التنمر المدرسى يدمر الاطفال

التنمر المدرسى يدمر الاطفال

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

في مدينة صغيرة هادئة، كانت توجد مدرسة تُدعى النور الحديثة. في تلك المدرسة، درس فتى في الصف السابع اسمه يوسف. لم يكن يوسف ضعيفًا، لكنه كان هادئًا بدرجة لافتة. كان يحب القراءة بدرجة تجعله يقضي وقت الفسحة في ظل شجرةٍ كبيرة، يقلب صفحات كتبه وكأنه ينتقل بين عوالم مختلفة.

كان لدى يوسف عادة غريبة قليلًا: يحمل دفترًا أسود صغيرًا، يكتب فيه خواطره وأفكاره ورسومات بسيطة توضح العالم كما يراه هو. لم يكن يخبر أحدًا عن هذا الدفتر، فقد كان يشعر أنه المكان الوحيد الذي يستطيع أن يكون فيه صادقًا تمامًا.

لكن في الصف السابع، لم يكن هدوء يوسف شيئًا يمرّ بسلام. كان هناك ثلاثة طلاب يقودهم ولد اسمه رامي—رياضي، قوي البنية، ذو شعبية واسعة، لكنه متهور ويجد متعة غريبة في إظهار سلطته على الآخرين. رامي رأى في يوسف هدفًا مثاليًا: فتى لا يردّ، لا يشتكي، ولا يدافع عن نفسه.

الفصل الأول: بداية العاصفة

بدأ الأمر كلماتٍ ساخرة:

“يا فيلسوف!”

“مافيش غير الكتب؟”

“اتكلم! انت مش آدمي ولا إيه؟”

يوسف كان يكتفي بابتسامة باهتة أو هدفًا ثابتًا نحو الأرض، فيزداد رامي جرأة. تحوّلت الكلمات إلى دفع خفيف في الممر، ثم إلى إخفاء أدوات يوسف، ثم إلى تمزيق أحد كتبه.

لكن اللحظة التي كسرت يوسف حقًا كانت عندما أمسك رامي بالدفتر الأسود. حاول يوسف أن يستعيده، لكنه كان أضعف من أن يقف أمام ثلاثة.

فتح رامي الدفتر وقرأ بصوت مرتفع:

“أحيانًا أشعر أني غير مرئي…
لو اختفيت، لن يلاحظ أحد.”

صار الممر كله صامتًا، لكنه صمتٌ من النوع الذي يزيد الألم. ضحك رامي وقال بصوت مرتفع:

“طب جرّب تختفي! يمكن الدنيا ترتاح.”

انهارت روح يوسف. لم يبكِ أمامهم… لكنه في ذلك اليوم لم يذهب عند ظل الشجرة، ولم يفتح كتابًا في البيت. قال لوالدته إن لديه صداعًا، لكنه كان يعرف أن السبب ليس ألمًا في الرأس… بل في القلب.

الفصل الثاني: الشرخ الصامت

مرت أيام أصبح فيها يوسف أكثر انعزالًا. درجاته انخفضت، ابتساماته تلاشت، ونومه أصبح مضطربًا. لاحظت معلمته أستاذة هالة الأمر جيدًا. كانت معروفة بحساسيتها تجاه الطلاب، لكن يوسف لم يكن يتحدث كثيرًا، ولم تكن تعرف ما حدث بالكامل.

في أحد الأيام، قررت التحدث إليه بعد الحصة:

“يوسف… أنا شايفة إنك مش بخير، وده طبيعي. لو فيه حاجة مضايقاك، أنا موجودة.”

لم يجب. ظلّ ينظر إلى الأرض طويلًا، ثم قال بصوت متقطع:
“مش هينفع… محدّش هيصدقني.”

في تلك اللحظة، أدركت أستاذة هالة أن الأمر كبير، لكنها لم تضغط عليه. فقط قالت:
“لما تكون جاهز… أنا هنا.”

image about التنمر المدرسى يدمر الاطفال

الفصل الثالث: لحظة الانفجار

حدث التغيير عندما جاء يوم التقديم السنوي للمواهب في المدرسة. كانت كل الفصول ستعرض شيئًا: مسرحيات، أغاني، عروض رسم… إلخ.

طلبت المعلمة من كل طالب اختيار دور. يوسف كتب:
“لا أستطيع المشاركة.”

لكن في الليلة السابقة للعرض، ظل مستيقظًا يحدّق في الدفتر الأسود. شعر أن حروفه المسروقة ما زالت تصرخ فيه. وفجأة، اتخذ قرارًا لم يفكر فيه من قبل.

في اليوم التالي، طلب من أستاذة هالة الظهور على المسرح منفردًا. تعجّبت لكنها وافقت.

وقف يوسف أمام الجميع. كانت يداه ترتعشان، وصوته يرتجف، لكنه بدأ يقرأ من دفتر صغير أعاد كتابته من الذاكرة:

“إلى كل شخص ظنّ أن الصمت يعني الضعف…
إلى كل شخص تظاهر بأنه بخير وهو ينهار من الداخل…
إلى كل من يخاف أن يتكلم…

أنا كنت واحدًا منكم.

كنت أتعرض للأذى… ليس لأنني ضعيف، ولكن لأنني ظننت أن الصمت يحل المشكلة.
لكنه لم يفعل… فقط جعلني أختفي أكثر.”

هنا بدأ همس بين الصفوف. كثيرون فهموا من يقصد… ومن المقصود.
يوسف رفع رأسه لأول مرة أمام الجميع، وقال:

“أنا مش طالب منكم تشفقوا عليّ…
أنا بس عايز أقول:
الكلام قوة…
وإن كل واحد فينا يستحق يكون آمن في المكان اللي بيدرس فيه.”

عمّ صمت ثقيل القاعة… لكن هذه المرة كان صمت احترام.

الفصل الرابع: السقوط واليقظة

بعد العرض، اقترب رامي من يوسف. لأول مرة كان وجهه خاليًا من التحدي.
قال بصوت منخفض:

“أنا… ماكنتش أعرف إن الموضوع وصل لكده.”

نظر إليه يوسف مطولًا. لم يرد بغضب ولا خوف. فقط قال:

“كنت تعرف إني بتأذّى. لكن مكنتش فاكر إنك يهمّك.”

كانت الكلمات كفيلة بأن تهز شيئًا داخله. في الأيام التالية، ذهب رامي بنفسه إلى الأخصائية الاجتماعية واعترف بكل ما فعله. لم يكن إجبارًا… كان صحوة ضمير.

عوقب بالطبع، لكن أحدًا لم يتوقع ما حدث بعد ذلك:
بدأ رامي يعتذر ليوسف بطرق جديدة—ليس بالكلام، بل بالأفعال.
ساعده في حمل كتبه، منع الآخرين من مضايقته، بل أصبح يدافع عن أي طالب يتعرض للأذى.

الفصل الخامس: شمس جديدة

لم يصبح يوسف ورامي صديقين. العلاقة كانت أعمق من ذلك… كانت علاقة “فهم”. فهم أن القوة ليست عضلات، وأن الصوت ليس صراخًا.

عاد يوسف يقرأ تحت الشجرة… لكن هذه المرة لم يكن وحده.
كان هناك طلاب يجلسون قربه، يسألونه عن الكتب، يستمعون لكتاباته، وبعضهم يطلب أن يقرأ من دفتريه.

وفي آخر صفحة من دفتره الجديد، كتب:

“أقسى الحروب تلك التي نخوضها بصمت.
وأشجع الجنود هم الذين يقررون أن يتكلموا.”

.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
yata3pne تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.