرته عاجزًا.

وذات ليلةٍ باردة، بينما كان ظِلّ يبحث عن فتات طعام قرب مخزن قديم، سمع صوتًا خافتًا يتسلّل من بين الأكياس. توقف، أنصت، ثم قال:

– “أعرف أنك هناك. لا تخافي.”

خرج فأر صغير بني اللون، يرتجف من الخوف. قال بتردد:

– “أنا… لم أقصد إزعاجك، فقط أبحث عن شيء آكله.”

ابتسم ظِلّ ابتسامة هادئة:

– “لا تقلقي. أنا لا أرى حتى ألحق بكِ لو أردتُ. ثم إنني لست جائعًا بما يكفي اليوم.”

تفاجأ الفأر من صدق القط. اسمها كان نُقطة. ومنذ تلك الليلة، بدأت علاقة غريبة تتكوّن. صارت نقطة تزور ظِلّ كل مساء، وتصف له العالم من حوله: شكل القمر، ألوان الغروب، وحتى تفاصيل الزهور التي تنمو قرب الجدار المكسور. أما ظِلّ، فكان يحمي نقطة من القطط الأخرى ويعطيها من الطعام الذي يجده.

ومع مرور الأيام، صارت نقطة بمثابة "عينين" لصديقها الأعمى. كانت تقوده حين يريد العبور، وتحذره من الحفر أو العربات. وفي المقابل، كان ظِلّ يمنحها شعورًا بالأمان لم تعرفه من قبل.

لكن الاختبار الحقيقي لصداقتهما جاء ذات صباح. فقد سمعت نقطة صوت قطة ضخمة اسمها مخلب، عُرف عنها أنها لا ترحم أحدًا، خاصة الفئران. رآها تتسلل إلى الزقاق حيث ينام ظِلّ بسلام. ارتبكت نقطة ، لكنها لم تتردد. اقتربت بسرعة وهمست في أذن صديقها:

– “انهض! هناك خطر!”

استيقظ ظِلّ ورفع أذنيه، منصتًا. كانت خطوات مخلب ثقيلة، وصوت تنفسها غاضبًا. قالت نقطة بسرعة:

– “اتبع صوتي. يمين… الآن يسار… اقفز!”

وبالفعل، قفز القط الأعمى برشاقة، متفاديًا هجوم خصمه الأول. استمرت نقطة في توجيهه كأنهما جسد واحد. ومع كل حركة، كان مخلب يزداد غضبًا. وفي النهاية، سقطت القطة الضخمة في برميل ماء فارغ كان في طرف الزقاق، بينما هرب ظِلّ بعيدًا بقيادة الفأر.

image about حين يقود الفأرُ القط.

 

جلس الصديقان بعد الحادث يلتقطان أنفاسهما. قال ظِلّ وهو يبتسم:

– “من كان يصدق أن فأرًا صغيرًا سيكون بطلي؟”

ضحكت نقطة بخجل:

– “ومن كان يصدق أن قطًا أعمى سيكون صديقي الوحيد؟”

منذ ذلك اليوم، صار أهل الحي يرون المشهد الغريب: قط يسير بهدوء، وفأر يركض أمامه كأنه دليلٌ مخلص. لم يعد ظِلّ وحيدًا، ولم تعد نقطة ضعيفةً. فقد وجدا معًا ما لم يجداه في عالمهما: الصداقة الحقيقية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-