البيت الذي يبتلع الأرواح

البيت الذي يبتلع الأرواح

Rating 0 out of 5.
0 reviews

image about البيت الذي يبتلع الأرواحالبيت الذي يبتلع الأرواح

 

كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حينما توقفت سيارة الأجرة القديمة أمام قصرٍ مهجور في أطراف القرية. نزلت “ريم” وهي تحتضن معطفها، تنظر إلى المبنى العتيق بعينين متردّدتين. كانت السماء ملبّدة بالغيوم، والهواء البارد يتسلل بين الأشجار اليابسة، يصدر صفيراً مخيفاً أشبه بالعويل.

جاءت ريم إلى هذا المكان بعد مكالمة غامضة من خالتها "سميرة"، التي لم تسمع عنها شيئاً منذ سنوات. في الهاتف قالت بصوتٍ مرتجف:
"تعالي بسرعة… هناك أسرار يجب أن تعرفيها عن عائلتك… قبل أن يفوت الأوان."

لم تستطع ريم تجاهل الكلمات. الفضول والخوف دفعاها إلى الحضور.


 بوابة الصمت

دفعت ريم الباب الحديدي المتهالك، فأصدر صريراً طويلاً كأنّه أنين كائن يحتضر. خلف البوابة كان القصر يقف شامخاً، جدرانه متشققة، نوافذه محطمة، كأن الزمن نسيه عمداً.

تقدمت بخطواتٍ حذرة نحو الباب الخشبي الرئيسي. فجأة، سقط غراب أسود من فوق العمود الحجري أمامها، عيونه الحمراء تحدّق فيها وكأنّه يحذرها من الدخول.

لكنها لم تتراجع. رفعت يدها وطرقت ثلاث طرقات. لم يجب أحد. حين دفعت الباب، انفتح ببطءٍ غريب كأنّه كان ينتظرها.


 الممر المظلم

دخلت إلى القاعة الرئيسية، فاستقبلها غبار كثيف ورائحة عفن. الثريا الكبيرة المتدلية من السقف كانت متأرجحة ببطء رغم سكون الهواء.

في الممر الطويل، لاحظت صوراً قديمة معلّقة على الجدران. وجوه أفرادٍ من عائلتها، لكنها شعرت أن عيونهم تلاحقها. إحدى الصور أظهرت رجلاً بملامح قاسية، عيناه غائرتان، وفمه منكمش في ابتسامة ساخرة. كان يشبه والدها المتوفى… لكن ليس تماماً.

من بعيد، سمعت خطواتٍ خافتة. نادت:
"خالة سميرة؟"
لم يجب أحد. فقط صدى صوتها يعود إليها مشوهاً.


 الغرفة الحمراء

بعد دقائق من البحث، وصلت إلى غرفة بابها مطلي بلونٍ أحمر باهت. حين حاولت فتحه، أحست ببرودة مفاجئة تسري في جسدها. الباب فتح وحده، وكأنّ قوة خفية تدعوه.

في الداخل، وجدت خالتها "سميرة" جالسة على كرسي خشبي، شعرها أشعث، وجهها شاحب كالموتى.
قالت بصوتٍ متقطع:
"ريم… تأخرتِ… لكنه لم يتأخر…"

اقتربت ريم بخوف وسألتها:
"من… من لم يتأخر؟"

لكن فجأة ارتج جسد سميرة، وبدأت عيناها تتسعان كأنها ترى شيئاً مرعباً خلف ريم. قبل أن تلتفت، انطفأ القنديل المعلق، وغرقت الغرفة في الظلام.


الهمسات

في العتمة، سمعت ريم همسات متقطعة، غير مفهومة، لكن كلمات مثل "الدم" و"العهد" كانت واضحة.
أشعلت ضوء هاتفها، لكنها لم تجد خالتها. الكرسي فارغ، يتأرجح وحده.

بدأت تلهث بخوف، وقررت الخروج. لكنها حين فتحت الباب، وجدت أن الممر قد تغيّر. لم يعد كما رأته أول مرة. أصبح أطول، جدرانه مغطاة بكتابات سوداء ملتوية تشبه الطلاسم.

أخذت تمشي بسرعة، لكن الخطوات وراءها تكررت. التفتت… لا أحد.
ثم ظهر ظل أسود طويل على الجدار، يتحرك وحده مخالفاً لحركتها.


