"قمر في حقيبة ظهر"

"قمر في حقيبة ظهر"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

"قمر في حقيبة ظهر"

في قريةٍ صغيرةٍ تُحيط بها التِّلال من كلِّ الجهات، كان هناك طفلٌ اسمه سُهيل، يختلف عن باقي الأطفال. لم يكن يحبّ اللعب في الحارات، ولا تسلّق الأشجار، ولا حتى ركوب الدرّاجات، بل كان يحب الجلوس على التلّ العالي، يراقب السماء لساعات طويلة، وكأنه ينتظر شيئًا ما.

الغريب في سُهيل أنه كان لا يُفارق حقيبته الزرقاء أبداً، حتى في العُطل، وحتى حين يذهب للنوم عند جدته. كانت الحقيبة ترافقه كما يرافق الظل صاحبه.

كان أهل القرية يظنّون أن في الحقيبة ألعابًا أو كتبًا، وربما أسرارًا صغيرة يحتفظ بها، كما يفعل الأطفال. لكن لا أحد تجرأ على سؤاله. فسهيل كان هادئًا، مهذّبًا، وله نظرة عميقة تجعل الكبار يصمتون أمامه دون أن يدروا لماذا.

لكن الحقيقة التي لا يعرفها أحد، هي أن سُهيل كان يحمل في حقيبته... القمر.

نعم، القمر نفسه، أو على الأقل جزءًا منه. ضوء ناعم، مستدير، صغير، كأنك اقتطعت خصلة من نور السماء ووضعتها في يد طفل.

بدأ كل شيء في ليلةٍ باردةٍ من ليالي الشتاء، حين انقطعت الكهرباء عن القرية. عمّ الظلام، واختفى الدفء. خرج سُهيل إلى الحديقة، نظر إلى السماء، وهمس للقمر كأن بينهما عهد قديم:

"كلّ شيء مظلم هنا. هل يمكنك أن تنزل قليلاً؟ فقط هذه الليلة؟"

وفجأة، سقط شعاع رقيق من القمر، كأنه سمع النداء. تدلّى في الهواء، وراح يقترب ببطء حتى استقر بين كفَّي سُهيل. لم يكن ساخنًا، بل دافئًا، مثل حضن أمّ، أو قصة تُروى قبل النوم.

أخفى سُهيل ذلك الضوء في حقيبته. لم يُخبر أحدًا. ومنذ تلك الليلة، صار يخرج كل مساء متسللاً من البيت، يذهب إلى بيوت الجيران، خاصة أولئك الذين يشعرون بالحزن أو التعب. يفتح الحقيبة قليلاً، فقط قليلاً، ليخرج النور، ثم يغلقها بسرعة، كأنه يحمي كنزًا ثمينًا.

وفي كل بيت، كان يحدث شيء جميل. الأطفال يضحكون دون سبب، كبار السن ينامون بهدوء، حتى النباتات في الزوايا كانت تبدو أكثر خضرة في الصباح.

مرّت الأيّام، وسُهيل يوزّع النور دون أن يقول كلمة. لم يكن بحاجة للكلام، فالنور يتكلم بلغته الخاصة. لم يسأل أحد من أين يأتي ذلك الضوء، بل صار الجميع يقولون:

"حين يأتي سُهيل، يأتي معه شيء لا يُرى... لكنه يُحس."

لكن النور، مثل أي شيء حيّ، يتعب. وبعد أشهر من العطاء، بدأ يضعف شيئًا فشيئًا. صار خافتًا، يتردد في الخروج من الحقيبة. وذات ليلة، حين زار سهيل الطفل المريض "ريان"، فتح الحقيبة... فلم يخرج منها شيء.

جلس سهيل بجوار السرير، ورفع عينيه إلى السماء، وهمس للقمر:

"أعتقد أنني استخدمته كثيرًا... هل يمكن أن تعيده إليّ؟ فقط مرة واحدة، من أجل ريان؟"

لم يُجب القمر، لكن شيئًا غريبًا حدث. ضوء خافت بدأ يخرج من صدر سُهيل نفسه. لم يكن من الحقيبة، بل من قلبه. امتدّ إلى الغرفة، ثم إلى ريان، الذي ابتسم لأول مرة منذ أيام.

منذ تلك الليلة، لم يعد سهيل بحاجة إلى الحقيبة. صار النور فيه، في صوته، في خطواته، في حضوره. أينما ذهب، أضاء المكان دون أن يحمل شيئًا.


الرسالة من القصة:

ليس علينا أن نمتلك القمر لنُضيء حياة الآخرين. أحيانًا، كل ما نحتاجه هو قلب صادق، ونيّة طيبة، لنكون نورًا لمن حولنا.

image about
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-