 السر المدفون

بعد تيه طويل، وصلت إلى مكتبة ضخمة. رفوف عالية مليئة بالكتب القديمة، ورائحة الورق المحترق تنتشر في المكان. على الطاولة، وجدت دفتر جلدياً أسود. فتحته، فقرأت:

"كل جيل من هذه العائلة يجب أن يقدم قرباناً… روحاً بريئة تُسلَّم للبيت… وإلا سينهار الحاجز، وتتحرر اللعنة."

تجمدت ريم. هل هذه هي الحقيقة التي أرادت خالتها كشفها؟ هل عائلتها ارتبطت بعهد شيطاني؟

فجأة، سقطت إحدى الكتب من الرف تلقائياً. عندما التقطته، وجدت بداخله صورة قديمة لها وهي طفلة صغيرة، لكن على الصورة كانت مرسومة علامة دموية غريبة فوق عينيها.


 المرآة

خرجت مهرولة من المكتبة لتجد نفسها أمام مرآة ضخمة في نهاية الممر. نظرت فيها فرأت انعكاسها، لكن شيئاً لم يكن طبيعياً.

انعكاسها ابتسم ابتسامة شريرة، بينما وجهها الحقيقي كان متجمداً من الخوف. ثم بدأ الانعكاس يمد يده من داخل المرآة، يحاول جذبها للداخل.

صرخت ريم وتراجعت للخلف، فاصطدمت بجسد بارد. التفتت لتجد خالتها سميرة، لكن عينيها كانتا سوداوتين بالكامل.
قالت بصوتٍ أجش لا يشبهها:
"أنتِ القربان… منذ ولادتك كان مصيرك مكتوباً."


 المطاردة

بدأت سميرة تتحرك بخطوات ملتوية، وجسدها يختلج كدمية مكسورة. ريم ركضت بكل قوتها عبر الممرات، لكن القصر كان يتغيّر باستمرار. الأبواب تغلق وحدها، والجدران تضيق عليها.

من كل زاوية، كانت تسمع أصوات ضحكات أطفال، وصوت رجل يهمس:
"لن تهربي… الدم ينادي الدم."

وصلت أخيراً إلى القاعة الرئيسية، حيث الثريا تتأرجح بعنف. الباب الذي دخلت منه لم يعد موجوداً، فقط جدار صلب.


 المواجهة

في منتصف القاعة، ظهر الرجل الذي رأته في الصورة، بنفس الملامح الباردة. قال:
"أنا جدك… أنا من عقد العهد… وأنتِ من سيدفع الثمن."

بدأ الظلام يلتف حول ريم، كأنه أيدٍ سوداء تحاول سحبها للأسفل. لكنها تذكرت الدفتر الأسود. بسرعة أخرجته وصرخت:
"لن أكون قربانكم! سأكسر العهد!"

مزقت الصفحات بيديها، وفجأة تعالت صرخات حادة من الجدران، وبدأت الأرض تهتز. الرجل اختفى، وخالتها سقطت على الأرض فاقدة الوعي.


 الخروج

فتح فجأة شق في الجدار، أضاء بنورٍ أبيض. لم تفكر ريم، ركضت وهي تسحب خالتها معها. عبرت الشق، لتجد نفسها في الخارج، أمام القصر الذي بدا هذه المرة رمادياً محترقاً، وكأنه انهار منذ زمن بعيد.

التفتت لترى أن خالتها قد استيقظت، تبكي وتقول:
"سامحيني… لم أستطع حمايتك."

لكن ريم لم تجب. كانت تنظر إلى يديها… لا تزال ملطخة بدمٍ أسود، لم يكن لها.


 

عادت ريم إلى منزلها في المدينة، تحاول أن تنسى ما حدث. لكن كل ليلة، حين تنظر في المرآة، ترى انعكاسها يبتسم ابتسامة لم ترتسم على وجهها أبداً.

وفي إحدى الليالي، كتبت في دفترها الشخصي:
"أشعر أن العهد لم ينكسر… أشعر أنه بداخلي الآن."

ثم أغلقت الضوء… ولم تفتحه مرة أخرى.

 


comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

1

followings

1

similar articles
-